بلسم روح الحياة

فضاء لمن هب ودب

u062au0647u0627u0646u064a u0627u0644u0645u0637u064au0631u064a
تهاني المطيري
تصغير
تكبير
منذ فترة ليست ببعيدة كان الناس يتواصلون ويصلون أرحامهم عن طريق تبادل الزيارات، وإذا ما شقت عليهم المسافات كانت الرسالة والهاتف هي وسيلتهم للتواصل، فيكفي أن تسمع صوت من تحب لتطمئن عليه وتطمنه عنك.وبسرعة لم نكن لنتخيلها ولا حتى في أفلام الخيال العلمي، وجدنا أنفسنا محاطين بوسائل وأدوات تجعل الأهل والأصدقاء ولو كانوا في آخر المعمورة يعيشون بيننا، نراهم ونحادثهم ونتحاور معهم، ولم يعد الأمر مقتصراً على معارفنا من الناس بل تعداه إلى كثير من البشر على اختلاف مشاربهم وأجناسهم. كل ذلك بفضل ما سُمي بمواقع أو وسائل التواصل الاجتماعي أو وسائل الإعلام المجتمعي (social media).

ولم تعد وسائل الإعلام التقليدية كالصحف والإذاعة والتلفزيون لديها القدرة الفاعلة في التأثير على الرأي العام، بل أصبحت هي نفسها تعتمد في كثير من الأحيان على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي أصبحت فضاءً مفتوحاً لمن هب ودب، فيها القيّم والنفيس وفيها الغث، وكل يعرض بضاعته ويروج لأفكاره.وعلى الرغم من أهمية هذه الوسائل في تبادل المعلومات بين الأفراد والبشر، والتواصل مع قيادات المجتمع السياسية والاجتماعية والدينية وما فتحته للمرأة من مشاركة ومساهمة في الحياة السياسية والاجتماعية. إلا أنها تعرضت أيضاً لسوء الاستخدام، حيث يمكن عن طريقها الترويج للأفكار والأكاذيب وتفتقر إلى المصداقية، والمعلومات غير الموثقة، وتساهم في التقوقع السياسي والأيدلوجي والمذهبي والقبلي وقد تروج للعنصرية والإرهاب، وبسبب اختلاف الأذواق والتوجهات فإننا كثيراً ما نشاهد خلال هذه المواقع مواضيع قد نعتبرها سخيفة وغير ذات أهمية لكنها تحظى بمتابعة واستحسان لكثير من المتابعين، وهذا بدوره يساعد أصحابها على عرض وتسويق منتجاتهم، وهو أمر أصبح مباحاً في عصر الديموقراطية وانتشار الحريات واختلاف الاهتمامات والأذواق «فلولا اختلاف الأذواق لبارت السلع». قد يُزعج هذا الأمر كثيراَ من المثقفين والتربويين وأصحاب الاختصاص خصوصا في مجالات العلوم الحياتية والسلوكية، وقد يرون فيه انهياراً للقيم والمبادئ التي يجب أن تسود المجتمع، حيث يعتقد الكثير أن كثرة المتابعين لبعض الحسابات والذي قد يُشكل عددهم أرقاماً كبيرة وخيالية مقارنة لما يقدمونه على مواقع التواصل الاجتماعي هو دليل على أهمية هذه الحسابات، ما يساعد على انتشار رؤى وأفكار أصحابها وشهرتهم.وهذا بدوره يشجع الأفراد والشركات للاستفادة من هذه الحسابات وأصحابها لعرض وترويج منتجاتهم، وهو أمر لا بأس فيه، وهذا حقهم في فضاء مفتوح بلا شروط ولا حدود، ولا يستطيع أحد أن يسلبهم هذا الحق. ولكن ربما ينعكس الأمر ويسبب إحباطاً لمن يحملون رسائل وأفكاراً هادفة بسبب المقارنة في عدد المتابعين، وهو أمر لا نحبذه لأنه من حق كل شخص أن يعرض بضاعته في هذا الفضاء المفتوح للجميع.

في النهاية لن يصح إلا الصحيح، وستبقى هذه الظواهر مجرد فقاعات تظهر وتختفي، وكل يوم سنتفاجئ بأفكار وظواهر جديدة ما تلبث أن تزول وتختفي، ويبقى الثمين والقيّم. فمنذ خُلق الإنسان اختفى كثير من المظاهر، وبقى ما ينفع الناس.

ونقول للغيارى على مجتمعاتهم ان قلة المتابعين لا تعني سوء المنتج، فسرعان ما يزول غبار الوهم والغفلة والتقليد الأعمى، وتبقى القيم الراسخة والأفكار البناءة وإن قل الداعمون والمؤيدون لها، ودائماً المراهنة تكون على الوعي والقناعات الحقيقية الصادقة.

* مدرب الحياة والتفكير الإيجابي

Twitter: t_almutairi

Instagram: t_almutairii

Email: [email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي