من الإعجاز اللغوي والبياني للقرآن الكريم
البصر والبصيرة...
البصيرة تكشف الحقيقة
حاسة البصر نافذة من نوافذ المعرفة بها نرى الأشياء التي تقع تحت نظرنا فنميزها تمييزاً أولياً
كثير من المآسي تكون نتيجة الهوة العميقة بين البصر والبصيرة ... بين رؤية الشيء والقدرة على إدراكه
البصيرة هي الحجة والاستبصار في الشيء ونفاذها يعني قوة الفراسة وشدة المراس وقوة الحنكة والقدرة على تخطي العقبات
يؤكد القرآن الكريم أن الذي يمشي سوياً ببصره وبصيرته أهدى من المنكبّ على وجهه الذي لا ينتفع ببصره في المشي ولا ببصيرته
عمل البصيرة الإيمانية في قلب المؤمن كعمل كشاف ضوء منير وسط ظلمة حالكة فهي التي تكشف الأشياء على حقيقتها
كثير من المآسي تكون نتيجة الهوة العميقة بين البصر والبصيرة ... بين رؤية الشيء والقدرة على إدراكه
البصيرة هي الحجة والاستبصار في الشيء ونفاذها يعني قوة الفراسة وشدة المراس وقوة الحنكة والقدرة على تخطي العقبات
يؤكد القرآن الكريم أن الذي يمشي سوياً ببصره وبصيرته أهدى من المنكبّ على وجهه الذي لا ينتفع ببصره في المشي ولا ببصيرته
عمل البصيرة الإيمانية في قلب المؤمن كعمل كشاف ضوء منير وسط ظلمة حالكة فهي التي تكشف الأشياء على حقيقتها
حول البصر والبصيرة وتعريفهما وبيان الفرق بينهما، وإدراك الإعجاز البلاغي واللغوي للقرآن الكريم في هذا المجال، كتب الدكتور محمد السقا عيد اخصائي جراحة العيون عضو الجمعية الرمدية المصرية، بحثاً علمياً ممتازاً يستحق العرض للاستفادة منه جاء فيه:
البصر هو إحدى الحواس الخمس التي ندرك بها العالم حولنا نتأثر به ونؤثر فيه، والبصر حاسة الرؤية كوظيفة جسدية وحاسة الادراك كأداة سلوكية فنحن لا نبصر الشيء أي نراه فقط ولكننا نكون سلوكا معينا نتيجة هذه الرؤية. وفي مختار الصحاح «بصير بالشيء أي عليم به فهو بصير» ومنها قوله تعالى: «بصرت بما لم يبصروا به» والتبصر هو التأمل والتعرف والتبصير التعريف والإفصاح.
ومنه قوله «فلما جاءتهم آياتنا مبصرة» والإبصار لا يكون مجرد فعل ورد فعل وإنما يكون عملية تفاعل متكاملة، فنرى الشيء وندركه ونحلله ونكون عاطفة نحوه سلبية أو إيجابية ونسمي هذا الشعور حالة انفعال.
وحاسة البصر نافذة من نوافذ المعرفة، فبها نرى الأشياء التي تقع تحت نظرنا فنميزها تمييزاً أولياً، لكن الاعتماد على البصر وحده في التشخيص والتمييز والمعرفة غير كاف، إذ لا بد من مرجع آخر نرجع إليه في رفع الالتباس والغموض، أي اننا بحاجة إلى (ضوء) آخر نكشف به الظلمة العقلية، وهذا الضوء هو (البصيرة).
وقد ميز الله الإنسان عن الحيوان بنعمة الفكر بالاستبصار حيث يتدرج الطفل من التفكير بالمحاولة والخطأ والتعلم بالشرطية والتقليدية والمحاكاة إلى مرحلة الاستبصار أي جمع حصيلة التجارب الفكرية القديمة ومزجها في خليط جديد لمواجهة مشكلة مستجدة عليه في المستقبل.
وقد خاطب الله الإنسان في أكثر من موقع قال تعالى «وفي أنفسكم أفلا تبصرون»... وتفسير الآية يحمل في طياته أن التبصر أعلى مراحل الوعي عند الإنسان لا تتحقق إلا إذا وصل درجة من العقل ترقى به إلى الملاحظة والاستنتاج والاستدلال والتحليل وفي الحياة العامة نلاحظه عند عامة الناس.
إن كثيراً من المآسي تكون نتيجة هذه الهوة العميقة بين البصر والبصيرة بين رؤية الشيء والقدرة على إدراكه والصبر في تحليله ووسيلة التعبير عن هذا الشعور نحوه بالقول أو الفعل.
والسؤال الآن ما البصيرة؟
البصيرة هي الحجة والاستبصار في الشيء في قوله تعالى «بل الإنسان على نفسه بصيرة».
ونفاذ البصيرة يعني قوة الفراسة وشدة المراس وقوة الحنكة والقدرة على تخطي العقبات الحالية بالخيرات السباقة المتراكمة بتطويعها وترويضها والاستفادة منها في رؤية حلول لمشاكل جديدة.
وقد تطلق البصيرة على العلم واليقين، كما في قوله تعالى «قُل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني...».
وقد تطلق على نور القلب كما يطلق البصر على نور العين.
قال الراغب البصر يُقال للجارحة الباصرة والقوة التي فيها، ويُقال لقوة القلب المدركة بصيرة والبصيرة هي هذه القدرة على الرؤية الصحيحة المتشكلة من عقل الإنسان وثقافته وتربيته وتجربته ودينه، وهي ما نصطلح عليها اليوم بـ (الوعي) فقد يكون الإنسان ذا بصر حاذق لكنه ذو بصيرة كليلة ضعيفة، ولذا اعتبر القرآن أن رؤية البصيرة أهم بكثير من رؤية البصر وذلك في قوله تعالى: «فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور».
والبصيرة هي أعلى القدرات التعليمية الفطرية، ولربما انفرد الإنسان بها، إذ يصعب قياس هذه القدرة مخبرياً.
وهذه القدرة تتفاوت قوتها بين أفراد البشر... صحيح أننا كلنا نشعر بها حين نواجه مشكلة أعيانا حلها ثم (يأتي الجواب كلمح البرق) ولربما جاء الحل نتيجة تفكير طويل انشغل به الدماغ من حيث لا ندري.
فالقدرة على النفاذ إلى كنه الأمور وخفايا المعضلات ملكة لا نعرف أحكامها الآلية العصبية، ونسميها بأسماء كثيرة (إلهام، رؤية، بصيرة، النظر الثاقب، أو النفاذ) وهي ليست القدرة على التحليل المنطقي والحساب أو الرياضيات، أو البلاغة.
وحادثة رؤية سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه لسارية ومناداته له بمقولته الشهيرة «يا سارية الجبل» رغم بعد المسافة التي بينهما عن مجال البصر العادي هو نقلة للرؤية عبر الضوء السريع، فألقيت في الشبكية فحذر عمر سارية، وتلك حادثة بأمر الله تعالى حيث سخر الله الضوء لسيدنا عمر (فحدث تغير فسيولوجي في البصر والبصيرة) نقل له هذه اللقطة عبر الشعاع الضوئي تأييداً ونصراً لمن ينصره.
وكما اننا لا نستطيع أن نُبصر في الظُلمة حيث، تتشابه الأشياء، أو إنها تصبح أشباحاً لا يمكن تمييز بعضها عن بعض، فكذلك إذا فقدنا البصيرة فإننا نتورط في التشخيص الخاطئ للأشخاص وللأمور، وهذا هو الفرق بين إنسان صاحب وعي وبصيرة، وآخر عديم البصيرة.
فالأول لا يقع ضحية الخداع والتغرير والتزوير، والثاني عرضة لذلك كله أما النموذج الآخر فهو الإنسان العاقل الذي يعي الواقع ويدركه ويعرف الناس من حوله، أي أن لديه القدرة على التمييز بين ما هو مستقيم وما هو منحرف، وما هو عدل وما هو ظلم، وما هو حق وما هو باطل، فالخير منه مأمول لأنه مستقيم في فكره وفي عمله.
النموذج الأول إذن هو النموذج السالب الذي لا يعطي للحياة شيئاً بل يتسبب في المتاعب لنفسه ولغيره.
والنموذج الثاني هو النموذج الموجب الذي يأخذ من الحياة ويعطيها وقد صوّر القرآن المميز بين الاثنين في قوله تعالى «أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يُتبع أمن لا يهدي إلا أن يُهدى فما لكم كيف تحكمون» وفي قوله تعالى: «أفمن يمشي مُكباً على وجهه أهدى أمن يمشي سوياً على صراط مستقيم».
إن الجواب على التساؤل القرآني واضح، فالذي يمشي سوياً ببصره وبصيرته أهدى من المنكبّ على وجهه الذي لا ينتفع ببصره في المشي ولا ببصيرته، لأن السير على الطريق المستقيم لا يحتاج فقط إلى عينين مفتوحتين وإنما إلى عقل مفتوح أيضاً.
كيف تعمل البصيرة في قلب المؤمن؟
إن عمل البصيرة الإيمانية في قلب المؤمن كعمل كشاف ضوء منير في وسط ظلمة حالكة، فهي التي تكشف الأشياء على حقيقتها فيراها المؤمن كما هي، ولا يراها كما زينت في الدنيا ولا كما زينها الشيطان للغاوين ولا كما زينها هوى النفس في الأنفس الضعيفة.
يقول الله - سبحانه -: «أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله...» (الزمر 22).
- ويقول سبحانه: «أومن كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها» (الأنعام 122).
• المصدر:
موسوعة الإعجاز العلمي
في القرآن والسنة.
البصر هو إحدى الحواس الخمس التي ندرك بها العالم حولنا نتأثر به ونؤثر فيه، والبصر حاسة الرؤية كوظيفة جسدية وحاسة الادراك كأداة سلوكية فنحن لا نبصر الشيء أي نراه فقط ولكننا نكون سلوكا معينا نتيجة هذه الرؤية. وفي مختار الصحاح «بصير بالشيء أي عليم به فهو بصير» ومنها قوله تعالى: «بصرت بما لم يبصروا به» والتبصر هو التأمل والتعرف والتبصير التعريف والإفصاح.
ومنه قوله «فلما جاءتهم آياتنا مبصرة» والإبصار لا يكون مجرد فعل ورد فعل وإنما يكون عملية تفاعل متكاملة، فنرى الشيء وندركه ونحلله ونكون عاطفة نحوه سلبية أو إيجابية ونسمي هذا الشعور حالة انفعال.
وحاسة البصر نافذة من نوافذ المعرفة، فبها نرى الأشياء التي تقع تحت نظرنا فنميزها تمييزاً أولياً، لكن الاعتماد على البصر وحده في التشخيص والتمييز والمعرفة غير كاف، إذ لا بد من مرجع آخر نرجع إليه في رفع الالتباس والغموض، أي اننا بحاجة إلى (ضوء) آخر نكشف به الظلمة العقلية، وهذا الضوء هو (البصيرة).
وقد ميز الله الإنسان عن الحيوان بنعمة الفكر بالاستبصار حيث يتدرج الطفل من التفكير بالمحاولة والخطأ والتعلم بالشرطية والتقليدية والمحاكاة إلى مرحلة الاستبصار أي جمع حصيلة التجارب الفكرية القديمة ومزجها في خليط جديد لمواجهة مشكلة مستجدة عليه في المستقبل.
وقد خاطب الله الإنسان في أكثر من موقع قال تعالى «وفي أنفسكم أفلا تبصرون»... وتفسير الآية يحمل في طياته أن التبصر أعلى مراحل الوعي عند الإنسان لا تتحقق إلا إذا وصل درجة من العقل ترقى به إلى الملاحظة والاستنتاج والاستدلال والتحليل وفي الحياة العامة نلاحظه عند عامة الناس.
إن كثيراً من المآسي تكون نتيجة هذه الهوة العميقة بين البصر والبصيرة بين رؤية الشيء والقدرة على إدراكه والصبر في تحليله ووسيلة التعبير عن هذا الشعور نحوه بالقول أو الفعل.
والسؤال الآن ما البصيرة؟
البصيرة هي الحجة والاستبصار في الشيء في قوله تعالى «بل الإنسان على نفسه بصيرة».
ونفاذ البصيرة يعني قوة الفراسة وشدة المراس وقوة الحنكة والقدرة على تخطي العقبات الحالية بالخيرات السباقة المتراكمة بتطويعها وترويضها والاستفادة منها في رؤية حلول لمشاكل جديدة.
وقد تطلق البصيرة على العلم واليقين، كما في قوله تعالى «قُل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني...».
وقد تطلق على نور القلب كما يطلق البصر على نور العين.
قال الراغب البصر يُقال للجارحة الباصرة والقوة التي فيها، ويُقال لقوة القلب المدركة بصيرة والبصيرة هي هذه القدرة على الرؤية الصحيحة المتشكلة من عقل الإنسان وثقافته وتربيته وتجربته ودينه، وهي ما نصطلح عليها اليوم بـ (الوعي) فقد يكون الإنسان ذا بصر حاذق لكنه ذو بصيرة كليلة ضعيفة، ولذا اعتبر القرآن أن رؤية البصيرة أهم بكثير من رؤية البصر وذلك في قوله تعالى: «فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور».
والبصيرة هي أعلى القدرات التعليمية الفطرية، ولربما انفرد الإنسان بها، إذ يصعب قياس هذه القدرة مخبرياً.
وهذه القدرة تتفاوت قوتها بين أفراد البشر... صحيح أننا كلنا نشعر بها حين نواجه مشكلة أعيانا حلها ثم (يأتي الجواب كلمح البرق) ولربما جاء الحل نتيجة تفكير طويل انشغل به الدماغ من حيث لا ندري.
فالقدرة على النفاذ إلى كنه الأمور وخفايا المعضلات ملكة لا نعرف أحكامها الآلية العصبية، ونسميها بأسماء كثيرة (إلهام، رؤية، بصيرة، النظر الثاقب، أو النفاذ) وهي ليست القدرة على التحليل المنطقي والحساب أو الرياضيات، أو البلاغة.
وحادثة رؤية سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه لسارية ومناداته له بمقولته الشهيرة «يا سارية الجبل» رغم بعد المسافة التي بينهما عن مجال البصر العادي هو نقلة للرؤية عبر الضوء السريع، فألقيت في الشبكية فحذر عمر سارية، وتلك حادثة بأمر الله تعالى حيث سخر الله الضوء لسيدنا عمر (فحدث تغير فسيولوجي في البصر والبصيرة) نقل له هذه اللقطة عبر الشعاع الضوئي تأييداً ونصراً لمن ينصره.
وكما اننا لا نستطيع أن نُبصر في الظُلمة حيث، تتشابه الأشياء، أو إنها تصبح أشباحاً لا يمكن تمييز بعضها عن بعض، فكذلك إذا فقدنا البصيرة فإننا نتورط في التشخيص الخاطئ للأشخاص وللأمور، وهذا هو الفرق بين إنسان صاحب وعي وبصيرة، وآخر عديم البصيرة.
فالأول لا يقع ضحية الخداع والتغرير والتزوير، والثاني عرضة لذلك كله أما النموذج الآخر فهو الإنسان العاقل الذي يعي الواقع ويدركه ويعرف الناس من حوله، أي أن لديه القدرة على التمييز بين ما هو مستقيم وما هو منحرف، وما هو عدل وما هو ظلم، وما هو حق وما هو باطل، فالخير منه مأمول لأنه مستقيم في فكره وفي عمله.
النموذج الأول إذن هو النموذج السالب الذي لا يعطي للحياة شيئاً بل يتسبب في المتاعب لنفسه ولغيره.
والنموذج الثاني هو النموذج الموجب الذي يأخذ من الحياة ويعطيها وقد صوّر القرآن المميز بين الاثنين في قوله تعالى «أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يُتبع أمن لا يهدي إلا أن يُهدى فما لكم كيف تحكمون» وفي قوله تعالى: «أفمن يمشي مُكباً على وجهه أهدى أمن يمشي سوياً على صراط مستقيم».
إن الجواب على التساؤل القرآني واضح، فالذي يمشي سوياً ببصره وبصيرته أهدى من المنكبّ على وجهه الذي لا ينتفع ببصره في المشي ولا ببصيرته، لأن السير على الطريق المستقيم لا يحتاج فقط إلى عينين مفتوحتين وإنما إلى عقل مفتوح أيضاً.
كيف تعمل البصيرة في قلب المؤمن؟
إن عمل البصيرة الإيمانية في قلب المؤمن كعمل كشاف ضوء منير في وسط ظلمة حالكة، فهي التي تكشف الأشياء على حقيقتها فيراها المؤمن كما هي، ولا يراها كما زينت في الدنيا ولا كما زينها الشيطان للغاوين ولا كما زينها هوى النفس في الأنفس الضعيفة.
يقول الله - سبحانه -: «أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله...» (الزمر 22).
- ويقول سبحانه: «أومن كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها» (الأنعام 122).
• المصدر:
موسوعة الإعجاز العلمي
في القرآن والسنة.