ربيع الكلمات

مستقبل تركيا بعد الانقلاب

تصغير
تكبير
حتى نفهم ما يجري في تركيا، نحن بحاجة إلى قراءة ومعرفة العلاقة بين المؤسسة العسكرية «حامية العلمانية»، على حد قولها، وحزب العدالة والتنمية، خلال فترة حكمه منذ العام 2002، حتى نستخلص العبر ونتعرف على مستقبل تركيا بعد فشل الانقلاب.

في السابق كانت المؤسسة العسكرية هي المسيطرة على كل مفاصل الدولة بقبضة فولاذية، وحتى على القرار السياسي... تعيين الرؤساء والحكومات وحلها، كان بيد المؤسسة العسكرية... فنحن نتحدث عن مؤسسة عسكرية لديها سلطة ونفوذ، ورؤوس أموال كبيرة، بدأت تشعر بأن الأمور تفلت من قبضتها، ودائماً ما تحاول استعادتها عن طريق الانقلابات العسكرية.


لكن ما حدث منذ 2002 هو تجريد المؤسسة العسكرية من نفوذها السياسي وبطرق ذكية من «العدالة والتنمية»، خصوصاً في مسألة ترشيح رئيس الجمهورية ورئاسة الوزراء، واستمر هذا الأمر حتى شعرت المؤسسة العسكرية بأن نفوذها السياسي والمالي والسلطوي بدأ ينحسر، في ظل زخم شعبي كبير وتوافق مع الحزب الحاكم، الذي أحدث فارقاً غير عادي على المستوى الداخلي من اقتصاد قوي وعلاقات خارجية متوازنة مع كل الأطراف، فبدأت تتهيأ وتنتظر اللحظة المناسبة للقفز على السلطة وإعادتها لها من جديد... أما مسألة «العلمانية» فهي مجرد مطية للوصول للسلطة.

وأعتقد بأن «العدالة والتنمية» كان على علم بأن هناك انقلاباً يدبر، ولكن كان ينتظر التوقيت وساعة الصفر، وهذا من أهم الأسباب التي أدت إلى فشل الانقلاب على الحكومة الشرعية، حيث اكُتشف أمره قبل حدوثه بساعات، ما جعل جنرالاته وقادته يستعجلون الانقلاب وبالتالي فشله.

ما فعله الانقلابيون في يوم واحد وفي ساعات محدودة، له دلالات كبيرة وعميقة في الوقت نفسه، ما يدل على الشراسة والخسة والدناءة لديهم، وكان هذا واضحا من طريقتهم في قتل الأبرياء من الشعب الأعزل... لقد أنهى هذا الانقلاب دولة «أتاتورك» في الجيش، نتيجة استناد القيادة الشرعية على شعبية كبيرة حاضنة كانت مستعدة أن تضحي بنفسها من أجل القيادة، ونتيجة التغيير الذي حصل في الوضع الاقتصادي والاجتماعي والتحول النوعي بفضل السياسات الحكيمة لقادة الحزب، وأصبح الشعب هو مركز الثقل الحقيقي بكل أطيافة، حتى المعارضة كانت شريفة في خصوماتها فخرجت ضد الانقلاب بكل شجاعة وجرأة.

ومن الأمور التي قد تكون سرّعت في الانقلاب، هي حركة التنقلات والاقالات التي كان ينتظر ان تطول جنرالات في الجيش.

الآن من الواضح أن «العدالة والتنمية» قرر عدم افساح المجال لانقلابات مقبلة، ونتيجة لذلك تم فرض حال الطوارئ واحداث تغييرات جذرية في المؤسسة العسكرية، حيث أصبح بعض وحداتها يتبع الرئيس مباشرة، وفتحت ابواب الانتساب في صفوف الجيش والشرطة لكل أبناء الشعب والمدارس.

?وقد تكون الحرب على جماعة فتح الله غولن مبالغا فيها بعض الشيء وتم تضخيم أنشطتها في شكل مبالغ فيه كثيراً، ولكن هذا لا ينفي أنها على علاقات وصلات مع بعض قادة الانقلاب والترتيب معهم، كما بينت التحقيقات، ولكن الانصاف والتعامل بموضوعية مطلوب حتى مع المخالفين، المتورط يعاقب والذي لم يثبت عليه أي شيء يجب أن يترك

كل ما أتمناه أن تتجاوز تركيا هذه المحنة الصعبة بكل سرعة، حتى تتفرغ من جديد للعمل والإنجاز والاقتصاد وتنشيط الاستثمارات، وأن يستفيد «العدالة والتنمية» ويبني جسوراً جديدة مع أحزاب المعارضة، الذين وقفوا بجانب الشرعية، وهذا موقف يحسب لها.

وحسناً فعل الرئيس رجب طيب أردوغان، عندما قام بالتنازل عن القضايا التي تخصه ولن ينتقم من خصومه. ويقول الرئيس التونسي السابق المنصف المرزوقي: «لقد صرح الرئيس أردوغان سويعات قليلة بعد تأكد الجميع من فشل الانقلاب أنه لا يسعى للانتقام لأن الأمر موكول إلى الله؛ وهذا هو الموقف الشجاع والنبيل الذي يضع تركيا على الطريق الصحيح لتجاوز أزمة ستخرج منها بإذن الله أكثر عزة ومناعة».

akandary@gmail.com
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي