وقت سياسي مستقطع مع سفر بري وسلام

«التوازن السلبي» في لبنان يمدّد... أزماته

تصغير
تكبير
كرّست وقائع الأيام الأخيرة في بيروت والمنطقة ان لبنان محكوم بتمديد مرحلة «التوازن السلبي» التي يعيشها بانتظار جلاء غبار الحروب في المحيط، او حصول «معجزة» داخلية تسمح باختراقٍ «على البارد» في أزمة رئاسة الجمهورية، وهو ما يبدو شبه مستحيل أقلّه في المدى المنظور، وإما الدفع نحو حلٍّ «على الحامي»، وهو ما تحدّده حسابات دقيقة ومقتضيات ذات صلة بآفاق الوضع الاقليمي ومسار الملفات الساخنة التي ينخرط فيها «حزب الله» وايران «على الأرض» الى جانب القراءة لمرحلة ما قبل وما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية.

ومن هنا يصبح مفهوماً، ولا سيما في غمرة المنعطف الذي دخلتْه المنطقة والعالم في ضوء اندفاعة الإرهاب أوروبياً ومحاولة الانقلاب العسكرية الفاشلة في تركيا، ان تنضبط القوى اللبنانية الوازنة ذات الارتباط بمحوريْ الثقل المشتبكيْن في الاقليم اي ايران والسعودية، تحت سقف الستاتيكو الراهن الذي يحتفظ معه كل طرف بأوراقه وتموْضعاته ريثما تدقّ ساعة حصول العكس، على ان يُملأ «الوقت الضائع» بملفات من «حواضر البيت اللبناني» وأزماته المتفرّعة من الفراغ الرئاسي والتي غالباً ما يتداخل «شدّ الحبال» حولها مع الحسابات الرئاسية حتى تبدو وكأنها «الملعب الخلفي» لمعركة الوصول الى قصر بعبدا.


ومن هذه الملفات المستجدّة موازنة سنة 2017 التي سلّمت كل القوى السياسية بوجوب إنجازها، فيما برز سباق على وضْع العراقيل في طريقها من ضمن ما يشبه «توازن الرعب» الذي عبّر عن نفسه بالوقائع الآتية:

* ان «التيار الوطني الحرّ» الذي يقوده العماد ميشال عون (مرشّح «حزب الله» الى الرئاسة والمدعوم من سمير جعجع) ربط إقرار الموازنة بانتخاب رئيس للجمهورية وببتّ مسألة الحسابات المالية العالقة عن فترة حكومة الرئيس فؤاد السنيورة (بين 2006 و 2009) والمقدّرة بـ 11 مليار دولار وإجراء قطع لحساباتها، وهو ما سبق لتيار «المستقبل» ان حسم موجباته التي دفعت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي الى اعتماد آلية الانفاق نفسها وبمبالغ أكبر (من خارج قاعدة الاثني عشرية)، معتبراً ان قوى «8 آذار» وتحديداً «التيار الحر» يستخدم هذا الملف لوضع «المستقبل» في خانة «الاتهام» في سياق «لعب الابتزاز» السياسي سابقاً والرئاسي حالياً للضغط على الرئيس سعد الحريري لتليين موقفه من انتخاب عون.

* مسارعة «تيار المستقبل» الى رسْم ما يشبه «خط الدفاع» عبر إعلان النائب عمار حوري فتح ملف الكهرباء القديم - الجديد واستعداده خلال أيام للتقدم باقتراح قانون لتشكيل لجنة التحقيق البرلمانية فيه، هو الذي يطال في شكل رئيسي «التيار الحر» وصهر عون الوزير جبران باسيل الذي سبق ان تولى حقيبة الطاقة قبل الخارجية.

وفيما يشكّل بند تمويل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان أحد البنود الخلافية في طريق إقرار الموازنة في ضوء اعتراض «حزب الله» على أساس قيامها وهي التي تتهم خمسة من عناصره بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، فإن اوساطاً سياسية ترى ان «حزب الله» الذي سبق ان سمح بتمويل للمحكمة وفق أطر لا تمرّ بموافقة مجلس الوزراء، ربما لن يمانع اي مسار مماثل بحال جرى التوافق على إنجاز الموازنة.

وكانت الموازنة ومجمل العناوين الداخلية على جدول جولة الحوار رقم 31 بين «المستقبل» و»حزب الله» التي انعقدت مساء اول من امس حيث أكّد المجتمعون «الحاجة إلى تفعيل عمل المؤسسات الدستورية ولا سيما البرلمان، نظراً للاستحقاقات التي تفرض نفسها على أكثر من صعيد، ولا سيما التشريعات المالية الضرورية».

وفيما ناقش المجتمعون أيضاً حسب البيان الذي صدر عنهم التطورات السياسية وأكدوا إدانتهم القوية للأعمال الإرهابية في أي مكان ودعمهم داخلياً لدور الجيش والأجهزة الأمنية في مواجهة هذه الأعمال، أشارت تقارير الى ان البحث تناول ملف النفط والغاز في ظل الهبّة الساخنة التي لفحته مع السجال بين رئيسيْ البرلمان نبيه بري بري والحكومة تمام سلام.

وفي اي حال، فإن ملف الموازنة سيكون أمام فترة «استراحة» في ظل سفر بري امس الى أوروبا لتمضية عطلة تمتدّ الى آخر الشهر، على ان يغادر سلام بعد غد الى المغرب، ومنها الى موريتانيا للمشاركة في أعمال القمة العربية مطلع الاسبوع المقبل.

وفي ضوء هذا الغياب، فان قضية الموازنة ستضاف الى جدول مناقشات خلوة الحوار الوطني في 2 و 3 و 4 اغسطس المقبل التي دعا اليها بري لاستكمال مناقشة طرح حل «السلة المتكاملة» للأزمة الرئاسية الذي يشملها مع كل من قانون الانتخاب والحكومة الجديدة رئيساً وحصصاً وبياناً وزارياً الى بنود أخرى ذات صلة باتفاق الطائف وتطبيقه، وهي السلّة التي ترتاب منها قوى 14 آذار باعتبار انها تعني التسليم لـ «حزب الله» بأعراف في إدارة السلطة تشكل ضرباً لـ «الطائف» وتكرّس تمسُّكه بمفاصل اللعبة السياسية في البلاد.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي