جنبلاط بعد لقائه الراعي: التسوية من أجل الانتخاب أهمّ من الأسماء

«الهبّة الساخنة» في ملف النفط اللبناني انعكاسٌ لتوقُّف عمليات «الحفْر» الرئاسية

تصغير
تكبير
سلام يضيء على اللغط حول ملف النفط وبري يردّ متحدثاً عن «خدمة إسرائيل» ومحذراً «لن أسكت»
حين يتلاقى «مؤشران سلبيان» في «بورصة التوقعات» المتصلة بالأزمة الرئاسية في لبنان، تكون «أسهم» إمكانات الحلّ، ولو التي كانت «نظريّة»، محكومة بالبقاء في مستوى تراجُعي محفوف بشتى المخاطر التي يُخشى ان توصل البلاد الى حافة الانهيار.

فلم تكد بيروت ان تتلقّف المغازي السلبية لهجوم نيس الإرهابي ومحاولة الانقلاب العسكري الفاشلة في تركيا لجهة أنهما سيستدرجان انكفاءً خارجياً عن محاولة توفير «قارب نجاة» للبنان يتيح به اجتياز «البحر الهائج» في المنطقة، حتى جاءت إشارة داخلية «من أعماق» ملف النفط والغاز لتؤكد ما بات مؤكداً من ان المأزق اللبناني مرشّح الى مزيد من استنزاف الواقع المؤسساتي والاقتصادي وسط ارتفاع الأخطار الأمنية.


واذا كانت «إدارة الظهر» الخارجية للبنان - المحكومة ايضاً بعدم وجود إمكان لسحبه من «الرمال المتحركة» بمعزل عن أرضية تفاهُم ايرانية - سعودية - لا تعني التخلي عن «الخط الأحمر» الذي يشكّله حفظ استقراره الأمني انطلاقاً من الأهمية الاستراتيجية الغربية لضمان بقائه «مستودعاً آمنا» لكتلة الـ 1.5 مليون نازح سوري، فإن انكشاف الوضع الداخلي على مناخاتٍ سلبية من بوابة ملف النفط بدا بمثابة تطوّرٍ يشي باستعادة البلاد حال الاستقطاب الحادّ ودخولها مرحلة أقسى في لعبة «عضّ الأصابع» الجارية على تخوم الملف الرئاسي وشروطه التي تراوح بين حدّيْ إما انتظار الفرَج الخارجي على أساس نتائج «حرب النفوذ» في المنطقة او حصول انفراج داخلي بقواعد تسويةٍ حددتها قوى 8 آذار بقيادة «حزب الله» وعنوانها «السلّة المتكاملة» وما تعنيه من تحصيل على «البارد» لشروط تشكّل عملياً «انقلاباً ناعماً» على اتفاق الطائف.

فبعد كل الحبر الذي سال حول «الموجبات الرئاسية» لـ «ورقة التفاهم» النفطية التي أُنجزت قبل نحو اسبوعين بين رئيس البرلمان نبيه بري وزعيم «التيار الوطني الحر» العماد ميشال عون وبدا معها ان الطريق فُتح امام ملف النفط والغاز لإطلاق آلية المزايدة واستدراج العروض، إضافة إلى إقرار مشروع قانون الضرائب، جاءت «الهبّة الساخنة» على خط عين التينة (مقر بري) - المصيطبة (حيث دارة رئيس الحكومة تمام سلام) لتعاكس هذا الانطباع، وتعكس في جانب آخر ان التفاهم الثنائي بين رئيس مجلس النواب و«الجنرال» ليس كافياً ليشكل «كاسحة ألغام» في هذا الملف الاستراتيجي بل انه أحدث «نقزة» لدى فئات سياسية عدة لم تستسغ تظهير وجود عملية «تقاسُم لجلد الدبّ» حتى قبل اصطياده من طرفيْن بدا وكأنهما يملكان «مفاتيح البحر» ومكامنه.

وتوقّفتْ أوساط سياسية باهتمام في هذا السياق عند مضمون الموقف الاعتراضي للرئيس سلام الذي سجّله أمام زوّاره وحديثه عن كثير من اللغط يحوط ملف النفط «الذي يحتاج الى مقاربته بتوافُق كل القوى» وصولاً الى الجزم بأنه لن يدعو اللجنة الوزارية المكلّفة الملف تمهيداً لجلسة وزارية تقرّ المرسومين المتعلّقيْن بتقسيم المياه الاقتصادية اللبنانية الخالصة الى عشر رقع وبمسودة اتفاقية تقاسم الانتاج بين الدولة والشركات، معتبراً ان الأمر له علاقة «بمسار متكامل».

وقد سارع الرئيس بري الى الردّ بقسوة وحدّة على ما اعتبره التعطيل المتجدّد لملفّ النفط، معلناً «أخشى أن تكون هناك أيادٍ خبيثة تعمل لمصلحة إسرائيل، وأن يكون هناك لبنانيون يتجاوبون مع هذا التعطيل، لا أريد أن أتّهم أحداً، ولكنّني لا أفهم لماذا يُراد تعطيل النفط، بل لماذا يُراد خدمة إسرائيل؟»، ومحذراً من ان «هذا التعطيل سيؤدي إلى مشكلة كبيرة في البلد، فليَعلموا أنّني لن أسكت».

واذا كانت الأوساط السياسية عبّرت عن مخاوف من تداعيات شدّ الحبال حيال ملف النفط على عمل مجلس الوزراء الذي عقد امس جلسة خصصت لاستكمال بحث الواقع المالي على ان يلتئم الخميس في جلسة مدججة بالبنود الخلافية، فإنها لاحظت في الوقت نفسه تزامُن «الانتكاسة النفطية» مع تلمُّس الجميع انعدام الأفق الخارجي للأزمة الرئاسية ولا سيما في ضوء المستجدات الفرنسية والتركية، معتبرةً ان قضية النفط التي تمّ «تعويمها» باعتبارها بمثابة «أوراق اعتماد» قدّمها عون الى بري في سياق إزالة «الألغام» الداخلية من طريق دخوله قصر بعبدا، سرعان ما تداخلت مع المؤشرات السلبية في المأزق الرئاسي بحيث بات اي «أخذ وردّ» في هذه القضية الحيوية بمثابة «حرْق مراحل» ولا سيما من الأطراف الوازنة في قوى 14 آذار وتحديداً تيار «المستقبل» الذي يقوده الرئيس سعد الحريري.

حتى ان صحيفة «النهار» نقلتْ ان الحريري تشاور مع وزير الخارجية الفرنسي جان - مارك ايرولت أثناء لقائهما الاخير في بيروت في ضرورة طي صفحة اختيار رئيس للجمهورية ضمن لائحة الزعماء الموارنة الاربعة التي أعدّتها بكركي (المعني بها خصوصاً العماد عون، الذي يؤيّده حزب الله والدكتور سمير جعجع، والنائب سليمان فرنجية المدعوم من الحريري) والذهاب الى مرشح خامس يمكن التوافق عليه بعدما تعذر ايصال أي من الاربعة الى قصر بعبدا، وهو ما اعتُبر رداً على كل المناخ الذي أشاع ان زعيم «تيار المستقبل» بات قاب قوس أو أدنى من تبني عون مرشحاً للرئاسة الأولى.

على ان النائب أحمد فتفت (من كتلة الحريري) نفى أن يكون «رئيس» المستقبل «تداول او ناقش مع الديبلوماسيين ووزراء الخارجية اسم مرشح خامس لرئاسة الجمهورية»، مؤكداً «الاستمرار في دعم النائب فرنجية».

وفي سياق غير بعيد، لفتت امس زيارة النائب وليد جنبلاط للبطريرك الماروني الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي معلناً بعد اللقاء رداً على سؤال حول اذا تم التداول باسم خامس للرئاسة من خارج الاقطاب الاربعة «ان التسوية (السلّة) من اجل انتخاب رئيس أهمّ من الأسماء».

وكشف جنبلاط ان «الزيارة تمحورت حول نقطتين: الاولى اننا تمنينا على غبطته ان يبارك انتهاء اعمال الترميم لكنيسة السيدة في المختارة التي تعود الى القرن التاسع عشر، والثانية اننا ندخل في العام 15 لمصالحة الجبل (المسيحية - الدرزية) التي رعاها الكاردينال نصرالله صفير في 3 اغسطس 2001، وتالياً تأكيد مباركة هذه المصالحة»، ومتمنياً «أن نستطيع كلبنانيين ان ننتخب رئيساً، وهناك دعوة من الرئيس بري في 2 اغسطس المقبل الى طاولة حوار وربما لست ادري».
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي