كلام بان كي مون عن الصواريخ يريح إيران

تصغير
تكبير
اعترضت طهران على اعتبار الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، انّ الصواريخ الباليستية التي تجري تجارب عليها «لا تنسجم» مع الاتفاق الذي وقعته في شأن ملفّها النووي. هل انتهى ابتزاز ايران للعالم عبر الملف النووي ليحل مكانه ابتزاز من نوع آخر عبر الصواريخ الباليستية؟

يطرح هذا السؤال نفسه بعدما بدا ان الاتفاق في شأن الملف النووي الذي وقعته ايران مع مجموعة الخمسة زائد واحدا لم يؤد الى النتائج المطلوبة، اقله في ما يتعلّق بما كانت تطمح اليه طهران. لم ينه الاتفاق العزلة الدولية والاقليمية لإيران، كما لم يؤد الى تحسين الوضع الاقتصادي في بلد يعيش اكثر من نصف عدد سكّانه تحت خط الفقر. على العكس من ذلك، تبيّن ان لا أساس صلبا لكلّ ما حلمت به ايران في مرحلة ما بعد توقيع الاتفاق. صار عليها الآن البحث عن سبب آخر تلهي به الايرانيين من جهة وتلهي العالم عن أهدافها الحقيقية التي تتمثل من جهة اخرى في مشروع توسّعي ذي طابع مذهبي يشكل رأس الحربة فيه «حزب الله» والميليشيات التابعة لاحزاب عراقية.


باستثناء لملمة الوضع الداخلي حول «المرشد» علي خامنئي وتوفير حبوب تهدئة للمواطن العادي، لم يحل الاتفاق أي مشكلة تعاني منها ايران، التي فيها نظام مرفوض من الشعب باكثريته الساحقة. لم يطرأ تحسّن على الوضع الداخلي، على الرغم من كلّ الجهود التي بذلتها إدارة باراك أوباما للترويج لاهمّية هذا الحدث من منطلق ان ايران هي من وجهة نظر الرئيس الاميركي الدولة الاهمّ في المنطقة وان من حقها لعب كلّ الأدوار التي ترغب في لعبها. أظهرت وثائق كثيرة ان الإدارة الأميركية دخلت في مفاوضات سرّية مع ايران قبل الإعلان رسميا عن بدء المفاوضات الرسمية وذلك عبر القناة العُمانية.

يبدو ان الاتفاق استنفد الغرض منه، اذ صبّ في تمرير مرحلة معينة لكنه لم يؤد كل الغرض المطلوب في نهاية المطاف. لذلك لا بدّ من لعبة جديدة تقود الى تنفيس الاحتقان الداخلي. اسم هذه اللعبة هو الصواريخ الباليستية.

عندما يثير بان كي مون قضية الصواريخ الايرانية والتجارب على هذه الصواريخ. انّما يؤدي خدمة للنظام وذلك من حيث يدري او لا يدري. الأرجح انّه يدري نظرا الى ان الأمين العام للمنظمة الدولية لا يقدم على أي خطوة او يدلي بأيّ تصريح من رأسه. الدليل الافتراء المكشوف على المغرب عندما زار مخيمات تندوف، الواقعة في الأراضي الجزائرية، والتي يقيم فيها لاجئون صحراويون تحولوا مادة لتجارة يمارسها النظام في الجزائر.

قد تستطيع ايران انتاج قنبلة نووية يوماً، كما قد تستطيع تطوير ما لديها من صواريخ، وهي في معظمها كورية شمالية. ليست تلك المسألة. في نهاية المطاف، يظل الملف النووي الايراني مادة للاستهلاك الداخلي، كذلك الصواريخ الباليستية. تمتلك باكستان القنبلة النووية منذ سنوات عدّة. ما الذي استطاعت ان تفعله بالقنبلة باستثناء الادعاء انّها باتت تمتلك سلاحاً نووياً تحيّد به السلاح النووي الهندي، علما ان لا أطماع هندية في باكستان. هل تغيّر شيء في الداخل الباكستاني بفضل القنبلة النووية؟ هل طرأ تطور ادّى الى الحد من المعدل الجنوني للنمو السكاني؟ لم يتغيّر شيء في بلد يزداد فيه المجتمع فقراً وتخلفاً وانغلاقاً على الذات، فيما الهند تتقدّم وتتطور في كلّ المجالات.

تعود الشكوى من باكستان الى انّها لا تلعب الدور المطلوب في مواجهة الإرهاب والتطرّف. كذلك، الشكوى من ايران ليست من ملفّها النووي او من صواريخها الباليستية التي تعكس عمق العلاقة المريبة بينها وبين كوريا الشمالية. الشكوى، وهذا ما يفترض في الأمين العام للأمم المتحدة ادراكه، هي من الاستثمار الايراني في نشر الميليشيات المذهبية من اجل تمزيق مجتمعات دول الجوار وما بقي من مؤسسات مدنية فيها. هذا ما تفعله ايران في البحرين، وهذا ما تحاول ان تفعله في كلّ دولة من دول الخليج العربي. هذا ما تفعله في اليمن حيث رهانها على الحوثيين الذين صاروا يعرفون بـ «انصار الله» بعدما تلقوا دروسا في كلّ المجالات على يد ميليشيا «حزب الله» اللبنانية.

وهذا ما تفعله ايران قبل اي شيء آخر في العراق. تنفّذ ايران منذ خاضت الحرب على هذا البلد الى جانب «الشيطان الاكبر» في العام 2003 خطة مدروسة تستهدف تقسيم البلد وتدمير المجتمع العراقي عبر عمليات تطهير عرقي تشنّها ميليشيات عراقية تابعة لها من جهة ودفع اهل السنّة في اتجاه «داعش» كي يوفّروا حاضنة له ولإرهابه من جهة أخرى.

في حال لم يكن بان كي مون على علم بخطورة الممارسات الايرانية في اليمن والعراق والبحرين والجوار الخليجي المباشر، في إمكانه التساؤل ما الذي تفعله ايران في سورية؟ لماذا صرفت كلّ هذه المليارات لابقاء نظام بشّار الأسد حيّا يرزق، علما ان هذا النظام ورئيسه صارا في مزبلة التاريخ منذ اليوم الاوّل لاندلاع ثورة الشعب السوري في مارس من العام 2011؟

هل من سبب آخر، غير ان سورية ذات النظام العلوي ممر لارسال الاسلحة الى «حزب الله» في لبنان من اجل تدمير الوطن الصغير ومنعه حتّى من ان يكون له رئيس للجمهورية؟

كلام بان كي مون عن الصواريخ الباليستية يريح ايران ولا يضايقها في شيء في ظل نظام في حال هرب دائما الى امام والى خارج حدوده. ما لا يمكن تجاهله ان ما يزيد على نصف عدد سكان ايران لا يزيد عمرهم على 25 عاما. هؤلاء الشبان المنفتحون على ما يدور في العالم يعانون من كلّ أنواع الظلم، بما في ذلك ان نسبة البطالة في صفوفهم تتجاوز الـ 22 في المئة. هؤلاء يريدون انفتاح ايران على العالم ونمط حياة جديداً يتفق مع تطلعاتهم ومع الثقافة التي اكتسبوها في المدرسة والجامعة ومن الاحتكاك بالعالم الخارجي عبر وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها.

لن يقدم الاعتراض على الصواريخ الباليستية الايرانية في شيء. مثل هذا الاعتراض الصادر عن بان كي مون يظلّ كلاما بكلام وسيوظّفه علي خامنئي في خدمة المشروع التوسّعي الايراني. يقوم هذا المشروع على خطف القضية الفلسطينية والمتاجرة بها والادلاء بتصريحات معادية لإسرائيل التي تستفيد من العداء اللفظي الايراني لها الى ابعد حدود، وتعميق الشرخ السنّي ـ الشيعي في المنطقة خدمة لكلّ ما يمكنه تدمير مجتمعاتها.

هذا ملخّص المشكلة مع ايران، وهي مشكلة ليست في الملف النووي ولا في الصواريخ الباليستية. انّها مشكلة يطرحها سؤال في غاية البساطة: هل تريد ايران ان تكون دولة طبيعية في المـــنطـــقة تـــعالــج آفــة المخدرات المنتشرة كالنار في الهشيم في الأوساط الشعبية، ام ان النظام فيها لا يحتمل مثل هذا المنطق نظرا الى ان المشروع التوسعي الذي ينادي به هو شريان الحياة بالنسبة اليه لا اكثر ولا اقل...
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي