حديث الذكريات / «النجم العربي» يتوقَّف عند المحطات المفصلية في مسيرته الفنية نحو النجومية الساطعة (4 - 4)

وليد توفيق لـ «الراي»: الكويت... أهم مُصدِّر للفن الخليجي

تصغير
تكبير
لن أنسى دعم وزير الإعلام لي... وقراره بدعوتي للغناء مجدداً في الكويت

عبدالحليم كان ذكياً وفناناً من رأسه حتى أسفل قدميه... والشجن في حياته أضفى على صوته إحساساً مفرطاً

بليغ حمدي كان عاشقاً للموسيقى... وقال لي: ألحانك تحمل حالةً خاصة!

تعلمتُ فنون الصوت عند خبيرة في باريس بـ 100 دولار للدرس الواحد

80 في المئة مما يغنَّى في الساحة العربية اليوم من ألحان بليغ حمدي فريد الأطرش موسيقار عظيم... لكنه اقتصر على غناء ألحانه وحده فشكَّل لوناً واحداً

عبدالحليم غنى لمبدعين كثيرين... فصار يمثِّل مدارس غنائية عدة

الفن العربي تراجع... فبعد الغناء الأصيل صرنا نقلِّد الغرب وعندما نبتكر نغني «بحبك يا حمار»!

أعاني مصيبةً في حياتي تجعلني أخسر الملايين... لا أشارك إلا في عملٍ يقنعني

أسرتي من أجمل نعم الله عليّ
كان مهووساً بالفن منذ نعومة أظافره ولم يكترث للدراسة كبقية الأطفال، فكانت المدرسة بالنسبة إليه فسحةً للغناء أمام الناس فقط، مبتعداً بنفسه عن أعبائها الدراسية، لينتهي المطاف بتركه الدراسة عن اقتناع، متجهاً إلى العمل في الكهرباء لتأمين المال اللازم لتحقيق حلمه الفني.

«الراي»، في هذا الحوار مع وليد توفيق، تُعيد السير معه في الطريق الذي رسمه لنفسه، بدءاً من نجوميته الطفولية، ومروراً بالعام 1974 الذي كان مفصلياً في حياته، حينما عبَر بـ «عيون بهية» في برنامج «ستوديو الفن» آنذاك وخرج من بوابته نجماً متوَّجاً بالذهب، ليظل أحد المتربعين على عرش الغناء العربي حتى الآن.

وليد توفيق، ابن مدينة طرابلس، ابن بيت، ابن أصل، هذه العبارات والكثير غيرها تعكس مدى شهامة ونبل هذا الفنان.

لم يخب أمله، فقد مشى في درب النجومية وجال العالم طرباً بـ «صوتٍ» مسموع وعينين مرفوعتين وخُطىً ثابتة... فتبوَّأ مكانة فنية مميزة ووقَّع اسمه بأحرف ماسية اكتسبت المزيد من التوهُّج بعد زواجه من ملكة جمال الكون جورجينا رزق.

42 عاماً مضت على انطلاقته الفنية وما زال قلبه الفني ينبض بقوةٍ متجددة، تاركاً خلفه نجاحاتٍ متتالية كفلت له مكانة فنية تحمل اسمه، وتحقق له ما كان يتمناه في طفولته... وأكثر!

من الصعب أن تُختصَر 42 عاماً في كلمة أو جُملة أو حتى كتاب، لكن وليد توفيق باختصار هو كان وما زال وسيبقى أحد فرسان الطرب العربي.

دخلنا مكتبه وكان بيده هاتفه المحمول، بينما يشاهد مقطع فيديو ينتمي إلى أيام الزمن الجميل. وكان طبيعياً أن يتحدث توفيق عن تفاصيل هذا الفيديو، كاشفاً عن بعض الذكريات المتعلقة بذاك الزمن... ليختم كلامه بعبارة: «كأنها البارحة»!

«البارحة» هذه... صارت مفتتحاً للحوار الذي أجرته معه «الراي»، ومدخلاً إلى العالم الخاص لتوفيق، للتنقل بين ذكرياته، والتنقيب في معرفة تفاصيل حياته التي تُسلط هذه السطور الأضواء عليها:

• هل تعلّمتَ من عبدالحليم دروساً عمليةً أخرى؟

- نعم، وكان لي معه لقاء آخر، تعلمتُ منه درساً مهماً. إذ كنا في «كوفي شوب» في فندق «شيراتون»، وكان يجلس معنا عبدالمطلب، وكان لدى عبدالحليم عرس شعبي مجاملة في مكان شعبي فجاء السائق إليه قائلاً: «يللا يا أستاذ، العربية جاهزة» فسأله هنا: «أي عربية؟» فأجابه السائق: «المرسيدس»، وهنا قال له عبدالحليم: «سنذهب بسيارة الفيات الخاصة بك، لأنه مكان شعبي ومش معقول أنا عبدالحليم الذي يغني أوجاع الناس أن أدخل عليهم بمرسيدس يا شربيني»، وعندما وصلنا حمل الناس السيارة، وهذا ما حدث معي تماماً في الجزائر لاحقاً. تعلمتُ الكثير من عبدالحليم فكانت لديه حفلة في الاستاد الذي كان امتلأ بالجمهور، لكن كان هناك الكثير من الناس خارجه أيضاً فقال: «مش حابتدي إلا لما تفتحوا الأبواب ويدخل كل الناس». هذا هو عبدالحليم.

• ما الذي يجهله الناس عن عبدالحليم؟

- حليم كان فناناً من رأسه حتى أسفل قدميه، كان ذكاؤه خارقاً، وكان إنساناً مريضاً ومحروماً ويعاني مشكلة في حياته وهي فقدان والديه عند ولادته ونشأته في ميتم للأطفال. بقي هذا الواقع في عبدالحليم حتى يوم وفاته. وهذا الحزن والشجن في حياته هو سبب صوت عبدالحليم المؤثر وإحساسه المفرط.

• وماذا عن عبدالوهاب؟

- حين جلستُ معه شعرت بأنني أجلس مع ملك. دخلتُ ووجدتُ شخصاً أنيقاً ودقيقاً في مواعيده. وعندما انحنيت لتقبيل يده رفض ذلك. محمد عبدالوهاب هو أستاذ الكل. أعطاني عبدالوهاب نصيحة حين قال لي: «بدي ياك تغني متل ما بتعزف». وأخذتُ بنصيحته وذهبتُ لأتعلم فنون الصوت في باريس عند أكبر معلّمة، وهي «مدام غاش» وكانت تبلغ 70 عاماً. كانت ترافقني جورجينا أو أخي إلى الدرس، وذلك للاهتمام بالترجمة اللغوية، فأنا لا أعرف اللغة الفرنسية. توقفتُ حينها عن الغناء لمدة ستة أشهر، وكنت أدفع 100 دولار مقابل الدرس الواحد.

• وماذا عن علاقتك ببليغ حمدي؟

- عشتُ مع بليغ عشر سنوات، وهو أخذ بيدي كملحن، وكان دائم الإصرار على أن أعمل على تلحين الأغنيات إذ كان يقول: «لديك حالة في ألحانك». أعطاني بليغ 6 أغنيات وقدّمني في «صوت العرب» وفي التلفزيون. بليغ كان مهيباً كثيراً وكان لا يهمه موعد ولا رئيس ولا شيء. كان الاستوديو معبده.

• كيف كانت طباع بليغ حمدي؟

- «غلبان» بليغ حمدي، كان رجلاً طيباً وكريماً. صحيح أنه مصري الجنسية، لكنه كان عربي الصفات. 80 في المئة مما يُغنى اليوم من ألحان بليغ حمدي.

• ماذا تعلمتَ منه؟

- حب «المزيكا»، كما تعلمتُ منه تجربة الألحان في الجلسات، أي كان يعمد إلى تجربة أعماله أمام أصدقائه في البداية. وكانت أم كلثوم تسمح له بغناء الأغنيات الخاصة بها إذا كانت من ألحانه، لكن قبل تسجيلها، وهو كان الوحيد في هذا الشأن.

• مَن الشخصية التي كان على بالك أن تقابلها؟

- أم كلثوم وفريد الأطرش، فأنا تعلمتُ العود في البداية «كرمال» فريد.

• مَن كانت له بصمة بيضاء في حياة وليد توفيق الفنية؟

- كل الذين ذكرتُهم خلال هذا اللقاء. فقد تعلّمتُ من الجميع. الحياة هي مدرستي، وهل تعرف ما سر عبدالحليم؟ هو أنه يأخذ الصفات الإيجابية من كل شخص يقابله. وهنا أقول ما الفارق بين عبدالحليم وفريد الأطرش. فريد موسيقار عظيم وعازف عود ملِك، لكنه يغني فقط من ألحانه أي طبخة واحدة، ومهما قدّم من أعمال جديدة فستعرفها على الفور. أما حليم فمكوَّن من مدارس عدة وأخذ من الشعراء الكبار وقتذاك وتعامل مع خمسة من أهمّ الملحنين وهم: عبدالوهاب وهو شريكه إذ كانا ينتجان للفنانين، بليغ حمدي، كمال الطويل، محمد الموجي ومنير مراد. فكيف تستطيع أن تملّ منه؟ هذا هو سر عبدالحليم، فكل أغنية في أرشيفه تحمل لوناً خاصاً بها.

• من الواضح أن لعبدالحليم مكانة مميزة ومختلفة عن الجميع في حياتك؟

- نعم، لأنه عبدالحليم حافظ. فهو يمثل شبابنا وعشنا قصص الحب على أنغام أغنياته، وهو نجم تعلمتُ منه الكثير. لا يمكنك ألا تحب حليم أساساً، وإن عرفتَه كإنسان «بصير قلبك يوجعك عليه». الإنسان الذي ليست لديه حالة هو إنسان عادي، وفي النهاية الغرور هو مقبرة الفنان.

• هل تعيش الآن أسير الماضي؟

- «لو هيك كنتْ وقفت من زمان»، أحبّ الماضي الذي عشتُه وأعتزّ به، لكن لم أتّكل عليه في حياتي ولهذا «ناسيه». مَن كان وراء نجاح محمد يحيى وهو الذي يتقاضى الآن عشرة آلاف دولار على اللحن الواحد؟ أنا السبب، وهو يعترف بذلك، وهذه حال جان ماري رياشي الذي بدأ معي في أغنية «يا ليل» إضافة إلى رؤساء الفرق الموسيقية من إيلي العليا وبسام بدور، دائماً أمدّ يد المساعدة للغير ولا أعيش أبداً على الأطلال.

• لماذا لم تكمل مشوارك السينمائي إذاً؟

- الحمد لله، مستمر في الغناء والتلحين. تحقيق النجاح ليس صعباً، لكن الحفاظ عليه والاستمرارية فيه هو الصعب. من ناحية السينما، لو كنتُ مصرياً وأعيش في مصر كنتُ أكملت المشوار، وأقول هذا لأن «عائلتي السينمائية» كلها ذهبت، والفنان لا يستطيع أن يكمل وحيداً. كان هناك في السابق، أي أيام النجاح السينمائي، مَن يحضّر لي السيناريو ومَن يكتب لي، ومن يحضّر الفيلم ومن ينتج أيضاً. وعندما وصلت إلى مكانة مهمة في السينما المصرية كثرت المنافسة وأرادوا إظهار بطل آخر. في المقابل «وبعزّ شهرتي» حدث الغزو العراقي للكويت، وضُربت بذلك السوق الخليجية التي كنا نعتمد عليها سينمائياً. وتقلّص عدد الأفلام المنتَجة من 400 فيلم في السنة إلى 40 فيلماً فقط. هذا بالإضافة إلى رحيل كل مَن كان حولي ويدعمني سينمائياً، وبالتالي أصبحتُ وحيداً ولم أجد الحبكة. لدينا في لبنان ممثلون وسينمائيون جيّدون، لكن ليست لدينا صناعة سينمائية. لقد فقدتُ البوصلة التي كانت في يدي. وتلقيتُ الكثير من العروض التي رفضتُها جميعاً لأنها كانت «تركيبة»، وكنت أقول لهم: «لا أعمل بأي فيلم إن لم يُكتب من أجلي، من طقطق إلى السلام عليكم». ولهذا رفضتُ نحو 12 فيلماً سينمائياً ورفضتُ أيضاً العمل في مسرحيات عدة. تغيّرت السينما بالنسبة إليّ، وحديثاً رفضتُ العمل في مسلسلين لأنهما لا يتضمنان الغناء، فلا يمكنني رؤية مطرب أحبه على مدى 40 حلقة تلفزيونية من دون أن يغني. أعاني مشكلة، بل مصيبة، وهي تخسرني الملايين حيث لا أقوم بأي عمل إن كنت غير مقتنع به، فإذا ذهبتُ مثلاً إلى الاستوديو ولم أحب المهندس الموجود فلا أستطيع الغناء. وإذا أحببتُ صحافياً أعطيه كل ما أملك من معلومات كما أفعل معك الآن، وإن لم أحبّه فإجاباتي ستكون باختصار شديد.

• في أي الأمور اختلف الفن مع تقدُّم الوقت؟

- سأكون صريحاً معك، اختلف الفن كما كل شيء في الحياة. الفن هو مرآة الشعوب، ونحن للأسف في الشرق مرآة للغرب شئنا أم أبينا. اذكُر لي برنامجاً تلفزيونياً نابعا من فكرة عربية، نحن نقلّد كل برامج الغرب، وحتى حياتهم وأفلامهم. في السابق كنت أغني أغنية كتبها مأمون الشناوي اسمها «أدوب أدوب في دباديبه» وقد مُنع بثها على الإذاعة المصرية، «شوف الزمن»، لأن الدباديب في مصر تعني «كل شيء نافر بالست»، أما اليوم فيغنون «بحبك يا حمار» و«بلا حب بلا بطيخ». هذه الأعمال ليست غريبة، انتبه. تعلم أن كل ما يُعرض الآن على الهواء كان موجوداً في السابق، إنما تحت الطاولة حيث كان من الممنوع أن يظهر.

• كيف ترى الفن العربي اليوم؟

- هناك أصوات جميلة، لكن الفن أصبح بلا رسالة، بل أصبح تجارة ويُعتبر طريقاً سريعاً للوصول إلى ثروة، وهنا لا أقصد ثروة فنية أو معنوية، بل ثروة مادية.

• ماذا عن نجوم الغناء الذين يملكون ثروات مالية مخيفة؟

- الإعلانات التي يعمل بها الفنانون الآن «ما كانت على أيامنا». في السابق تلقيتُ عرضاً لأمثل دعاية شامبو للشعر، لكنني رفضتُ وقلت «عيب»، كيف سأقدّم دعاية شامبو للناس؟ برغم أنه عُرض عليّ 200 ألف دولار لقاء هذه الدعاية (كان مبلغاً كبيراً في وقتها)، وأذكر أن هذا الإعلان أخذه الفنان عمرو دياب لاحقاً. في زمننا كان هذا الواقع مرفوضاً، واليوم بنظرة سريعة ترى الإعلام ثم الإعلام ثم الإعلام، ومَن يدفع المال تُفتح له الأبواب.

• هل سبق أن دفعتَ للإعلام؟

- أنا لا أدفع، بل أتقاضى المال لقاء ظهوري الإعلامي.

• وماذا عن الخليج العربي في حياة وليد توفيق؟

- الخليج له مرحلة مهمة في حياتي، كنت أول شاب صغير يلحّن خليجي أغنية «يا بنات الخليج»، حتى أنني لحنت أغنية تُعتمد في المدارس السعودية، وهي بعنوان «السعودية يا حبي أنا»، وقام بغنائها الأستاذ طلال المداح. دولة الكويت كانت المحطة الأساسية في الخليج العربي بالنسبة إليّ، وهي أهمّ بلد لتصدير الفن الخليجي. وللكويت محبة كبيرة في قلوب اللبنانيين ولاسيما أبناء جيلي. وأنا قدّمتُ سابقاً أغنية للكويت وصوّرتها محبةً لهذا البلد الكبير، لما قدّمه للبنان من مساعدات. أوجّه تحية كبيرة إلى شعب الكويت الحبيب وتحية خاصة إلى وزير الإعلام الشيخ سلمان صباح السالم الحمود الصباح، صاحب اليد البيضاء في عودتي للغناء في الكويت، فهو وجّه إلي دعوة خاصة قبل عامين وذهبتُ إلى الكويت وقدمتُ حفلاً ناجحاً. تحية لهذا الرجل من القلب، ولن أنسى لفتته الكريمة.

• وما سبب ابتعادك عن الكويت؟

- بل أُبعدت عنها. ظهرت شركات جديدة لديها محطات تلفزيونية وإذاعات وإمكانات مادية خطيرة ووقّعت مع الفنانين، إلا أن الفنان الذي لم يوقّع عقداً معها تجاهلتْه وعملت على تهميشه، وهذا ما كان له أثر بالغ في انتشار كل فناني جيلي في الكويت. الشيخ سلمان قال: «يجب إحضار وليد توفيق ليحتلّ مكانته الحقيقية في الكويت».

• لم تخبرنا عن حياتك الأسرية بعد؟

- أسرتي من أجمل نِعم الله عليّ. وأؤكد لك أن علي ابن جورجينا الكبير أعتبره ابني أيضاً، وقد زوّجته مرتين. وبالنسبة إلى وليد، فهو يحبّ الموسيقى الغربية ويدرس هندسة الصوت في لندن، أما نور فهي بعيدة عن الفن.

• وأيٌّ منهم تعتبره نسخةً منك؟

- ما في شي اسمه نسخة. وليد يشبهني كثيراً في الشكل الخارجي. وأنا مع الولد أن يكون قوياً ويختار ما يريده ويتعلم ما يريده، وضدّ أسلوب الديكتاتورية معه أو الضرب. يجب أن تبني شخصية الولد، لا أن تدمّرها.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي