صناع النجوم
نجلاء فتحي... قادها «العندليب» لعشق الفن / 25
مع حسن يوسف
دموع
نجلاء فتحي
| القاهرة - من سمر سعد |
غدت صناعة النجوم واحتضان المواهب، وشمولها بالرعاية والتربية... سواء في الفن أو غيره من المجالات الأخرى... فنا وفكرا وعلما واحترافا... في زمننا الحالي، بالرغم من أنها أمر قديم، ولكن دخل عليها حتما التطوير... في إطار أن كل شيء تبدل وتطور.
وإذا كانت المساعدات والمساندات... والدفعة الأولى - في أيام زمن الفن الجميل - كانت «حاضرة»... كثير أيضا من نجوم الجيل الحالي في الفن تحديدا، يقف وراءهم جهات إنتاجية كبيرة، أو مديرو أعمال على درجة عالية من الكفاءة والدراية والخبرة، التي تمكنهم من توجيه الفنان بصورة أقرب للمثالية، وتختصر كثيرا من الخطوات.
قد يكون صانع النجم «منتجا أو مخرجا أو مدير أعمال»، أو أحد أفراد أسرته، لكنه يكون في جميع الأحوال أشبه ببطارية الطاقة بالنسبة للفنان، وهو الذي ينسق خطواته، ويشاركه الرأي في اختيار أعماله، ويحدد له أوقات ظهوره إعلاميا.
وهذا ما يحدث تحديدا الآن، غير أن الأمر يبدو مختلفا منذ عقود عدة، حيث كانت الأمور تترك للصدفة أو القدر، فكم من فنان حقيقي، لم يكن يدرك أن بداخله موهبة كامنة، تريد من يستفزها ويضعها على الطريق الصحيح، وربما كان حدد مصيره في مهن ومجالات أبعد ما تكون عن الفن، ولكن خبرة منتج أو مخرج أو فنان كبير، هي التي تنتشله مما هو فيه، وتقدمه للفن، وينطلق، ويصبح بين عشية وضحاها من كبار النجوم.
حدث هذا مع «تحية كاريوكا ونجلاء فتحي ورشدي أباظة ونور الشريف ومحمود عبدالعزيز» وغيرهم، ممن سنتناولهم في هذه الحلقات التي سنتعرف من خلالها على البدايات الأولى لـ 15 فنانا من نجوم الصف الأول، وكيف وصلوا إلى ما وصلوا إليه، وأصحاب الأيادي البيضاء عليهم، الذين كانوا لا يبخلون بالتوجيه والنصيحة لوجه الفن، وليس لوجه شيء آخر، وأيضا ننتهي بـ «صانعة النجوم»... هذه التي وهبت حياتها... لتصنع نجوما، وتضعهم في الصفوف الأولى... والحكايات كثيرة.
هي واحدة من الفنانات المصريات القلائل... التي تركت فراغاً كبيراً بعد قرار الاعتزال غير المعلن، فالبرغم من أن نجلاء فتحي لا تزال مطلوبة في أعمال تلفزيونية وسينمائية، لكنها ومنذ العام 2000 قررت استكمال حياتها بعيداً عن الفن.
ولا نستطيع أن ننكر انها ظاهرة فنية لن تتكرر فكانت من اهم ممثلات السبعينات والثمانينات ولم تأت بديلة لها حتى الان ...وخلال السطور التالية سنستعرض أهم من أثروا في مشوارها الفني ووقفوا بجانبها إلى أن أصبحت اسما لامعا:
اسمها الحقيقي «فاطمة الزهراء حسين فتحي» من مواليد 21 ديسمبر 1951 بحيّ مصر الجديدة «شرق القاهرة».، والدها كان يعمل مهندساً ووالدتها ربة منزل من المنصورة، وقد أنجبت 9 أطفال... 4 بنات و5 أولاد.
طفولتها كانت حزينة وخاصة عندما وصلت العلاقة بين أبيها وأمها لطريق مسدود، فتم الانفصال بينهما، وانتقل والدها للعمل بالفيوم «105 كيلو مترات جنوب القاهرة» وعاشت هي مع والدتها في القاهرة، فقد كان لها تأثير كبير على شخصيتها حيث كانت قريبة منها بشكل أكبر من كل أخواتها، ولهذا اختارت لها مدرسة النوتردام الفرنسية بمصر الجديدة لكي تتلقى تعليمها فيها.
سنة أولى تمثيل
وفي تلك المدرسة بدأت فاطمة أولى خطواتها مع التمثيل... ومن خلال حفلات المدرسة حصلت على العديد من الجوائز ...
وعندما وصلت لمرحلة الصبا والشباب كبر حب الفن معها، وكان السبب الرئيسي في دخولها الفن وبدء خطواته... هو العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ الذي كانت تربطه صداقة وطيدة بأسرتها وكثيراً ما كان يتردد على منزل الأسرة.
وبالرغم من هذا لم يتخيل يوماً أنها ستكون إحدى نجمات السينما المصرية والعربية أو أنه سيأتي يوم وتمثل أمامه كما حدث في المسلسل الإذاعي (أرجوك لا تفهمني بسرعة) وشاركهما النجم الكوميدي عادل إمام .
تسبب عبدالحليم في عشقها للفن والتمثيل فكان دائماً يوجه الدعوة لها ولأسرتها لمشاهدة أفلامه الجديدة وكانت تخرج من السينما وتتقمص دور البطولة وتمثله... وكانت أمها وبعض أفراد الأسرة يبدون إعجابهم الشديد بها.
وكانت في الوقت ذاته تتابع جميع الأفلام الجديدة وتحرص على مشاهدتها ومتابعة أخبار النجوم عبر الصحف والمجلات وتتخيل اليوم الذي سيأتي ويتم نشر صورها وأخبارها مثلهم وحينما كان يأتي عبدالحليم لزيارة الأسرة كانت تجلس أمامه ولا تتحرك وتظل تنظر إليه وهي مبهورة.
نعم تسبب «حليم» في عشقها الشديد للفن، ولكن دخولها عالم التمثيل جاء بالصدفة... حينما كانت في مدينة الإسكندرية لقضاء أجازة الصيف وأثناء سيرها على شاطئ البحر شاهدها المنتج والكاتب عدلي المولد وعرفته نجلاء من صوره واسمه الكبير في المجلات الفنية فراح يراقب خطواتها ثم تحدث معها وفوجئت به يطلب منها العمل معه في أحد أفلامه الجديدة .
وقتها شعرت نجلاء بسعادة بالغة وعادت مسرعة لأمها لتحكي لها ما حدث وكان عبدالحليم بالصدفة موجودا بالإسكندرية فطلبته أمها فحضر وقصت عليه ما حدث فاتصل بعدلي المولد فأكد له صدق ما حدث فما كان من عبدالحليم إلا أن اختبرها بنفسه ثم شجعها على اتخاذ الخطوة الأولى.
غيروا اسمها
وفي ذلك الوقت كانت الفنانة زهرة العلا من نجمات السينما، وخاف مكتشفوها من الالتباس بين الاسمين، فغير المولد اسمها من فاطمة الزهراء إلى نجلاء فتحي ...
وبعدها قدمت نجلاء فتحي دورا صغيرا في فيلم (الأصدقاء الثلاثة) العام 1966وكان عمرها وقتها 15 عاماً فقط والفيلم كان بطولة أحمد رمزي وحسن يوسف ونبيلة عبيد ومحمد عوض إخراج أحمد ضياء الدين، وكان هذا الفيلم هو أول عمل سينمائي يعرض لها.
وبعدها اتفق معها حليم على البقاء بعيدا عن الأضواء حتى يبدأ تصوير فيلم «أبي فوق الشجرة» لكنها خالفت الاتفاق وشاركت في أفلام شبابية عدة في تلك الفترة، فغضب حليم وأسند الدور لميرفت أمين لتنطلق الأخيرة إلى النجومية بسرعة الصاروخ.
ونجلاء لا تنكر أن سبب عشقها للفن يعود الفضل فيه لعبدالحليم حافظ وأول ظهور لها يعود لعدلي المولد... ولكن الانطلاقة الحقيقية مع عالم البطولات المطلقة يعود للمنتج رمسيس نجيب الذي قدمها كنجمة واكتشفها في عالم البطولات فكانت أول بطولة سينمائية مطلقة لها عام 1968 وعمرها 17 عاماً في فيلم (أفراح) للمخرج أحمد بدرخان تأليف يوسف عيسى مع حسن يوسف وعادل أدهم، وتوالت بعدها الأفلام، فقامت في عام 1969 ببطولة فيلم (أسرار البنات) مع حسن يوسف ونيللي إخراج محمود ذو الفقار وأشاد النقاد بها كثيرا، وفتحت السينما ذراعيها لنجلاء لتقديم نحو 90 فيلما.
فترة السبعينات
ومن أبرز وأهم هذه الأفلام مجموعة الأفلام التي قدمتها في حقبة السبعينات وتعاونت مع معظم المخرجين مثل فيلم (حسناء المطار) عام 1971 وكان مع حسن يوسف، وفيلم (أختي) في نفس العام مع محمود ياسين وقدمت فيلم (ثم تشرق الشمس) مع المخرج أحمد ضياء الدين مع رشدي أباظة ونور الشريف.
وفي العام التالي 1972 قدمت أكثر من سبعة أفلام ولكنها تعتز كثيراً بفيلم (أنف وثلاث عيون) مع ماجدة وميرفت أمين وكان أول لقاء يجمعها بالفنان القدير محمود ياسين.
ومحمود ياسين من أهم الفنانين الذين أثروا في مشوار الفنانة نجلاء فتحي وتعلمت منه الكثير وكونا سويا ثنائيا ناجحا في عدد كبير من الأفلام مثل (الظلال على الجانب الآخر)، إخراج غالب شعث و(سونيا والمجنون) إخراج حسام الدين مصطفى و(اذكريني) اإخراج بركات و(الأقوياء) إخراج أشرف فهمي ومن أعظم وأهم أفلامها معه الفيلم الرائع (الشريرة) إخراج أشرف فهمي وهو أول فيلم مع محمود ياسين بعيداً عن الرومانسية بالإضافة لأفلام أخرى مهمة مثل (رحلة النسيان) و(دمي ودموعي وابتسامتي) و(حب وكبرياء) والفيلم الصعب المركب (المرايا) الذي حصلت على جوائز عديدة عنه.
بالإضافة لمجموعة الأفلام الوطنية التي قدماها معا عقب نصر أكتوبر العظيم وحققت نجاحاً كبيراً في ذلك الوقت مثل (بدور) إخراج نادر جلال و(الوفاء العظيم) إخراج حلمي حليم.
مخرجون... صناع
كما قدمت عددا كبيرا من الأفلام الأخرى مع نجوم ومخرجين آخرين مثل فيلم «أبو ربيع» عام 1973 مع فريد شوقي إخراج نادر جلال وفي العام نفسه 1973 قدمت فيلم (البنات لازم تتجوز) مع رشدي أباظة وأحمد السنباطي إخراج علي رضا، وفي عام 1974 قدمت عددا كبيرا من الأفلام منها (أجمل أيام حياتي) مع حسين فهمي وعماد حمدي اخراج بركات.
وكانت نقلة مهمة في مشوارها عام 1975 عند تقديمها فيلم (صابرين) مع نور الشريف وعادل إمام إخراج حسام الدين مصطفى وكانت هناك أفلام عديدة أخرى قدمتها في نفس الحقبة مثل فيلم (سنة أولى حب) واختتمت حقبة السبعينات بفيلم (إسكندرية ليه) مع فريد شوقي ومحسن محيي الدين وعزت العلايلي للمخرج الكبير الراحل يوسف شاهين.
ويجب هنا التوقف عند هذا الفيلم... وخاصة تأثير يوسف شاهين... على نجلاء فتحي الذي تعتبره من أنضج وأبرز مخرجي جيله وكانت تفهمه من نظرة عينه لدرجة أنه أطلق عليها الفتاة المدللة لأنها الوحيدة التي لم يصرخ في وجهها شاهين المعروف بعصبيته الزائدة ...وغير ذلك تعلمت معه الكثير وكانت تتمنى إكمال المسيرة معه.
اما فترة الثمانينات فقدمت نجلاء فتحي العديد من الأفلام مثل فيلم «حب لا يرى الشمس» مع محمود عبدالعزيز وفريد شوقي إخراج أحمد يحيى و(أنا في عينيه) مع محمود عبدالعزيز إخراج سعد عرفة و(المجهول) مع عزت العلايلي وسناء جميل وعادل أدهم إخراج أشرف فهمي.
أحلام هند وكاميليا
وكان من أهم الأفلام التي قدمتها بالطبع في هذا العقد فيلم «أحلام هند وكاميليا» عام 1988 مع أحمد زكي وعايدة رياض إخراج محمد خان و(عفواً أيها القانون) مع محمود عبدالعزيز إخراج إيناس الدغيدي.
تألقت نجلاء فتحي في فترة الثمانينات مع النجم أحمد زكي التي تعلمت منه الكثير وكان من أقرب الفنانين إلى قلبها ...فقبل أن كانت تبدأ في تمثيل دورها يذهب إليها، ويراجع المشهد كأنه بمثابة مساعد المخرج وذلك أعطاها ثقة كبيرة جدا في نفسها ...وقالت نجلاء في أحد حواراتها كنت أتمنى أن أقدم جميع افلامي مع فتى الشاشة الأسمر أحمد زكي ـ رحمه الله
ومن حب نجلاء فتحي لأحمد زكي انتشرت شائعات كثيرة حول زواجهما السري لكنها نفت ذلك تماما وقالت إنهما إخوة وأصدقاء في العمل وخارجه وكان يشرفها أن تتزوج منه... وإن فعلت ذلك لقالت للجميع من دون تردد.
أما في فترة التسعينات فقدمت نجلاء القليل من الأفلام مقارنة بما قدمته في الفترات السابقة ...فقدمت أفلاما مثل (اشتباه) مع صلاح قابيل ومحمد منير إخراج علاء كريم.... وفيلم (احذروا هذه المرأة) مع محمود حميدة وعايدة رياض إخراج سيد طنطاوي والفيلمان إنتاج العام 1991.
وكذلك فيلما (كونشرتو درب سعادة) مع صلاح السعدني للمخرجة أسماء البكري و(الجراج) مع فاروق الفيشاوي إخراج علاء كريم والذي حصلت عنه... على جائزة أحسن ممثلة في مصر عام 1994 وكذلك فيلم (تحت الصفر) مع المخرج عادل عوض.
حياة هادئة
أما حياتها الشخصية فظلت هادئة طوال الوقت في حياتها الفنية، فلم تشهد الكثير من الشائعات عكس معظم نجمات جيلها، وكان الزوج الأول لنجلاء هو المهندس أحمد عبدالقدوس... نجل الأديب محمد عبدالقدوس.
لكن الزيجة لم تستمر طويلا، لأنها كانت زيجة سرية اتفقت عليها مع زوجها وعمرها 18 سنة خوفا من رفض الأهل.
وسرعان ما انهارت العلاقة، لتتزوج خلال السبعينات من المهندس سيف الدين أبو النجا، الشقيق الأكبر لخالد أبو النجا، والذي أدى دور مصطفى في الفيلم الشهير «إمبراطورية ميم» وأثمر الزواج ابنتها الوحيدة «ياسمين»، لكنه أيضا لم يستمر طويلا.
وبعدها جاءت الزيجة الأكثر استقرارا العام 1992 من الإعلامي المعروف حمدي قنديل، والمستمرة حتى الآن، وتعترف نجلاء فتحي أن زواجها من قنديل ساهم في الحد من ظهورها تحت الأضواء بسبب كثرة السفر والترحال لطبيعة عمل زوجها، وهو العمل الذي يثير قلقها في معظم الأوقات بسبب هجومه الحاد على بعض الساسة العرب في برامجه.
نجلاء فتحي تعتبر قنديل كل أسرتها فجعلها أكثر ثقافة وفكرا ووعيا من السابق وملمة بشؤون بلدها وجعلها واسعة الأفق لدرجة أنها اتجهت إلى الكتابة للسينما، كما يفكر قنديل يوما في إبعاد نجلاء عن الساحة الفنية بل هي التي ابتعدت بارادتها بعد أن وجدت أن هناك مخططا قويا بإبعاد ممثلات جيلها عن الساحة الفنية.
قدمت نجلاء آخر أفلامها (يا عزيز عيني بطل من الجنوب) والذي تعرض لمؤامرة وقت عرضه بهدف ذبحها والقضاء على نجوميتها بالرغم من اتفاق النقاد على أنه أحد أهم أفلام السينما المصرية والعربية طيلة الأعوام الـ25 الماضية.
دراما تلفزيونية
ومنذ 3 أعوام عادت وبدأت في تصوير مسلسل (زيّ القمر) آخر أعمالها التلفزيونية. فقد تفرغت له تماماً لمدة عامين وبعد أن قام المخرج محمد خان بتصوير حلقتين منه صدر قرار غريب باستبعاد المخرج وقام المخرج أحمد يحيى بتصوير الحلقة الثالثة ثم فوجئت بما لم يتعرض له مسلسل من قبل... حيث صدر قرار بوقف تصوير المسلسل تماماً أمام ذهول ودهشة الجميع، فلم يحدث في تاريخ التلفزيون صدور مثل هذا القرار.
وبالرغم من هذا قررت نسيان الأمر بالرغم من الحالة النفسية السيئة وتعاملت مع الموضوع بإرادة قوية ووافقت على ترشيح المخرج عادل الأعصر لها للقيام ببطولة فيلم (الألوان) ومن دون مقدمات توقف المشروع دون مبرر منطقي... والمذهل أن الأمر ذاته تكرر ثانية مع فيلم (مرات سيادة الوزير) تأليف أحمد صالح وإخراج عادل عوض والذي تعاقدت على بطولته مع حسين فهمي.
وقبل بدء التصوير بيومين فقط تم إبلاغها بتأجيل المشروع لأجل غير مسمى ... وتكرر الأمر ذاته في مسلسلين آخرين ... وهو ما يعني أن نجلاء فتحي ابتعدت مكرهة عن الأضواء... وآثرت الاعتزال، وإن ظل غير معلن بشكل صريح.
غدت صناعة النجوم واحتضان المواهب، وشمولها بالرعاية والتربية... سواء في الفن أو غيره من المجالات الأخرى... فنا وفكرا وعلما واحترافا... في زمننا الحالي، بالرغم من أنها أمر قديم، ولكن دخل عليها حتما التطوير... في إطار أن كل شيء تبدل وتطور.
وإذا كانت المساعدات والمساندات... والدفعة الأولى - في أيام زمن الفن الجميل - كانت «حاضرة»... كثير أيضا من نجوم الجيل الحالي في الفن تحديدا، يقف وراءهم جهات إنتاجية كبيرة، أو مديرو أعمال على درجة عالية من الكفاءة والدراية والخبرة، التي تمكنهم من توجيه الفنان بصورة أقرب للمثالية، وتختصر كثيرا من الخطوات.
قد يكون صانع النجم «منتجا أو مخرجا أو مدير أعمال»، أو أحد أفراد أسرته، لكنه يكون في جميع الأحوال أشبه ببطارية الطاقة بالنسبة للفنان، وهو الذي ينسق خطواته، ويشاركه الرأي في اختيار أعماله، ويحدد له أوقات ظهوره إعلاميا.
وهذا ما يحدث تحديدا الآن، غير أن الأمر يبدو مختلفا منذ عقود عدة، حيث كانت الأمور تترك للصدفة أو القدر، فكم من فنان حقيقي، لم يكن يدرك أن بداخله موهبة كامنة، تريد من يستفزها ويضعها على الطريق الصحيح، وربما كان حدد مصيره في مهن ومجالات أبعد ما تكون عن الفن، ولكن خبرة منتج أو مخرج أو فنان كبير، هي التي تنتشله مما هو فيه، وتقدمه للفن، وينطلق، ويصبح بين عشية وضحاها من كبار النجوم.
حدث هذا مع «تحية كاريوكا ونجلاء فتحي ورشدي أباظة ونور الشريف ومحمود عبدالعزيز» وغيرهم، ممن سنتناولهم في هذه الحلقات التي سنتعرف من خلالها على البدايات الأولى لـ 15 فنانا من نجوم الصف الأول، وكيف وصلوا إلى ما وصلوا إليه، وأصحاب الأيادي البيضاء عليهم، الذين كانوا لا يبخلون بالتوجيه والنصيحة لوجه الفن، وليس لوجه شيء آخر، وأيضا ننتهي بـ «صانعة النجوم»... هذه التي وهبت حياتها... لتصنع نجوما، وتضعهم في الصفوف الأولى... والحكايات كثيرة.
هي واحدة من الفنانات المصريات القلائل... التي تركت فراغاً كبيراً بعد قرار الاعتزال غير المعلن، فالبرغم من أن نجلاء فتحي لا تزال مطلوبة في أعمال تلفزيونية وسينمائية، لكنها ومنذ العام 2000 قررت استكمال حياتها بعيداً عن الفن.
ولا نستطيع أن ننكر انها ظاهرة فنية لن تتكرر فكانت من اهم ممثلات السبعينات والثمانينات ولم تأت بديلة لها حتى الان ...وخلال السطور التالية سنستعرض أهم من أثروا في مشوارها الفني ووقفوا بجانبها إلى أن أصبحت اسما لامعا:
اسمها الحقيقي «فاطمة الزهراء حسين فتحي» من مواليد 21 ديسمبر 1951 بحيّ مصر الجديدة «شرق القاهرة».، والدها كان يعمل مهندساً ووالدتها ربة منزل من المنصورة، وقد أنجبت 9 أطفال... 4 بنات و5 أولاد.
طفولتها كانت حزينة وخاصة عندما وصلت العلاقة بين أبيها وأمها لطريق مسدود، فتم الانفصال بينهما، وانتقل والدها للعمل بالفيوم «105 كيلو مترات جنوب القاهرة» وعاشت هي مع والدتها في القاهرة، فقد كان لها تأثير كبير على شخصيتها حيث كانت قريبة منها بشكل أكبر من كل أخواتها، ولهذا اختارت لها مدرسة النوتردام الفرنسية بمصر الجديدة لكي تتلقى تعليمها فيها.
سنة أولى تمثيل
وفي تلك المدرسة بدأت فاطمة أولى خطواتها مع التمثيل... ومن خلال حفلات المدرسة حصلت على العديد من الجوائز ...
وعندما وصلت لمرحلة الصبا والشباب كبر حب الفن معها، وكان السبب الرئيسي في دخولها الفن وبدء خطواته... هو العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ الذي كانت تربطه صداقة وطيدة بأسرتها وكثيراً ما كان يتردد على منزل الأسرة.
وبالرغم من هذا لم يتخيل يوماً أنها ستكون إحدى نجمات السينما المصرية والعربية أو أنه سيأتي يوم وتمثل أمامه كما حدث في المسلسل الإذاعي (أرجوك لا تفهمني بسرعة) وشاركهما النجم الكوميدي عادل إمام .
تسبب عبدالحليم في عشقها للفن والتمثيل فكان دائماً يوجه الدعوة لها ولأسرتها لمشاهدة أفلامه الجديدة وكانت تخرج من السينما وتتقمص دور البطولة وتمثله... وكانت أمها وبعض أفراد الأسرة يبدون إعجابهم الشديد بها.
وكانت في الوقت ذاته تتابع جميع الأفلام الجديدة وتحرص على مشاهدتها ومتابعة أخبار النجوم عبر الصحف والمجلات وتتخيل اليوم الذي سيأتي ويتم نشر صورها وأخبارها مثلهم وحينما كان يأتي عبدالحليم لزيارة الأسرة كانت تجلس أمامه ولا تتحرك وتظل تنظر إليه وهي مبهورة.
نعم تسبب «حليم» في عشقها الشديد للفن، ولكن دخولها عالم التمثيل جاء بالصدفة... حينما كانت في مدينة الإسكندرية لقضاء أجازة الصيف وأثناء سيرها على شاطئ البحر شاهدها المنتج والكاتب عدلي المولد وعرفته نجلاء من صوره واسمه الكبير في المجلات الفنية فراح يراقب خطواتها ثم تحدث معها وفوجئت به يطلب منها العمل معه في أحد أفلامه الجديدة .
وقتها شعرت نجلاء بسعادة بالغة وعادت مسرعة لأمها لتحكي لها ما حدث وكان عبدالحليم بالصدفة موجودا بالإسكندرية فطلبته أمها فحضر وقصت عليه ما حدث فاتصل بعدلي المولد فأكد له صدق ما حدث فما كان من عبدالحليم إلا أن اختبرها بنفسه ثم شجعها على اتخاذ الخطوة الأولى.
غيروا اسمها
وفي ذلك الوقت كانت الفنانة زهرة العلا من نجمات السينما، وخاف مكتشفوها من الالتباس بين الاسمين، فغير المولد اسمها من فاطمة الزهراء إلى نجلاء فتحي ...
وبعدها قدمت نجلاء فتحي دورا صغيرا في فيلم (الأصدقاء الثلاثة) العام 1966وكان عمرها وقتها 15 عاماً فقط والفيلم كان بطولة أحمد رمزي وحسن يوسف ونبيلة عبيد ومحمد عوض إخراج أحمد ضياء الدين، وكان هذا الفيلم هو أول عمل سينمائي يعرض لها.
وبعدها اتفق معها حليم على البقاء بعيدا عن الأضواء حتى يبدأ تصوير فيلم «أبي فوق الشجرة» لكنها خالفت الاتفاق وشاركت في أفلام شبابية عدة في تلك الفترة، فغضب حليم وأسند الدور لميرفت أمين لتنطلق الأخيرة إلى النجومية بسرعة الصاروخ.
ونجلاء لا تنكر أن سبب عشقها للفن يعود الفضل فيه لعبدالحليم حافظ وأول ظهور لها يعود لعدلي المولد... ولكن الانطلاقة الحقيقية مع عالم البطولات المطلقة يعود للمنتج رمسيس نجيب الذي قدمها كنجمة واكتشفها في عالم البطولات فكانت أول بطولة سينمائية مطلقة لها عام 1968 وعمرها 17 عاماً في فيلم (أفراح) للمخرج أحمد بدرخان تأليف يوسف عيسى مع حسن يوسف وعادل أدهم، وتوالت بعدها الأفلام، فقامت في عام 1969 ببطولة فيلم (أسرار البنات) مع حسن يوسف ونيللي إخراج محمود ذو الفقار وأشاد النقاد بها كثيرا، وفتحت السينما ذراعيها لنجلاء لتقديم نحو 90 فيلما.
فترة السبعينات
ومن أبرز وأهم هذه الأفلام مجموعة الأفلام التي قدمتها في حقبة السبعينات وتعاونت مع معظم المخرجين مثل فيلم (حسناء المطار) عام 1971 وكان مع حسن يوسف، وفيلم (أختي) في نفس العام مع محمود ياسين وقدمت فيلم (ثم تشرق الشمس) مع المخرج أحمد ضياء الدين مع رشدي أباظة ونور الشريف.
وفي العام التالي 1972 قدمت أكثر من سبعة أفلام ولكنها تعتز كثيراً بفيلم (أنف وثلاث عيون) مع ماجدة وميرفت أمين وكان أول لقاء يجمعها بالفنان القدير محمود ياسين.
ومحمود ياسين من أهم الفنانين الذين أثروا في مشوار الفنانة نجلاء فتحي وتعلمت منه الكثير وكونا سويا ثنائيا ناجحا في عدد كبير من الأفلام مثل (الظلال على الجانب الآخر)، إخراج غالب شعث و(سونيا والمجنون) إخراج حسام الدين مصطفى و(اذكريني) اإخراج بركات و(الأقوياء) إخراج أشرف فهمي ومن أعظم وأهم أفلامها معه الفيلم الرائع (الشريرة) إخراج أشرف فهمي وهو أول فيلم مع محمود ياسين بعيداً عن الرومانسية بالإضافة لأفلام أخرى مهمة مثل (رحلة النسيان) و(دمي ودموعي وابتسامتي) و(حب وكبرياء) والفيلم الصعب المركب (المرايا) الذي حصلت على جوائز عديدة عنه.
بالإضافة لمجموعة الأفلام الوطنية التي قدماها معا عقب نصر أكتوبر العظيم وحققت نجاحاً كبيراً في ذلك الوقت مثل (بدور) إخراج نادر جلال و(الوفاء العظيم) إخراج حلمي حليم.
مخرجون... صناع
كما قدمت عددا كبيرا من الأفلام الأخرى مع نجوم ومخرجين آخرين مثل فيلم «أبو ربيع» عام 1973 مع فريد شوقي إخراج نادر جلال وفي العام نفسه 1973 قدمت فيلم (البنات لازم تتجوز) مع رشدي أباظة وأحمد السنباطي إخراج علي رضا، وفي عام 1974 قدمت عددا كبيرا من الأفلام منها (أجمل أيام حياتي) مع حسين فهمي وعماد حمدي اخراج بركات.
وكانت نقلة مهمة في مشوارها عام 1975 عند تقديمها فيلم (صابرين) مع نور الشريف وعادل إمام إخراج حسام الدين مصطفى وكانت هناك أفلام عديدة أخرى قدمتها في نفس الحقبة مثل فيلم (سنة أولى حب) واختتمت حقبة السبعينات بفيلم (إسكندرية ليه) مع فريد شوقي ومحسن محيي الدين وعزت العلايلي للمخرج الكبير الراحل يوسف شاهين.
ويجب هنا التوقف عند هذا الفيلم... وخاصة تأثير يوسف شاهين... على نجلاء فتحي الذي تعتبره من أنضج وأبرز مخرجي جيله وكانت تفهمه من نظرة عينه لدرجة أنه أطلق عليها الفتاة المدللة لأنها الوحيدة التي لم يصرخ في وجهها شاهين المعروف بعصبيته الزائدة ...وغير ذلك تعلمت معه الكثير وكانت تتمنى إكمال المسيرة معه.
اما فترة الثمانينات فقدمت نجلاء فتحي العديد من الأفلام مثل فيلم «حب لا يرى الشمس» مع محمود عبدالعزيز وفريد شوقي إخراج أحمد يحيى و(أنا في عينيه) مع محمود عبدالعزيز إخراج سعد عرفة و(المجهول) مع عزت العلايلي وسناء جميل وعادل أدهم إخراج أشرف فهمي.
أحلام هند وكاميليا
وكان من أهم الأفلام التي قدمتها بالطبع في هذا العقد فيلم «أحلام هند وكاميليا» عام 1988 مع أحمد زكي وعايدة رياض إخراج محمد خان و(عفواً أيها القانون) مع محمود عبدالعزيز إخراج إيناس الدغيدي.
تألقت نجلاء فتحي في فترة الثمانينات مع النجم أحمد زكي التي تعلمت منه الكثير وكان من أقرب الفنانين إلى قلبها ...فقبل أن كانت تبدأ في تمثيل دورها يذهب إليها، ويراجع المشهد كأنه بمثابة مساعد المخرج وذلك أعطاها ثقة كبيرة جدا في نفسها ...وقالت نجلاء في أحد حواراتها كنت أتمنى أن أقدم جميع افلامي مع فتى الشاشة الأسمر أحمد زكي ـ رحمه الله
ومن حب نجلاء فتحي لأحمد زكي انتشرت شائعات كثيرة حول زواجهما السري لكنها نفت ذلك تماما وقالت إنهما إخوة وأصدقاء في العمل وخارجه وكان يشرفها أن تتزوج منه... وإن فعلت ذلك لقالت للجميع من دون تردد.
أما في فترة التسعينات فقدمت نجلاء القليل من الأفلام مقارنة بما قدمته في الفترات السابقة ...فقدمت أفلاما مثل (اشتباه) مع صلاح قابيل ومحمد منير إخراج علاء كريم.... وفيلم (احذروا هذه المرأة) مع محمود حميدة وعايدة رياض إخراج سيد طنطاوي والفيلمان إنتاج العام 1991.
وكذلك فيلما (كونشرتو درب سعادة) مع صلاح السعدني للمخرجة أسماء البكري و(الجراج) مع فاروق الفيشاوي إخراج علاء كريم والذي حصلت عنه... على جائزة أحسن ممثلة في مصر عام 1994 وكذلك فيلم (تحت الصفر) مع المخرج عادل عوض.
حياة هادئة
أما حياتها الشخصية فظلت هادئة طوال الوقت في حياتها الفنية، فلم تشهد الكثير من الشائعات عكس معظم نجمات جيلها، وكان الزوج الأول لنجلاء هو المهندس أحمد عبدالقدوس... نجل الأديب محمد عبدالقدوس.
لكن الزيجة لم تستمر طويلا، لأنها كانت زيجة سرية اتفقت عليها مع زوجها وعمرها 18 سنة خوفا من رفض الأهل.
وسرعان ما انهارت العلاقة، لتتزوج خلال السبعينات من المهندس سيف الدين أبو النجا، الشقيق الأكبر لخالد أبو النجا، والذي أدى دور مصطفى في الفيلم الشهير «إمبراطورية ميم» وأثمر الزواج ابنتها الوحيدة «ياسمين»، لكنه أيضا لم يستمر طويلا.
وبعدها جاءت الزيجة الأكثر استقرارا العام 1992 من الإعلامي المعروف حمدي قنديل، والمستمرة حتى الآن، وتعترف نجلاء فتحي أن زواجها من قنديل ساهم في الحد من ظهورها تحت الأضواء بسبب كثرة السفر والترحال لطبيعة عمل زوجها، وهو العمل الذي يثير قلقها في معظم الأوقات بسبب هجومه الحاد على بعض الساسة العرب في برامجه.
نجلاء فتحي تعتبر قنديل كل أسرتها فجعلها أكثر ثقافة وفكرا ووعيا من السابق وملمة بشؤون بلدها وجعلها واسعة الأفق لدرجة أنها اتجهت إلى الكتابة للسينما، كما يفكر قنديل يوما في إبعاد نجلاء عن الساحة الفنية بل هي التي ابتعدت بارادتها بعد أن وجدت أن هناك مخططا قويا بإبعاد ممثلات جيلها عن الساحة الفنية.
قدمت نجلاء آخر أفلامها (يا عزيز عيني بطل من الجنوب) والذي تعرض لمؤامرة وقت عرضه بهدف ذبحها والقضاء على نجوميتها بالرغم من اتفاق النقاد على أنه أحد أهم أفلام السينما المصرية والعربية طيلة الأعوام الـ25 الماضية.
دراما تلفزيونية
ومنذ 3 أعوام عادت وبدأت في تصوير مسلسل (زيّ القمر) آخر أعمالها التلفزيونية. فقد تفرغت له تماماً لمدة عامين وبعد أن قام المخرج محمد خان بتصوير حلقتين منه صدر قرار غريب باستبعاد المخرج وقام المخرج أحمد يحيى بتصوير الحلقة الثالثة ثم فوجئت بما لم يتعرض له مسلسل من قبل... حيث صدر قرار بوقف تصوير المسلسل تماماً أمام ذهول ودهشة الجميع، فلم يحدث في تاريخ التلفزيون صدور مثل هذا القرار.
وبالرغم من هذا قررت نسيان الأمر بالرغم من الحالة النفسية السيئة وتعاملت مع الموضوع بإرادة قوية ووافقت على ترشيح المخرج عادل الأعصر لها للقيام ببطولة فيلم (الألوان) ومن دون مقدمات توقف المشروع دون مبرر منطقي... والمذهل أن الأمر ذاته تكرر ثانية مع فيلم (مرات سيادة الوزير) تأليف أحمد صالح وإخراج عادل عوض والذي تعاقدت على بطولته مع حسين فهمي.
وقبل بدء التصوير بيومين فقط تم إبلاغها بتأجيل المشروع لأجل غير مسمى ... وتكرر الأمر ذاته في مسلسلين آخرين ... وهو ما يعني أن نجلاء فتحي ابتعدت مكرهة عن الأضواء... وآثرت الاعتزال، وإن ظل غير معلن بشكل صريح.