عاش عصراً ذهبياً حتى الاجتياح الإسرائيلي للبنان العام 1982
«زمور الخطر» في صيدا «ذاع صوته» طويلاً واليوم صار... هيكلاً حديدياً

«زمور الخطر»... إلى التقاعد

صامد بوجه الصدأ




صار مجرد ذكرى أليمة و«شاهداً» على فظاعة الاعتداءات الإسرائيلية
ما تزال بعض الأشياء التي عاشت عصراً ذهبياً خلال العقود الماضية، تشكل ذكرى «حلوة» أو «مُرة» في ذاكرة اللبنانيين، تلاشت أو تكاد مع التطور التكنولوجي أو انتفاء الحاجة إليها، في ظل العمران والتطور المدني، مثل «حكواتي رمضان»، «سكة الحديد والقطار» و... «زمور الخطر». اختفى «الحكواتي»، وتلاشى القطار وبقيت سكة الحديد شاهداً على عصره الجميل في النقل السريع، فيما صمت «زمور الخطر» وتحوّل إلى هيكل حديد صدئ ودخل في استراحة قسرية منذ عقود طويلة متربعاً فوق أسطح عدد من الأبنية في مدن لبنانية عديدة... ومنها مدينة صيدا بعدما صار مجرد ذكرى أليمة و«شاهداً» على فظاعة الإعتداءات الإسرائيلية ضد عاصمة الجنوب ومخيماتها الفلسطينية على امتداد تاريخٍ أسود سبق ورافق الاجتياح الواسع النطاق للبنان العام 1982.
أجيال كثيرة من اللبنانيين تمرّ اليوم على هذا «الزمور» وقد فقد وظيفته، وصمتت أبواقه المتعددة الاتجاه التي كانت تحذّر المواطنين من الخطر الداهم من غارات إسرائيلية مفاجئة، أو قصف مدفعي على حين غرة، كي يسارعوا إلى أخذ الحيطة والحذر وينجوا بأنفسهم وعائلاتهم للهروب من الشوارع والتزام منازلهم أو النزول إلى «الملاجئ المحصنة» التي شُيدت تحت المباني التي تمدّدت طولاً وعرضاً.
اليوم، لا تزال أسطح عدد من الأبنية في صيدا ومنطقتها تحتفظ بـ «زمور الخطر» مثل بناية «الشهرزاد» وسط المدينة القريبة من الأسواق التجارية والمطلّة على شارع رياض الصلح الرئيسي، إضافة إلى أحد الأبنية في تعمير عين الحلوة مقابل «ثانوية صيدا الرسمية للصبيان» القريبة من مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين.
وفي عبرا شرق صيدا، حيث كانت تنتشر غالبية المواقع العسكرية للمقاومة الفلسطينية واللبنانية التي تحوّلت هدفاً دائماً للغارات الجوية الإسرائيلية، اشتهر أحد الأبنية باحتضانه «زمور الخطر» وقد اندثر الآن. كما «ذاع صوت» زمور كان يستقرّ على مبنى «السنترال» القديم بمحاذاة أحياء صيدا القديمة والذي جرى هدمه قبل أشهر قليلة لبناء مركز جديد.
ويؤكد الصيداوي محمود خضرا، أن «زمور الخطر» لعب قبل أكثر من عقدين من الزمن دوراً أساسياً في المواجهة مع قوات الاحتلال الإسرائيلي «اذ كانت صفارات إنذاره وصوته القوي المدوّي ينبه إلى قرب حصول غارة جوية أو قصف مدفعي من العدو وعملائه، فيسارع المواطنون نهاراً إلى إخلاء الأماكن العامة والشوارع الرئيسية والفرعية، والنزول إلى الملاجئ للاحتماء من القصف الغادر منه والعشوائي، ويُضاف إلى ذلك ليلاً إطفاء أنوار المنازل ومصابيح السيارات ووقف حركتها، وحتى إطفاء سجائر الدخان كي لا تكون هدفاً مباشراً للاستهداف».
اليوم، ومع «انتهاء خدمته» تلاشى «زمور الخطر» في مكان، وصمتت صفارات إنذاره في مكان آخر بسبب الأعطال التي لحقت به جراء الحروب والإعتداءات من جهة، وعدم صيانته الدورية من جهة أخرى، حتى بات الآن في حال رثة ومهترئة، وقد أصابه الصدأ وتآكل وهوى بعضه على شباك حديدية كانت تحميه من أي أذى.
ويروي كبار السن من الصيداويين الذي عايشوا تلك الحقبة المليئة بالغارات والقصف، أن «زمور الخطر» كان يدوي بشكل متقطع كإنذار بالخطر الداهم، ثم يعود ويدوي مجدداً بشكل متواصل لإعطاء الأمان وإعلان زوال الخطر، وكانت الفترة الفاصلة بين الوضعيْن مرهونة بوقت الغارات الجوية أو القصف المدفعي، وقد تطول أو تقصر.
ويقول الحاج علي بوجي الذي كان واحداً من الذين عايشوا تلك الفترة، مستعيداً ذكرياته مع «زمور الخطر»: «وُضع على أسطح بعض الأبنية في صيدا إبان نكسة العام 1967، وكان حينها من صلاحية الدفاع المدني الذي كان في ذلك الوقت تابعاً للجيش اللبناني وليس لوزارة الداخلية كما هي الحال اليوم، وقد اتُخذ قرار تثبيت أكثر من»زمور خطر«على أبنية مهمة ومرتفعة في المدينة ومنطقتها، لتنبيه المواطنين إلى أي خطر، وكان يشرف عليه آنذاك رئيس الدفاع المدني في الجنوب مصطفى طالب». وأوضح «أن مهمة (زمور الخطر) كانت تنبيه المواطنين قبيل حصول غارة جوية على المدينة ومنطقتها وتسمى (صفارة خطر)، ليسارعوا إلى الاختباء في الملاجئ التي كانت تتواجد بكثافة والاحتماء من الشظايا، ومن ثم إعلامهم بانتهاء الغارة، وكانت تلك تسمى (صفارة أمان)، ليعودوا إلى منازلهم أو مزاولة أعمالهم»، لافتاً الى «أن طريقة إطلاق (زموز الخطر) كانت تتم يدوياً أولاً، بعدها عن طريق رقم هاتفي سرّي من سنترال الدولة، قبل أن يهرم ويبلغ سن التقاعد، ويصمت صوته».
وخلال فترة الاجتياح الإسرائيلي للبنان العام 1982، بلغ «زمور الخطر» أوجه في الإنذار كإشعارٍ بالخطر الداهم، وكان صوته يدوي بلا توقف أحياناً بسبب كثافة الغارات الجوية، لكن في كثير من الأوقات كان هدير الطائرات «المُغيرة» وانفجار الصواريخ يطغى على إنذاره.
ويتذكر كبار السن مرّةً دوىَّ فيها «زمور الخطر» وكان ذلك فى أواخر الثمانينات من القرن الماضي عندما كانت الطائرات الإسرائيلية تغير على مواقع فلسطينية على تخوم صيدا الشرقية، ولكنه بعدها صمت وما زال. وفي أعقاب تلك الفترة جرت محاولة لإعادته إلى الخدمة، فقام الجيش اللبناني والدفاع المدني بعملية صيانة، لكن بعد وقت قليل تولّدت قناعة بأنه بات غير صالح فعلياً للخدمة، وأن ثمة حاجة إلى آخر جديد يواكب تطورات العصر ويتميّز بسرعة إطلاقه والكشف المبكر للخطر.
ويتذكر الحاج محمود السن، أن «العصر الذهبي» لـ «زمور الخطر» كان في بداية الثمانينات حتى عام الاجتياح 1982، «وفي هاتين السنتين كانت الطائرات الإسرائيلية تشنّ غارات جوية كثيفة على المواقع العسكرية والمكاتب التنظيمية، ومنها وسط المدينة وعند أطرافها، إضافة إلى المخيمات الفلسطينية، ولم يكد يمر يوم من دون أن يسمع الأهالي صفاراته مراراً، وأحياناً أكثر من مرة في اليوم الواحد، وكانت صيدا في قلب الحدث في تلك الفترة المهمة».
ويضيف متنهّداً: «حين كان يدوّي صوته ليلاً، كل شيء يتوقف وتتجمد دورة الحياة، وتطفأ الأنوار في الشوارع العامة وفي غالبية المنازل، وتتوقف حركة الآليات العسكرية والسيارات وينتشر المقاتلون في مواقع قتالية، ويستنفر رجال الإسعاف والدفاع المدني والمستشفيات، إلى أن تدوي مجدداً صفّارة الأمان».
في رأي جيل الشباب، فإن زمن «زمور الخطر» قد ولَّى، ولم يعد سوى ذكرى أمام عصر الحداثة والتكنولوجيا، وفق ما يؤكد الشاب علي دالي بلطة الذي أضاف: «باتت وسائل الإعلام والمحطات الفضائية أسرع للإبلاغ عن أي نبأ أو خطر، فما الجدوى من إعادة تأهيله وصيانته مجدداً؟». غير أن زميله محمد حنينة يخالفه الرأي ويقول: «ربما يكون (زمور الخطر) فقد مهمته ولم يعد يلتقط الطائرات الإسرائيلية وهي تخرق الأجواء بين الحين والآخر، ولكنه بالتأكيد سيبقى شاهداً حياً بهيكله الحديدي الصدئ على بشاعة الاعتداءات الإسرائيلية والمجازر الوحشية ضد صيدا والجنوب والمخيمات وكل لبنان».
أجيال كثيرة من اللبنانيين تمرّ اليوم على هذا «الزمور» وقد فقد وظيفته، وصمتت أبواقه المتعددة الاتجاه التي كانت تحذّر المواطنين من الخطر الداهم من غارات إسرائيلية مفاجئة، أو قصف مدفعي على حين غرة، كي يسارعوا إلى أخذ الحيطة والحذر وينجوا بأنفسهم وعائلاتهم للهروب من الشوارع والتزام منازلهم أو النزول إلى «الملاجئ المحصنة» التي شُيدت تحت المباني التي تمدّدت طولاً وعرضاً.
اليوم، لا تزال أسطح عدد من الأبنية في صيدا ومنطقتها تحتفظ بـ «زمور الخطر» مثل بناية «الشهرزاد» وسط المدينة القريبة من الأسواق التجارية والمطلّة على شارع رياض الصلح الرئيسي، إضافة إلى أحد الأبنية في تعمير عين الحلوة مقابل «ثانوية صيدا الرسمية للصبيان» القريبة من مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين.
وفي عبرا شرق صيدا، حيث كانت تنتشر غالبية المواقع العسكرية للمقاومة الفلسطينية واللبنانية التي تحوّلت هدفاً دائماً للغارات الجوية الإسرائيلية، اشتهر أحد الأبنية باحتضانه «زمور الخطر» وقد اندثر الآن. كما «ذاع صوت» زمور كان يستقرّ على مبنى «السنترال» القديم بمحاذاة أحياء صيدا القديمة والذي جرى هدمه قبل أشهر قليلة لبناء مركز جديد.
ويؤكد الصيداوي محمود خضرا، أن «زمور الخطر» لعب قبل أكثر من عقدين من الزمن دوراً أساسياً في المواجهة مع قوات الاحتلال الإسرائيلي «اذ كانت صفارات إنذاره وصوته القوي المدوّي ينبه إلى قرب حصول غارة جوية أو قصف مدفعي من العدو وعملائه، فيسارع المواطنون نهاراً إلى إخلاء الأماكن العامة والشوارع الرئيسية والفرعية، والنزول إلى الملاجئ للاحتماء من القصف الغادر منه والعشوائي، ويُضاف إلى ذلك ليلاً إطفاء أنوار المنازل ومصابيح السيارات ووقف حركتها، وحتى إطفاء سجائر الدخان كي لا تكون هدفاً مباشراً للاستهداف».
اليوم، ومع «انتهاء خدمته» تلاشى «زمور الخطر» في مكان، وصمتت صفارات إنذاره في مكان آخر بسبب الأعطال التي لحقت به جراء الحروب والإعتداءات من جهة، وعدم صيانته الدورية من جهة أخرى، حتى بات الآن في حال رثة ومهترئة، وقد أصابه الصدأ وتآكل وهوى بعضه على شباك حديدية كانت تحميه من أي أذى.
ويروي كبار السن من الصيداويين الذي عايشوا تلك الحقبة المليئة بالغارات والقصف، أن «زمور الخطر» كان يدوي بشكل متقطع كإنذار بالخطر الداهم، ثم يعود ويدوي مجدداً بشكل متواصل لإعطاء الأمان وإعلان زوال الخطر، وكانت الفترة الفاصلة بين الوضعيْن مرهونة بوقت الغارات الجوية أو القصف المدفعي، وقد تطول أو تقصر.
ويقول الحاج علي بوجي الذي كان واحداً من الذين عايشوا تلك الفترة، مستعيداً ذكرياته مع «زمور الخطر»: «وُضع على أسطح بعض الأبنية في صيدا إبان نكسة العام 1967، وكان حينها من صلاحية الدفاع المدني الذي كان في ذلك الوقت تابعاً للجيش اللبناني وليس لوزارة الداخلية كما هي الحال اليوم، وقد اتُخذ قرار تثبيت أكثر من»زمور خطر«على أبنية مهمة ومرتفعة في المدينة ومنطقتها، لتنبيه المواطنين إلى أي خطر، وكان يشرف عليه آنذاك رئيس الدفاع المدني في الجنوب مصطفى طالب». وأوضح «أن مهمة (زمور الخطر) كانت تنبيه المواطنين قبيل حصول غارة جوية على المدينة ومنطقتها وتسمى (صفارة خطر)، ليسارعوا إلى الاختباء في الملاجئ التي كانت تتواجد بكثافة والاحتماء من الشظايا، ومن ثم إعلامهم بانتهاء الغارة، وكانت تلك تسمى (صفارة أمان)، ليعودوا إلى منازلهم أو مزاولة أعمالهم»، لافتاً الى «أن طريقة إطلاق (زموز الخطر) كانت تتم يدوياً أولاً، بعدها عن طريق رقم هاتفي سرّي من سنترال الدولة، قبل أن يهرم ويبلغ سن التقاعد، ويصمت صوته».
وخلال فترة الاجتياح الإسرائيلي للبنان العام 1982، بلغ «زمور الخطر» أوجه في الإنذار كإشعارٍ بالخطر الداهم، وكان صوته يدوي بلا توقف أحياناً بسبب كثافة الغارات الجوية، لكن في كثير من الأوقات كان هدير الطائرات «المُغيرة» وانفجار الصواريخ يطغى على إنذاره.
ويتذكر كبار السن مرّةً دوىَّ فيها «زمور الخطر» وكان ذلك فى أواخر الثمانينات من القرن الماضي عندما كانت الطائرات الإسرائيلية تغير على مواقع فلسطينية على تخوم صيدا الشرقية، ولكنه بعدها صمت وما زال. وفي أعقاب تلك الفترة جرت محاولة لإعادته إلى الخدمة، فقام الجيش اللبناني والدفاع المدني بعملية صيانة، لكن بعد وقت قليل تولّدت قناعة بأنه بات غير صالح فعلياً للخدمة، وأن ثمة حاجة إلى آخر جديد يواكب تطورات العصر ويتميّز بسرعة إطلاقه والكشف المبكر للخطر.
ويتذكر الحاج محمود السن، أن «العصر الذهبي» لـ «زمور الخطر» كان في بداية الثمانينات حتى عام الاجتياح 1982، «وفي هاتين السنتين كانت الطائرات الإسرائيلية تشنّ غارات جوية كثيفة على المواقع العسكرية والمكاتب التنظيمية، ومنها وسط المدينة وعند أطرافها، إضافة إلى المخيمات الفلسطينية، ولم يكد يمر يوم من دون أن يسمع الأهالي صفاراته مراراً، وأحياناً أكثر من مرة في اليوم الواحد، وكانت صيدا في قلب الحدث في تلك الفترة المهمة».
ويضيف متنهّداً: «حين كان يدوّي صوته ليلاً، كل شيء يتوقف وتتجمد دورة الحياة، وتطفأ الأنوار في الشوارع العامة وفي غالبية المنازل، وتتوقف حركة الآليات العسكرية والسيارات وينتشر المقاتلون في مواقع قتالية، ويستنفر رجال الإسعاف والدفاع المدني والمستشفيات، إلى أن تدوي مجدداً صفّارة الأمان».
في رأي جيل الشباب، فإن زمن «زمور الخطر» قد ولَّى، ولم يعد سوى ذكرى أمام عصر الحداثة والتكنولوجيا، وفق ما يؤكد الشاب علي دالي بلطة الذي أضاف: «باتت وسائل الإعلام والمحطات الفضائية أسرع للإبلاغ عن أي نبأ أو خطر، فما الجدوى من إعادة تأهيله وصيانته مجدداً؟». غير أن زميله محمد حنينة يخالفه الرأي ويقول: «ربما يكون (زمور الخطر) فقد مهمته ولم يعد يلتقط الطائرات الإسرائيلية وهي تخرق الأجواء بين الحين والآخر، ولكنه بالتأكيد سيبقى شاهداً حياً بهيكله الحديدي الصدئ على بشاعة الاعتداءات الإسرائيلية والمجازر الوحشية ضد صيدا والجنوب والمخيمات وكل لبنان».