الدليل الفقهي / حُكْمُ حَلْقِ اللحية

تصغير
تكبير
زاوية يكتبها الدكتور/ عبدالرؤوف بن محمد بن أحمد الكمالي

الأستاذ المشارك بكلية التربية الأساسية – قسم الدراسات الإسلامية،يقدم من خلالها الأحكام الفقهية لبعض المسائل التي تهم المسلمين.

السؤال:

ما حكم حلق اللحية ؟

الجواب:

قد جاءت النصوص الشرعية المتعددة التي تأمر بإعفاء اللحية، أي: تكثيرها، ومِن ذلك:

حديث ابن عمر رضي الله عنهما،عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خالفوا المشركين: وفِّروا اللحية، وأحْفُوا الشوارب» متفقٌ عليه.

وحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: جُزُّوا الشوارب وأرخوا اللحى؛ خالفُوا المجوس «أخرجه مسلم.

ففي هذين الحديثين الأمرُ بتوفير اللحية وإرخائها، أي: إطالتها، والأصل في الأمر أنه للوجوب، ولهذا ذهب جمهور العلماء – ومنهم الحنفية والمالكية والحنابلة, وفي قولٍ للشافعية – إلى حرمة حلق اللحية، بينما ذهب الشافعية في الأصح عندهم إلى الاقتصار على الكراهة، ولكن يقوي رأي الجمهور ما ذُكِر من النصوص الآمرة بالإعفاء، مع ما في حلق اللحية مِن تغيير خَلْق الله عز وجل وهو محرَّمٌ تحريمًا شديدًا، وكذلك التشبه بالمشركين.

ولا يقال – كما نسمعه اليومَ من كثيرٍ من الناس – إنّ الكفار اليوم يعفون لحاهم، فلا تتحقق العلة من توفير اللحية؛ وذلك لأمرين:

الأول: أنَّ تعليل الأمر بتوفير اللحية ليس مقصورًا على مخالفة المشركين فحسب، بل هو أمرٌ مرادٌ شرعًا ابتداءً، أي: بغض النظر عن صنيع المشركين؛ لأنه ثبت أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال:» عشر من الفطرة «وعدَّ منها: إعفاء اللحية، أخرجه مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها.

فعُلِم من هذا أنّ إعفاء اللحية مطلوبٌ لذاته أيضا، وإنْ كان قصدُ مخالفة المشركين مطلوبًا كذلك، لكنْ لو لم يحصل فلا يسقط الأمر بالإعفاء.

الأمر الثاني: أنّ القول بأن الكفار يعفون لحاهم أمرٌ لا يطابق الواقع؛ فإنَّ الكفار وإن وُجِد فيهم من يعفي لحيته إلا أنه قليلٌ بالنسبة لمن يحلقها منهم، كما هو معروفٌ ومشاهَد، والعبرة بالأعم الأغلب لا بالقليل النادر.

وينبغي أن نعلم أنّ اللحية هي زينةٌ للرجال، كما قالت عائشة رضي الله عنها:»والذي جمَّل الرجال باللِّحَى».

وأما رؤية خلاف هذا الأمر فلاتِّباعنا عادات الغرب وأخلاقهم وتأثرنا بهم، وإلا فقد كان رسولنا الكريم وقدوتنا صلى الله عليه وسلم كثيرَ شعر اللحية، وكانوا يعرفون قراءته في الصلاة من اضطراب لحيته، وكذلك كان أصحابه الكرام وسلفنا الصالح رضي الله عنهم أجمعين،حتى إنّ علماءنا الكرام – رحمهم الله جميعًا – اختلفوا فيمن أزال لحية غيره عمدًا أو خطأً: ماذا يجب عليه: هل ديةٌ كاملةٌ أو تعويضٌ يقدره القاضي ؟ ولأجل هذا – أيضًا – اختلفوا في تسريح لحية الميت: هل يجوز أو يكره ؟ فتأمل كيف كانوا يعظمون اللحية ويكرمونها.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي