حديث الذكريات / نجمة كبيرة أحدثتْ ثورة في الأغنية العربية وغيَّرت مظهرالفنانات (3 من 3)

طروب لـ «الراي»: مُقتنعة بعمري ومسيرتي... ولا أحتاج إلى أحد!

تصغير
تكبير
لا أتحسر على عدم إنجابي أولاداً... وإيماني بالله يشعرني بأنني لستُ وحيدة

كان لديّ منزلان في لبنان... وبسبب إقامتي في مصر بعتُ كل شيء واشتريتُ بيتي في الزمالك

أملك رصيداً مادياً لا بأس به وحياتي مستورة... والأهمّ أنني راضية عن نفسي

بلغتُ الـ 75 من عمري... لكنني أهتمّ بمظهري وأحافظ على رشاقتي وأعيش حياتي الطبيعية

العمر أمر واقع لا مهرب منه كالموت تماماً... والذكي يدرك كيف يعيش وينظّم حياته

اعتزلت في عز العطاء... وليس من أجل الزواج أو المرض كما روَّج البعض

ميادة أختي الصغيرة... أحبها جداً ولم أشعر بالغيرة منها ولا من غيرها

لا ألتقي أي فنان من جيلي... نجتمع فقط في بعض الحفلات
فنانة مخضرمة، آتيةٌ من الزمن الجميل، لا يزال جمهورها يذكرها ويستحضر تميّزها اللافت، ليس بحسنها الشكلي فقط، ولا بصوتها العذب الجبلي وحسب، بل بجرأتها على تجاوز العرف السائد في عصرها، حتى أنها أحدثت ثورة في عالم الغناء والمغني معاً، لتجتاح بثورتها شكل الأغنية ومضمونها... والجمهور على السواء!

إنها الفنانة طروب، صاحبة الأغنية الذائعة الصيت «يا ستي يا ختيارة» وغيرها. لا يزال تاريخ الغناء العربي يذكر أنه في زمن الطرب الذي كانت تسطع في سمائه الأسماء اللبنانية صباح وفيروز ونجاح سلام، كانت وحدها طروب - أو أمل جركس كما تقول شهادة ميلادها - أول مطربة عربية تلحّن لنفسها أهمّ أغنياتها، وأول مطربة تغني وهي ترتدي البنطلون، متمايلةً على خشبة المسرح، وبيدها «الميكروفون» النقال!


أرشيفها الفني الطويل يحتضن عشرات الأغنيات وعشرات الأفلام اللبنانية المشتركة بين مصر وسورية، حتى اعتزالها العام 1994 وارتدائها الحجاب وابتعادها عن الفن وبريق الإعلام إلا نادراً.

... الفنانة «طروب» المتحدِّرة من عائلة أردنية شركسية، والمقيمة في القاهرة، حظيت بالكثير من مظاهر التكريم، وكان آخرها قبل نحو شهر في زيارة خاطفة إلى بيروت التي كرَّمتها في حفل خاص على مجمل مسيرتها.

«الراي» التقت الفنانة طروب، وأدارت معها لعبة السؤال والجواب، ففتحت الفنانة خزانة الذكريات البعيدة المحمَّلةً بعبق الزمن الجميل، وكشفت الغطاء عن أيامها الحالية التي تعيشها في بيتها الوحيد الذي تمتلكه في حي الزمالك الراقي بالقاهرة:

• لديك شقيقة عملت في مجال الفن أيضاً ولمع اسمها جداً في الستينات والسبعينات، كيف كانت علاقتك بشقيقتك «ميادة»؟ وهل لعبت الغيرة دورها بينكما، وكيف هي علاقتكما اليوم؟

- ميادة هي أختي الصغيرة، أحبها جداً ولم أشعر بالغيرة منها ولا من غيرها بكل صراحة. على العكس ساعدتُها على دخول الفن ولحّنتُ لها أغنية آنذاك. وفعلاً نجحتْ ميادة في تلك الحقبة وعملت في السينما والتلفزيون أيضاً، وغنت في مطاعم بيروت المهمة، لكنها بعدما تعرفت على شاب بريطاني تزوّجت منه واعتزلت الفن وسافرت إلى بريطانيا وأنجبت صبياً وهي اليوم تعيش في مدينة «أدنبره»، وتزورني كل سنة في مصر.

• قرار الاعتزال في عزّ العطاء أمر صعب على الفنانة، كيف اتخذتِ هذا القرار؟

- بصدق شديد، مشروع الاعتزال كان يراودني وأنا في عز الشباب والعطاء الفني، وكنتُ أؤجله لأن شغفي بالفن كان أقوى من ذلك القرار، ولم أعتزل بسبب مرض أو زواج كما روّج البعض آنذاك. في العام 1993 أصدرتُ آخر ألبوم غنائي «سنين هواك» وكانت معظم الأغنيات فيه من ألحاني، وهو لم يحقق النجاح المنتظر، على عكس كل أعمالي السابقة، إذ كان جيل جديد قد ظهر وقتذاك، وتغيّر النمط الفني بعد انتهاء الحرب في لبنان. وفي العام 1994 قررتُ الاعتزال في أوج العطاء، وكنتُ أدركتُ حينها أن العمر الفني له حدود، وأننا مهما حاولنا المكابرة فستأتي الساعة كي نعتزل ونعيش حياتنا بهدوء وروحانية مع الله. وقد أعلنتُ اعتزالي وأنا في مصر، لكنني لم أعتزل عن الظهور الإعلامي من وقت إلى آخر، كما أنني فخورة بمسيرتي الفنية ولم أندم عليها، كما يفعل بعض الفنانين عقب اعتزالهم.

• لماذا تركتِ بيروت وسافرتِ إلى مصر؟ وهل ترغبين في العودة للعيش هنا؟

- في عز الحرب الأهلية قلّ العمل الفني في لبنان، وبعتُ منزلي في كورنيش المزرعة، وسافرتُ إلى مصر حيث عملتُ في بعض الحفلات، وشاركتُ في عدد محدود جداً من الأعمال السينمائية، ثم تزوجتُ وبقيت في القاهرة. مضى على وجودي في مصر نحو 35 عاماً. وهناك بدأتُ حياة جديدة وتعوّدتُ على مصر وأصبح من الصعب العيش بمفردي في بيروت، لكنني أزورها كل ستة أشهر للقاء الأصدقاء والجيران.

• عندما تأتين إلى لبنان، ما أول منطقة ترغبين في زيارتها؟

- أحب الروشة جداً، وحريصة على زيارتها في كل مرّة آتي إلى لبنان، كما أحب زيارة منطقة كورنيش المزرعة حيث سكنتُ وعشتُ، وشارع الحمراء طبعاً الذي هو شارع الذكريات الجميلة، كما يعيدني إلى أيام الفن والسهر والحب.

• هل تزورين فنانين وفنانات من الجيل السابق وتتواصلين معهم؟

- في الواقع لا ألتقي أي فنان من جيلي، ونجتمع فقط في بعض الحفلات. وأصلاً لم يبق من جيلي الفني إلا القليل، وأنا منذ وجودي في لبنان لم أكن بصراحةٍ على صداقة متينة مع زملائي، إذ كنتُ بيتوتية جداً، ولا أكاد أنتهي من عملي حتى أذهب بسرعة إلى المنزل لأمضي الوقت مع أمي وجدتي. وقد انتقلتْ والدتي للعيش معي إلى مصر وتوفيتْ فيها.

• يتساءل البعض كيف تعيش «طروب» اليوم ومن أين تصرف، لا سيما أنك وحيدة وليس لديك معيل ولا أولاد؟

- جنيتُ من الفن المال الكافي لاستثماره في أعمال أخرى. عملتُ حساب هذا اليوم، وخلال سنوات العمل جنيتُ المال، ولا أنكر فضل الله عليّ كما يفعل البعض، وكان لديّ منزلان في لبنان. وبعد سفري إلى مصر بعتُ كل شيء واشتريت منزلي في الزمالك، كما أملك رصيداً مادياً لا بأس به. حياتي مستورة بفضل الله، والأهم أنني لا أحتاج إلى أحد بتاتاً، وهذه نعمة كبيرة.

• هل أنتِ حزينة لكونك لم تنجبي الأولاد؟

- إطلاقاً، ولا أفكر في الأمر، أنا قدَرية ومؤمنة بالله عزّ وجلّ، لقد أعطاني الكثير وحقق لي طموحات كثيرة، والإنسان لا يأخذ كل شيء في الحياة، ولا أريد القول - كما يفعل الآخرون - إن أولاد أشقائي يعوّضون عن أمومتي، كوني لا أراهم إلا نادراً، ولكن إيماني بالله لا يُشْعِرني بالفراغ والوحدة، أو أنني بمفردي.

• كيف تمضين أيامك حالياً؟

- أنا مشتركة في نادي «الزمالك»، وأذهب يومياً إلى هناك لممارسة بعض أنواع الرياضة، وألتقي صديقاتٍ لي ونمضي الوقت نتحدث. وفي المنزل أقرأ بعض الكتب وأشاهد التلفاز، وعادة أخلد إلى النوم باكراً وهكذا أعيش عمري لحظة بلحظة.

• هل صحيح أنك مررتِ بمحنة مَرَضية كبيرة قبل أعوام، وقد كُتب لكِ الشفاء بأعجوبة؟

- غير صحيح ما قيل يومها في الصحف. كل ما هناك أنني مررتُ ببعض الظروف المَرَضية العادية بعد اعتزالي الفن بأشهر، إذ كنتُ أعاني التهاب الأذن الوسطى الذي سبّب لي اختلالاً في التوازن وأحياناً كنتُ أفقد توازني إلى حد أن أقع أرضاً... لكنني شفيتُ والحمد لله، غير أنني لا أسمع جيداً بأذني اليمنى وهذا أمر طبيعي، إنها عوامل السن التي لا يقف في مواجهتها أي إنسان.

• هل أنتِ متصالحة مع عمرك، ولا سيما أن الفنان الذي كان يعيش في عز العطاء والجمال والمعجبين يواجه حالة صراع عندما يتقدم في السن؟

- الحقيقة أنا مقتنعة بعمري، ولا أحب الرجوع إلى الوراء، وقد عشتُ جميع مراحل عمري، والأمر ليس تَقبُّلاً أو عدم تقبل، إذ أرى أنني يتعين عليَّ الاقتناع بسنّة الحياة. أنا اليوم أبلغ الـ 75 من العمر، ولكنني أهتمّ بمظهري اللائق وأحافظ على رشاقتي وأعيش حياتي الطبيعية. العمر أمر واقع لا مهرب منه... إنه كالموت تماماً. ولكن الذكي هو الذي يدرك كيف يعيش وينظّم حياته، وينعم بالرضا.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي