عبدالله كمال / ... ولكن / التبرعات وغسيل الأطباق

تصغير
تكبير
كنت قد بدأت أتبنى موقفاً نفسياً مضاداً لمستشفى «57357»، حين سمعت شكوى من أحد المعاهد العلمية - الطبية يقول فيها مسؤولوه إن جميع التبرعات توجه إلى المستشفى الشهير المخصص لعلاج الأطفال مرضى السرطان، وكدت أكتب مقالا عنوانه «احتكار التبرعات»، مطالباً بعدالة التوزيع، وأجلت ذلك إلى أن أختبر صحة المنطق والمعلومة، ثم تبين لي أن المسألة ليست احتكاراً وإنما اجتهاد وعمل متواصل.
كما أن كل شيء قد تغير وتطور فإن طريقة جمع التبرعات تغيرت، ولا يعقل أن يذهب 17 متبرعاً إلى إحدى الجهات التي تحتاج تمويلاً خيرياً، فيجدون أن الأبواب مغلقة يوم الجمعة لأنه إجازة. هذه واقعة حدثت، ولا أظنها تعبر عن إصرار علمي منظم على جمع التمويل من راغبي القيام بعمل الخير. ولذا يذهب الناس إلى الذين يجدونهم على مدار الساعة منتظرين مرحبين ومشجعين.
نعم، يجوز أن نقول إنه قد صارت هناك تنافسات في هذا المجال، وذلك ليس عيباً مادام التنافس تحكمه معايير إنسانية ومحاسبية. المتبرع يريد جهة يثق في أنها سوف توظف ما يقدمه من أجل الناس ولو كان قرشاً، فإذا ما شهد أمام عينيه تحولاً وتطوراً في نوعية الخدمة التي تبرع من أجلها فإنه يشـــعر أنه قام بعمل له قيمة.
وأيضاً لا مانع من أن نقول إن المتبرع يريد من يحفزه ويوجهه. ولذا تتضاغط الحملات الإعلانية التي نصادفها هذه الأيام من أجل التبرع، وليس خطأ إطلاقاً أن تسعى جهة ما إلى توسيع شبكة علاقاتها وبناء مصادرها مادام ذلك لمصلحة عمل نبيل، ومادام ما تجمعه يخضع للمساءلة والشفافية والمحاسبة.
ما أريد أن أضيفه في مسألة التبرعات تلك ملاحظتين بمناسبة الموسم الرمضاني الحالي لجمعها من أهل الخير:
الأولى: تتعلق بضرورة أن تكون هناك جهة ما تفكر في استثمار هذه المشاعر التي تترجم مالاً، جهة لا يشترط أن تكون رسمية تسعى إلى تحفيز الناس على أن يقدموا مما لديهم ليس فقط من أجل العمل الاجتماعي الذي يأخذ صوراً مختلفة، مستشفى، أو مصحاً، أو رعاية فقراء، وإنما أيضاً في اتجاه أعمال مختلفة، منها توفير السكن، ومنها التعليم، ومنها أيضاً البحث العلمي، وهذا أيضاً ما يعود بنا إلى نقطة أثرتها بالأمس حين تحدثت عن ضرورة عودة الأوقاف، وأضيف اليوم: ينبغي أن تجد إطاراً قانونياً لتشجيعها.
في جميع دول العالم المتقدم يمكن أن تجد أوقافاً لمصلحة دراسات بعينها، كما يمكن أن تجد منحاً دراسية كاملة تمنح من قبل مؤسسات خاصة لمصلحة عدد من الذين يستحقونها، وتجد من يقدم أموالاً طائلة من أجل أبحاث محددة تحتاجها البشرية، كما فعل بيل غيتس حين خصص مليارات لمصلحة أبحاث مرض الإيدز.
أقصد أن التبرع يكون خيراً أيضاً حين يوجه إلى تلك المقاصد، وذلك لن يتحقق ويتبلور إلا إذا تولت جهة ما توظيف المشاعر والرغبات في اتجاهات منظمة إضافية.
الملاحظة الثانية: تتعلق بهذه الشركات التي تستغل الإحساس الديني في شهر رمضان لبيع منتجاتها بأن تعلن أن كل زجاجة من إنتاجها سوف يخصص قدر من مكسبها لمصلحة جهة خيرية ما، ما للمستهلك وهذا الأمر؟ وأي تدليس هذا الذي يتم على أســــاسه توزيع أكبر للمبيعات.
ما أفهمه أن المنتج يباع لقيمته ولجودته ولمقارنته بغيره، وليس لأن الشركة سوف تتبرع من ثمن بيعه، وإلا فهـــــل هذا يعني أن شـــراء مواطنة لنوع آخر أنها ترفض التبرع؟ وهل هذا يعني أن الشركات الأخرى لا تتبنى أعمال الخير؟ وهل هذا يمكن أن يفسر ارتفاع سلعة ما عن مثيلتها؟
على جهاز حماية المستهلك أن يتدخل ويمنع هذا الهزل، لأن التبرع قرار اختياري يتخذه المواطن من تلقاء نفسه بصفته إنساناً، وليس بصفته مستهلكاً فضّل نوعاً على آخر من المنتجات.
وإذا كانت شركة تريد أن تتبرع، فإن عليها أن تفعل ذلك بعد أن تبيع المنتج، ومن حقها أن تعلن عن هذا، ولكن ليس من حقها أن تجعل تبرعها مشروطاً بزيادة مبيعاتها، والا فهل هي لن تتبرع إلا بعشرة قــــــروش لو بــــاعت زجاجة واحــدة فقط؟
عن إحدى شركات المنظفات التي تبيع منتجاً لغسيل الأطباق أتحدث، ولا أريد أن أذكر أسماء.

عبدالله كمال
رئيس تحرير روزاليوسف ومستشار «الراي» بالقاهرة
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي