الأحزاب خرجت من الانتخابات البلدية... منهكة

لبنان: «نعم» كاسحة للائحة ريفي في طرابلس و«لا» كبيرة للثنائي المسيحي في تنّورين والقبيات

تصغير
تكبير
شكّلت المفاجآت المدوّية التي حملتها الجولة الأخيرة من الانتخابات البلدية والاختيارية في شمال لبنان التي جرت أوّل من أمس، حدَثاً فاق بدلالاته مجمل المؤشرات التي «قفزت» من صناديق الاقتراع في المراحل الانتخابية الثلاث السابقة في كل من بيروت والبقاع وجبل لبنان والجنوب، والتي خرجت منها كل الأحزاب منهكة بعدما واجهت حالات اعتراض لا يستهان بها.

وقد تردّد قوياً في بيروت امس «دويّ» الفوز «الكاسح» الذي حقّقته اللائحة المدعومة من وزير العدل المستقيل اللواء اشرف ريفي في عاصمة الشمال طرابلس (برئاسة أحمد قمر الدين) على اللائحة الائتلافية بين كل من الرئيسيْن نجيب ميقاتي وسعد الحريري والوزير محمد الصفدي والوزير السابق فيصل كرامي و«الجماعة الاسلامية» وجمعية «الأحباش» برئاسة عزام عويضة، وهو الانتصار الذي جاء من «خلف خطوط» كل التوقّعات والاستطلاعات التي كان أكثرها تفاؤلاً من فريق ريفي وتشاؤماً من خصومه يتحدث عن خرق بما بين 4 و 7 مقاعد كحد أقصى من اصل 24 يتألف منهم المجلس البلدي لطرابلس.


ولم تحجب النتائج «الهادرة» التي أفرزتها صناديق عاصمة الشمال في المقلب السني، مفاجأتيْن لا تقلّان «صخباً» في المقلب المسيحي حيث مُني تحالف «التيار الوطني الحر» (بزعامة العماد ميشال عون) و«القوات اللبنانية» (بقيادة الدكتور سمير جعجع) بهزيمتين في كل من القبيات (عكار) بوجه اللائحة المدعومة من تحالف النائب هادي حبيش (من كتلة الرئيس الحريري) وحزب الكتائب والنائب السابق مخايل الضاهر، وتنّورين بوجه اللائحة التي أيّدها وزير الاتصالات بطرس حرب.

واذا كانت بعض الأوساط اعتبرت ان الانتصار «الصاعق» للائحة المدعومة من ريفي (اشارت الارقام غير النهائية الى انها فازب بما بين 20 مقعداً و24) تتحمّل خسائره كل مكونات تحالف الأحزاب بدءاً من ميقاتي (طرابلس مسقطه) الذي كان يترأس اللائحة قريبٌ منه، فإن دوائر سياسية رأت ان «الصفعة» التي وجّهها وزير العدل المستقيل منفرداً الى اللائحة الائتلافية و«عرّابيها» حملت مجموعة دلالات أبرزها:

? ان ما حصل شكّل اول اختبار شعبي لريفي بعد افتراقه عن الرئيس سعد الحريري منذ ان عمد الأخير الى ترشيح النائب سليمان فرنجية (قريب من حزب الله والرئيس بشار الاسد) لرئاسة الجمهورية، وصولاً الى أسلوب إدارة ملف محاكمة الوزير السابق ميشال سماحة.

وبهذا المعنى اعتبرت الدوائر السياسية ان «الانتفاضة الطرابلسية» والالتفاف حول ريفي الذي شكّل صدمة لتيار «المستقبل» خصوصاً، بدا بمثابة استفتاء على خيارات الرئيس الحريري داخلياً والتي غالباً ما عبّر وزير العدل المستقيل عن تحفظات عنها بالعلن، كما على مسامع الحريري، طارحاً نفسه حامياً وحارساً لإرث الرئيس رفيق الحريري ولمبادئ «ثورة الأرز»، ومشدداً على انه جزء من «الحال الحريرية» وإن افترق عن زعيم «المستقبل» الذي لم ينضوِ مرة تنظيمياً اليه.

? ان الفوز المبهر لريفي استفاد من المعطى السلبي لدى الرأي العام الطرابلسي الذي شكّلته تركيبة اللائحة الخاسرة والائتلاف الذي دعمها، لا سيما ان أبناء عاصمة الشمال لم يتجاوزوا بعد ما اعتبروه «طعنة» وُجهت الى الحريري نفسه حين قبِل ميقاتي العام 2011 بترؤس حكومة «على أنقاض» حكومة زعيم «المستقبل»، التي انقلب عليها «حزب الله وحلفاؤه وأعقبها سفر الحريري الى خارج لبنان وعدم عودته حتى فبراير الماضي، ناهيك عن اعتراضات كان عبّر عنها طرابلسيون حيال ما اعتبروه«المحاصصة» بين خصوم الأمس وما أشيع عن دور لرئيس الحزب العربي الديموقراطي رفعت عيد (الفار الى سورية) والصادرة في حقه مذكرة توقيف غيابية بتهمة تفجير مسجدي«التقوى» و«السلام» (في طرابلس) بتسمية العضوين العلويين في لائحة الأحزاب.

? مسارعة قوى 8 آذار الى التعاطي مع فوز ريفي على قاعدة انه مؤشر على تداعي زعامة الحريري مقابل سطوع نجم وزير العدل السابق في واحدة من أبرز معاقل الزعامة السنية في لبنان.

الا ان الأوساط السياسية نفسها، اعتبرت ان التعاطي مع الموضوع من هذه الزاوية لا يصحّ باعتبار ان الحريري رسّخ زعامته في بيروت، وإن بفوز غير مريح، وفي صيدا، في حين جاءت معركة طرابلس (ناهزت نسبة الاقتراع فيها 27 بالمئة) وكأنها «داخل البيت الواحد» وحول الخيارات وسقوف المواجهة مع «حزب الله»، لافتة الى ان الوزير ريفي هو من صلب «الحالة الحريرية» وان اي مواجهة يخوضها زعيم «المستقبل» مع خصومه السياسيين ستحمل استنهاضاً لمناصريه، وإن كانت «رسالة طرابلس» شكّلت «بطاقة صفراء» للحريري ينبغي التمعّن فيها، ولا سيما ان عدداً من المواجهات التي خاضها «المستقبل» في المنية - الضنية حملت ايضاً إما هزائم او نتائج غير مشجّعة.

وفي «الضفّة» المسيحية من انتخابات الشمال (بلغت نسبة الاقتراع فيها نحو 45 بالمئة) جاءت الخيبة التي مُني بي تحالف عون - جعجع في كل من تنورين حيث فازت اللائحة المدعومة من الوزير حرب بنتيجة 15 - 0 كما في القبيات حيث انتصرت اللائحة المدعومة من حبيش - الضاهر بنتيجة 18 - 0 (وإن بفارق بسيط)، لتشكّل بدورها صدمة لهذا الثنائي الذي وقفت «اندفاعته» على أبواب هاتين المنطقتين اللتين أرادا منهما توجيه رسائل متعددة الاتجاه.

ففي تنورين تصدّى حرب لما اعتبره محاولة لـ «إلغائه» او أقلّه تحجيمه من التحالف الحزبي المسيحي تمهيداً لفتح الباب أمام صهر عون وزير الخارجية جبران باسيل لدخول مجلس النواب عن البترون (مكان حرب)، هو الذي فشل مرتين متتاليتين بالفوز في هذا القضاء. علماً ان الأنظار شخصت على النتائج التي تحققت في مجمل بلديات هذا القضاء التي لم تكن صدرت رسمياً بعد لتحديد الأوزان فعلياً.

اما في القبيات، ففشل تحالف عون - جعجع في تظهير عدم تمتع نواب عكار المسيحيين الثلاثة بحيثيات شعبية في بيئتهم المسيحية وتالياً تحويل صناديق الاقتراع «صندوقة بريد» برسْم الحريري على قاعدة «الأمر لنا» في الانتخابات النيابية المقبلة في اختيار ممثّلي المسيحيين في هذه الدائرة في البرلمان. علماً ان «القوات» و«التيار الحر» كانا رميا بثقلهما في هذه المعركة من خلال استقبال جعجع اللائحة التي يدعمها مع عون الذي نزلت ابنته، ميراي، شخصياً لإدارة المنازلة على الأرض في القبيات.

واعتبرت أوساط الفائزين في تنورين والقبيات «ان هزيمة الثنائي المسيحي في هاتين المنطقتين هي بمثابة لا مدوية للنهج الاقصائي الذي برز لدى تحالف عون - جعجع غير المبني على نقاطع تقاطُع سياسية».
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي