عبدالله كمال / ... ولكن / تبرع يا مؤمن!

تصغير
تكبير
أكثر حملة تبرعات ناجحة في العالم تبناها المسلمون في جميع أرجاء الأرض وسببت كارثة لأمة الإسلام، وقد حان الوقت لكي نكفّر عن هذا الذنب بتوجيه التبرعات إلى حيث ينبغي أن تكون. والحملة التي أقصدها تلك التي نظمتها جماعات التطرف، ومؤسسات السلفية، من أجل أفغانستان بعد الغزو السوفياتي، وقد تواصلت حتى أدت أحداث سبتمبر في العام 2001 إلى تقييدها، وكادت أن تتوقف تماماً.
كنت تصادف صناديق التبرعات قبالة المساجد في أحياء الجيزة في مصر، وأمام باب الحرم المكي، وداخل أي سوبر ماركت في دولة خليجية يطلب منك أن تضع بقية ما عاد إليك من «فكة» في صندوق لإغاثة المسلمين في أفغانستان، وأيضاً في قلب نيويورك حيث قتل شخص اسمه مصطفى شلبي في صراع على حصيلة التبرعات مع الشيخ عمر عبدالرحمن في أوائل التسعينات.
لقد كانت نية المتبرعين طيبة، لكن المؤسسات والجماعات التي كانت تصلها التبرعات لم تكن كذلك على الإطلاق، وفي كثير من الأحيان فإن الأموال التي كانت تجمع لم تكن توجه إلى إغاثة المسلمين، وإنما إلى تمويل جماعات العنف والإرهاب... وكانت تلك مأساة كبرى.
وقد انضبطت هذه الأمور، ليس فقط بسبب الضغوط الدولية، والرقابة المالية المفروضة حول العالم، ولكن لأن المسلمين انتبهوا حقاً، ويمكن القول إن عشرات من حملات التبرعات التي اشتم فيها الناس أنها قد توجه إلى مصلحة تنظيم، وليس إلى مصلحة شعب، ولم تحقق النجاح المفترض أياً ما كانت الشعارات التي تتستر وراءها.
لكن الانضباط وحده لا يكفي، وإنما ينبغي أن تتسع الجهود التي يمكن أن تستوعب الإحساس الإيماني لدى المواطنين كلهم، ورغبتهم في عمل الخير، وتقديم يد العون، والإنفاق مما أعطاهم الله لمصلحة من يحتاج، ومن أجل نشاطات مؤسسية تخضع للرقابة والمساءلة، وتحقق التكافل.
الآن موسم التبرعات، إذ تتنافس الحملات الدعائية من قبل المؤسسات الاجتماعية الراغبة في أن تحصد أكبر قدر ممكن منها، على اعتبار أننا في شهر كريم، وكذلك اقتراب موسم الزكاة المرتبط دينياً بموعد عيد الفطر المبارك.
وإذا كنت قد أثنيت بالأمس على حملة التبرعات المتواصلة التي يقوم بها مستشفى سرطان الأطفال «57357» فإنني لابد أن أمتدح الحملة الواسعة التي تقوم بها مؤسسة «مصر الخير» تحت رعاية فضيلة مفتي الديار المصرية الشيخ الدكتور علي جمعة.
أمتدحها ليس لأنها، فقط، عمل غير مسبوق من ناحية اتساع استهدافه الجغرافي لمواجهة الفقر، ولا أقول القضاء عليه، ولكن لأنها غير طائفية، رغم أن الذي يتولاها مفتي الديار، فهي ترفع اسم «مصر الخير» وليس الإسلام وحده، وهي توجه إلى أنشطة الجمعيات بحيث تكون شبكة واسعة من مصبات الرعاية، ولا توجه أموالها إلى بناء المساجد وإنما إلى رعاية خلق الله، فللمساجد مصادر تمويل بنائها.
وعلى الساحة توجد أيضاً مؤسسات تجمع تبرعات أخرى، لكنها تقوم على الدعاية لأشخاص في الوقت نفسه الذي تقوم فيه برعاية الأعمال الخيرية، ورغم ذلك تبدو هذه المؤسسات شخصية، وهدفها قد لا يكون لوجه الخير كاملاً، وأعتقد أن الناس تدرك هذا ببساطة ولديهم بوصلة تحدد من الذي يعمل من أجل نفسه، ومن الذي يعمل من أجل المحتاجين.
لكن التبرع وحده لا يكفي، فالجنيهات التي يمكن أن تقدمها الملايين في مثل هذا الشهر وغيره من المناسبات الدينية ليست هي ما يمكن أن يقيم أعمالاً خيرية كبيرة في زمن صعب كهذا الذي نعيشه، فلابد أن تعود الأوقاف التي كان يقدمها المحسنون على اختلاف أديانهم فتستمر تأثيراتها على مدى الزمن، وتبقى عوائدها محققة لتبرع دائم وليس موقتاً، وتلك ليست مهمة البسطاء وإنما الموسرون الكبار.
في مسألة التبرع بقيت بضع ملاحظات، نعود إليها غداً.

عبدالله كمال
رئيس تحرير «روزاليوسف» ومستشار «الراي» بالقاهرة
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي