مشهد / تباشير ثقافية في الكويت

u062f. u0632u064au0627u062f u0627u0644u0648u0647u0631
د. زياد الوهر
تصغير
تكبير
كثيرة هي المبادرات الثقافية التي بدأت في دولة الكويت أخيرا وانطلقت في مسارها ولكنها للأسف الشديد انتهت بسرعة فائقة مثلما ظهرت، وقد يعود ذلك لأسباب عديدة من أهمها عدم وجود دعم حقيقي لهكذا مشاريع صغيرة فسرعان ما اندثرت تحت وطأة الأعباء المالية والالتزامات الأخرى، وثانيا أن القائمين عليها كانوا من الباحثين عن الشهرة والترف الاجتماعي ولم يكن لهم من قريب أو بعيد أي اهتمام حقيقي في الكتابة والقراءة والثقافة عموما، في حين يبقى عدم الاهتمام بالقراءة وبناء الذات وتطويرها أحد أهم الظواهر الاجتماعية المؤلمة والتي تنعكس سلبا على تلك المبادرات الإبداعية التي لا تلاقي إقبالا أو حضورا من عموم أفراد المجتمع إلا النزر اليسير منهم.

ولكننا اليوم أمام مبادرتين من نوع مختلف، وسأعرض بعض السطور عن كل منهما وآمل أن تكون كافية لإلقاء الضوء عليها وبشكل إيجابي بعيدا عن النقد الجارح أو المديح المبالغ فيه والذي لا يسمن ولا يغني من جوع.

«تكوين» منصة الكتابة الإبداعية

هذه المبادرة يقوم عليها ثلة من الطاقات الشبابية الذين نذروا أنفسهم لخدمة الكتابة والقراءة وسخروا جهودهم وأوقاتهم من أجل نجاح تجربتهم وخاصة في ظل الفقر الثقافي والقحط الأدبي في الأوساط العربية.

ولا يخفى على الناقد أن يدرك أن أولئك الشباب لديهم وجهة نظر يعملون على تحقيقها والدفع بها نحو النجاح، كيف لا وهم من عشاق الأدب والفن، ويأتي على رأس هذه القائمة كل من الكاتبة الروائية الكويتية بثينة العيسى والشاعر السعودي فيصل الرحيل ومجموعة من المبدعين الآخرين المتخصصين في مجالات الفن والشعر والمحاماة.

هذا الفريق المتجانس من المهتمين الذين تحركهم دوافع ذاتية نتجت عن قناعاتهم الخاصة بأهمية رفد السوق الأدبي بالمبدعين من الكتاب والأدباء الصغار الذين سيكون على عاتقهم حمل هذه الأمانة الأدبية الثقيلة للزج بها في أتون الجهل النوعي المتفشي في مجتمعاتنا على الرغم من شيوع العلم وسهولة الحصول عليه.

مكتبة جميلة ومتواضعة ولكن طموحات القائمين عليها كبيرة كأحلامهم السامية فاعتمدوا القراءة وسيلة لجذب المهتمين وتشجيع النشأ من أبنائنا على القراءة والكتابة من خلال ما شاهدته شخصيا خلال زيارتي لهم في موقعهم مع ابني الصغير لحضور فعالية «سوف أحكي لك قصة» للأطفال الصغار.

أشرف على هذه الرحلة الشيقة بشكل مباشر السيدة بثينة العيسى وقامت بالقراءة فيها القاصة المتطوعة حنان العبدالله، وأستطيع أن أنقل لكم كلمات ابني محمد لتختصر الزيارة، حين قال: إنها تجربة جميلة وثرية ولقد قرأت فيها قصتين واستمعت فيها لقصتين أخريين- لقد كانت يا أبي رحلة جميلة أتمنى أن تتكرر أسبوعيا.

ولذلك فإنني أدعو المسؤولين أيا كانت مواقعهم الوظيفية أن يقدموا الدعم لهذه النخبة الشبابية المتميزة الذين اجتهدوا في عملهم ونتمنى لهم النجاح والتوفيق إن شاء الله وألّا يكون مصير جهودهم كسابقاتها من المبادرات.

أكاديمية التطوير المستمر

هذه الأكاديمية هي نموذج مشرق آخر من أنواع الحراك الثقافي والتنموي في دولة الكويت والذي يستحق أن نتوقف عنده ونعطيه الاهتمام الذي يليق وخاصة أن القائمين على برامج الأكاديمية هم أناس أكاديميون محترفون، ويقود هذا الفريق الطبيب والكاتب المعروف د. ساجد العبدلي الذي أتحفنا بالسنوات الماضية بمجموعة من الكتب المتميزة جدا والتي قرأتها جميعا وكانت حافزا لي على التفاؤل وتبني النظرة الإيجابية.

الأكاديمية عبارة عن مركز تدريب على «إدارة الاتزان الحياتي» وهو عبارة عن برنامج علمي وتدريبي متكامل يتناول المحاور الخمسة للاتزان الحياتي. يتكون البرنامج من مجموعة دورات تدريبية وورش عمل يقدمه نخبة من المحترفين، ومن هذه الدورات على سبيل المثال: أنماط الشخصية، القراءة الذكية، التحدث بثقة أمام الجمهور.

وأهم ما يميز هذه المبادرة أن بعض خريجيها يعملون كجزء من الفريق القائم عليها وهذا دليل وبرهان عملي على سعي القائمين على هذا المشروع لإظهار نوعية مخرجاتهم المتميزة حضورا وعلما وإلقاءً.

أول ما يلفت نظر الداخل لمقر الأكاديمية لوحة صغيرة على الباب تحمل الكلمات التالية «يرجى الابتسام قبل الدخول» وهذه العبارة وروح الجمال فيها ترافق الداخل للأكاديمية في كل دقيقة يمضيها في رحاب ذلك المكان.

إدارة الاتزان الحياتي مشروع أكاديمي بحت ويهدف إلى خلق جيل من الشباب الذي سيتمكن من مواجهة مخاوفه وحل مشاكله ومساعدة الآخرين على إدارة حياتهم وخوض التحديات التي تقابلهم بكل ثقة ودراية تامة، وهو مشروع طموح لصاحب الفكرة ومبدعها الذي يطرق أبواب النجاح وقد خطا بالفعل الخطوة الأولى خصوصا بعد أن تم تخريج الدفعة الأولى من طلبة الأكاديمية وقدموا مشاريع تخرجهم بشكل يثلج الصدور ويؤكد أن الأمل معقود بجيل الشباب في ريادة هذه الأمة وهم على دراية تامة بأنماط القيادة وأساليب إدارة مؤسسات الدولة المختلفة.

وأختم بهذه العبارة التي كتبها صناع هذا المشروع على أحد منشوراتهم «إذا كانت بصمة إصبعك تميز هويتك الشخصية، فبصمة لسانك تميزك في قلوب البشر فاجعلها بصمة مميزة لا يشبهها أحد... ارتق بكلماتك ولا ترفع صوتك فالأمطار هي التي تُنبت الزهور لا الرعد».

حكمة اليوم

تفوَّق في الدراسة وفي الجامعة وفي دراساته العُليا ولكنه لم ينجح في عمله لأنه لم يتعلم كيف يتعامل مع الناس، فالعِلْمُ لوحده لا يكفي أبدا للنجاح إنما هي الاخلاق التي تزين العلم والعلماء.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي