هي أرض أنهارها الفضةٌ والمسك تربتها والدر حصباء

الأندلس... عنوان الباحثين عن السفر الراقي ورفاهية الإقامة

تصغير
تكبير
بلاد الأندلس... جوهرة ومورد الحسن والجمال، ماء وظل وأشجار وأنهار، جمال يستجيش اللواعج، ويستثير الخوالج... قال في وصفه الشاعر ابن سفر المريني:

أنهارها فـضةٌ والـمسك تـربتها

والـخز روضـتها، والـدر حصباء

فنعم هي أرض تطيب فيها النعم ويدوم فيها السرور، ولمن يزورها يرى أن ابن سفر لم يبالغ حين قال:

وللـهواء بـها لطف يرق بـه

من لا يرق وتبدو منه أهواء

فبلاد الأندلس هواؤها عليل نسماته معطرة بطيب الورد، يبتسم فيها الزهر من طرب، والطير يشدو، وللأغصان إصغاء، فعندما يكون المقصد بحجم وقيمة بلاد الأندلس التي شحذت جمالاً من أقاصيها إلى أدانيها، فحتماً لا يكون قول بعد قول الشاعر محمد بن شخيص «فاتت في محاسنها مجهود واصفها».

«الراي» دُعيت لزيارة بلاد الأندلس بصحبة نخبة من العاملين في المجال السياحي حيث كانت نقطة الانطلاق من مطار الكويت الدولي وعلى متن الخطوط الجوية التركية، التي حصلت وفقا لتصنيف «سكاي تراكس» على جائزة «أفضل ناقل في أوروبا» لخمسة أعوام متتالية، حيث وضعنا الرحال في مطار أتاتورك الدولي باسطنبول، ومنه استأنفنا الرحلة إلى مطار ملقة الدولي في إقليم أندلوسيا، حيث كان في انتظارنا مسؤولو هيئة السياحة في إقليم اندولوسيا التي نظمت رحلة الوفد بالاشتراك والتعاون مع الخطوط الجوية التركية.

ومن مطار ملقة وبصحبة مرشد الرحلة وصلنا إلى شاطئ الشمس، حيث تقع مدينة ماربيا التي تحولت إلى أفضل عناوين للباحثين عن السفر الراقي، الذي يلخص معاني الاستجمام ورفاهية الإقامة، ليبدأ برنامج الرحلة بعد أخذ قسط من الراحة في فندق ومنتجع «بوينتي» رومانو حيث مقر إقامة الوفد بجولة إلى البلدة القديمة والمسماة «كاسكو أنتيغوا» وساحة أورانج، وإن كان للمكانين عبقهما فإن السير عبر طرق ماربيا الشاهدة على حضارتها متعة في حد ذاته، فالمدينة التي تجمع بين ملامح الأندلس وسحر العصور الوسطى والحداثة والعراقة في آن واحد هي ليست بالمكان العادي، ولكنها بقيمة أسطورة من أساطير الزمان، مكان تستمتع فيه ببحر تسبح الشمس بين أحضانه، لتذيب هموم الحياة في مفكرة النسيان.

وعندما يجتمع الذوق وروعة الطبيعة فسترى أعيننا جمال الحياة، فماربيا أفق لا محدود في نهاياته الجمالية، ولتكن يا من تزور هذا المكان الساحر على يقين بأنك لست في وحي خيال ولكن واقعاً ستعايشه بنفسك واقعاً وحقيقة، وإن حالفك الحظ وزرتها، فإنك ستزور مدينة متفردة المعالم تتوافر فيها كل سبل الراحة والسعادة، وهنا لا عجب أن تتحول المدينة خلال سنوات قليلة إلى مقصد ووجهة سفر رئيسية للمشاهير، والأثرياء، والأرستقراطيين والأمراء وواحدة من أكثر الوجهات السياحية ليس في إسبانيا فحسب بل في العالم أجمع.

ومن مدينة ماربيا إلى قلبها النابض قصدنا في المساء ميناء بورتو بانوس الوجهة الرئيسية لليخوت الفاخرة والسفن السياحية من شتى أنحاء العالم، فللمكان جاذبيته وسحره، فإذ أردت أن تتحدث عن الرقي، فلا رقي يفوق رقي بورتو بانوس، وإذ أردت أن تصف جمال المكان وسحره، فاكتب لنفسك رواية بل موسوعة، وسمي بها من الفصول ما شئت، جمال لا ينتهي ولوحة تختزل جمال الطبيعة بثراء ألوانها، فالمنظر يعيد إليك الحياة بجمالها فمن لم يزر ماربيا وميناء بورتو بانوس، فلربما لم يرَ جمال الطبيعة بعد.

ومن الميناء إلى ساحله الذى يزيد من جمال البحر فصلاً آخر من الجاذبية الساحرة بالمطاعم الفاخرة والمأكولات البحرية الشهية حيث يمكنك أن تستمتع بالحياة بمعناها وسط حفاوة الاستقبال وكرم الضيافة ليختتم الوفد اليوم الأول في حدود الساعة الثانية عشرة ليلاً.

مع إشراقة صباح اليوم التالي كنا على موعد وورشة عمل مع مديري الفنادق في إقليم اندولوسيا، وإن قدموا بعض التفاصيل والمعلومات عن الإمكانات والتسهيلات لمجموعة الفنادق لديهم، فإن الواقع قد يفوق الوصف من خلال الزيارات التي قام بها الوفد للاطلاع على مواقع الفنادق والإمكانات التي تزخر بها، وإن حاولت أن تبحث للفخامة عن مكان، فمكانه من دون شك فنادق ماربيا.

غرناطة... سيدة الحسن

من ماربيا إلى سيدة الحسن ساحرة الجمال في إقليم العشق... إنها مدينة غرناطة التي تفوح من حناياها روائح الطيب الأندلسي، هي من دون فخر مواطن السحر والجمال، عروس ولؤلؤة الأندلس، التي ما زالت قصورها الحمراء حتى اليوم شاهد عيان عن قوم صنعوا حضارة، ونشروا ثقافة، وأرسوا دعائم علم طالما نهلت منه أوروبا.

فغرناطة التي تكشف عن روعة الحضارة الإسلامية كفيلة بجعل الإقامة فيها ولو لبضعة أيام تجربة ثقافية تنقش في الذاكرة زخرفات مستقاة من قباب التاريخ وفناءاته، فآثار ومعالم الحضارة الإسلامية في المدينة ما زالت واضحة المعالم رغم ما تعرضت له خلال العصور المتعاقبة، فالمدينة لا تزال لوحة غنية من التاريخ، ومتحف في الهواء الطلق، لكثرة الآثار الماثلة في أحيائها وشوارعها، ذلك الحضور والانبهار بمعالم الحضارة الإسلامية الذي دفع بالإسبان لتشييد كثير من المباني على الطراز الإسلامي.

يجتمع في غرناطة سحر الطبيعة وجمال الإبداع المعماري في مزيج حضاري تاريخي، فمن قصور الحمراء وجنة العريف إلى حي البيازين، تتذكر أروع ما قال الشاعر الأندولسي ابن زمرك:

ابدعك الخالق الجميل

يا منظر كله جميل

حيث تستنشق نسيم غرناطة في كل ركن وزاوية لتعود بذاكرتك مرة أخرى لابن زمرك فكل مكان في غرناطة مصدر إلهام وإبهار فما بالك عندما تقف أمام إبداعات قصور الحمراء التي لا تزال النقوش والزخارف العربية الساحرة على جدرانها تحكي عظمة وشموخ الحضارة الإسلامية.

ملقة... شاطئ الشمس

ومن غرناطة إلى ملقة، أقدم مدن اسبانيا وواحدة من أقدم مدن العالم والتي بلغت قمة المجد والازدهار الحضاري في القرن الثامن الميلادي عندما فتحها المسلمون، حيث عرفت المدينة حينذاك بتشييد القصور الفخمة وتمهيد الشوارع وتشييد القلاع الحصينة. فالمدينة التي تقع في جنوب إسبانيا على ساحل كوستا ديل سول (شاطئ الشمس) متحف مفتوح في الهواء الطلق يبلغ عمره 3 آلاف عام.

ملقا تضم أكثر من 30 متحفاً بعضها من أجمل متاحف إسبانيا، وأهمها متحف الآثار بالقرب من منطقة القصبة التي تعود إلى القرن الحادي عشر الميلادي، فقلعة القصبة التي بناها المسلمون في القرن الحادي عشر الميلادي تتميز بإطلالة بانورامية رائعة للمدينة بأسرها بما فيها الأطراف، وهي لا تزال لليوم شامخة تحكي قصة عظمة حضارة. وأنت في ملقة لا يفوتك بالطبع زيارة أكبر متاحف الرسام الاسباني الشهير بابلو بيكاسو المولود في المدينة، فثراء إرث المدينة الحضاري والثقافي جعلها مرشحة لأن تكون عاصمة الثقافة الأوروبية لعام 2016.

والسفر إلى ملقة متعة تجمع العديد من أطياف التجارب في مكان واحد، فأهم ما يميزها اعتدال مناخها طوال العام، فمتوسط درجة الحرارة لا يقل عن 17 درجة مئوية نهاراً و7 درجات ليلاً في مختلف فصول السنة، حيث تشرق عليها الشمس 300 يوم في السنة وإلى جانب تميز مناخها وثراء إرثها الحضاري والثقافي، فعلى شاطىء ملقة الذي يبلغ طوله 160 كيلومتراً هنالك العديد من الخيارات المختلفة للاستمتاع بالبحر.

ولمحبي المغامرات تتوفر أماكن تأجير الدراجات الهوائية في كل أنحاء المدينة كما يمكن لهم القيام برحلات السفاري أو تسلق الجبال المجاورة، وإلى محبي الرياضة فبإمكانهم ممارسة الجولف ومختلف الأنشطة الرياضية، فضلاً عن ذلك، فملقة مدينة تتسم بالثراء والتنوع من حيث فرص التسوق.

ويعتبر شارع لاريوس حيث تتلاقي جميع الشوارع الأخرى عنده مكاناً مثالياً للتسوق، كما يمكن للزائر الاستمتاع بكثير من الحفلات الموسيقية والمهرجانات التي تنظم في المدينة والتي يمكن لك حضورها إذا ما تصادف وجودك فيها، كما يمكن للزائر أخذ جولة بين أحضان الحدائق الغناء للمدينة حيث تضم حدائق نباتات منها «لا كونسبسيون بوتانيكال آند هيستوريكال» المصممة على شكل ممر تاريخي، وهنالك أيضاً حدائق قديمة يبلغ عمرها 150 عاماً، موروثة عن البريطانيين تقع في منطقة ألاميدا حيث يمكن الاستمتاع بقضاء ساعات طويلة من دون أدنى شعور بالملل في هذا المكان الذي شيد بالقرب من المدينة.

الفلامنكو..... فن يحرك القلوب

محبو الفن لن يفوتوا فرصة الاستمتاع بروعة الأداء ورهافة المشاعر ورشاقة الجسم مع موسيقى ورقصة الفلامنكو الرقصة الإسبانية الأشهر، والتي تتمحور حول ثلاثة عناصر الغناء، والرقص، والجيتار، إضافة إلى التصفيق الجماعي، وهذا النوع من الفن المعبر عن المشاعر يمتاز بخصوصياته الفنية وتوزيعاته الموسيقية التي تتحرك معها القلوب والاجساد معا على إيقاعات الموسيقى، ونبرة وطبقة صوت المغني ورشاقة الراقصات وحسن أداء عازف الجيتار.

«ريوفريو»... اسم كبير على خريطة جودة الكافيار

في جنوب إسبانيا، وبالتحديد في محافظة غرناطة، زار الوفد في اليوم الثالث من الرحلة «ريوفريو»، وهي قرية صغيرة في بلدية وخا، التي وضعت لاسمها مكانة على الخريطة العالمية لإنتاج الكافيار حيث مقر شركة سيرا نيبادا دي ريو فريو للصناعات البحرية حيث اطلع الوفد على المراحل المتعددة لتربية أسماك الخفش المنتج للكافيار، والذي يعد من أجود الأنواع في العالم لعدم إضافة أى مواد حافظة إليه، كما اطلع الوفد على أسباب الجودة للمنتج حيث يلتقي نقاء المياه من ينابيع جبال «سييرا دي وخا»، عند سفح جبال سييرا نيفادا مع تدفق الماء بوفرة وبشكل طبيعي ما جعل المكان بيئة مثالية لتربية أسماك الخفش.

المقبلات الإسبانية مذاق لا يقاوم

لا يجب أن تزور إسبانيا من دون أن تجرب واحدة من أكلات ومجموعة المقبلات الإسبانية الشهيرة فقد عاشت أسبانيا وتعايشت مع ثقافات بلدان أخرى، ما أثر على طرق طهيها للمأكولات ونتج عنها آلاف من الوصفات الطيبة المذاق والشهية حيث يحتوي المطبخ الإسباني، الذي يعد من المطابخ العريقة على عدد كبير ومتنوع جداً من الأطباق من أبرزها الباييلا paella، ولا ننسى ونحن في ضيافة بلاد الأندلس المأكولات البحرية بمختلف أنواعها التي تشكل عنصراً أساسياً، كما لا يفوتك تذوق زيت الزيتون الإسباني، والذي إذا ذكر اسمه فهو يعني الفخامة.

الخطوط الجوية التركية... قصة نجاح

شركات الطيران حول العالم كثيرة، غير أن الخطوط الجوية التركية تحكي قصة نجاح بأجنحة من ذهب، وهي حتماً لأفضليتها أوروبياً وعالمياً، وإذا جعلتها اختيارك للوصول إلى الأندلس فسيكون الاختيار الأفضل للوصول إلى بلاد الجمال.

فالخطوط التركية التي أنشئت في العام 1933 بأسطول مكون من خمس طائرات واصلت تطورها لتضم أسطولاً يضم الآن 309 طائرات متنوعة بين طائرات ركاب وبضائع وبعدد وجهات سفر بلغت 285 وجهة حول العالم إلى 236 مطارا دوليا و49 مطارا محليا.

ووفقا لمسح مؤسسة «سكاي تراكس» لعام 2015، فقد تم اختيار الخطوط الجوية التركية كأفضل شركة طيران في أوروبا للمرة الخامسة، وأفضل شركة طيران في جنوب أوروبا للمرة السابعة على التوالي.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي