رأي قلمي

العقل المفتوح

تصغير
تكبير
أخلاق الإنسان منها ما هو طبع يجبلنا الله سبحانه وتعالى عليه من غير جهد وعناء لكسبه، ومنه ما هو مكتسب، نحتاج أن نجاهد أنفسنا ليصبح الخُلق فطرة وجبلة لنا نمارسه في يوميات حياتنا من دون تكلف ووصب، وما يدل على أن الأخلاق الفاضلة تكون طبعاً، وتكون تطبعاً - قول النبي عليه الصلاة والسلام - لأشجّ عبد القيس: «إن فيك لخلقين، يحبهما الله: الحلم والأناة». قال: «يا رسول الله، أهما خلقان تخلّقت بهما، أم جبلني الله عليهما؟». قال: «بل جبلك الله عليهما»...

إن الأخلاق الفاضلة تكون طبعاً، وتكون تَطَبّعاً، ولكن الطبع - بلا شك - أحسن من التطبع، لأن الخُلق الحسن إذا كان طبيعياً صار سجية للإنسان وطبيعة له، لا يحتاج في ممارسته إلى تكلف، ولا يحتاج في استدعائه إلى عناء، ومن حُرم الخُلق عن طريق الطبع، فبإمكانه أن يناله عن سبيل التطبع. من أراد أن يكتسب ويتخلق بخلق حسن، فعليه البحث عنه نظرياً، ويقرأ في سير من اشتهروا بهذا الخلق الذي يفتقده، في أمهات الكتب وفي كتب العصريين حتى تكون لديه وفرة معلوماتية، إلى أن يألف ويحب الخُلق الذي أراد أن يتطبع به، وبعدها يتمرن عليه ويمارسه ويطبقه في حياته من خلال المواقف والأحداث التي يضع نفسه فيها، إلى أن يصبح طبعاً فيه لا يحتاج إلى مشقة في استدعائه. إن مستقبل الإنسان سيكون منوطاً بمدى قدرة الأخلاق الفاضلة والمثل العليا على تشكيل سلوكه، وبلورة مواقفه، وما نواجهه اليوم من تراجع في أخلاقيات بعض أفراد المجتمع، لا يعود إلى افتقارهم وجهلهم بالماديات، وإنما يعود إلى الانحراف في توظيف الأخلاق والمثل العليا في تعاملاتهم مع أنفسهم ومع الآخرين.


إن للأخلاق مهمة عظيمة في توجيه السلوك وضبطه، وهذا ما يدفعنا وينأى بنا لاكتساب ما ينقصنا من أخلاق حميدة فاضلة، وهي ما تجعل حياتنا عبارة عن مواقف تشهد على تمسكنا بقيمنا ومبادئنا، والأخلاق هي من تضبط إيقاع حركتنا ومشاعرنا ضبطاً تاماً تجاه الآخرين، وهي الميزان الذي نزن به أعمالنا الظاهرة والباطنة، وهي المسطرة التي نقيس بها خطواتنا وتحركاتنا الدقيقة والجليلة التي نمارسها ونتعايش بها مع غيرنا.

فلنثابر ونحفز أنفسنا لاكتساب الأخلاق الفاضلة الراقية، والتي تدفعنا إلى الكفاح وبذل الجهد واكتساب كل ما ينقصنا من طبائع حميدة تضبط نزعاتنا وميولنا، وتمكننا من امتلاك عقل مفتوح يستقطب كل ما هو حسن وفاضل، وهي التي تخلصنا من الجمود والاضطراب في طرق معالجة أمور ديننا ودنيانا، وتجعل الإنسان متوازناً بسلوكه ومشاعره وانفعالاته، وإن وجد لديه نقص بأحد الأخلاق الكريمة، يحرص كل الحرص على اكتسابها والتطبع بها، ليتعايش مع غيره بوضوح وشفافية ومن دون أزمات ومشكلات.

[email protected]

mona_alwohaib@
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي