عبدالله كمال / ... ولكن / بيت الأمل

تصغير
تكبير
في منتصف الأسبوع الماضي قضيت نحو ساعتين في مستشفى سرطان الأطفال في القاهرة حيث عانيت واستبشرت.
وسبب المعاناة مفهوم وهو نفسه يبرر لماذا تأخرت في أن أقوم بتلك الزيارة لهذا الصرح العظيم، ذلك أني لا أحتمل كثيراً أن أرى كل هذا العدد من الأطفال الذين يمكن أن يواجهوا ويلات آلام فظيعة في تلك السن المبكرة، وعليهم أن يحتملوا قسوة أشرس الأمراض حتى لو كانت هناك ابتسامات واهنة تتصدر وجوههم المتعبة.
على سرير المرض، من بين ما رأيت، قابلت طفلاً اسمه إسلام، من قرية تابعة للحوامدية «30 كيلومترا جنوب القاهرة» اسمها التامول، أمه المنتقبة كانت إلى جواره، وفهمت منه أنه موجود منذ تسعة أشهر... أعانه الله ومنحه القدرة على الاحتمال.
غالبت نفسي، وتجولت حيث استبشرت ووجدت في المستشفى تطبيقاً عملياً لمقولة انه ليس من رأى كمن سمع، وأن السمعة التي تحيط بهذا الصرح العظيم أقل من واقعه الحقيقي إذ يتميز بنظام أسطوري، خصائص تضاهي مستشفيات دولية كبرى خارج مصر.
المشروع نفسه تعبير عن حالة إصرار مصرية رائعة، يعود الفضل فيه إلى رئيسة مجلس الأمناء السيدة الفاضلة سوزان مبارك فهي تمنحه جهداً هائلاً ومساندة مستمرة، ولعله من أهم ما يسجل في مسيرة أعمالها الإنسانية العظيمة. وينضوي تحت لوائه جهد طوعي تقدمه عشرات من الشخصيات العامة المصرية - لاسيما من القطاع الخاص: علا غبور، وعلاء السبع، ونجيب ساويرس، فضلاً عن رئيس البرلمان المصري الدكتور فتحي سرور الذي يقدم جهداً دائبا وأسبوعياً.
المستشفى في حد ذاته، بخلاف كونه بيتاً للأمل، والصراع ضد الألم، هو نصب تذكاري للإصرار والإخلاص، وفيه مميزات عديدة تجعل منه قدوة في العمل الصحي والتطوعي والإنساني، ولابد أنه وهو يحافظ على مكانته يمثل قدوة لعشرات من المشروعات الطموحة التي تريد تكرار نموذجه.
أهم ما في المستشفى إدارته الملتزمة علمياً بقواعد دقيقة، ومعايير محددة، ونظام لا يختل، واستناده إلى أساليب عصرية في الإدارة والعمل الدؤوب، والقواعد التي يفرضها على نفسه وفق مقاييس عصرية، وأعتقد جازماً أنه طراز لا يضاهى في ذلك داخل مصر، والأهم أنه يحافظ على هذا ولم يتراجع بعد الدفعة الأولى.
إن أهم ما فيه، في هذا السياق، هو أن أطباءه متفرغون له، أوضاعهم المالية طيبة، وتعاقداتهم واضحة ولذا فإنه لا يوجد طبيب فيه مضطر لأن يعمل بعد الظهر في عيادة خاصة يدفع بالمرضى إليها من المستشفى، ولا تصادف أحدهم يتعجل مناظرته لطفل مصاب بالسرطان لأنه يريد أن يلحق بمستشفى آخر.
لقد بني المستشفى بالتبرعات وفق ما يعلم الجميع، وقد كانت حملة جمع التمويل من أجله غير مسبوقة، وناجحة بشكل مذهل، وشارك فيها ملايين المصريين والعرب.
ولأنه مجاني فإن مصيره مرتبط بقدرته على حشد الجهود التطوعية وجمع التبرعات بصفة مستمرة، ولذا فإن حملته من أجل التبرع لا تتوقف، بل تتطور، وفي ذلك ألاحظ أكثر من أمر... الأول أن ما يجعل هذه التبرعات مستمرة هو أن المستشفى يتمتع بمصداقية عالية، وأن لديه خبرات علمية منظمة قادرة على بناء شبكة علاقات متسعة تجعل من تدفق التبرعات دائماً، وثانياً أنه يطور ذلك الآن في اتجاه تحويل قطاع من تلك التبرعات إلى أوقاف ينفق من ريعها على ميزانية المستشفى.
وفضل كبير في هذا يعود إلى الدكتور شريف أبو النجا مدير العلاقات الخارجية بالمستشفى، الذي واجه الكثير من المعوقات، ومن غرائب القدر أن أحد أهم أفراد عائلته يعاني من مرض السرطان ... شفاها الله.
في نهاية الأمر, أثبت المستشفى أنه يمكن أن يتحقق في مصر عمل مختلف، وعالمي، يحقق دوراً إنسانياً واجتماعياً جديراً بالدعم والمساندة المتواصلة، غير أن تلك مناسبة مميزة لكي نناقش مسألة التبرعات بطريقة متعمقة، لاسيما أننا في شهر كريم يمثل موسماً مزدهراً لهذه الأعمال، وهو ماسوف نواصله غداً.
عبدالله كمال
رئيس تحرير «روزاليوسف» ومستشار «الراي» بالقاهرة
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي