عميان قهروا الظلام

الشيخ محمد رفعت... قيثارة من السماء / 18

تصغير
تكبير
| القاهرة - من مختار محمود |
أن يفجع المرء بناظريه فيرتد ضريرا... بعد أن كان بصيرا، وأن يغلق عليه «العمى» سراديبه الموحشة... فهذا ابتلاء ينوء بفظاعته صناديد الرجال.
وإن كان هناك من يستشعر في نفسه براكين الغضب، ويشعر أن حياته صارت مؤجلة أو بلا قيمة... فهناك أيضا من لا يرفع الراية البيضاء، أو يعلن الاستسلام أو يخشى المواجهة، بل يرى أنه في حرب ضروس يجب أن يحسمها لنفسه في النهاية، حتى يخرج منها مظفرا منتصرا.
ولكن أين لمثل هذا الإنسان... الذي سُلب بصره... فلم يعد يرى إلا ظلاما. تلك القوة التي تصدُّ عنه رياح اليأس الهوجاء التي تعوي وتدوي وتصفّر، وتشن هجماتها الشرسة عليه، محاولة دك معاقل توازنه، وإلقاءه في الهوة السحيقة، هوة الضياع والقنوط وعدم الرضا عما كتبته له الأقدار؟
تلك القوة... سنلمسها عن قرب في 15 شخصية... ابتلاهم الله بالعمى، ولكنهم تغلبوا على محنتهم، وقهروها، وتألقوا وأبدعوا في مجالات مختلفة، وحققوا شهرة طاغية، أبقتهم في ذاكرة التاريخ، وستبقيهم عقودا وقرونا مُثلا عُليا في الإرادة والصمود والصبر وتجاوز أقصى العقبات وأعنفها.
من أجل ذلك... فإن مسلسل صحافي يتناول «عميان قهروا الظلام»... ليس للتسلية... بل قد يكون دروسا عملية في القوة والتحدي والإرادة وعدم الخضوع والخنوع والإقبال على الحياة، مهما اعترضتنا من رياح عاتية وعواصف عنيفة وبراكين غاضبة.
أبطال هذه الحلقات... أبطال حقيقيون... جديرون بالخلود والتقدير والثناء المستمر، لأنهم صنعوا ما يراه المبصرون إعجازا ومستحيلا.
فمن يتخيل أن يصير الكفيف مصورا بارعا، يقيم المعارض، ويحصد الجوائز، ويحاضر في كبريات الجامعات؟
وكيف للعقل أن يقتنع بأن كفيفا يغدو رساما مشهورا، تتفوق أعماله على أقرانه ممن لم يحرموا نعمة البصر؟
ولكن هناك بالفعل من فعلوا ذلك وأكثر... فحين يعزف المأسور حبيس الإعاقة على أوتار الروح الوثابة العصيّة على الاندحار تنسال ألحانه دررا من سحر الإيقاع، تنتشي لها النفوس الظمأى
ومن لوعة الحرمان وتباريح العاهة... ينبجس التصميم على المواجهة ومن حلكة الظلمات... يُشرق مهرجان الإبداع والتألق والتوهج.
هكذا فعل أبطال تلك الحلقات... أبوالعلاء المعري وهيلين كيلر ونزيه رزق وإسماعيل المسعودي... وغيرهم.
ولكن المحزن حقا... أن أعداد العميان على مستوى العالم في اطراد... ولم يتوصل العلم الحديث - حتى الآن - إلى الوسائل التي تمكنه من مواجهة العمى... حيث يعاني 37 مليون شخص من العمى و124 مليونا من ضعف البصر، وسيصبح عدد العميان في العالم بعد 12 عاما 75 مليونا... وهو ما يتطلب تضافر جميع الجهات المعنية، ومنها - منظمة الصحة العالمية - من أجل حشد المزيد من الجهود في سبيل الوقاية من العمى... وفي السطور التالية... حكايات إبداع وتألق... وانتصارات عبرت الانكسارات.
الشيخ محمد رفعت... هو سيد القراء، وهو الأول والأخير من مقرئي القرآن الكريم، الذي تهافت على سماعه عدد كبير من غير المسلمين، وهو القارئ الذي أحاطت به هالة من الأساطير... ووصفه مفتي سورية بعد وفاته بـ «أنه جدد شباب الاسلام».
ولد الشيخ محمد رفعت - واسمه مُركبّ - بالدرب الأحمر بالقاهرة، يوم الاثنين 9 مايو 1882، وكان والده محمود رفعت... ضابطا في البوليس.
ولد الشيخ محمد رفعت... مبصرا، ولكنه فقد بصره وهو ابن عامين، ووهب محمود بك رفعت... صغيره الكفيف لخدمة القرآن الكريم، وألحقه بكتّاب الشيخ فاضل بـ «درب الجماميز» بالقاهرة، فأتم حفظ القرآن وتجويده قبل العاشرة، وأدركت الوفاة والده، ليجد الفتى نفسه عائلا لأسرته، فلجأ الى القرآن الكريم يعتصم به، ولا يرتزق منه، وأصبح يرتل القرآن الكريم في المسجد المواجه لمكتب فاضل باشا، حتى عيُن وهو ابن 15 عاما قارئا للسورة يوم الجمعة، فذاع صيته، فكانت ساحة المسجد والطرقات... تضيق بالمصليين، ليستمعوا الى الصوت الملائكي وكانت تحدث حالات الاغماء من الوجد من شدة التأثر بصوته العذب.
ظل محمد رفعت... يقرأ القرآن الكريم، ويرتل في هذا المسجد، قرابة 30 عاما، وفاء منه للمسجد، الذي انطلق منه، وعرفه القاصي والداني.
مهتم بالموسيقى
لم يكتف القارئ النابه بموهبته الصوتية الربانية، ومشاعره المرهفة في قراءة القرآن الكريم، بل عمّق هذا بدراسة علم القراءات، وبعض التفاسير، واهتم بشراء الكتب، ودراسة الموسيقى الرقيقة، والمقامات الموسيقية، فدرس موسيقى «بيتهوفن»، و«موزارت» و«فاجنر»، وكان يحتفظ بالعديد من الأوبريتات العالمي في مكتبته.
عفة وزهد
امتاز محمد رفعت... بعفة النفس والزهد في متاع الدنيا، وكأنه جاء من رحم الغيب لخدمة كتاب الله، لم يكن طامعا في المال مثل كثيرين غيره، انما كان ذا مبدأ ونفس كريمة... فكان قوله: «ان سادن القرآن لا يمكن أبدا أن يُهان أو يُدان»... ضابطا لمسار حياته.
فقد عرضت عليه محطات الاذاعة الأهلية أن تبث له بعضا من تلاواته، فرفض قائلا: «ان وقار القرآن الكريم... لا يتماشى مع الأغاني... التي تذيعها اذاعتكم»، وعندما افتتحت الاذاعة المصرية... الخميس 31 مايو 1934... كان الشيخ النابه... أول من افتتحها بصوته العذب بأوائل سورة الفتح: «انا فتحتنا لك فتحا مبينا»، وكان قد استفتى قبلها الأزهر وهيئة كبار العلماء... عما اذا كانت اذاعة التلاوات القرآنية حلالا أم حراما، فأفتوه بأنها حلال، وكان - رحمة الله عليه - يخشى أن يستمع الناس الى القرآن الكريم... وهم في الحانات والملاهي.
صوت خاشع
جاء صوت رفعت من الاذاعة المصرية نديا خاشعا، وكأنه يروي قلوبا وآذانا عطشى الى سماع آيات القرآن المجيد، وكأنها تقرأ للمرة الاولى.
لمع اسم الشيخ، وعشقت الملايين صوته... الذي كان سببا في اشهار البعض اسلامهم.
وقد تنافست اذاعات العالم الكبرى مثل: برلين ولندن وباريس... أثناء الحرب العالمية الثانية، لتستهل افتتاحها وبرامجها العربية بصوت الشيخ رفعت، لتجذب اليها الكثير من المستمعين، الا أنه لم يكن يعبأ بالمال والثراء، وأبى أن يتكسب بالقرآن.
تلقى الشيخ رفعت في العام 1935 عرضا مغريا. بالذهاب الى الهند لقراءة القرآن الكريم مقابل 15 ألف جنيه مصري، فاعتذر، فضاعفوا المبلغ الى 45 ألفا، فغضب مرددا: «لا أبحث عن المال أبدا... فان الدنيا كلها عرض زائل».
كرامة القرآن
وعندما عرض عليه الموسيقار المصري الراحل محمد عبدالوهاب أن يسجل له القرآن الكريم كاملا نظير أي أجر يطلبه، اعتذر، خشية أن يمس أسطوانة القرآن سكران أو جُنب.
مع تمتع رفعت بحس مرهف ومشاعر فياضة... كان أيضا انسانا في أعماقه... يهتز وجدانه اهتزاز عنيفا في المواقف الانسانية، وتفيض روحه بمشاعر جياشة، لا تجد تعبيرا عن نفسها، الا في دموع خاشعات، تغسل ما بالنفس من أحزان.
عرف عن رفعت - رحمه الله - العطف والرحمة والشفقة، فكان يجالس الفقراء والبسطاء، وبلغت رحمته أنه كان لا ينام حتى يطمئن على حصانه، ويطعمه ويسقيه، ويوصي أولاده برعايته، وهو احساس خرج من قلب ملئ بالحب والحنان والشفافية والصفاء، وهي صفات ظلت تلازمه - رحمه الله - ولم يعكرها يوما احساسه باعاقة البصر... من أجل ذلك... جاءت نغماته منسجمة مع نغمات الكون من حوله.
صداقة عبدالوهاب
كان منزل رفعت... منتدى ثقافيا وأدبيا وفنيا، حيث ربطته صداقة قوية بمحمد عبدالوهاب، الذي كان يحرص على قضاء بعض سهراته في منزل الشيخ بحيّ السيدة زينب «بالقرب من وسط القاهرة»، وكثيرا ما كانت هذه الجلسات تضم أعلام الموسيقى والفن، وكان الشيخ يغني لهم بصوته الرخيم قصائد عدة، منها «أراك عصيّ الدمع».
كان رفعت بكّاء بطبعه... فكانت الدموع تنهمر من عينيه عند تلاوة القرآن الكريم، ما أضفى على أدائه خشوعا نادرا وفريدا.
نهاية حزينة
مع بداية الأربعينات من القرن الماضي... لاحقت الأمراض الشيخ الجليل، فأصيب بضغط الدم والتهاب رئوي حاد، وبـ «الزغطة»، التي منعته من التلاوة ومن الكلام، ولزم داره حتى توفاه الله في يوم مولده... الاثنين التاسع من مايو 1950 عن عمر يناهز 68 عاما.
صدمة
جاء رحيل رفعت صادما ومفجعا للعامة والنخبة، ورثاه بعضهم بكلمات لاتزال خالدة حتى الآن... فقال عنه الأديب محمد السيد المويلحي في مجلة «الرسالة»... «سيد قراء هذا الزمان، موسيقيّ بفطرته وطبيعته، كان يزجي الى نفوسنا أرفع أنواعها، وأقدس وأزهى ألوانها، كان يأسرنا ويسحرنا بصوته... من دون أن يحتاج الى أوركسترا».
وقال عنه الكاتب الكبير أنيس منصور: «لايزال المرحوم الشيخ رفعت... أجمل الأصوات وأروعها... وسر جمال وجلال صوته أنه كان فريدا في معدنه... وأن هذا الصوت كان قادرا على أن يرفعك الى مستوى الآيات ومعانيها، ثم انه ليس كمثل أي صوت آخر».
ووصف الموسيقار محمد عبدالوهاب صوته بأنه «ملائكي يأتي من السماء لأول مرة».
وسئل الكاتب المصري محمود السعدني - شفاه الله - عن سر تفرد رفعت... فأجاب: «كان ممتلئا تصديقا وايمانا بما يقرأ».
أما شيخ الاذاعيين المصريين علي خليل - رحمه الله - فقال: «كان هادئ النفس، تحس وأنت جالس معه... بأنه مستمتع بحياته... وكأنه في جنة الخلد، كان كيانا ملائكيا، ترى في وجهه الصفاء والنقاء والطمأنينة والايمان الخالص للخالق... وكأنه ليس من أهل الأرض».
ونعته الاذاعة المصرية يوم وفاته بقولها: «أيها المسلمون... فقدنا اليوم علما من أعلام الاسلام».
ونعاه مفتي سورية عبر أثير اذاعة بلاده بقوله: «مات المقرئ الذي وهب صوته للاسلام».
أعظم من قرأ القرآن
وقال عنه الباحث المصري مصطفى عاشور: «الشيخ محمد رفعت أعظم صوت قرأ القرآن الكريم في القرن العشرين، استطاع بصوته العذب الخاشع... أن يغزو القلوب والوجدان... في قراءة عذبة خاشعة، صوته يشرح الآيات، ويجمع بين الخشوع وقوة التأثير... فكان أسلوبا فريدا في التلاوة».
صوت الشعب
في كتاب «ألحان السماء»... خصص كاتبه محمود السعدني الفصل الأول للحديث عن الشيخ محمد رفعت - رحمه الله - حيث أشاد بعبقريته النادرة والفريدة في تلاوة القرآن الكريم... يقول السعدني:
«من بين الأصوات التي سمعناها - وما أكثرها - صوت يقف فريدا غريبا باهرا، وسر غرابته... في أنه استمد طبيعته من جذور الأرض... انه صوت الشيخ محمد رفعت - رحمه الله - صوت الشعب، فمن أصوات الشحاذين والمداحين والباعة الجائلين... استمد رفعت صوته، فخرج مشحونا بالأمل والألم، مرتعشا بالخوف والقلق، عنيفا... عنف المعارك التي خاضها الشعب، عريضا... عرض الحياة التي يتمناها... ولذلك كتب لهذا الصوت البقاء... وسيظل احدى علامات الطريق في تاريخنا الفني الطويل».
فنان عملاق
يواصل السعدني حديثه عن رفعت قائلا: «نشأ المرحوم الشيخ محمد رفعت في حيّ شعبي ومات فيه، هو حيّ البغالة «بالقرب من وسط القاهرة»... وفيه اصطخبت بأسماع الفتى الضرير الصغير أصوات كثيرة، استطاع أن يخزن منها ذخيرة ضخمة، واستطاع بعد ذلك أن يمضغها ويهضمها، وأن يستخرج منها في النهاية... صوته الخالد الذي نفذ الى أعماق الناس، فأبكاهم وأشجاهم، وهزهم هزا... ولا يهز أعماق الناس كالحقيقة والصدق.
كان الشيخ... صادقا في انفعاله، وكانت طبقات صوته ونغماته حقيقية مأخوذة من واقع الناس، ومن فنونهم... من أسواقهم وندواتهم وأفراحهم البسيطة، وأحزانهم العنيفة، ومعاركهم القاسية مع الحياة.
ويمضي السعدني في كتابه ساردا بعضا من جوانب حياة رفعت بقوله: «لم يقنع الفنان العملاق... بدراسة فنون البسطاء، بل راح ينهل من فن الموسيقي الرفيع، وعندما مات... خلف ثروة كبيرة من أسطوانات باخ وموزارت وبيتهوفن وليست، وأسطوانات عدة أخرى للعازف الكبير باجانيني».
سر خلوده
«كان رفعت يقضي أمسيات طويلة مع هؤلاء العباقرة الأفذاذ... يستمع الى النغم الرائع، الذي أبدعوه... فظل مخلدا على الزمان».
مؤكدا أنه «من الدراسة الشاقة الطويلة للنغم الرائع وفنون الشعب... استطاع رفعت أن يبقى في عالم الفنون راسخا كالهرم، خالدا كرسالات الأنبياء».
يقرن السعدني بزوغ نجم رفعت في سماء التلاوة في مطلع القرن الماضي، ببزوغ نجم آخر من نفس الطراز، متمثلا في الشيخ سيد درويش، مؤكدا أن ذلك «لم يكن مصادفة، فكان الشعب المصري قد اكتمل وعيه ونموه، وترجم هذا النمو وهذا الوعي بثورة 1919... وفي خلال الثورة... كان سعد زغلول يمثل روح الشعب الصلبة القوية المصممة على السير في الطريق الذي بدأه حتى النهاية، وراح سيد درويش يلحن صيحات الشعب السياسية والاجتماعية، وراح رفعت يلحن حياة الشعب الروحية».
السعدني يؤكد أن «هذه ليست مبالغة... فدرويش ورفعت... كانا زعيمين من طراز سعد، وكما التفت طبقات الأمة حول سعد، وكما طربت لدرويش، تراها - وهنا العجب - تلتف حول رفعت بطوائفها، فلم يحدث - قط - قبل رفعت أن استمع أقباط مصر الى قارئ، بل ان استماعهم اليه... كان بشغف وحب واعجاب شديد».
السعدني... أكد أن عظمة رفعت طبقت الأفاق وامتدت الى خارج الحدود... «فقصة الضابط الكندي الذي انتهز فرصة وجوده في مصر خلال الحرب العالمية الثانية،. وطلب من مدير الاذاعة أن يساعده في لقاء رفعت... معروفة، فعندما التقى به الضابط... انهمر في البكاء، وقال: «لم أكن أعلم أنه أعمى... والآن عرفت سر الألم العظيم الذي يفيض به صوته العبقري... وأشهر اسلامه».
ويؤكد السعدني: «أنه عندما كان رفعت يتلو القرآن في جامع فاضل باشا، لم يكن أحد من المستمعين يتصايح أو يرفع عقيرته بعبارات الطرب والانسجام... كما يحدث في هذه الأيام، بل كان فن رفعت الأصيل يجبرهم على الصمت ويقيدهم في أماكنهم، يتحلمون أحيانا فوق طاقتهم من ضيق المكان، ومن حرارة الجو، ليستمتعوا بالصوت العبقري العظيم».
حب جارف
وللتدليل على الحب الجارف والشعبية الطاغية... التي حظي بها رفعت في حياته، وبعد مماته... أن تسجيلاته التي تبثها الاذاعة المصرية... ليس لها أدنى فضل فيها، لأن عشاق الشيخ هم الذين قاموا بتسجيل هذه الأشرطة وأمدوا بها الاذاعة... حتى يسمعوا شيخهم المفضل.
كان رفعت ظاهرة محيرة ونادرة فعلا... وحقق شهرة جاوزت شهرة الفنانين... ويكفي أنه عندما مات، وفد على مأتمه الآلاف من مختلف أنحاء مصر، لم تكن لهم صلات بالشيخ، الا صلة التقدير والاعجاب.
صوت من السماء
ويختتم السعدني حديثه الشيق عن رفعت بقوله: سيأتي يوم تصبح فيه للفنون الرفيعة الخالدة جامعة، ويكون صوت رفعت على رأس هذه الفنون... فكل فن جميل يجب أن يستمد وجوده من حياة الناس.
ولقد قلت من قبل: ان سبب خلود رفعت يرجع الى أن صوته كان من السماء... والآن أعترف بخطئي وأعود فأقول: ان سر خلود الشيخ يرجع لسبب واحد... هو أن صوته العبقري نبع من آمال الناس وآلامهم، من أسواقهم وحواريهم، من أفراحهم الساذجة، وأحزانهم العنيفة... بعبارة أبسط... كان صوته من جذور الأرض... كان صوته هو صوت الشعب.
رحم الله الشيخ محمد رفعت... بقدر ما أعطى للقرآن وأخلص له، وبقدر ما متع أسماعنا وقلوبنا بجميل تلاواته.
فارقنا رفعت قبل 58 عاما... ولاتزال تسجيلاته خالدة، تبثها الاذاعة المصرية يوميا، وتتصارع على الاستئثار بها الفضائيات الدينية الناشئة.
أكثر من نصف قرن مضى على وفاة رفعت، وكثيرون لا يعلمون أنه مات، وكثيرون لا يعلمون أنه كان أعمى... وهذا هو سَمت العباقرة.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي