«الراي» لبَّت الدعوة وحضرتْ فعالياتِ المهرجان على مسرح «قصر الإمارات»
«أبوظبي 13»... الموسيقى تعانق ألوان «التشكيل»!
«أوركسترا باريس»
محمد الاستاد
الموسيقي الشهير بافو يارفي
لانغ لانغ
لوحة لزينب الهاشمي
بعدسة لطيفة بنت مكتوم
الصيني لانغ لانغ عزف على البيانو بشغفه الطفولي ومهارته المذهلة
«أوركسترا باريس» وضعت الجمهور عند نقطة موازية للسحاب تحليقاً ومتعةً
الجمهور كان نخبوياً يدرك رسالة الموسيقى ويوقر العازفين
«أوركسترا باريس» وضعت الجمهور عند نقطة موازية للسحاب تحليقاً ومتعةً
الجمهور كان نخبوياً يدرك رسالة الموسيقى ويوقر العازفين
إذا كان الفن بأطيافه المتنوعة لغةً عالمية... فإن أبوظبي تُثبت، المرةَ تلو المرة، أنها تتقن هذه اللغة، بل تصنعها أيضاً!
هذه الحقيقة عايشها - بل واستمتع بها - كل من حضروا مهرجان «أبوظبي 13»، فإذا نغمات الموسيقى الكلاسيكية تحلِّق عالياً، قبل أن تتنزَّل لتعانق الألوان والظلال التي انسكبت على لوحات تشكيلية تفيض فكراً وعاطفةً وتألُّقاً، متوحدةً تحت شعار «الالتزام بالثقافة»، الذي حولته أبوظبي التزاماً بالمتعة الراقية والجمال النبيل!
الرحلة الرائعة إلى إمارة أبوظبي - قلب دولة الإمارات العربية المتحدة - زاد من متعتها أنها كانت على متن «طيران الاتحاد»، قبل أن تتضاعف متعتنا هناك بصورة متفردة، من خلال الإقامة في منتجع «إنتركونتننتال أبوظبي» الذي يتربع على موقع إستراتيجي بإطلالته الساحرة على الشاطئ، إلى جانب الخدمة الاحترافية العالية المستوى!
الرحلة التي قامت بها «الراي» كانت ذات طابع ثقافي، تلبيةً لدعوة من مجموعة «أبوظبي للثقافة والفنون»، لحضور أمسيتين من الفن الراقي في مسرح «قصر الإمارات»، الأولى أحياها عازف البيانو الصيني العالمي لانغ لانغ، والثانية تزينت بفرقة «أوركسترا باريس»، إلى جانب التجوال في معرض للفنون التشكيلية حمل اسم «إمارات الرؤى»!
مجموعة «أبوظبي للثقافة والفنون»، مؤسسة مستقلة غير ربحية، أسستها هدى الخميس كانو، ويرعاها وزير الثقافة وتنمية المعرفة الشيخ نهيان آل مبارك آل نهيان، لحضور «مهرجان أبوظبي» الذي تُنظَّم فعالياته برعاية وزير الخارجية والتعاون الدولي الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، حاملاً شعار «الالتزام بالثقافة»، مؤكّداً بذلك ضرورة التزامهم من خلال 20 عاماً من العمل الدؤوب، بتعزيز الحركة الثقافية وترجمة رسالة الإمارات الإنسانية والمعرفية، انطلاقاً من أن العالم اليوم في حاجة ماسّة إلى الفنون التي توحّد الشعوب وتبني مستقبلاً أكثر إشراقاً للأجيال الآتية.
جاءت فعاليات المهرجان في دورته الثالثة عشرة ثمرةً للنجاح الذي حققته اثنتا عشرة دورة سابقة من عمر هذا المحفل الثقافي والفني المميز الذي يجمع أرقى الفنون الكلاسيكية والتشكيلية، وأجمل فنون الأداء العالمية، حتى بات إحدى أبرز فعاليات الثقافة والفنون في دولة الإمارات والمنطقة العربية، ومنصّةً عالمية للموسيقى الكلاسيكية في منطقة الشرق الأوسط، حيث تمكّن المهرجان على مدى السنوات الماضية من تعزيز موقعه كفعالية فنية وثقافية مهمة في المنطقة، وكإحدى التظاهرات الفنية المميزة على مستوى العالم.
في الليلة الأولى، استعرض عازف البيانو الصيني العالمي لانغ لانغ - في ظهوره الأول بالمهرجان - مهارته المذهلة من خلال أمسية حافلة اختار فيها معزوفات لثلاثة من كبار المؤلفين الموسيقيين على مرّ العصور، إذ تضمنت رائعة تشايكوفسكي «الفصول»، فكانت كالتالي «يناير: بجانب الموقد، فبراير: الكرنفال، مارس: أغنية طائرة القُبَّرة، أبريل: زهرة الثلج، مايو: الليالي البيضاء، يونيو: أغنية البحارة، يوليو: أغنية الحصّادين، أغسطس: الحصاد، سبتمبر: الصيد، أكتوبر: أغنية الخريف، نوفمبر: في الترويكا، ديسمبر: عيد الميلاد»، ومقطوعة باخ الشهيرة «الكونشرتو الإيطالي» متمثلة بـ «أليغرو: مقام إف ميجور، أندانتي: مقام دي ماينور، برايستو:
مقام إف ميجور»، إلى جانب معزوفات شوبان «السكيرتسو الأربعة» وهي «الأول على سلم (بي ماينور) المقطوعة 20، الثاني على سلم (بي فلات ماينور) المقطوعة 31، الثالث على سلم (سي شارب ماينور) المقطوعة 39، الرابع على سلم (إي) المقطوعة 54»، فاستطاع لانغ في تلك الأمسية شدّ انتباه الحضور الذي اكتظّ به مسرح «قصر الإمارات»، من خلال عزفه الذي كان آسراً وجميلاً لدرجة أنه استطاع حبس أنفاس كلّ من تمكن من حضور أمسيته الموسيقية خشية أن يفوتهم شيء من إبداعه الموسيقي اللامتناهي.
يُذكَر أن هذا الشاب الثلايني يحرص دائماً على ترسيخ علاقاته مع المؤسسات التي تدعم مساعيه لإثراء الشغف بالموسيقى الكلاسيكية لدى مزيد من الجمهور، كما يركز على مدّ الجسور الثقافية بين الشرق والغرب، ولعلّ الإلهام هي الكلمة الأصدق تعبيراً عنه، فهو يحظى بتقدير وإعجاب الجميع بفضل نظرته العالمية واسعة الأفق التي تشكّل حافزاً إبداعياً لمسيرته المهنية، فهو يمثّل مصدر إلهام لملايين العازفين بفضل روحه الرقيقة وأسلوبه العاطفي في العزف، ويتجلى ذلك واضحاً في الأمسيات الدافئة أو الحفلات على أضخم المسارح العالمية، ومنها التي أحياها أخيراً ضمن فعاليات «مهرجان أبوظبي».
والجميل في «لانغ» أنه لا يزال الشغف الطفولي بالموسيقى يستأثر بحانب كبير من حياته، إذ يمثّل بالنسبة إليه مهنة ثانية تتمثل في تعزيز اقتران الموسيقى بمختلف جوانب حياة الأطفال حول العالم سواء من خلال عمله سفيراً لمنظمة الأمم المتحدة في مجال قضايا التعليم العالمي، أو عبر مؤسسة «لانغ لانغ العالمية للموسيقى»، ليكون بذلك مصدر إلهام للكثيرين.
أما الليلة الثانية، فلم تقلّ رقياً وفخامة موسيقية عن سابقتها، إذ كعادة القائمين على المهرجان في استقطاب أشهر فرق وقادة الأوركسترا العالميين إلى دولة الإمارات، كان اللقاء للمرة الأولى في منطقة الخليج العربي وبالتعاون مع السفارة الفرنسية في الإمارات مع «أوركسترا باريس» التي تُعتبر واحدة من ألمع فرق الأوركسترا السيمفونية في العالم، إذ أحيت أمسية متميزة قدمت خلالها برنامجاً وطنياً بامتياز ضمّ أفضل الأعمال الموسيقية لكبار المؤلفين الفرنسيين في العالم تحت قيادة قائدها الموسيقي الشهير بافو يارفي، وبمشاركة عازف «التشيللو» كزافييه فيليبس وعازف الكمان سيرغي خاشاتريان وعازف «الأورغ» تيري إشكايش.
افتتاحية تلك الأمسية الرائعة التي احتضنها مسرح «قصر الإمارات» امتدت على مدى ساعة وخمس وأربعين دقيقة من الوقت، كانت مع مقطوعة موسيقية للمؤلف الموسيقي هيكتور بيرليوز «بعنوان» القرصان «المقطوعة رقم 21،
ثم أعقبها بمقطوعة للمؤلف الموسيقي إدوار لالو» بعنوان «كونشيرتو التشيللو» على سلّم «دي ماينور»، وختاماً مع مقطوعة للمؤلف الموسيقي كميل سان سونص بعنوان «السيمفونية الثالثة» على سلّم «سي ماينور 78»، لتنتهي الأمسية بعدما نجحت في وضع الجمهور عند نقطة موازية للسحاب تحليقاً ومتعةً!
كان لافتاً في الأمسيتين الرائعتين أن الجمهور الغفير كان يحرص على الحضور قبل موعد الحفل بوقت كافٍ، كما أنه طوال الوقت كان مستمعاً بإمعان وإحساس كبيرين، وتأملٍ صامت انتفت معه الجلبة والضوضاء، وبقي الوقار والمهابة للإبداع والعزف، الذي كان لا يكاد ينتهي حتى ينطلق التصفيق الحار والمنظم ليدل
على أن الحضور في القاعة هم من النخبة التي تعي جيداً قيمة الموسيقى ورسالتها الرفيعة، وتوقر العازفين الذين يكشفون اللثام، فوق خشبة المسرح، عن سحر النغم وفيض الألحان.
معرض «إمارات الرؤى» الوجه الحضاري للإمارات
منح «مهرجان أبوظبي» في هذه الدورة (الثالثة عشرة) اهتماماً كبيراً للفن التشكيلي الإماراتي، من خلال تنظيمه معرضاً تشكيلياً بعنوان «إمارات الرؤى» في «غاليري قصر الإمارات»، فعرض فيه مجموعة متنوعة من الأعمال الفنية، جامعاً تحت مظلته أعمالاً لأبرز الفنانين المعاصرين بدولة الإمارات العربية المتحدة، فعبروا عن رؤيتهم لوطنهم وتطلعاتهم بشأن مستقبله.
وقد استعرض الفنانون إبداعاتهم الفنية بتكليف حصري من القائمين على المهرجان، وهم محمد الأستاد، أمل العقروبي، آمنة الدباغ، سارة العقروبي، ليلى جمعة، محمد أحمد إبراهيم، خالد الشعفاز، إيمان الهاشمي، زينب الهاشمي، عمار العطار، الشيخة لطيفة بنت مكتوم، عائشة جمعة، عزّة القبيسي، سعيد المدني، خالد البنا، سلمة نصيب، فاطمة المزروعي، حمدان بطي الشامسي، هند بنت دميثان وخليل عبدالواحد، بالإضافة إلى 30 عملاً تتراوح بين مقتنٍ ومستعار تعود إلى الشيخة اليازية بنت نهيان آل نهيان، شمسة العوادي، ابتسام عبدالعزيز، عبيد سرور، حسين شريف، حسن شريف، ميثاء دميثان، محمد المزروعي، خلود الجابري، ريم الغيث، أحمد الفارسي، عبدالعزيز الفضلي، جاسم العوادي، أحمد الظاهري، زايد العبسي، علي العبدان، عبدالرحيم سالم، محمد مندي، نجاة مكي، فاطمة لوتاه، محمد كاظم، عفراء بن ظاهر، كريمة الشوملي، سمية يوسف، محمد القصاب، عمران العويس، يوسف الهرمودي، لمياء قرقاش، عبدالقادر الريس، وقد اندرجت كلّ تلك الأعمال تحت سبعة مواضيع إطارية هي: الأمة والوحدة، الجغرافيا والطبيعة، العمارة والعمران، البورتريه والهوية، الدين والروحانية، اللغة والخط العربي، التقاليد والتراث.
وأبرز المعرض الجانب المتجدد للفنون في دولة الإمارات، وذلك من خلال مجموعة واسعة من المنحوتات الداخلية والخارجية واللوحات والصور الفوتوغرافية والكولاج والفيديو والأعمال الفنية التركيبية.
محمد الاستاد لـ «الراي»: حاكيتُ الطبيعة... فمنحتني فناً!
في معرض «إمارات الرؤى» التقت «الراي» الفنان التشكيلي الإماراتي محمد الاستاد الذي حرص على أخذنا إلى شاطئ قريب من المعرض، وهناك استهل حديثه بالقول: «بعيداً عن الفرشاة والألوان الاعتيادية، بدأتُ بالمحاكاة مع الطبيعة في عملية فنية مشتركة ما بيني وبينها لإنتاج عمل فني مميز وفريد لا يمكن نسخه أو تكراره حتى لو استخدمنا القطع نفسها من الحديد والحجم نفسه من القماش»، مردفاً: «أجسد في أعمالي التراث البحري لدولة الإمارات العربية المتحدة، مستخدماً قوى البيئة المحيطة بي لتشكيل أعمال تترسخ في الذاكرة، إذ أجمع هذه القوى الطبيعية مع العناصر الأساسية التي هي من نسيج المجتمع الإماراتي التقليدي، ومن خلال إعادة تركيب هذه العناصر الاجتماعية والثقافية كمكونات جمالية، فإنها تصبح تمثيلات وبيانات قوية التراث، حيث سمح لي دمج البيئة الطبيعية في عملي إلى إخراجها بطريقة تعزز العلاقة بين الطبيعة والإنسان».
وأوضح الاستاد كيفية ولادة فكرة «دانات الشواطئ»، بقوله: «يشكل العمل جزءاً من بحث متواصل عن هوية وطريقة فنية عربية، توجب على تلك التقنية أن تكون أصيلة تعبّر عن التقاليد والمجتمع الإماراتي وعن واقع الفنان في الإمارات، كما أصررتُ على أن تكون أيضاً وسيلة لإنتاج أعمال متميزة وخلاقة تنتمي إلى بلدي، بعيداً عن الاستوديو والوسائل المعتادة للفنانين اتجهت إلى الشواطئ، ومزجت المجال الطبيعي وتحديداً الرمال بالحديد الصدئ، وهو عنصر أنتج ألواناً مذهلة لم أستعملها من قبل، وبعد تجاربي الكثيرة على ظلال الألوان أتتني فكرة (دانات الشواطئ)».
وواصل الاستاد قوله: «إن الألوان التي أنتجتها تلك المادة لها أثر كبير علي ممارستي الفنية، بعد عدد من التجارب تمكنت من تطوير مهاراتي في الظلال والأشكال المجرّدة إلى أعمال أكثر دقّة، فأضفتُ مواد جديدة إلى الأعمال، كما زودت عمق الحفر مما أدى إلى تحوّل في النتائج. حيث يضمّ هذا العمل قطعاً من الحديد الصدئ، طمرت مع قماش غير معالج قادر على تحمّل ملوحة الحديد والرمال الرطبة، وللعلم كلما طالت مدّة طمر أو دفن تلك اللوحة، كانت النتيجة أفضل».
وتطرق الاستاد إلى الورشة التي يديرها ضمن فعاليات المهرجان بالقول: «نقل المعرفة هو أمر في غاية الأهمية، هذا النقل يزيد من معرفة الجيل الشاب طبعاً، لكنه يضيف ذلك إلى خبرتي ويطوّر معرفتي عبر عملية التبادل، بالرغم من اكتشافي لطريقة صنع (دانات الشواطئ) إلا أنها ابنة الأرض وملك الجميع، وأشعر بأنه من واجبي نقلها إلى الأجيال الجديدة، لكونها مسؤوليتي تجاه الوطن والعالم».
هذه الحقيقة عايشها - بل واستمتع بها - كل من حضروا مهرجان «أبوظبي 13»، فإذا نغمات الموسيقى الكلاسيكية تحلِّق عالياً، قبل أن تتنزَّل لتعانق الألوان والظلال التي انسكبت على لوحات تشكيلية تفيض فكراً وعاطفةً وتألُّقاً، متوحدةً تحت شعار «الالتزام بالثقافة»، الذي حولته أبوظبي التزاماً بالمتعة الراقية والجمال النبيل!
الرحلة الرائعة إلى إمارة أبوظبي - قلب دولة الإمارات العربية المتحدة - زاد من متعتها أنها كانت على متن «طيران الاتحاد»، قبل أن تتضاعف متعتنا هناك بصورة متفردة، من خلال الإقامة في منتجع «إنتركونتننتال أبوظبي» الذي يتربع على موقع إستراتيجي بإطلالته الساحرة على الشاطئ، إلى جانب الخدمة الاحترافية العالية المستوى!
الرحلة التي قامت بها «الراي» كانت ذات طابع ثقافي، تلبيةً لدعوة من مجموعة «أبوظبي للثقافة والفنون»، لحضور أمسيتين من الفن الراقي في مسرح «قصر الإمارات»، الأولى أحياها عازف البيانو الصيني العالمي لانغ لانغ، والثانية تزينت بفرقة «أوركسترا باريس»، إلى جانب التجوال في معرض للفنون التشكيلية حمل اسم «إمارات الرؤى»!
مجموعة «أبوظبي للثقافة والفنون»، مؤسسة مستقلة غير ربحية، أسستها هدى الخميس كانو، ويرعاها وزير الثقافة وتنمية المعرفة الشيخ نهيان آل مبارك آل نهيان، لحضور «مهرجان أبوظبي» الذي تُنظَّم فعالياته برعاية وزير الخارجية والتعاون الدولي الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، حاملاً شعار «الالتزام بالثقافة»، مؤكّداً بذلك ضرورة التزامهم من خلال 20 عاماً من العمل الدؤوب، بتعزيز الحركة الثقافية وترجمة رسالة الإمارات الإنسانية والمعرفية، انطلاقاً من أن العالم اليوم في حاجة ماسّة إلى الفنون التي توحّد الشعوب وتبني مستقبلاً أكثر إشراقاً للأجيال الآتية.
جاءت فعاليات المهرجان في دورته الثالثة عشرة ثمرةً للنجاح الذي حققته اثنتا عشرة دورة سابقة من عمر هذا المحفل الثقافي والفني المميز الذي يجمع أرقى الفنون الكلاسيكية والتشكيلية، وأجمل فنون الأداء العالمية، حتى بات إحدى أبرز فعاليات الثقافة والفنون في دولة الإمارات والمنطقة العربية، ومنصّةً عالمية للموسيقى الكلاسيكية في منطقة الشرق الأوسط، حيث تمكّن المهرجان على مدى السنوات الماضية من تعزيز موقعه كفعالية فنية وثقافية مهمة في المنطقة، وكإحدى التظاهرات الفنية المميزة على مستوى العالم.
في الليلة الأولى، استعرض عازف البيانو الصيني العالمي لانغ لانغ - في ظهوره الأول بالمهرجان - مهارته المذهلة من خلال أمسية حافلة اختار فيها معزوفات لثلاثة من كبار المؤلفين الموسيقيين على مرّ العصور، إذ تضمنت رائعة تشايكوفسكي «الفصول»، فكانت كالتالي «يناير: بجانب الموقد، فبراير: الكرنفال، مارس: أغنية طائرة القُبَّرة، أبريل: زهرة الثلج، مايو: الليالي البيضاء، يونيو: أغنية البحارة، يوليو: أغنية الحصّادين، أغسطس: الحصاد، سبتمبر: الصيد، أكتوبر: أغنية الخريف، نوفمبر: في الترويكا، ديسمبر: عيد الميلاد»، ومقطوعة باخ الشهيرة «الكونشرتو الإيطالي» متمثلة بـ «أليغرو: مقام إف ميجور، أندانتي: مقام دي ماينور، برايستو:
مقام إف ميجور»، إلى جانب معزوفات شوبان «السكيرتسو الأربعة» وهي «الأول على سلم (بي ماينور) المقطوعة 20، الثاني على سلم (بي فلات ماينور) المقطوعة 31، الثالث على سلم (سي شارب ماينور) المقطوعة 39، الرابع على سلم (إي) المقطوعة 54»، فاستطاع لانغ في تلك الأمسية شدّ انتباه الحضور الذي اكتظّ به مسرح «قصر الإمارات»، من خلال عزفه الذي كان آسراً وجميلاً لدرجة أنه استطاع حبس أنفاس كلّ من تمكن من حضور أمسيته الموسيقية خشية أن يفوتهم شيء من إبداعه الموسيقي اللامتناهي.
يُذكَر أن هذا الشاب الثلايني يحرص دائماً على ترسيخ علاقاته مع المؤسسات التي تدعم مساعيه لإثراء الشغف بالموسيقى الكلاسيكية لدى مزيد من الجمهور، كما يركز على مدّ الجسور الثقافية بين الشرق والغرب، ولعلّ الإلهام هي الكلمة الأصدق تعبيراً عنه، فهو يحظى بتقدير وإعجاب الجميع بفضل نظرته العالمية واسعة الأفق التي تشكّل حافزاً إبداعياً لمسيرته المهنية، فهو يمثّل مصدر إلهام لملايين العازفين بفضل روحه الرقيقة وأسلوبه العاطفي في العزف، ويتجلى ذلك واضحاً في الأمسيات الدافئة أو الحفلات على أضخم المسارح العالمية، ومنها التي أحياها أخيراً ضمن فعاليات «مهرجان أبوظبي».
والجميل في «لانغ» أنه لا يزال الشغف الطفولي بالموسيقى يستأثر بحانب كبير من حياته، إذ يمثّل بالنسبة إليه مهنة ثانية تتمثل في تعزيز اقتران الموسيقى بمختلف جوانب حياة الأطفال حول العالم سواء من خلال عمله سفيراً لمنظمة الأمم المتحدة في مجال قضايا التعليم العالمي، أو عبر مؤسسة «لانغ لانغ العالمية للموسيقى»، ليكون بذلك مصدر إلهام للكثيرين.
أما الليلة الثانية، فلم تقلّ رقياً وفخامة موسيقية عن سابقتها، إذ كعادة القائمين على المهرجان في استقطاب أشهر فرق وقادة الأوركسترا العالميين إلى دولة الإمارات، كان اللقاء للمرة الأولى في منطقة الخليج العربي وبالتعاون مع السفارة الفرنسية في الإمارات مع «أوركسترا باريس» التي تُعتبر واحدة من ألمع فرق الأوركسترا السيمفونية في العالم، إذ أحيت أمسية متميزة قدمت خلالها برنامجاً وطنياً بامتياز ضمّ أفضل الأعمال الموسيقية لكبار المؤلفين الفرنسيين في العالم تحت قيادة قائدها الموسيقي الشهير بافو يارفي، وبمشاركة عازف «التشيللو» كزافييه فيليبس وعازف الكمان سيرغي خاشاتريان وعازف «الأورغ» تيري إشكايش.
افتتاحية تلك الأمسية الرائعة التي احتضنها مسرح «قصر الإمارات» امتدت على مدى ساعة وخمس وأربعين دقيقة من الوقت، كانت مع مقطوعة موسيقية للمؤلف الموسيقي هيكتور بيرليوز «بعنوان» القرصان «المقطوعة رقم 21،
ثم أعقبها بمقطوعة للمؤلف الموسيقي إدوار لالو» بعنوان «كونشيرتو التشيللو» على سلّم «دي ماينور»، وختاماً مع مقطوعة للمؤلف الموسيقي كميل سان سونص بعنوان «السيمفونية الثالثة» على سلّم «سي ماينور 78»، لتنتهي الأمسية بعدما نجحت في وضع الجمهور عند نقطة موازية للسحاب تحليقاً ومتعةً!
كان لافتاً في الأمسيتين الرائعتين أن الجمهور الغفير كان يحرص على الحضور قبل موعد الحفل بوقت كافٍ، كما أنه طوال الوقت كان مستمعاً بإمعان وإحساس كبيرين، وتأملٍ صامت انتفت معه الجلبة والضوضاء، وبقي الوقار والمهابة للإبداع والعزف، الذي كان لا يكاد ينتهي حتى ينطلق التصفيق الحار والمنظم ليدل
على أن الحضور في القاعة هم من النخبة التي تعي جيداً قيمة الموسيقى ورسالتها الرفيعة، وتوقر العازفين الذين يكشفون اللثام، فوق خشبة المسرح، عن سحر النغم وفيض الألحان.
معرض «إمارات الرؤى» الوجه الحضاري للإمارات
منح «مهرجان أبوظبي» في هذه الدورة (الثالثة عشرة) اهتماماً كبيراً للفن التشكيلي الإماراتي، من خلال تنظيمه معرضاً تشكيلياً بعنوان «إمارات الرؤى» في «غاليري قصر الإمارات»، فعرض فيه مجموعة متنوعة من الأعمال الفنية، جامعاً تحت مظلته أعمالاً لأبرز الفنانين المعاصرين بدولة الإمارات العربية المتحدة، فعبروا عن رؤيتهم لوطنهم وتطلعاتهم بشأن مستقبله.
وقد استعرض الفنانون إبداعاتهم الفنية بتكليف حصري من القائمين على المهرجان، وهم محمد الأستاد، أمل العقروبي، آمنة الدباغ، سارة العقروبي، ليلى جمعة، محمد أحمد إبراهيم، خالد الشعفاز، إيمان الهاشمي، زينب الهاشمي، عمار العطار، الشيخة لطيفة بنت مكتوم، عائشة جمعة، عزّة القبيسي، سعيد المدني، خالد البنا، سلمة نصيب، فاطمة المزروعي، حمدان بطي الشامسي، هند بنت دميثان وخليل عبدالواحد، بالإضافة إلى 30 عملاً تتراوح بين مقتنٍ ومستعار تعود إلى الشيخة اليازية بنت نهيان آل نهيان، شمسة العوادي، ابتسام عبدالعزيز، عبيد سرور، حسين شريف، حسن شريف، ميثاء دميثان، محمد المزروعي، خلود الجابري، ريم الغيث، أحمد الفارسي، عبدالعزيز الفضلي، جاسم العوادي، أحمد الظاهري، زايد العبسي، علي العبدان، عبدالرحيم سالم، محمد مندي، نجاة مكي، فاطمة لوتاه، محمد كاظم، عفراء بن ظاهر، كريمة الشوملي، سمية يوسف، محمد القصاب، عمران العويس، يوسف الهرمودي، لمياء قرقاش، عبدالقادر الريس، وقد اندرجت كلّ تلك الأعمال تحت سبعة مواضيع إطارية هي: الأمة والوحدة، الجغرافيا والطبيعة، العمارة والعمران، البورتريه والهوية، الدين والروحانية، اللغة والخط العربي، التقاليد والتراث.
وأبرز المعرض الجانب المتجدد للفنون في دولة الإمارات، وذلك من خلال مجموعة واسعة من المنحوتات الداخلية والخارجية واللوحات والصور الفوتوغرافية والكولاج والفيديو والأعمال الفنية التركيبية.
محمد الاستاد لـ «الراي»: حاكيتُ الطبيعة... فمنحتني فناً!
في معرض «إمارات الرؤى» التقت «الراي» الفنان التشكيلي الإماراتي محمد الاستاد الذي حرص على أخذنا إلى شاطئ قريب من المعرض، وهناك استهل حديثه بالقول: «بعيداً عن الفرشاة والألوان الاعتيادية، بدأتُ بالمحاكاة مع الطبيعة في عملية فنية مشتركة ما بيني وبينها لإنتاج عمل فني مميز وفريد لا يمكن نسخه أو تكراره حتى لو استخدمنا القطع نفسها من الحديد والحجم نفسه من القماش»، مردفاً: «أجسد في أعمالي التراث البحري لدولة الإمارات العربية المتحدة، مستخدماً قوى البيئة المحيطة بي لتشكيل أعمال تترسخ في الذاكرة، إذ أجمع هذه القوى الطبيعية مع العناصر الأساسية التي هي من نسيج المجتمع الإماراتي التقليدي، ومن خلال إعادة تركيب هذه العناصر الاجتماعية والثقافية كمكونات جمالية، فإنها تصبح تمثيلات وبيانات قوية التراث، حيث سمح لي دمج البيئة الطبيعية في عملي إلى إخراجها بطريقة تعزز العلاقة بين الطبيعة والإنسان».
وأوضح الاستاد كيفية ولادة فكرة «دانات الشواطئ»، بقوله: «يشكل العمل جزءاً من بحث متواصل عن هوية وطريقة فنية عربية، توجب على تلك التقنية أن تكون أصيلة تعبّر عن التقاليد والمجتمع الإماراتي وعن واقع الفنان في الإمارات، كما أصررتُ على أن تكون أيضاً وسيلة لإنتاج أعمال متميزة وخلاقة تنتمي إلى بلدي، بعيداً عن الاستوديو والوسائل المعتادة للفنانين اتجهت إلى الشواطئ، ومزجت المجال الطبيعي وتحديداً الرمال بالحديد الصدئ، وهو عنصر أنتج ألواناً مذهلة لم أستعملها من قبل، وبعد تجاربي الكثيرة على ظلال الألوان أتتني فكرة (دانات الشواطئ)».
وواصل الاستاد قوله: «إن الألوان التي أنتجتها تلك المادة لها أثر كبير علي ممارستي الفنية، بعد عدد من التجارب تمكنت من تطوير مهاراتي في الظلال والأشكال المجرّدة إلى أعمال أكثر دقّة، فأضفتُ مواد جديدة إلى الأعمال، كما زودت عمق الحفر مما أدى إلى تحوّل في النتائج. حيث يضمّ هذا العمل قطعاً من الحديد الصدئ، طمرت مع قماش غير معالج قادر على تحمّل ملوحة الحديد والرمال الرطبة، وللعلم كلما طالت مدّة طمر أو دفن تلك اللوحة، كانت النتيجة أفضل».
وتطرق الاستاد إلى الورشة التي يديرها ضمن فعاليات المهرجان بالقول: «نقل المعرفة هو أمر في غاية الأهمية، هذا النقل يزيد من معرفة الجيل الشاب طبعاً، لكنه يضيف ذلك إلى خبرتي ويطوّر معرفتي عبر عملية التبادل، بالرغم من اكتشافي لطريقة صنع (دانات الشواطئ) إلا أنها ابنة الأرض وملك الجميع، وأشعر بأنه من واجبي نقلها إلى الأجيال الجديدة، لكونها مسؤوليتي تجاه الوطن والعالم».