عبدالله كمال / ... ولكن / النادم المتكبر!

تصغير
تكبير
كتب رئيس تحرير صحيفة «الفجر»، المصرية الأسبوعية المستقلة، يسترضي فضيلة شيخ الأزهر لكنه تكبر عن أن يعتذر بوضوح، أو أن يعلن ندم جريدته عما اقترفته في حق الشيخ الجليل، وقال إن المستفيد من القضية التي رفعها الدكتور سيد طنطاوي هو بابا الفاتيكان، فكان كمن جاء ليكحلها فأعماها!
حين هاجمت الجريدة الإمام الأكبر، وضعت صورته بالصليب فوق صدره، في مشهد جرافيكي مهين، في صدر الصفحة الأولى وببنط عنوان لا تغفله عين قارئ، وسطرت من أول كلمة في الجورنال قدراً من الإهانات لا يليق أن يوجه لأي شخص، فما بالك وهو يوجه لمن في مكانة شيخ الأزهر الذي طعن في دينه، وتم التعامل معه كما تتعامل الصحافة الصفراء مع بطل أي فضيحة تتناولها كل أسبوع.
وحين شعر رئيس تحرير «الفجر» أن موقفه في القضية صعب، وأن الإمام الأكبر يرفض الوساطات، ولا يريد إلا أن ينال حقه وحق مكانته عن طريق القضاء، كان أن كتب أخيراً مقالاً في أسفل الصفحة الأولى لا أعلاها، دفن في مضمونه بضع عبارات تحاول استرضاء الشيخ الجليل، ولا تعترف بالخطأ بل تبرره وتشرح أسبابه، وجعل صورة الإمام أقل حجماً من صورة أي سيدة نشرها في الصفحة الأولى لاستثارة القراء.
قال رئيس تحرير «الفجر» في مقاله: «لم نكن نقصد أن نمسّك ولا نمس مشيخة الأزهر، أو نسيء إليك، نحن نحبك ونوقرك ونوقر الأزهر».
ولولا أن شيخ الأزهر قد لجأ إلى القضاء، ما كان أحدا قد قرأ هذا الكلام بدليل أنه لم يكتب في الأسبوع التالي لنشر الإهانة، ولا الأسبوع الذي بعده، ولا حتى بعد شهر، وإنما حين تيقن رئيس تحرير «الفجر» أن موعد الحكم قد اقترب.
لقد قرأت سطور الخوف من الحكم في المقال، لكنني لم أقرأ اعتذاراً واضحاً على الأقل في عنوان فرعي، ولم أقرأ تعبيراً عن ندم كامل، إذ حتى والقانون يلوح بما فيه فإن هذه الأقلام تتكبر أن تعلن صراحة أنها أخطأت وأنها تعتذر، وأنها تطلب عفو من أهانته، ولكن فقط تحاول أن تسترضيه لعله يقبل بالحد الأدنى من الحق الواجب أن يرد إليه.
ومن المفزع أن رئيس تحرير «الفجر» وهو يكتب هذا الاسترضاء كشف عن عذر أقبح من ذنب، إذ قال أن جريدته فقط تخيلت أن شيخ الأزهر سوف يذهب إلى الفاتيكان، وتخيلت أنه سوف ينحني للبابا الكاثوليكي، وبناء على هذا التخيل ارتفع ضغط الدم في عروقها، واضطرت إلى إن تضاعف نسبة الغضب في كلامها. هكذا ببساطة شديدة فإن الجريدة بنت إهانة فظيعة على مجرد تخيل، ومجرد تصور، لا الشيخ الجليل ذهب، ولا سافر، ولا انحنى، لكنه أهين لمجرد أن جريدة قد تخيلت، ورئيس تحريرها تصور.
ترى كم تخيل آخر مر اقترفته جريدة «الفجر» دون أن يلجأ المتضرر إلى القضاء، وكم تصور آخر ارتكبته الجريدة التي أهانت الإمام الأكبر ولم تذهب الضحية التي تعرضت للتشويه إلى المحكمة لكي تنادي بحكم القانون، وإذا كان قد تكبر عن أن يعتذر لفضيلة الإمام الأكبر فيما الحكم يقترب من صدوره، فما بالنا بالبشر الأقل مكانة والذين يطعنون في عرضهم وسيرتهم كل أسبوع دون حساب.
إن فضيلة الإمام حين ذهب إلى المحكمة، طالباً حكم القانون، إنما يمثل قدوة، يجب أن تتبع ضد الصحافة القبيحة بلونيها الأصفر والأسود، وليس هناك غير القانون حكماً فصلاً، وهو حين يصر على موقفه إنما يمارس تهذيباً مطلوباً، وقد تأخر لهذا النوع من الصحافة التي عاثت في الأرض فساداً فلم تترك رمزاً إلا وقبحته، ولم تترك اسماً إلا وتطاولت عليه، ولم تترك مشهوراً إلا ونالت منه، وفي كل الأحوال ترفض أن تعترف صراحة بأنها أخطأت، بل في كثير من الأحيان تحاول أن تصنع مجداً زائفاً فوق مبررات سخيفة، وتدعي البطولة، وتتصنع الشجاعة.
وفضيلة الإمام الأكبر حين يصر على أن ينتظر حكم القانون العادل، إنما أيضاً ينال حق عشرات من الضحايا الذين لم تواتهم جرأة الذهاب إلى القضاء، أو لا يقوون على المثابرة أمام دوائره... تجاه أقلام تخشى ولكنها لا تستحي.
عبدالله كمال
رئيس تحرير «روزاليوسف» ومستشار «الراي» بالقاهرة
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي