الدجل في حياة المشاهير

صلاح نصر... عاشق الغيبيات والأرواح والخرافة / 16

تصغير
تكبير
| القاهرة - من دعاء فتوح |
دائما نخشى الغيب... فهو البوابة السحرية لمعرفة أقدارنا نحن البشر التائهين، نعرف أننا سنرحل، ولكن لا نعرف كيف؟ ومتى؟، ولا نملك من حطام دنيانا بخلاف اللحظة الحالية شيئا.
لذلك يلجأ بعضنا لمعرفة أقدارهم وطوالعهم عن طريق المتنبئين والفلكيين، أو عن طريق الدجالين والمشعوذين.
وثبت في أذهاننا أن هؤلاء المهتمين بهذا «العالم الخرافي»... هم أشخاص يفتقدون للثقافة الكافية والمعرفة... أوهم ممن يعيشون في القرى والمناطق العشوائية... حيث ارتبط الدجل والشعوذة بضعاف النفوس الذين لا يستطيعون مواجهة مصائرهم، وأقدارهم.
لذلك كان من أكثر الأمور غرابة... هو اكتشاف مدى تعلق أصحاب السلطة من السياسيين المرموقين على مر العصور، وكذلك مشاهير الفن والرياضة والأدب، وغيرها، بتلك العلوم.
حتى إن الكثير من الأمراء والملوك... كان لديهم «مُنَجم» أو أكثر مرتبط بقصورهم مثل لورنزو منجم دوق فلورنسة، وتيموبراهة منجم إمبراطور النمسا، وإليزابيث تيسية المستشارة الروحية للرئيس الفرنسي الأسبق ميتران.
إضافة إلى أن هناك الكثير من المنجمين «المشاهير طبعا» الذين ارتبطت أسماؤهم بالملوك.
كما اهتم ملوك وأمراء العرب بتلك العلوم، ومن أشهر هؤلاء الأمراء أبو جعفر المنصور العباسي... حيث كان لا يصدر أمرا إلا باستشارة نوبخت والفزاري.
الدجل... في حياة المشاهير... في جميع المجالات... ومن خلال التقليب في كثير من الأوراق والحكايات والأساطير القديمة والحديثة... تعددت أسبابه... وتنوعت أدواته.
فهناك من أراد أن يحصل على كسب اقتصادي... أو منفعة سياسية... أو المبارزة على منصب وجاه... حتى إن الأمر ولايزال مستخدما في أجهزة استخباراتية، وفي انتخابات رئاسية في دول كبرى... وفي حكايات وارتباطات المشاهير بالدجل... مفاجآت كثيرة... في السطور التالية... كثير من بينها.
يختلف تأثير الدجل في حياة المشاهير... حسب أهميتهم ومدى تأثيرهم في صنع القرارات البشرية المهمة... لذلك لم تشهد مصر فترة عصيبة تشبه الفترة التي أعقبت نكسة 5 يونيو العام 1967... عندما تم الكشف عن التجاوزات التي أدت للنكسة، وكانت الفضيحة الكبرى التي أصابت مدير جهاز المخابرات المصري في تلك الفترة صلاح نصر «زلزالا»... بعد أن كشف عن إيمانه بالأرواح والتنجيم والاستعانة بالمشعوذين والدجالين في اتخاذ أهم القرارات، كما كشفت السينمائية «اعتماد خورشيد» في كتابها عن علاقته بالمنجم الشهير حسين الشيمي الملقب بالعبقري الفلكي.
و بالرغم من أن صلاح نصر... يعتبر أشهر رئيس للمخابرات المصرية وله دور بارز في رفع شأنها حيث تمت في عهده العديد من العمليات الناجحة ، إلا أن البعض أكد أنه كان يشكو من عقدة نفسية.
المولد والنشأة
ولد صلاح نصر في 8 أكتوبر 1920 في قرية سنتماي - التابعة لمركز ميت غمر في محافظة الدقهلية «80 كيلو مترا شمال القاهرة» ـ وكان والده أول من حصل من قريته على تعليم عال، و كان صلاح أكبر إخوته لذا كان مميزا كابن بكر بالنسبة لأبيه وأمه.
وتلقى صلاح تعليمه الإبتدائي في مدرسة طنطا الإبتدائية وتلقى تعليمه الثانوي في عدة مدارس نظرا لتنقل أبيه من بلدة لأخرى فقد درس في مدارس طنطا الثانوية، وقنا الثانوية، وبمبة قادن الثانوية بالقاهرة.
ونشأ في طبقته الوسطى وأمضى طفولته وصباه في مدينة طنطا، كان يرى حرص أبيه وأمه على الصلاة والصوم فحرص عليهما،وكانت أول هدية حصل عليها من أبيه كاميرا تصوير ماركة «نورتون» ثمنها اثنا عشر قرشا العام 1927 .
سجل مشرف
بين عامي 1935 و1936 كان صلاح نصر يدرس في محافظة قنا «جنوب مصر»، وتعرف كثيرا على الصعيد وبهرته أسوان والأقصر ودندرة وأدفو وكوم أمبو.
وبعد مرور عام في قنا عاد مع والده إلى القاهرة لينهي دراسته الثانوية ويلتحق بالكلية الحربية في دفعة أكتوبر العام 1936 ولم يكن والده مرحبا بدخوله الكلية الحربية.
ومرت في هذا الوقت أحداث عديدة عاصرها صلاح نصر وتأثر بها ومنها نشوب الحرب العالمية الثانية والوزارة الائتلافية... ووزارة حسين سري وحادث 4 فبراير العام 1942والأحكام العرفية وانقسام الوفد وكتابة مكرم عبيد للكتاب الأسود ضد النحاس وإقالة وزارة النحاس واغتيال أحمد ماهر ثم قرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين وحرب 1948 وعودة الوفد للحكم.
كانت الحياة السياسية في مصر مضطربة في ذلك الوقت، والشباب ثائر يبحث عن دور، وكان صلاح نصر صديقاً لعبد الحكيم عامر منذ العام 1938 أثناء دراستهما في الكلية الحربية.
وفي أحد لقاءات عامر ونصر، فاتحه عامر بالانضمام إلى تنظيم الضباط الأحرار فتحمس صلاح نصر للفكرة وانضم إلى التنظيم، وكان جمال عبد الناصر يدرس لهم مادة الشؤون الإدارية في الكلية الحربية. وليلة ثورة 23 يوليو العام 1952 قاد صلاح نصر الكتيبة 13 التي كان فيها أغلب الضباط الأحرار وعينه عبد الناصر في 23 أكتوبر العام 1956 نائبا لرئيس المخابرات وكان علي صبري مديرا للمخابرات.
وكان زكريا محيي الدين مشرفا على المخابرات والمحرك الفعلي لها لانشغال علي صبري بإدارة أعمال مكتب عبد الناصر، ثم عينه رئيسا للمخابرات العامة المصرية في 13 مايو العام 1957 وعين علي صبري وزيرا للدولة و زكريا محيي الدين وزيرا للداخلية.
وهكذا بدأ صعود صلاح نصر فتم اعتقاله وقدم استقالته 3 مرات. وكانت الاستقالة الأولى نتيجة استقالة المشير عامر... العام 1962 لأن صلاح نصر انحاز للمشير على الرغم من أن صلاح نصر كان وسيطا نزيها في التعامل بين الصديقين ناصر وعامر، وهو الذي أقنع عامر بالعودة.
والاستقالة الثانية كانت بسبب قضية الإخوان المسلمين... حيث كان عبد الناصر يريد أن يوكلها للمخابرات العامة، وبعد 1967 أصيب صلاح نصر بجلطة وبعد شفائه كان عبد الناصر يريد أن يوكل إليه مسؤولية وزارة الحربية ولكنه رفض لأن صلاح نصر كان قد قرر ألا يضع نفسه في أي مكان كان يشغله عبد الحكيم عامر ، فطلب عبد الناصر من صلاح أن يقترح عليه اسماً، فاقترح عليه الفريق عبد المحسن مرتجى.
استغلال النساء
في العام 1963... تقرر تشغيل النساء في المخابرات العامة واتخذ صلاح نصر هذا القرار بعد أن وجد كل أجهزة المخابرات في العالم تستخدمهن في عملها. وقد اعترف صلاح نصر بأنهم استعملوا 100 فتاة، وأنهم كانوا يلجأون لتصويرهن من باب السيطرة وخوفاً من تقلب عواطفهن. كذلك اعترف بأن بعض الفنانات كان لهن دور. لكنه لم يعترف بحفلات السمو الجسدي على طريقة الهنود.
صلاح نصر والغيبيات
حفلات «السمو الجسدي» على طريقة الهنود كانت اتهاما من شاهدة الإثبات الوحيدة في قضية صلاح نصر وهي «اعتماد خورشيد»... التي أكدت أنه كان يدير فيلتها بالهرم لأعماله في مذكراتها التي نشرت العام 1988 تحت عنوان «اعتماد خورشيد شاهدة على انحرافات صلاح نصر».
وفيها ذكرت علاقة صلاح نصر بالعبقري الفلكي حسين الشيمي قائلة : «كان صلاح نصر ملحدا يؤمن بالغيبيات ...... والأرواح».
وأذكر عندما مرض والده بمرض خطير واحتاج إلى جراحة دقيقة ترك الطب والمتخصصين واتصل بي تلفونيا صارخا: هاتي لي الشيخ حسين الشيمي «العبقري الفلكي» من تحت الأرض.
واتصلت بالعبقري الفلكي أدعوه لمقابلته وطلب منه صلاح نصر أن يقرأ له طالع والده وهل سيموت أم لا وخاصة أنه جهز الكفن لوالده.
وأخبره العبقري الفلكي بعد أن قرأ الطالع أن والده المريض لن يموت وستنجح العملية الدقيقة وبالفعل تحققت نبوءة العبقري الفلكي وتم نجاح العملية لوالد صلاح نصر.
وأذكر أنه طلب مني أن أسحب الشيخ حسين الشيمي، وألحق به في المستشفى وهناك عامله باحترام وقدمه لوالده وقال له هذا الشيخ الذي أخبرني بأنك لن تموت.
عامر وقراءة الطالع
وتؤكد اعتماد خورشيد... على أن قراءة الطالع لم تقتصر على صلاح نصر فقط بل أيضا قام الشيخ الشيمي بقراءة الطالع للمشير عبد الحكيم عامر.
وقالت: «وكان المشير عبد الحكيم عامر موجودا في المستشفى فقدمه إليه طالبا منه أن يقرأ له الطالع بل ودعاه لمنزله وقدمه لزوجته وأصبح صلاح نصر صديقا للعبقري الفلكي بعد أن كشف له عن شخصيته وكان يصر أن يقرأ له طالعه قبل أن يقوم بأي عمل مهم وعرفت منه أنه أخبر الرئيس عبد الناصر «بتنبؤات الشيخ حسين الشيمي الصادقة»
اعتماد خورشيد والغيبيات
وكانت اعتماد خورشيد أيضا صديقة مقربة للعبقري الفلكي، وهي من أهم المنتجين السينمائيين وهي من عرّفت صلاح نصر على العبقري الفلكي، و ذكرت أنها كانت على علم بهزيمة 5 يونيو 67 قبلها بـ «4» سنوات عندما تنبأ بها الشيخ حسين الشيمي في كتابه «تقويم العبقري الفلكي» الصادر العام 1963
وذكر في صفحة 83 منه أن داود الأنطاكي قال: إذا كان زحل في البروج النارية ارتفع شأن اليهود وكان زحل كذلك سنة 1948 فانتصروا على العرب، إذ كان في برج الأسد الناري، وكان أخيرا سنة 1956 في برج القوس الناري فارتفع شأنهم مع حلفائهم بعض الوقت وستعود الحالة في سنة 1967 ... فنطلب من الله أن يعجل بهلاكهم قبل هذا التاريخ، فإليكم الأمر يا من بيدكم الأمر.
وتلك حقائق فلكية مؤكدة والله على ما نقول شهيد «واتهمت اعتماد خورشيد صلاح نصر بأنه لم يهتم ـ عن قصد ـ بكلام العبقري الفلكي على الرغم من إيمانه بالغيبيات قائلة : «والغريب أنني قلت لصلاح نصر هذا الكلام ... وأعطيته الكتاب الذي ذكر فيه ... بل وقابل الشيخ العبقري وردد عليه هذا الكلام .ولكن صلاح نصر استهان بما قاله الشيخ الشيمي ... وقال «بقى معقول نعمل حساباتنا على أقوال الدجالين»!
وما يدل على هذا انهيار صلاح نصر واستشهاده بكلام العبقري الفلكي في المحاكمة... حيث إنه أثناء سرد اعتماد خورشيد لتفاصيل علاقاتها بصلاح نصر ساردة انحرافاته الأخلاقية... فجأة صرخ في قفص الاتهام قائلا لها : « قولولها إيه اللي قاله عنها العبقري الفلكي»
.سرد اعتماد خورشيد للواقعة: وأحدثت الكلمات « زوبعة وزلزالا ... وكأنه يريد أن يصيبني بالصدمة»
وفوجئت بالسيد حسين الشافعي يردد وراءه ... مين العبقري الفلكي ده ... ؟!
ووجدتني أنظر إلى نحو ما يشير ... وتصاعدت كلمات أخرى من محامي صلاح نصر الذي اقترب من منصة القاضي يردد: إحنا نريد أن نتوجه بسؤال إلى الشاهدة اعتماد خورشيد لتجيب على هذا السؤال ماذا قال عنها العبقري الفلكي؟
الشيخ حسين الشيمي... أكد أن هذا السؤال مهم جدا وفي صالح موكلي، وتجيب اعتماد... وارتفع صوتي قائلة: أولا يا سيادة الريس ... هذا العبقري الفلكي قال لصلاح نصر عندي في فيلتي بالهرم ... إنت راجل عندك شذوذ جنسي ... راجل خطير على المجتمع ... ونهايتك حتكون في نهاية 67 .
ومرت على ذاكرتي لحظة أن زارني الشيخ الشيمي في فيلا الهرم منذ سنة ووجد عندي صلاح نصر وطلب منه صلاح أن يعرف طالعه ... وقرأ الشيخ حسين طالعه دون أن يعرف شخصيته ... أو من يكون.
وقال الشيخ الشيمي في اليوم التالي: من يكون هذا الرجل ... ومن يكون طالعة سيئ جدا ... هذا الرجل خطر وعنده شذوذ ونهايته سنة 67، وطلب مني أن يكون هذا سرا واحترمت رأي الشيخ حسين حتى فجرته في المحكمة .
الصيت والشهرة
ذكر العبقري الفلكي الشيخ حسين الشيمي في كتابه الذي أصدره في العام 1963 تحت عنوان «تقويم العبقري الفلكي» ...ووضع على غلافه صورة عراف وفي الظهر صورة الرئيس عبد الناصر تعلوه رسوم فرعونية.
وقال في صفحة 74 بالنص: بعد أن وضع صورتي وكتب عني أنني مولودة في الساعة الثانية صباحا من يوم 29 أغسطس سنة 1935 وذكر طالعي في صفحة 77 : أن سعادتي لن تتأثر بعد السادسة عشرة من عمري لأن كواكبي تؤكد زواجي في الصغر وأني لن أصبر على زوج واحد وسأتزوج رجلا وديعا أمينا غنيا أكتسب منه السيطرة والشهرة حتى أصبح خطيرة صاحبة مركز ممتاز أقود جماعات كبيرة للعظماء أحب العلوم الغامضة مخاطرة بنفسي.
وقال الشيخ حسين الشيمي في نفس الصفحة: ويؤكد اتصال القمر بالمشتري فتكون شبه ملكة أو رئيسة كبيرة تأمر وتنهى... وفي صفحة 78 ذكر بالنص: ولما كان المريخ في الطالع فيخشى عليها من أرباب السلاح أو الظباط أو الرؤساء ولما كان المريخ منحوسا فلا يصيبها ضرر.
هذا ما قاله العبقري الفلكي بالنص في كتابه الذي صدر منذ سنوات ولا دخل لي به ولكن صلاح نصر أراد أن يلفت نظر المحكمة إلى أن طالعي هو أن أكون رئيسة أو ملكة على مصر طبعا فيكون لي دور في مؤامرة قلب نظام الحكم التي اتهم فيها الشيطان بالتدبير واحتل فيها المركز الثالث وهي قضية المشير.
الغريب أن العبقري الفلكي واجه صلاح نصر بحقيقة شذوذه، ولم يكن يعرف مركزه ولا منصبه ومن يكون ... وكان هذا منذ 5 سنوات سابقة على هذا الموقف الذي يقف فيه صلاح نصر يوجه فيه اتهامه.
«تحرير» وفاته
وبعد كل هذا العشق للدجل والخرافة... كان مدير المخابرات المصرية صلاح نصر... على موعد مع أزمة صحية مفاجئة فقد سقط في مكتبه في صباح 13 يوليو العام 1967 مصابا بجلطة دموية شديدة في الشريان التاجي ، هزت تلك الأزمة الصحية صلاح نصر... من الأعماق فهو لم يكن يتوقع أن يداهمه المرض بكل هذه القوة وهو في مكتبه الخاص في جهاز المخابرات العامة ، وبقي مع معاناته مع المرض إلى أن توفي العام 1982.
الفلكي العبقري
ونحن نقلب في هذه الأوراق... كان لابد من التعرف على من هو هذا العبقري الفلكي؟
إنه حسين الشيمي الفلكي الشهير بالعبقري الفلكي... وهذا الرجل له تقويمات باسم تقويم العبقري الفلكي منذ منتصف الخمسينات إلى العام 1986م وقد تنبأ بالعديد من الأحداث المهمة على الساحة الدولية منها:
تغيير مملكة العراق إلى جمهورية العام 1958
حدد يوم النكسة 5 يونيو 1967
وفاة جمال عبدالناصر يوم 28 -9-1970م
حرب 1973م وأكد انتصار العرب على اليهود
حرب بيروت العام 1976 وحذر منها العام 1970
رحلة السلام وحدد تاريخها في 1977
الاعتداء على الحرم المكي 1979
غزو روسيا لأفغانستان 1980
أحداث إيران مع العراق 1980
قطيعة الدول العربية لمصر 1978
محاولة اغتيال ريجان ونجاته العام 1981م
تنبأ لمدير المخابرات المصري صلاح نصر بنجاح عملية والده
زواج الملكة عالية من الملك حسين
إنجاب الأمير علي
له مؤلف من 4 أجزاء «كفاية العلوم»
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي