تراكيب الجملة العربية في ديوان «أنشودة الخليج»... للشاعر مبارك بن سيف آل ثاني
امتاز الشاعرمبارك بن سيف آل ثاني، بقدرته على توليفة لغوية جمعت بين تراكيب الجملة في الشعر العربي القديم والوسيط والحديث، فجاءت أبيات شعره مركبة بطريقة ماهرة، تنوع في استخدام أدواته النحوية والصرفية، كما تنوع في تراكيب الجمل الاسمية القصيرة والطويلة وكذلك الجملة الفعلية القصيرة والطويلة؛ لذا أستطيع أن أقول إن شاعرنا القطري مبارك بن سيف آل ثاني، استطاع أن يحرر اللغة من ضوابط النحاة في مطولته (أنشودة الخليج)، وقد اخترنا بعضا من أبياتها حيث يقول: (أَوَ لِلْخليجِ وَسِحْرِهِ شُعراءُ؟... أَمْ جاوَزَتْكَ البِيدُ والوَجْناءُ)؟
بدأ الشاعر مطولته كعادة الشعراء القدماء ببيت مصرّع؛ آخر كلمة في صدر البيت توافق قافية القصيدة المهموزة ذات الروي المرفوع وهو «ما ألحقت عروضه بضربه»، لذا جاءت تراكيب جملة الشطر الأول بأداة استفهام الهمزة ثم شبه الجملة الجار والمجرور متعلق بخبر محذوف وأيضا عطف عليها شبه الجملة الجار والمجرور «وَسِحْرِهِ»، وبعد ذلك جاء المبتدأ متأخرا «شعراءُ» وأيضا هو من مسوغات الابتداء بالنكرة «أن تتقدم عليها شبه الجملة»، كما يلاحظ هنا أيضا استخدام الشاعر لـ «أم» العاطفة، ويعطف بها بعد همزة الاستفهام التي يطلب بعدها تعيين أحد الشيئين، وهو ما يلتبس على بعض الكتاب والدارسين فيستخدمون «أو».
(اُغْفُ اللُّحَيْظَةَ فالزَّمانُ مُغادِرٌ... وَدَع المَكانَ فَكُلُّنا إِصْغاءُ)
تألق الشاعر في استخدام فعلي أمر في صدر بيته وعجزه وهما «اُغْفُ» و «دَعْ»، والعامل المعنوي المشترك بينهما هو ( الترك )؛ فالزمان سوف يتركنا ونحن سوف نترك المكان، والفعل «اُغْفُ» أصله «غفا» الألف منقلبة عن واو مضارعه «يغفو»، وهنا لابد من ملاحظة بأنه لا توجد ألف أصلية في اللغة العربية، فإما منقلبة عن «واو» أو منقلبة عن «ياء» ولابد أن نفرق بين الألف والهمزة، وإذا أردنا أن نعرف حقيقة هذه الألف في الأفعال تظهر في المضارع «غفا – يغفو» وفي الأسماء تظهر في جمع التكسير «باب – أبواب». والفعل الثاني مادته المعجمية «وَدَعَ» أي ترك ولكن الماضي لهذا الفعل غير مستخدم، وكثيرا ما يستخدم الأمر منه «دَعْ» لذلك فإن الواو التي تقدمت عليها في بيت الشعر هي واو العطف، وبما أنه لا يجوز التقاء الساكنين في اللغة العربية لذلك حُرِّك الفعل بالكسرة، كما أن الشاعر هنا استخدم الجمل القصيرة، فالجملة الفعلية «اُغْفُ اللُّحَيْظة» تكونت من فعل أمر مبني على حذف حرف العلة الواو التي تناسبها الضمة، والفاعل ضمير مستتر وجوبا ومفعول به «اللُّحيْظةَ» مصغر «اللحظة»، وجملة اسمية قصيرة أيضا «فالزَّمانُ مُغادِرٌ» من مبتدأ وخبر، وقصر الجمل من سمات اللغة العربية القائمة على حسن التقسيم والتركيز.
( وُئِدَتْ عُيونُكَ – يا خليجُ – حَماقةًً...فالحربُ نارٌ غاضَ فيها الماءُ )
أما في هذا البيت فالشاعر يبدأ بفعل ماض مبني للمجهول «ُوئِدَتْ» و«عُيونُكَ» نائب فاعل، وإذا بنينا الجملة للمعلوم سوف تكون «وَأَدَ الناسُ عُيونَكَ»، ثم جاء بجملة اعتراضية لا محل لها من الإعراب بين شرطتين، وهنا لابد أن أنوّه بأن الكتابة الصحيحة للجمل الاعتراضية أن تكون بين شرطتين، كما لابد أن أبيّن للقارئ الكريم بأن الجمل العربية أربع عشرة جملة منها سبع لها محل من الإعراب وسبع لا محل لها من الإعراب والجملة الاعتراضية لا محل لها من الإعراب، فجملة – يا خليج – الياء حرف نداء وخليج منادى مبني على الضم لأنه نكرة مقصودة وهو في ذات الوقت في محل نصب مفعول به وأصل الجملة «أنادي خليجا»، والسؤال هنا هل جملة النداء جملة فعلية أم اسمية؟ وهل تصنف في علم المعاني بالبلاغة من الأساليب الإنشائية ذات الأغراض البلاغية أم من الأساليب الخبرية التي تحتمل الصدق والكذب؟ مع ملاحظة أن سيبويه لم يستخدم «مصطلح البناء في باب المنادى بكتابه.
( يا عَبْدُ كَمْ عَبْدٍ يَفيضُ بَلاغَةً...يا عَمْروُ كَمْ عَمْروٍ بِهِ بُلَغاءُ )
وفي هذا البيت يبدأ الشاعر بمنادى مبني على الضم»علم«ويقصد به اسم لشاعر وقد نوّه الناشر إلى ذلك في هامش الصفحة قائلا» في البيت إشارة إلى كثرة الشعراء الذين تتضمن أسماؤهم اسم «عبد» أو اسم «عمرو». والدليل على ما ذهب إليه الناشر أن الشاعر استخدم «كم» الخبرية ولم يستخدم كم الاستفهامية، وكم الخبرية ما بعدها تمييز مجرور يفيد الكثرة خلاف لكم الاستفهامية فتمييزها منصوب يفيد الاستفهام عنه. كما يجب أن ننوّه للقارئ الكريم أن «عمرو» من الأسماء المصروفة، أما «عُمَر» على وزن «فُعَل» فهو ممنوع من الصرف لا يُجر إلا في حالة الإضافة، أما التنوين فلا يجوز البتة.
( ضاءَتْ – رَسُولَ اللهِ – فيكَ بَيارِقٌ...والنُّورُ فَجْرٌ ليسَ فِيه رِيِاءُ )
جاء الشاعر بجملة اعتراضية نداء حذف منه حرف النداء «رسول الله» وأصلها «يا رسول الله»، وقد اعترضت جملة النداء بين الفعل «ضاءت» وبين فاعله «بيارق»، وشبه الجملة الجار والمجرور «فيك» متعلق بالفعل «ضاءت»، كما نلاحظ هنا أن الشاعر صرف الممنوع من الصرف بالتنوين على وزن صيغة م نتهى الجموع مفاعل «بيارق»، وهذا ما يطلق عليه بالضرورة الشعرية وهو كثير في الشعر العربي القديم الذي يحتج به.
( إيهٍ – خليجُ – لا تَنمْ عن ظالمٍ...كلاّ، ولا يُذكرْ بكَ الفقراءُ )
يبدأ الشاعر البيت باسم فعل أمر «إيهٍ» وهو كما ذكرنا آنفا القسم الرابع من الكلام بعد الاسم والفعل والحرف فهناك اسم الفعل وقد أطلق عليه بعض العلماء ( خالفة )، و «إيهٍ» اسم فعل أمر بمعنى «زد» أو تكلم، مبني على الكسر لا محل له من الإعراب، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره «أنت» ثم يعترض الشاعر بجملة نداء مبني على الضم نكرة مقصودة حُذفت منه أداة النداء - خليج - أصلها - يا خليج -، ويأتي الشاعر بجملة فعلية مجزومة بـ «لا الناهية» التي جزمت الفعل المضارع «تنام» فأصبح «تَنمْ» للتخلص من التقاء الساكنين.
لقد امتاز شاعرنا القطري بقدرته على التنوع بتراكيب جملة الشعر – لاسيما – وأن مطولته على خط سير القصيدة العربية العمودية، فهناك أمران يحكمان الشاعر بل ويقيدانه هما «القافية والوزن»؛ ولكن الشاعر القطري تغلب عليهما بثرائه اللغوي وإحساساته المرهفة وملكة شعره.
* كاتب وباحث لغوي كويتي
[email protected]
بدأ الشاعر مطولته كعادة الشعراء القدماء ببيت مصرّع؛ آخر كلمة في صدر البيت توافق قافية القصيدة المهموزة ذات الروي المرفوع وهو «ما ألحقت عروضه بضربه»، لذا جاءت تراكيب جملة الشطر الأول بأداة استفهام الهمزة ثم شبه الجملة الجار والمجرور متعلق بخبر محذوف وأيضا عطف عليها شبه الجملة الجار والمجرور «وَسِحْرِهِ»، وبعد ذلك جاء المبتدأ متأخرا «شعراءُ» وأيضا هو من مسوغات الابتداء بالنكرة «أن تتقدم عليها شبه الجملة»، كما يلاحظ هنا أيضا استخدام الشاعر لـ «أم» العاطفة، ويعطف بها بعد همزة الاستفهام التي يطلب بعدها تعيين أحد الشيئين، وهو ما يلتبس على بعض الكتاب والدارسين فيستخدمون «أو».
(اُغْفُ اللُّحَيْظَةَ فالزَّمانُ مُغادِرٌ... وَدَع المَكانَ فَكُلُّنا إِصْغاءُ)
تألق الشاعر في استخدام فعلي أمر في صدر بيته وعجزه وهما «اُغْفُ» و «دَعْ»، والعامل المعنوي المشترك بينهما هو ( الترك )؛ فالزمان سوف يتركنا ونحن سوف نترك المكان، والفعل «اُغْفُ» أصله «غفا» الألف منقلبة عن واو مضارعه «يغفو»، وهنا لابد من ملاحظة بأنه لا توجد ألف أصلية في اللغة العربية، فإما منقلبة عن «واو» أو منقلبة عن «ياء» ولابد أن نفرق بين الألف والهمزة، وإذا أردنا أن نعرف حقيقة هذه الألف في الأفعال تظهر في المضارع «غفا – يغفو» وفي الأسماء تظهر في جمع التكسير «باب – أبواب». والفعل الثاني مادته المعجمية «وَدَعَ» أي ترك ولكن الماضي لهذا الفعل غير مستخدم، وكثيرا ما يستخدم الأمر منه «دَعْ» لذلك فإن الواو التي تقدمت عليها في بيت الشعر هي واو العطف، وبما أنه لا يجوز التقاء الساكنين في اللغة العربية لذلك حُرِّك الفعل بالكسرة، كما أن الشاعر هنا استخدم الجمل القصيرة، فالجملة الفعلية «اُغْفُ اللُّحَيْظة» تكونت من فعل أمر مبني على حذف حرف العلة الواو التي تناسبها الضمة، والفاعل ضمير مستتر وجوبا ومفعول به «اللُّحيْظةَ» مصغر «اللحظة»، وجملة اسمية قصيرة أيضا «فالزَّمانُ مُغادِرٌ» من مبتدأ وخبر، وقصر الجمل من سمات اللغة العربية القائمة على حسن التقسيم والتركيز.
( وُئِدَتْ عُيونُكَ – يا خليجُ – حَماقةًً...فالحربُ نارٌ غاضَ فيها الماءُ )
أما في هذا البيت فالشاعر يبدأ بفعل ماض مبني للمجهول «ُوئِدَتْ» و«عُيونُكَ» نائب فاعل، وإذا بنينا الجملة للمعلوم سوف تكون «وَأَدَ الناسُ عُيونَكَ»، ثم جاء بجملة اعتراضية لا محل لها من الإعراب بين شرطتين، وهنا لابد أن أنوّه بأن الكتابة الصحيحة للجمل الاعتراضية أن تكون بين شرطتين، كما لابد أن أبيّن للقارئ الكريم بأن الجمل العربية أربع عشرة جملة منها سبع لها محل من الإعراب وسبع لا محل لها من الإعراب والجملة الاعتراضية لا محل لها من الإعراب، فجملة – يا خليج – الياء حرف نداء وخليج منادى مبني على الضم لأنه نكرة مقصودة وهو في ذات الوقت في محل نصب مفعول به وأصل الجملة «أنادي خليجا»، والسؤال هنا هل جملة النداء جملة فعلية أم اسمية؟ وهل تصنف في علم المعاني بالبلاغة من الأساليب الإنشائية ذات الأغراض البلاغية أم من الأساليب الخبرية التي تحتمل الصدق والكذب؟ مع ملاحظة أن سيبويه لم يستخدم «مصطلح البناء في باب المنادى بكتابه.
( يا عَبْدُ كَمْ عَبْدٍ يَفيضُ بَلاغَةً...يا عَمْروُ كَمْ عَمْروٍ بِهِ بُلَغاءُ )
وفي هذا البيت يبدأ الشاعر بمنادى مبني على الضم»علم«ويقصد به اسم لشاعر وقد نوّه الناشر إلى ذلك في هامش الصفحة قائلا» في البيت إشارة إلى كثرة الشعراء الذين تتضمن أسماؤهم اسم «عبد» أو اسم «عمرو». والدليل على ما ذهب إليه الناشر أن الشاعر استخدم «كم» الخبرية ولم يستخدم كم الاستفهامية، وكم الخبرية ما بعدها تمييز مجرور يفيد الكثرة خلاف لكم الاستفهامية فتمييزها منصوب يفيد الاستفهام عنه. كما يجب أن ننوّه للقارئ الكريم أن «عمرو» من الأسماء المصروفة، أما «عُمَر» على وزن «فُعَل» فهو ممنوع من الصرف لا يُجر إلا في حالة الإضافة، أما التنوين فلا يجوز البتة.
( ضاءَتْ – رَسُولَ اللهِ – فيكَ بَيارِقٌ...والنُّورُ فَجْرٌ ليسَ فِيه رِيِاءُ )
جاء الشاعر بجملة اعتراضية نداء حذف منه حرف النداء «رسول الله» وأصلها «يا رسول الله»، وقد اعترضت جملة النداء بين الفعل «ضاءت» وبين فاعله «بيارق»، وشبه الجملة الجار والمجرور «فيك» متعلق بالفعل «ضاءت»، كما نلاحظ هنا أن الشاعر صرف الممنوع من الصرف بالتنوين على وزن صيغة م نتهى الجموع مفاعل «بيارق»، وهذا ما يطلق عليه بالضرورة الشعرية وهو كثير في الشعر العربي القديم الذي يحتج به.
( إيهٍ – خليجُ – لا تَنمْ عن ظالمٍ...كلاّ، ولا يُذكرْ بكَ الفقراءُ )
يبدأ الشاعر البيت باسم فعل أمر «إيهٍ» وهو كما ذكرنا آنفا القسم الرابع من الكلام بعد الاسم والفعل والحرف فهناك اسم الفعل وقد أطلق عليه بعض العلماء ( خالفة )، و «إيهٍ» اسم فعل أمر بمعنى «زد» أو تكلم، مبني على الكسر لا محل له من الإعراب، وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره «أنت» ثم يعترض الشاعر بجملة نداء مبني على الضم نكرة مقصودة حُذفت منه أداة النداء - خليج - أصلها - يا خليج -، ويأتي الشاعر بجملة فعلية مجزومة بـ «لا الناهية» التي جزمت الفعل المضارع «تنام» فأصبح «تَنمْ» للتخلص من التقاء الساكنين.
لقد امتاز شاعرنا القطري بقدرته على التنوع بتراكيب جملة الشعر – لاسيما – وأن مطولته على خط سير القصيدة العربية العمودية، فهناك أمران يحكمان الشاعر بل ويقيدانه هما «القافية والوزن»؛ ولكن الشاعر القطري تغلب عليهما بثرائه اللغوي وإحساساته المرهفة وملكة شعره.
* كاتب وباحث لغوي كويتي
[email protected]