No Script

الأعظم أجراً والأعلى منزلة يوم القيامة

الصبر على البلاء والرضا بالقضاء

تصغير
تكبير
لو تأمَّل المصاب بمصيبته أنها لم تكن في دينه وتلك هي المصيبة الحق لرضي واطمأنت نفسه وحمد الله على ما قضى وقدَّر

الدنيا لا تخلو من المصائب والمحن والرزايا والله جلَّ وعلا كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض
أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أعلانا منزلة أعظمنا صبرًا ومن استرجع واحتسب مصيبته كانت له ذخرًا ومنزلة عالية يوم القيامة وأن هذه الدنيا لا تخلو من المصائب والمحن والرزايا ولا ينتظر فيها الصحيح إلا السقم والكبير إلا الهرم والموجود إلا العدم وأن الله جلَّ وعلا كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سَنَة، كما ورد ذلك في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سَنَة، قال: وعرشه على الماء».

فلِمَ الجزع والسخط؟ والله جلَّ جلاله هو المُدَبِّر والمصرف في كل الأمور والأحوال، وأن كرب الزمان وفقد الأحبة خَطْب مؤلم وحدث مفجع ومَهول وأنها تحدث في الجوف نارا مستعرة وحرقة لا تنطفئ.

ولكن المتأمل بالآيات الكريمات، والأحاديث الشريفة، يجد فيها تسلية للنفس، ورضاءً للمكتوب،وطمعًا للأجر والثواب من الله العلي القدير.

فلو تأمَّل المصاب بمصيبته أنها لم تكن في دينه وتلك هي المصيبة الحق، وأنها لم تكن أعظم مما كانت، وكذلك أن الأجر لها بعد الصبر والاحتساب، تبلغك منزلة في الجنة لن تبلغها بعملك، لرضي واطمأنت نفسه وحمد الله على ما قضى وقدَّر.

فقد قال الله تعالى: ?مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ? [الحديد: 22].

وقال عزَّ وجلَّ: ?وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ? [الشورى: 30].

وقال جلَّ وعلا: ?مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ? [التغابن: 11].

وفي الحديث الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا فقال: «يا غلام ألا أُعلِّمُك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رُفِعت الأقلام وجَفَّـت الصحف».

•من الآيات الواردة في الصبر

?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ? [آل عمران: 200].

?فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ? [الأحقاف: 35].

?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ? [البقرة: 153].

?وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ? [البقرة: 177].

?وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ? [آل عمران: 146].

?وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ? [الأنفال: 46].

?وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ? [النساء: 25].

?وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ? [النحل: 96].

?إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ? [الزمر: 10].

?وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ • الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ • أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ? [البقرة: 155-157].

•من الأحاديث الواردة في الصبر

عن صهيب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سرَّاء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضرَّاء صبر فكان خيرًا له».

عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما يصيب المسلم من نَصَب ولا وَصَب ولا هَمّ ولا حُزْن ولا أذى ولا غَمّ حتى الشوكة يشاكها إلا كفَّر الله بها من خطايا.

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يقول الله تعالى: ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيه من أهل الدنيا ثم احتسبه إلا الجنة».

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«إن عِظَم الجزاء مع عِظَم البلاء، وإن الله إذا أحبّ قومًا ابتلاهم فمن رَضِي فله الرِّضا، ومن سَخِط فله السُّخط».

عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا مات ولد العبد، قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم. فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده، فيقولون نعم, فيقول ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع, فيقول الله: ابنوا لعبدي بيتًا في الجنة وسمُّوه بيت الحمد».

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم بصبي لها فقالت: يا نبي الله! اُدْع الله له فلقد دفنت ثلاثة. قال: «دفنت ثلاثة؟» قالت: نعم.

قال: «لقد احتظرت بحظار شديد من النار».

عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال لعطاء: ألا أُريك امرأة من أهل الجنة؟ قلت: بلى، قال هذه المرأة السوداء أتت النبي صلى الله عليه وسلم قالت: إني أصرع وإني أتكشف فادع الله لي.

قال: «إن شئت صبرت ولك الجنة وإن شئت دعوت الله أن يعافيك» قالت أصبر. قالت:«فإني أتكشف فادع الله ألا أتكشف، فدعا لها».

•من أقوال الصحابة والسَّلف الصالح

في الرِّضا والصبر

رُوي أنَّ أبا بكر رضي الله تعالى عنه كان إذا عزَّى قومًا قال:«ليس مع العزاء مصيبة ولا مع الجزع فائدة والموت أشدّ مما قبله، وأهون مما بعده، فاذكر مصيبتك برسول الله ? تَهُن عليك مصيبتك».

قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:«إن الخير كُلُّه في الرِّضا، فإن استطعت أن ترضى وإلَّا فاصبر».

قال علي رضي الله عنه:«الصِّبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، ولا إيمان لمن لا صبر له».

قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:«الصَّبر نصف الإيمان واليقين الإيمان كُلُّه».

قال ابن القيم:«ثمرة الرِّضا الفرح والسرور بالرَّب تبارك وتعالى».

قال حذيفة:«إن الله لم يخلق شيئًا قط إلا صغيرًا ثُمَّ يَكْبُر إلا المُصيبة فإنه خلقها كبيرة ثم تصغر».

قال ميمون بن مهران:«من لم يرضَ بالقضاء فليس لحُمْقه دواء».

قيل للربيع بن عبد الرحمن:«ما منتهى الصَّبر؟ قال: يكون يوم تصيبه مصيبة مثله قبل أن تصيبه».

قال الفُضَيل بن عِياض: الرِّضا أفضل من الزُّهد في الدنيا؛ لأنَّ الرَّاضي لا يتمنى فوق منزلته«.

قال عبد القادر الجيلاني: وترد عليَّ الأثقال التي لو وضعت على الجبال تفسَّخت، فأضع جنبي على الأرض، وأقول: إنَّ مع العُسر يُسرًا، ثم ارفع رأسي وقد انفرجت عني.

قال أبو مسلم الخولاني:» لأن يُولَد لي مولود يُحْسِن الله نباته، حتى إذا استوى على شبابه وكان أعجب ما يكون إلي قبضه الله تعالى مِنِّي- أحبُّ إليَّ من الدنيا وما فيها«.

سُئِل أبو عثمان عن قول النبي صلى الله عليه وسلم»أسألك الرِّضا بعد القضاء «فقال: لأن الرِّضا قبل القضاء عَزْم على الرِّضا، والرِّضا بعد القضاء هو الرِّضا».
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي