حوار / «الراي» تفتح مع «صوت العرب» خزانة الذكريات (6 من 6)

نجاح سلام: شبعتُ من الدنيا ومللتُ التكريمات وأعيش حياتي لعائلتي... بـ «قلب مفتوح»!

تصغير
تكبير
ذهبتُ إلى الحج وعدتُ وأنا أرتدي الحجاب... لكنني لم أعتزل الفن بل اكتفيت بالغناء الوطني والديني

عندما غادرتُ المسرح بعدما غنيتُ «سورية يا حبيبتي» في دمشق... تسابق الناس لحمل سيارتي

أنا من الفنانات القليلات اللواتي وجدن الأمان في الفن لأنني قدمتُ فناً راقياً

أمضيتُ أكثر من نصف حياتي في مصر... وفي القاهرة ينادونني بـ «الأستاذة»

أمضي وقتي بالاستماع الى أغنياتي القديمة وأغنيات مطربي أيام زمان بجانب نجوى كرم وملحم زين ومعين شريف ونانسي عجرم

مطرب لا يتجاوز عمره الفني عشر سنوات وأتى من بيته إلى الغناء فوراً... كيف يمكنه أن يقيّم أصواتاً؟

بيتي متخم بالأوسمة وأحتفظ بكل ملابسي منذ دخلتُ المجال الفني وهي لا تُعد ولا تحصى... وربما أتبرع بها لجهات خيرية
ليست مجرّد مطربة كبيرة، بل هي مدينة فنية في حد ذاتها! والغناء عندها ليس فقط وسيلة للإمتاع والترفيه، بل هو ثقافة راقية، ونوع من النضال، ومواكبة نبيلة لتاريخ أمتها العربية. إنها المطربة اللبنانية القديرة نجاح سلام، التي شكلت واحدةً من «منارات» الفنّ العربي، وهي التي انطبعت مسيرتها بنجاحات باهرة استمرّ صداها يتردد، منذ قرابة 70 عاماً، رغم انكفائها في الفترة الأخيرة.

نحو 5 آلاف أغنية وعشرات الأفلام السينمائية، كلّها ساهمت في تكريس ريادية هذه المطربة التي بدأت مشوارها الغنائي في العام 1948، ولم تكن بعد تجاوزت الـ 17 عاماً، لتُراكِم سنة وراء سنة رصيداً فنياً طبع اسمها بـ «أحرف من ذهب» رصّعته عشرات الأوسمة وشهادات التقدير، إضافة إلى ألقاب استحقتها نتيجة مواقفها الداعمة للحركات الثورية العربية ولفلسطين وقضيّتها قبل النكبة وبعدها، وللمقاومة اللبنانية ضد إسرائيل، وبينها لقب «المطربة الفدائية» و«مطربة العروبة» و«صوت العرب».


سلام، التي غنّت لبنان، لم تبخل بصوتها الذي قدّم لمصر «يا أحلى اسم في الوجود يا مصر»، ولسورية «سورية يا حبيبتي»، وللجزائر «محلى الغنا بعد الرصاص ما تكلم»... وغيرها من الأغنيات للعديد من الدول العربية التي بادلتها الوفاء إما بمنحها الجنسية كما فعلت مصر، أو بتقليدها الأوسمة ومنها «الإخلاص والشرف» من سورية، و«جوقة الشرف» من فرنسا، ومفتاح «مدينة نيوجرسي» و«الأوسكار العربي» من أميركا، وشهادة مجمع اللغة العربية - الجامعة العربية في القاهرة (شهادة لم تُمنح لسواها من مطربي ومطربات الوطن العربي) ووسام «الشهيد» من الجزائر وغيرها من دروع التقدير وشهادات الوفاء.

أما لبنان، الذي كان كرّمها مرات عدة حيث نالت وسام الاستحقاق الوطني اللبناني المذهّب و«وسام الأَرز من رتبة كوموندور»، فأبى إلا أن يردّ التحية لها قبل أشهر قليلة بأعلى صوت، حين أقام لها حفل تكريم حاشداً رعاه وحضره وزير الثقافة وجهات رسمية لبنانية وعربية وسط حضور شعبي كثيف، وهو التكريم الذي وصفته سلام بأنه «الأهمّ في مشوارها الفني»، لأنه جاء من جهة فنية - موسيقية - غنائية هي الأعلى في وطنها لبنان (المعهد الوطني العالي للموسيقى). «الراي» التقت هذه القامة الفنية الكبيرة في حوار ذكريات تنشره على حلقات:

• كيف ومتى وُلد قرار اعتزالك؟

- الاعتزال لم يكن وارداً عندي، ولكن عندما ذهبتُ إلى الحج برفقة ابنتي وصهري، وأديتُ الفريضة، عدتُ وأنا أرتدي الحجاب، ولكنني لم أعتزل الفن بل اتجهت نحو الغناء الوطني والديني.

• وما آخر أعمالك قبل ارتداء الحجاب؟

- أغنية «يا زمن الوفاء».

• في أي عام ارتديتِ الحجاب؟

- في العام 2000. أنا شبعتُ من الدنيا. وبيتي متخم بالأوسمة، وقد مللتُ من التكريمات. في سورية حملوا سيارتي. فعندما غادرتُ المسرح عقب أن غنيتُ «سورية يا حبيبتي»، اندفع الناس لحمل السيارة. وعندما قصدتُ «سوق الصاغة»، عدتُ مع شقيقي بسيارة عسكرية بسبب ازدحام الناس وتجمهرهم حولي.

• وكيف تتحدثين عن تكريمك في بيروت أخيراً؟

- التكريم الأخير تم بدعوة من رئيس «المعهد الوطني العالي للموسيقى» بالتكليف وليد مسلم تقديراً لمسيرتي الفنية. في مصر كُرمت كثيراً، فمثلاً تم تكريمي من سفير لبنان الأسبق في القاهرة الأمير رئيف أبي اللمع الذي خصص حفل استقبال في السفارة تكريماً لي، وحضرته الكثير من الشخصيات من بينهم محمد نجيب.

• كيف تعيشين اليوم؟

- كنتُ أتنقل بين بيروت والكويت ومصر، لكنني أقيم في بيروت حالياً بسبب مرضي. أكبر سعادة في حياتي عندما يجتمع أولادي وأحفادي معي. ابنتي ريم تقيم في الكويت وسمر تقيم في مصر، وهي متزوجة من الفنان أمجد عطافي. عندما يشتاق إليّ الأولاد والأحفاد يزورونني في بيروت. بيتي لا يمكن أن يخلو من إحدى بناتي أو من ابن شقيقتي.

• كم حفيداً لديك؟

- لديّ 15 بين أحفاد وأولاد أحفاد.

• ماذا أعطتك العائلة؟

- العائلة أهمّ ما في الحياة، وعائلتي أعطتني الاحتضان والإحاطة والسمعة الحسنة. على مستوى الحماية الاجتماعية أعطتني سمعة حسنة، وشكّلت لي الستارة أو الحاجز الكبير، لأنني قدّمتُ فني بموجبات هذه الحماية. حتى عندما تحجبتُ، لم أحتجب، بل أصبحتُ أقدّم الفن الذي يليق بحجابي.

• هل يمكن القول إن الفنان يجد الأمان مع عائلته وليس في فنه؟

- الأمان موجود في العائلة. ولكنني من الفنانات القليلات اللواتي وجدن الأمان في الفن، لأنني قدمتُ فناً راقياً. ومن يقدم فناً راقياً، يجد الأمان والاحترام على المستوى الفني. أمضيتُ تقريباً أكثر من نصف حياتي في مصر. وفي القاهرة ينادونني بـ «الأستاذة»، خصوصاً في الدوائر الرسمية، سواء الإذاعة أو التلفزيون أو وزارة الإعلام، وكذلك الصحافيون.

• ومن لقّبك بـ «الأستاذة»؟

- هذا اللقب رافقني منذ بدأ الكبار يتعاملون معي. أي منذ أن بدأ رياض السنباطي يلحّن لي، ومنذ أن لحّن لي أحمد صدقي، ومنذ أن غنيتُ الألوان الغنائية الرصينة بإتقان، ومنذ أن غنيتُ لأم كلثوم بإجادة وتَميُّز وبشهادة أم كلثوم نفسها. والأهم من كل ذلك، عندما قدمتُ للإذاعة اللبنانية أكثر من عشرة ملحنين من خلال صوتي. قبل أيام عدة عُرض برنامج وثائقي لملحن اسمه فؤاد عبدالمجيد المستكاوي. هذا الملحن، الذي يقدّرون قيمته اليوم ويتلقى الكثير من التكريم، أنا غنيتُ من ألحانه قبل 20 عاماً. أنا اكتشفتُه، ومن بعدي تعرّف عليه علي رضا مؤسِّس فرقة رضا، إذ صاغ لفرقته ألحاناً بإيقاع راقص.

• هل يمكن القول إنك تعيشين اليوم مع عائلتك ومن أجلها؟

- نعم. أعيش من أجل عائلتي الكبيرة المكوّنة من إخوتي، وعائلتي الصغيرة المكوّنة من أولادي وأحفادي.

• من المعروف أنك أُصبت بانتكاسة صحية... كيف تتحدثين عن ظروف مرضك؟

- تعرضتُ لأزمة صحية قبل 5 أعوام. وقتها شعرت بضيق في التنفس، وزرت أشهر طبيب في لبنان هو الدكتور سمير علم، وتبين أن لديّ انغلاقاً في 3 شرايين. وخضعتُ لعملية «قلب مفتوح»، وبعدها أكملتُ حياتي بشكل طبيعي ولم تؤثر العملية في قدراتي كصوت وقوة غنائية. لكن ما أزعجني هو أنني وقعت وكسرتُ وركي قبل عامين، واضطررتُ إلى الخضوع لعملية جراحية تكللت بالنجاح، والحمد لله.

• اليوم، أنتِ تتنقلين في شكل عادي؟

- نعم.

• ما هواياتك، كيف تمضين أوقاتك حالياً؟

- أستمع إلى أغنياتي القديمة وأغنيات مطربي أيام زمان، كما أرافق الحركة الغنائية الجديدة، ولكنني أختار مَن أسمع له. مثلاً، أسمع نجوى كرم وملحم زين ومعين شريف ونانسي وعجرم.

• ألا تشاهدين التلفزيون؟

- أتابع البرامج السياسية فقط، خصوصاً برنامج «كلام الناس» للإعلامي مارسيل غانم، كما أتابع «التحدي الكبير» الذي يقوم على المنافسة بين الطلاب، الذين هم مستقبل لبنان.

• ما رأيك في الأزمة التي تعيشها المنطقة العربية حالياً؟

- كمواطنة لبنانية عشتُ لبنان الازدهار والأمن والسلام، أشعر بانزعاج كبير مما يحصل حالياً، وأتمنى إيجاد حلول لكل المشاكل، وأرى أن عودة العروبة بشكلها الواسع إلى المنطقة العربية هي الحل لكل الأزمات.

• ألا تتابعين دراما تلفزيونية؟

- بل أتابع الأفلام السينمائية الجديدة فقط. كما أتابع برامج الهواة.

• ما رأيك في هذه البرامج؟

- المنطقة العربية حافلة بالمواهب والأصوات، ولكن المهم مَن يتبناها.

• وهل أنتِ مع مشاركة الفنانين فيها، كأعضاء لجان تحكيم؟

- كلا. بل أفضّل أن يكون أهل الاختصاص في لجان التحكيم.

• ولماذا؟

- الفنان الذي لا يتجاوز عمره الفني عشر سنوات والذي أتى من بيته إلى الغناء فوراً، كيف يمكن أن يقيّم أصواتاً؟ لا يوجد فنانون أتوا من الكونسرفتوار أو من المعاهد الموسيقية إلى الفن، بل غالبيتهم تخرجوا مطربين من بيوتهم!

• لكن هناك كاظم الساهر؟

- أتحدث في شكل عام، وليس عن الأقلية. أنا مع وجود كاظم الساهر عضواً في لجنة تحكيم، فهو الأفضل في هذه التجربة، وكذلك أحلام لأنها تملك خبرة فنية قديمة وكبيرة جداً، وكلاهما لديه مكانة فنية وخبرة تؤهلانهما لتقييم الأصوات.

• وشيرين عبدالوهاب؟

- «شيرين بنت امبارح»، وهي لا تزال صغيرة في السن.

• وماذا تقولين عن تجارب سائر الفنانين في هذه البرامج؟

- وجودهم «حبة البرَكة» فيها.

• أناقة الفنان كانت ولا تزال تشكل جزءاً من نجاحه. هل تحتفظين بكل الفساتين التي ترتبط بمسيرتك الفنية؟

- نعم، أحتفظ بكل ملابسي تقريباً منذ أن دخلتُ المجال الفني.

• هل تعرفين كم تملكين منها؟

- كلا، لأنها لا تُعد ولا تحصى.

• وماذا ستفعلين بها؟

- ربما أتبرع بها إلى جهات خيرية تُجري عليها مزاداً علنياً يعود رَيعه إلى هذه الجمعيات.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي