No Script

حوار / «الراي» تفتح مع «صوت العرب» خزانة الذكريات (5 من 6)

نجاح سلام: ما أحببتُ سوى محمد سلمان وزوجي الثاني خانني والثالث أزعجتْه شُهرتي

تصغير
تكبير
فيلم «السعد وعد» قرّب كثيراً بيني وبين محمد سلمان... ومن خلال مشاركتنا فيه نشأتْ بيننا بوادر الحب

في عيد الثورة تحديتُ محمد سلمان بالغناء... فهنأنا عبدالناصر وقال لوالدي «دول لايقين لبعض» وهذه العبارة رسّخت علاقتنا أكثر

زواجي «خطيفة» من محمد سلمان أحدث قصة «طويلة عريضة» إلى درجة أغضبت المغفور له صائب سلام

محمد سلمان قصد محمد علي الصبّاح وقال له «أريد أن أنتج فيلماً»... فسأله «وهل تملك المال»؟ ليجيبه سلمان «معي نجاح سلام»

فيلمي «اللحن الأول» مع سلمان كبّد «رد قلبي» لمريم فخر الدين وشكري سرحان خسائر كبيرة في بيروت

علاقتي مع محمد سلمان استمرّت أكثر من ممتازة رغم الطلاق... وجثمانه أُخرج من بيتي
ليست مجرّد مطربة كبيرة، بل هي مدينة فنية في حد ذاتها! والغناء عندها ليس فقط وسيلة للإمتاع والترفيه، بل هو ثقافة راقية، ونوع من النضال، ومواكبة نبيلة لتاريخ أمتها العربية. إنها المطربة اللبنانية القديرة نجاح سلام، التي شكلت واحدةً من «منارات» الفنّ العربي، وهي التي انطبعت مسيرتها بنجاحات باهرة استمرّ صداها يتردد، منذ قرابة 70 عاماً، رغم انكفائها في الفترة الأخيرة.

نحو 5 آلاف أغنية وعشرات الأفلام السينمائية، كلّها ساهمت في تكريس ريادية هذه المطربة التي بدأت مشوارها الغنائي في العام 1948، ولم تكن بعد تجاوزت الـ 17 عاماً، لتُراكِم سنة وراء سنة رصيداً فنياً طبع اسمها بـ «أحرف من ذهب» رصّعته عشرات الأوسمة وشهادات التقدير، إضافة إلى ألقاب استحقتها نتيجة مواقفها الداعمة للحركات الثورية العربية ولفلسطين وقضيّتها قبل النكبة وبعدها، وللمقاومة اللبنانية ضد إسرائيل، وبينها لقب «المطربة الفدائية» و«مطربة العروبة» و«صوت العرب».


سلام، التي غنّت لبنان، لم تبخل بصوتها الذي قدّم لمصر «يا أحلى اسم في الوجود يا مصر»، ولسورية «سورية يا حبيبتي»، وللجزائر «محلى الغنا بعد الرصاص ما تكلم»... وغيرها من الأغنيات للعديد من الدول العربية التي بادلتها الوفاء إما بمنحها الجنسية كما فعلت مصر، أو بتقليدها الأوسمة ومنها «الإخلاص والشرف» من سورية، و«جوقة الشرف» من فرنسا، ومفتاح «مدينة نيوجرسي» و«الأوسكار العربي» من أميركا، وشهادة مجمع اللغة العربية - الجامعة العربية في القاهرة (شهادة لم تُمنح لسواها من مطربي ومطربات الوطن العربي) ووسام «الشهيد» من الجزائر وغيرها من دروع التقدير وشهادات الوفاء.

أما لبنان، الذي كان كرّمها مرات عدة حيث نالت وسام الاستحقاق الوطني اللبناني المذهّب و«وسام الأَرز من رتبة كوموندور»، فأبى إلا أن يردّ التحية لها قبل أشهر قليلة بأعلى صوت، حين أقام لها حفل تكريم حاشداً رعاه وحضره وزير الثقافة وجهات رسمية لبنانية وعربية وسط حضور شعبي كثيف، وهو التكريم الذي وصفته سلام بأنه «الأهمّ في مشوارها الفني»، لأنه جاء من جهة فنية - موسيقية - غنائية هي الأعلى في وطنها لبنان (المعهد الوطني العالي للموسيقى). «الراي» التقت هذه القامة الفنية الكبيرة في حوار ذكريات تنشره على حلقات:

• كيف تتحدثين عن حبك وزواجك من المخرج محمد سلمان؟

- والدي احتضن محمد سلمان. هو كان يسكن مع والدته في منطقة البسطة الفوقا خلف بيتنا. والده كان قد توفي وكان جنوبياً مكافحاً، تعب من أجل تعليم ابنه الوحيد محمد، الذي كان عصامياً تماماً كما والده. محمد كان يغني في الإذاعة اللبنانية، كما كان يدرّس في ثانوية العاملية. وعندما أراد إكمال دراسته في القاهرة أرسل معه رشيد بيضون، رئيس الجمعية العاملية، رسالة وسلّمها إلى أحد عمداء الجامعة للاهتمام به. ولكنه بدل دخول الكلية، دخل الاستوديوات من أجل الغناء والتمثيل.

• وهل نجح في الغناء والتمثيل؟

- طبعاً، هو شارك في عدد من الأفلام المصرية.

• ولكن اسمه لمع كمخرج أكثر؟

- اسمه كمخرج لمع في لبنان. لكن في القاهرة كانت له أفلام، كما أنه شارك في لبنان قبل سفره إلى مصر في فيلم «عروس لبنان» مع المطربة حنان. في القاهرة تبنّته عزيزة أمير وأنتجت له فيلماً، ومع الوقت تعرّف على كل الفنانين، ونشأت صداقة بينه وبين محمد البكار، وأصبح له حضور فني في مصر، وأيضاً تسجيلات في الإذاعة، ولكنه كممثل لم يلمع كما شكري سرحان أو كمال الشناوي. في العام 1954 ذهبتُ برفقة والدي إلى مصر من أجل تصوير فيلم «السعد وعد»، وكان من المفترض أن يشاركني بطولته الممثل شكري سرحان، ولكنه طلب مبالغ مادية أكبر مما تسمح به الميزانية، فعرض والدي على المنتج أن يستبدله بمحمد سلمان، لأنه كان يحبه كثيراً، وقال للمنتج: نجاح لا يمكن أن تمثل في الفيلم إلا إذا شاركها في بطولته محمد سلمان، وهذا ما حصل بالفعل، و«كسّر الفيلم الدنيا».

• وهل كان هذا هو السبب في أن يُغرَم كل منكما بالآخر؟

- هذا الفيلم قرّب بيننا كثيراً. ومن خلال مشاركتنا فيه، نشأتْ بيننا بوادر الحب، وعلاقتنا صارت متينة من خلال «الدويتوهات» المشتركة التي كنا نقدمها على المسرح. وفي عيد الثورة، وبحضور الرئيس الراحل جمال عبدالناصر وفي وجود والدي، كنت أغني على المسرح ومحمد سلمان في الكواليس، فتحديتُه بالغناء، وكنا نتبادل المواويل. وعندما انتهينا من الغناء، هنأنا عبدالناصر وقال لوالدي: «دول لايقين لبعض». هذه العبارة أثّرت في والدي وثبّتت علاقاتنا ورسختها أكثر.

• وهل كان هذا هو الحب الوحيد في حياتك؟

- تَقدّم لطلب يدي الكثير من الشخصيات، من بينهم علي بوزو وزير الزراعة في سورية ورئيس حزب الشعب، وأحد أمناء جامعة الدول العربية، والملحن كمال الطويل ابن علي باشا الطويل الذي أحببتُه كفنان، ولكنني اعتذرتُ عن عدم الزواج لأن والده كان يريدني أن أترك الفن. وكان هناك أيضاً رجل الأعمال السوري عصام الدالاتي. ولكنني رفضتهم جميعاً لأنهم كانوا يطلبون مني أن أعتزل الفن. بينما قبلتُ بمحمد سلمان لأنني شعرتُ بأنني بدأت أحبه، وزاد حبي له لأنه كان فناناً مثلي وكل منا يتفهم ظروف الآخر، كما أنه كان «حاتم الطائي» في زمانه وكريم الأخلاق والنفس، إذا كان لا يملك المال كان يستدين كي يعطي. في العام 1955 تزوجنا وأنجبنا سمر وريم وأنتجنا شركة للأفلام حملت اسم «سمر فيلم» وشركة للكاسيت «ريما فون» التي أنتجت مجموعة كبيرة من أغنياتي وأغنيات محمد سلمان، ولغيرنا من المطربين والمطربات اللبنانيين.

• عندما رفضتِ كل تلك الشخصيات، هل شعر والدك بأنك مغرمة بمحمد سلمان؟

- لم أخبره لأنني كنت أعرف أنه سيرفض زواجي منه، فقد كنتُ أعلم أنه ليس مؤهلاً لأن يكون زوجاً، بسبب بوهيميّته.

• وكيف تم الزواج؟

- عادةً كنتُ أتعامل في تصميم فساتين السهرة الكلاسيكية مع مدام صالحة، ومع وليم خوري لتصميم فساتين السهرة المودرن، ومع ألفرد محشي في تصميم «التايورات». عند التحضير لتصوير أحد أفلامي قصدتُ ألفرد محشي، بصحبة والدتي كي يصمم لي مجموعة من التايورات، وبالمناسبة كان يرافقني دائماً أحد أفراد العائلة في كل تنقلاتي. وبعد الانتهاء من البروفة، لاحظتْ والدتي أن هناك سيدة أخرى دخلت الغرفة لإجراء بروفة، فسألتْ ألفرد «أين نجاح؟»، فردّ عليها: «غادرت. ألم تأتِ لعندك؟»، ثم تبيّن لهما أنني غادرت المكان من الباب الذي يوصل إلى الطريق، حيث كان محمد سلمان ينتظرني في الخارج، بعدما كنا اتفقنا على الزواج «خطيفة». مع أن والدي كان قد سألني «إذا كنت تحبين محمد سلمان. سوف أزوجك إياه فوراً»، ولكنني قلت له: «أعوذ بالله. شو أنا جنّيت؟»، لأنني كنت أريد أن أمحو هذه الفكرة من رأسه. وعندما عادت والدتي إلى البيت كانت مثل المجنونة وقالت لوالدي: «نجاح اختفت»، فردّ عليها «لا تخافي، نجاح تزوّجت محمد سلمان». «الخطيفة» تمت عند الساعة 4 من بعد الظهر وعند الساعة 8 مساء دخلت مع محمد إلى بيت أهلي، وقال محمد لوالدي: «أنا كنت ابنكم واليوم صرتُ ابنكم أكثر».

• لا شك أن والدك غضب منك ومنه؟

- كان يتمنى لو أن محمد سلمان تَقدّم لطلب يدي منه كي لا يقال إنني تزوجتُ «خطيفة». زواجي أحدث قصة «طويلة عريضة» في الوسطين الاجتماعي والفني، بل وحتى على المستوى السياسي، لأن المغفور له صائب سلام غضب مما حصل.

• وهل كان محمد سلمان هو الحب الوحيد في حياتك؟

- نعم. صحيح أنني تعرفتُ على عدد من الشخصيات قبله، والذين ذكرت أسماءهم سابقاً، ولكنني لم أحب سواه. ولكن كل الذين تقدموا لطلب يدي ظلّوا أصدقاء لي.

• هل حصلت بينك وبين محمد سلمان غيرة فنية؟

- على الإطلاق. محمد سلمان وظّف كل أمواله لخدمتي.

• ومن أين أتى بالمال؟

- محمد سلمان كان مطرباً معروفاً ولديه دخل جيد، كما كان لديه دخل يومي من خلال عمله كمطرب في مسرح «الفاروق». في مرحلة لاحقة ومن خلال علاقاته في مصر مع أنور وجدي والمخرجين، اكتسب فن الإخراج. أول فيلم أخرجه قلت له «جرّب فييّ. أنا رح مثّل معك ورح ساهم معك في الإنتاج»، لأنه لا يمكن لأي فنانة أن تخاطر بالعمل مع مخرج في أول تجربة له، بينما هو كان يبحث عن نجمة تقبل بالتمثيل تحت إدارته. فأسسنا شركة إنتاج اسمها «سمر فيلم» وأنتجنا أول فيلم «اللحن الأول»، وكان فيلماً كبيراً جمعني بمحمد سلمان ووديع الصافي، وحقق نجاحاً كبيراً.

• وكيف تم تمويل الفيلم؟

- يومها قصد محمد سلمان صديق العائلة محمد علي الصبّاح، وقال له: «أريد أن أنتج فيلماً»، فردّ عليه الصبّاح: «وهل تملك المال؟»، فأجابه سلمان: «معي نجاح سلام». وكان موجوداً في الجلسة والد محمد علي الصباح «أبو حسين» الذي كان تاجر أقمشة في سوق أياس، فقال محمد علي الصباح: «يمكنني أن أساعد بتمويل نصف المبلغ لأن نجاح معك، ولكن لا يمكنني أن أغامر بمبلغ أكبر». عندها تدخل والده قائلاً: «والنص التاني علييّ».

في يوم الافتتاح، أعطى محمد سلمان مساعده قاسم حمية 200 ليرة كي يشتري بها تذاكر كي لا يقال إن أحداً لم يحضر الفيلم في حال لم يأت أحد للمشاهدة، ولكن قاسم عاد بعد ربع ساعة ومعه الـ 200 ليرة، وأخبره بأن «حفلة السواريه كومبليه والبطاقة تباع بثلاث ليرات في السوق السوداء». فقد نجح الفيلم كثيراً واستمرّ عرضه لمدة 6 أسابيع متتالية في سينما «زهراء»، وفي الوقت نفسه كان يُعرض فيلم في سينما «دنيا» بعنوان «ردّ قلبي» بحضور مخرجه عزالدين ذو الفقار.

عادة يعتمد المنتجون على حفلات «الماتينيه» و«السواريه»، فإذا كان هناك إقبال على «الماتينيه» يكون «السواريه» مضموناً. ولكن «السواريه» عندهم كان متوسطاً، وبررت سينما «دنيا» السبب بأنها لا تعرض أفلاماً عربية، مع أن «ردّ قلبي» جمع بين مريم فخرالدين وشكري سرحان. عندما علم عزالدين ذو الفقار أن محمد سلمان هو المخرج، سار مشياً على قدميه من سينما «دنيا» إلى سينما «زهراء»، بالرغم من أنه يعاني التهاباً في رجله كي يعرف الفيلم الذي كبّده خسائر، ولمّا لم يجد مكاناً يجلس فيه وضعوا له كرسياً في آخر الممر. وعندما لمس تجاوب الجمهور معه، قال: «إذا لم يصل الفيلم إلى الجمهور لا يمكن لألف مخرج أن ينجحه». ومن هذا الفيلم بدأت انطلاقة السلمان وارتباطه الدائم بالصبّاح.

• وكم استمر زواجك من سلمان؟ وما الأسباب التي وقفت وراء الطلاق؟

- عاش زواجنا عشر سنوات واستمرّ حتى العام 1965. أنا «بيتوتية» بطبعي، وأحب أن يجتمع الفنانون والمثقفون والإعلاميون في بيتي، بينما كان محمد سلمان يفضل الجلوس في منطقة الروشة مع أصحابه. هو كان عكسي تماماً من هذه الناحية، وهذا الأمر سبّب مشاكل بيننا أدت إلى الطلاق. ولكننا عدنا وتزوجنا مجدداً بعد عام ونصف العام، حين وعدني محمد سلمان بأنه تغيّر، ولكنه لم يتغيّر وعدنا وتطلقنا مرة ثانية وإلى الأبد، ولكن علاقتنا استمرت أكثر من ممتازة وكان يتردّد على بيتي باستمرار. وعندما توفي في العام 1997 أُخرج جثمانه من بيتي.

• هو لم يحب امرأة غيرك؟

- وأنا لم أحب رجلاً غيره، مع أنني تزوجتُ من بعده مرتين. زوجي الثاني كان فؤاد مقبل والثالث الدكتور عدنان العريس.

• ولماذا لم تنجح الزيجتان التاليتان بعد محمد سلمان؟

- كفنانة كان لا بد من أن أتزوج، وكنتُ أفضّل أن يكون زوجي فناناً. لكن العريس كان طبيباً، وكان ينزعج من شهرتي ومن المعجبين. أما فؤاد مقبل، فكان فناناً، وعشت معه 20 عاماً، ولكن أخطاءه في الأعوام الخمسة الأخيرة كانت فادحةً لا تُغتفر، من بينها علاقات خارجية وخيانات!

غداً



• شبعتُ من الدنيا ومللتُ التكريمات وأعيش حياتي لعائلتي... بـ «قلب مفتوح»!

• فنان لا يتجاوز عمره الفني عشر سنوات وأتى من بيته إلى الغناء فوراً... كيف يمكنه أن يقيّم أصواتاً؟

• عندما غادرتُ المسرح بعدما غنيتُ «سورية يا حبيبتي» في دمشق... تسابق الناس لحمل سيارتي
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي