عبدالله كمال / ... ولكن / الرهبان العملاء!

تصغير
تكبير
الحقيقة مهما كانت مرة إلا أنها ضرورة، ومهما تأخرت إلا أن اختفاءها لا يستمر إلى الأبد. وحتى لو كان ما نشر في جريدة «الوول ستريت جورنال»، قبل أيام يمثل صدمة، إلا أنه يكشف إلى أي مدى يمكن أن نكون أسرى أوهام بُنيت عليها أحكام، وصنعت منها أساطير، ثم يتبين لنا أن كل ما كان يتردد من شعارات وكلام خلاب ليس سوى أكاذيب.
ليس لي موقف خاص من «قضية التبت»، ولست أناصر الصين في عدائها المعلن والشرس للدلاي لاما، الراهب البوذي الأشهر، الذي يطالب بالحكم الذاتي للتبت منذ عقود عدة. ولكن التقرير الذي كتبه بيتر وانكوت في هذه الجريدة الأميركية الأشهر يظهر إلى أي مدى يمكن أن تكون الحقائق مقلوبة. خلاصة التقرير أن النضال من أجل الحكم الذاتي في التبت ليس سوى أحد ميادين العبث للمخابرات الأميركية، وأن الدلاي لاما الذي فاز بجائزة نوبل للسلام، باعتباره مقاوماً مسالماً، ليس سوى ابن عائلة دعمتها المخابرات الأميركية وأمدتها بالسلاح، وبما ينفي ليس فقط عدم عمالة العائلة، ولكن ينسف أيضاً فكرة المقاومة السلمية التي نال عليها جائزة نوبل!
في التقرير أنه منذ خمسينات القرن الماضي دربت المخابرات الأميركية عدداً من الرهبان وأمدتهم بالسلاح والتمويل، ومنهم وعلى رأسهم الأخ الأكبر للدلاي لاما. ورغم ذلك، فإن الدلاي لاما يقول إنه سوف يترك السياسة لو أصبحت حركة الحرية في التبت عنيفة، وطالب بإجراء تحقيقات تنتهي بعقاب كل من يمارس العنف هناك أو يدفع إليه. ومن المدهش أن الدلاي لاما وفقاً للمعلومات الأميركية يكذب، وقال جون كينيث كناوس، الذي ألف في العام 1999، كتاباً عنوانه: «أيتام الحرب الباردة - أميركا والتبت والكفاح من أجل البقاء»: «إن الدلاي لاما كان على علم بما يجري كله في شأنه، وهناك بعض من إخوته ورموز حركة المقاومة المسلحة يرفضون الحديث في الأمر لحساسيته»!
قدمت المخابرات المركزية الأميركية للرهبان ما لا يقل عن 40 ألف بندقية وربع مليون طلقة و60 قنبلة و20 مدفعاً رشاشاً، وساهمت في فتح ممر يمكن أن يمارسوا من خلاله الكر والفر، وأعطتهم أجهزة لاسلكية. وحتى لو كان هذا الدعم وفقاً للرواية الأميركية قد تراجع في الستينات من القرن الماضي، فإنه لا ينفي أن هذه المقاومة، وتلك المطالبة بحقوق لها وجه إنساني وسياسي قد تم استغلالها من قبل الولايات المتحدة في صراعها مع الصين، والله أعلم بما تخفيه الأيام من معلومات بخصوص هذه القضية، وعشرات من الملفات والتطورات التي لحقت بها، والتي لم تكشف حقائقها بعد.
أنت لا تعرف بالضبط لماذا يمكن أن يتم الكشف عن مثل هذه الأمور الآن، وهل لهذا سبب سياسي ومخابراتي أم انه مجرد اجتهاد صحافي؟ لكنك في النهاية أمام معلومات موثقة إلى حد بعيد تكشف أنه حتى هذه الشخصية ذات الأبعاد الأسطورية، والموصوفة بالملهمة، أي الدلاي لاما، إنما هي كذلك نتاج بيئة من الرهبان العملاء الذين لم يتخلوا فقط عن النضال السلمي، بل كانوا من أرباب المخابرات الأميركية.
والسؤال: كم من أولئك الذين يرفعون شعارات حقوق الإنسان سوف تأتي أيام تنفضح فيها حقيقتهم المرة؟ وكم مناضلاً تلقى دعماً من المخابرات الأميركية أو أدواتها، بينما هو يزعم أنه يناضل من أجل قضية عادلة؟ وكم ناشطاً قبض الثمن أو عرف أن من حوله يقبضون ويوظفون نضالهم لصالح عمل مخابراتي يمثل قوام صراع بين الدول؟ وكم من حاملي الشعارات سوف تتضح أكذوبتهم؟
عبدالله كمال
رئيس تحرير «روزاليوسف» ومستشار «الراي» بالقاهرة
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي