اعتادت الكويت ومنذ أمد بعيد، أن تتبع نهجاً سياسياً متزناً يرتكز على مبدأ عدم الانحياز، وتجنب الدخول في بؤر النزاعات والصراعات التي عادةً تؤدي إلى خسران الأصدقاء، وتدهور العلاقات مع الدول. فالكويت منذ نشأتها لم تكن تتبع سياسة المواجهة والصدام، ولقد استمر هذا النهج الذي يلاحظ بقوة في احترامها لمواثيق علاقتها بالآخرين، ولا تتردد حتى التغاضي عن الإساءات أحياناً من أطراف لا تنشد الخير لها، خصوصا في هذا الوقت حيث النزاعات والتوترات التي لا تتوقف في العالم.
إن الاستمرار في النهج السياسي المتزن نفسه، جعل الكويت بشهادة الأمم المتحدة مركزاً للإنسانية، ومساهماً فاعلاً في المحافظة على الأمن والسلام والاستقرار في العالم، ولا يبدو غريباً أن هذه السياسة الخارجية هي التي جعلت الأمم المتحدة تحشد أكثر من 40 دولة، تتحد وتتفق من أجل تحرير الكويت من الغزاة والطامعين عام 1990.
هذه المقدمة الطويلة، تقودني إلى التأكيد على أهمية التضامن لمحاربة كل ما يعكر استمرارية سياسة الدولة المعتدلة في الخارج. فلا يجوز لأي من كان، أن يعتدي على الثوابت أو المبادئ التي اتفق عليها الكويتيون ونص عليها الدستور في تجنيب البلاد ومصالحها للخطر، سواء كان ذلك خدمة لأعدائها أو نتيجة جهل أو سلوك مضطرب يخدم الغير ويفكك النسيج الاجتماعي ووحدة أطيافه.
إن المشهد السياسي في السنوات الأخيرة، للأسف، كشف حالة اللاستقرار الداخلي الذي تأثر في معظمه بعوامل خارجية كان لبعض الأفراد، سواء في المجلس النيابي أو الذين يمثلون كتلا سياسية ودينية أو قبلية وطائفية دور لا يستهان به في استجلاء الكثير من المساوئ والتعديات التي تمثلت في غالبيتها بكثرة التصريحات الإعلامية المستفزة وغير المقبولة والتي تتعرض للدول الصديقة والشقيقة.
والسؤال: ما الذي يجعل البعض يعبر عن آرائه التي تتعارض مع المصالح العليا للبلاد وبطريقة علنية فيها التحدي والإصرار؟ لقد أصبحت هذه التصريحات روتينية يزاولها أشخاص معروفون يستغلون مجال الحرية عن التعبير بطريقة تخدم أعداء الوطن. وقد أدى ذلك إلى أن تلجأ بعض السفارات في البلاد إلى رفع قضايا على المسيئين لها، وإحراج الدولة بما يصرح من معلومات أو يكتب من مقالات إعلامية تمس الدول التي تربطنا بها علاقات وشيجة.
ويبدو أن أكثر الأسباب في التعرض الإعلامي للدول رغم العامل السياسي المحرك لدوافعه لا يخلو عادة من المؤثرات الطائفية والمذهبية التي بدأت، للأسف، تتفشى في شكل واضح في المجتمع، بل إن النزعة الطائفية والقبلية أصبحت في تزايد وفي شكل مستفز ومقلق تغذيها عوامل خارجية، ومؤثرات إقليمية متمثلة في شكل كبير بما يدور من قتال وحروب لا تستطيع الدولة أن تتجنب تأثيرات شرورها.
لهذا ليس من الصعوبة تفسير تصرفات بعض نواب المجلس النيابي وإدلائهم بتصريحات إعلامية تهدف الإساءة للدولة من خلال التعرض المتعمد للدول الصديقة. وكما يبدو من المشهد السياسي فإن هذه الإساءات مستمرة ومؤذية للدولة، والمواطن، ولا بد من تصويبها في الإطار القانوني.
لهذا نتمنى أن تكون الحكومة حازمة تجاه الذين يسيئون للدولة مهما كانت مناصبهم ومسؤولياتهم، فالمحافظة على علاقات الدولة بالدول الصديقة، خصوصا الدول الخليجية خط أحمر لا ينبغي لأحد أن يقترب منه، وهي علاقات تسمو على أي محاولات تهدف زعزعتها من أي جهة لا تقدر أهمية هذه العلاقات ودورها في استتباب الأمن والتقدم، ومواجهة التحديات التي تتطلب العمل الجماعي في عالم يشكل محاور متفاهمة، وقوى متضامنة ليس لأي دولة منفردة القدرة على تحمل تداعياتها أو صد أي عدوان عليها...
[email protected]