خبراء في الشؤون الايرانية تحدّثوا إلى «الراي» عن الانتخابات ودلالاتها
«مفاتيح» طهران في جيْب الإصلاحيين ... فماذا بعد؟
إيرانية بعدما أدلت بصوتها في الانتخابات البرلمانية الأخيرة
خالد باطرفي
هادي أفقهي
علي منتظري
علي منتظري:
البرلمان الإيراني المقبل سيساعد روحاني في خطته السياسية الخارجية القائمة على الانفتاح على الغرب
خالد باطرفي:
نأمل أن يتصدى من اختارهم الشعب للتيارات المخالفة التي لا تزال تعيش أوهام الإمبراطورية الفارسية
هادي أفقهي:
الرسالة الأهم أن الشعب يثق بنظامه والجولة الثانية على نحو 70 مقعداً ستحدد المسيطر على مقاعد البرلمان
البرلمان الإيراني المقبل سيساعد روحاني في خطته السياسية الخارجية القائمة على الانفتاح على الغرب
خالد باطرفي:
نأمل أن يتصدى من اختارهم الشعب للتيارات المخالفة التي لا تزال تعيش أوهام الإمبراطورية الفارسية
هادي أفقهي:
الرسالة الأهم أن الشعب يثق بنظامه والجولة الثانية على نحو 70 مقعداً ستحدد المسيطر على مقاعد البرلمان
انتصارٌ مدوٍّ فجره الاصلاحيون في طهران بعد صدور نتائج الانتخابات وفوزهم بالمقاعد الثلاثين المخصصة للعاصمة الايرانية في البرلمان من دون أن يتركوا للمحافظين مقعداً واحداً. صوّت الايرانيون في طهران للائحة «الأمل» (أُميد) التي شكّلها أنصار الرئيس حسن روحاني من الإصلاحيين والمعتدلين، فكان لهم ما أرادوا وأكثر، اي فوز كاسح على اللائحة المنافسة التي ضمت كبار المحافظين. وفي موازاة المكاسب المفاجئة التي حققها الاصلاحيون في انتخابات البرلمان (يضم 290 مقعداً) حيث سجلوا تقدما ملموساً وإن كان غير حاسم، فإن فوزهم بكافة المقاعد تقريباً المخصصة لطهران في مجلسيْ الشورى والخبراء، اعتبر صفعة قوية للمرشد الأعلى للثورة السيد علي الخامنئي وفريقه، ولاسيما بعد إقرار الرئيس المحافظ لمجلس الخبراء بهزيمته الانتخابية الى جانب الشخصية الاخرى الراديكالية في المعسكر المحافظ آية الله محمد تقي مصباح يازدي. وما زاد من عناصر «التشويق» البيان الذي نسب الى الحرس الثوري وهدد فيه الشعب من أن «الفتنة آتية وستذوقون المرّ»، واصفاً الاكثرية المنتخَبة بأنها «أكثرية غير متبصرة».
الانتخابات سيكون لها دور كبير، في تحديد السياسة الداخلية والخارجية، اضافة الى كونها مقدمة للانتخابات الرئاسية في 2017 كونها تظهر خريطة الرأي العام وتوجهاته، فكيف يقرأ محللون «الانفجار الكبير»؟
رسائل عدة أفرجت عنها صناديق الاقتراع في الانتخابات الايرانية، أهمها حسب الديبلوماسي الايراني السابق الدكتور هادي أفقهي هي أن «الشعب يثق بنظامه ومن هنا شارك بنسبة 62 في المئة، وهذا رقم منقطع النظير خصوصاً على مستوى منطقتنا، أما الرسالة الثانية فهي المشاركة وتنوّع الخريطة السياسية اذ قلّما شاركت جميع الأحزاب والأطياف السياسية بهذا الحجم، أما الرسالة الثالثة التي يمكن الاشارة اليها فتتلخص بأن الشعب اختار وبكامل حريته مندوبيه في البرلمان المقبل».
ودعا أفقهي إلى «انتظار الجولة الثانية استكمالاً لنحو 70 مقعداً لنرى كيف تُحسم هذه المقاعد بعد ان يجري الاقتراع عليها وحينها نستطيع أن نقول مَن هو الغالب والمسيطر على مقاعد البرلمان، وأتصور انه في النهاية سيكون هناك برلمان معتدل لا يسيطر عليه بنسبة عالية لا الجناح الاصلاحي ولا الاصولي أو المبدئي».
رغم الاعتقاد أن نتائج الانتخابات التي جاءت لمصلحة روحاني وتحالفاته ستكون داخلية في شكل اساسي، يبقى السؤال أي تأثير لهذه النتائج على المستوى الخارجي؟ عن ذلك أجاب أفقهي: «يتمتع السيد روحاني بالانفتاح على الغرب، ومن هنا بادر إلى إنهاء الملف النووي. وهذه الأزمة طالت سنوات، ولذلك من الطبيعي ان يتعامل مع الدول غربيةً كانت أم شرقية بانفتاح، وكما نرى اليوم فان وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف في زيارة لشرق آسيا وقبلها كان في جولة اوروبية. كما ذهب السيد روحاني بنفسه الى ايطاليا حيث كان له استقبال حار وأبرم العديد من الصفقات التجارية».
واضاف: «من هنا اتصور أن روحاني نجح في فتح ثغر في جدار عدم الثقة بيننا وبين الغرب، وأنا متأكد أن هذا البرلمان سيدعم ذلك، وهذا الانفتاح سيؤدي الى المسار الحواري والتصالحي. وفي أولوية هذه المسارات ترطيب العلاقات بين ايران ودول الجوار وأعني بها في الدرجة الأولى الدول العربية المتشاطئة على الخليج. ولننتظر ونشاهد كيف ستتعاطى هذه الدول مع هذا الانفراج ومع تغيير المسار».
وهل يمكن أن نرى صفحة جديدة تُفتح مع العرب؟ أجاب: «بالتأكيد. وبعد توقيع الاتفاق النووي، الوزير ظريف مدّ يده الى الدول العربية وخصّ دول الخليج بالقول إن ايران على استعداد لتأسيس ناد نووي لنقل التقنية الى مَن يحتاج للوقود النووي ومحطات نووية، لأن كل الذي تمّ من تأسيسات ومنشآت نووية ومن تخصيب يورانيوم وتصنيع الطاردات المركزية جرى على يد ايرانيين رغم العقوبات الصارمة المفروضة من الغرب، وهذه الرسالة لقيت بعض الأصداء الايجابية. وقد قام الوزير ظريف بزيارات لدولة الكويت والامارات وعمان، وبقيت المشكلة الاساس بين ايران والمملكة العربية السعودية. وللأسف الآن نشاهد قطيعة غير مسبوقة وتصعيداً كلامياً لا يخدم سوى أعداء الأمة».
وعما إذا كانت لنتائج الانتخابات انعكاسات على ازمات المنطقة، ردّ: «السعوديون لا يبدون أي استعداد لفتح باب الحوار. وفي ما يتعلق بلبنان، ليست هناك اي مشكلة بينه وبين ايران، والأزمة التي حصلت في الحقيقة لم تكن لإيران يد فيها بل كانت بين السعودية وأطراف لبنانية، خصوصاً في ما يتعلق بموقف وزير الخارجية جبران باسيل من البيان الختامي للجامعة العربية من حرق السفارة السعودية في طهران، لكن طهران لم تكن خلف ذلك وقد عارضت واستنكرت بشدّة هذا العمل، كما يتعلق بموقف وزير الداخلية نهاد المشنوق في اجتماع وزراء الداخلية العرب اذ نأى بنفسه عن تصنيف حزب الله على لائحة الارهاب، وتالياً المشكلة لبنانية - سعودية من جهة ولبنانية - لبنانية من جهة أخرى، ونحن مستعدون للمساعدة في حل هذه المشكلة وان يكون لنا دور ايجابي في صون الوحدة الوطنية (اللبنانية) اذا صحّ التعبير».
ثمة مَن يعتقد أن فوز الاصلاحيين غير كاف لتعزيز الحريات وإطلاق رموز ما يوصف بـ «الحركة الخضراء». وعن ذلك قال أفقهي: «في ما يتعلق بهؤلاء، فهم تورّطوا بمحاولة قلب النظام»، متسائلاً «لو لم تكن للاصلاحيين حرية، فكيف دخلوا الى البرلمان وبنسبة عالية؟ صحيح انهم لم يسيطروا سيطرة مطلقة عليه لكنهم قد يغيّرون وجهه وتوجهه في المستقبل، لكن في ما يتعلق بالسيد (مير) حسين موسوي والسيد (مهدي) كروبي فقد تورّطا بمحاولة قلب النظام، والى الآن لم يحاكما لانه، كما قال قائد الثورة الاسلامية، فلو حوكما فسيُحكما بالإعدام، وتفادياً لذلك رأفنا بهما وتم وضعهما في الاقامة الجبرية. ومع ذلك هناك جهود تبذل الآن عسى أن يرجعا إلى أحضان الشعب وتتم مصالحة وطنية، وهذا ما أكد عليه السيد روحاني مرات عدة، وكما انتهينا من الاتفاق النووي والتفاوض مع الخصوم، نحاول ان نعيد هذه التجربة في الداخل للوصول الى مصالحة وطنية بين بعض رموز التيار الاصلاحي والحكومة والنظام».
وعن البيان الذي نُسب للحرس الثوري، لفت الى انه «لا يحق للحرس اساساً التدخل بالشؤون السياسية وقد حرّم ذلك الامام الخميني، وكذّب الحرس الثوري البيان المزوّر الذي أريد من خلاله زرع البلبلة والفتنة والانشقاق العمود. ومَن يقف خلف نشره يريد التشويش على العرس الانتخابي الجميل»، مؤكداً «حصلت بعض ردات الفعل من بعض الرموز الاصلاحية، لكن الموضوع جرت لملمته بعدما تبين أن الحرس لم يصدر اي شيء من هذا القبيل».
من جانبه رأى الصحافي الايراني علي منتظري أنه «دخلت التيارات السياسية في ايران في شكل مكثف في التنافس الانتخابي الاخير، وقد اختار الشعب عملياً البرامج السياسية لهذه التيارات، ففي طهران نصف الذين انتُخبوا غير معروفين، كون الانتخاب تم على قائمة كاملة وليس أشخاصاً، ومن هنا كانت الخسارة كبيرة للتيار الاصولي، وذلك خلافاً للتكهنات، فمن استطاع التكهن بشكل دقيق عدد قليل، وهؤلاء كانوا من الخبراء الايرانيين».
وعن الاتجاه السياسي لهذا البرلمان، قال: «الى الآن ائتلاف التيار المعتدل والاصلاحي حصل على الغالبية في البرلمان، لكن لن تكون له الغالبية الساحقة، وهناك نحو 69 نائباً دخلوا الى الجولة الثانية في شهر ابريل، وعادة النواب المستقلون الذين لا ينتمون الى اليمين واليسار ينتمون الى التيار الذي يدعم الحكومة، ولذلك يمكن القول ان التيار الاصلاحي سيحصل على الغالبية في البرلمان لكن ليست الساحقة كونه سيحتاج الى تحالفات مع المستقلين وبعض المحافظين المعتدلين».
واضاف: «بطبيعة الحال البرلمان الايراني المقبل سيساعد حكومة الشيخ روحاني في خطته السياسية الخارجية القائمة على الانفتاح على الغرب كما في خطته السياسة الداخلية. واذا سارت الأمور بهذا الشكل فانه مؤشر الى ان روحاني سيكمل الطريق مثل احمدي نجاد وخاتمي لمدة ثماني سنوات».
وهل ستؤدي هذه النتائج الى فتح صفحة جديدة مع العرب؟ أجاب: «بغض النظر عن نتيجة الانتخابات، فهناك إجماع سياسي في ايران على قيام علاقات جيدة مع الدول العربية في شكل عام، وفي شكل خاص مع الدول العربية المجاورة لايران مثل السعودية والكويت والامارات وقطر وسلطنة عمان وحتى البحرين. لكن كما نعلم هناك مشكلة لا تتعلق بالعلاقات الثنائية بل بملفات اخرى مثل العراق وسورية، ومع هذا يمكن القول ان استراتيجية حكومة روحاني تقوم على تطوير العلاقات مع الدول العربية في المنطقة والتعامل البنّاء».
وأضاف: «تحدث الرئيس روحاني والوزير ظريف مرات عدة في شكل ايجابي عن هذا الموضوع، حيث اعتبرا انه كما دخلت ايران في مفاوضات الخمسة زائد واحد ووصلت الى نوع من التفاهمات حول الأمور المشتركة بغض النظر عن الخلافات الموجودة بينها وبين الاتحاد الأوروبي و اميركا، فإن من الممكن ان يكون ذلك نموذجاً لحلّ الأمور المشتركة مع بقية الدول».
وتابع: «الجميع يعلمون عن وجود مشكلة وخلافات مع السعودية في ما يتعلق بموضوع سورية، لكن بإمكان البلدين الاتفاق على الأمور المشتركة في سبيل التقدم لحل المشاكل الخلافية، فدائماً هناك استراتيجية بنّاءة لدى ايران لحل المشاكل مع الدول العربية لا سيما وأنها تتبنى أهمّ قضية تعني هذه الدول وهي القضية الفلسطينية وقد دفعت أثماناً كبيرة في سبيلها، ومع ذلك لا أرى رد فعل ايجابي من المملكة السعودية».
بالنسبة لمنتظري لا يوجد ما يسمى بـ «الحركة الخضراء»، بل قال «هي كالثورات المخملية التي حصلت في اوكرانيا وبعض الدول الاوروبية»، مضيفاً: «بعض المؤسسات الغربية كانت تحاول إدخال هذا النموذج الى ايران لكنها لم تستطع، فقد ادت الى انعكاسات سلبية في الشارع الايراني، وكان الأمر بمثابة درس للحكومة والتيارات السياسية، وأعتقد ان هناك محاولة اليوم من الحكومة لمعالجة مشكلة الإقامة الاجبارية لبعض الاصلاحيين في ظل التطورات السياسية».
وتعليقاً على ما تم تَداوُله عن بيان للحرس الثور تعليقاً على نتائج الانتخابات الأخيرة، ردّ منتظري: «هذا الموضوع يتعلق بالقراءة العامة في ايران. وقبل ستة أشهر حذّر مرشد الثورة من اختراق المؤسسات الايرانية من الدول الغربية، لكن في ظل التطورات السياسية التي شهدناها في الانتخابات الاخيرة في مجلس الخبراء والشورى نؤمن بالتضامن الوطني بين التيارات السياسية في البرلمان والمؤسسات، وليس هناك خوف على النظام السياسي والثورة الاسلامية في البلاد».
أما المحلل السياسي السعودي الدكتور خالد باطرفي، فقرأ في نتائج الانتخاب الايرانية رسالة موجّهة من المجتمع الايراني إلى قيادته والعالم، فحواها أنه «شعب محبّ للسلام ويبحث عن التنمية، وأن الشعار الذي أطلقه في تظاهرات العام 2009 (لا غزة ولا لبنان روحي فدا ايران) ما زال قائماً».
وأضاف: «الشعب الايراني الذي ما زال يعاني ضعف التنمية وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، يحتاج إلى خدمات وإعادة بناء وتأهيل البلد، وقد آن الآوان للقيادة الجديدة التي تسمي نفسها بالاصلاحية أن تثبت أنها فعلاً جاءت لتلبي مطالبه وتحقق أهدافه وأنها سمعت وفهمت هذه الرسالة وتستطيع أن ترفعها عالياً لتردّ على كل الفئات والأطراف الفاعلة في الدولة التي ترى أن الايديولوجيا تتقدم على التنمية، وأن مصلحة ايران هي في تصدير الثورة والفتن والتوسع إلى الدول المجاورة والعالم».
باطرفي رأى في حديث روحاني رسالة ايجابية لجهة قوله إن «ايران تعبت من الحروب والتوتر مع العالم الخارجي وأنها تريد أن تهتم أكثر في الداخل»، وإذا كان هذا الفهم يصل الى جميع القيادات الجديدة والنواب والاعضاء الجدد في المجلس الجديد فإنها اشارة خير نأمل أن تتحقق على يد مَن اختارهم الشعب ليحققوا هذه الأهداف ويتصدّوا للتيارات المخالفة التي لا تزال تعيش أوهام الامبراطورية الفارسية».
اذا كان تعزيز مكانة الاصلاحيين عبر الانتخابات سيُترجم بالمزيد من الانفتاح على الغرب وتالياً تعزيز موقع ايران الاقليمي، فهل سنشهد فتح صفحة جديدة مع العرب؟ أجاب باطرفي: «هي رؤية واحدة اذا انتقلت من الشعب الى القيادة ستبدأ ايران الجديدة بترميم الجسور أولاً مع جيرانها قبل الغرب البعيد، وتتعاون معهم على البر والتقوى وليس على الاثم والعدوان».
وهل من انعاكسات على العلاقة مع السعودية ولبنان؟ قال: «لا أعتقد أن التأثير سيكون فورياً، لأن هناك قوى مؤثّرة في ايران وبيدها الى الآن مقاليد السلطة. هناك السلطة الروحية للمرشد الأعلى، والأدوات التي يملكها وأهمها الحرس الثوري والاستخبارات، وهذه مؤثرة وقوية، والأمل فقط اذا اقتنعت القيادة الجديدة بضرورة تلبية مطالب الشعب، أن تكون في موقع أقوى للتصدي لرغبات دعاة العدوانية عند ما يسمى بالفئة المحافظة في الدولة».
وعن بيان الحرس الثوري الايراني، علّق باطرفي: «لا شك أن هذه الانتخابات ستضع الشعب والحكومة في مواجهة الدولة العقائدية، دولة الملالي. واذا لم يتمّ استيعاب مطالب الشعب من الحكومة الجديدة، فقد نشهد صدامات لو تحرّك الناس والاقليات في المناطق المختلفة اذا شعروا باليأس من امكان تلبية ما يريدونه، وعندها يمكن ان يكون هناك حراك شعبي كبير قد يؤدي الى ثورة جديدة وايران جديدة».
وختم: «المشوار طويل وهذه خطوة بالاتجاه الصحيح، لكن المشوار يتطلب شجاعة ووحدة وتعاوناً كبيراً بين ما يسمى بالقوى الاصلاحية، فاذا اتّحدوا وتبنّوا شعاراتهم ووقفوا أمام الكتلة التي تؤمن بتصدير الثورة والتشيع وثبتوا
على مواقفهم فسيتحقق لايران الأمل المنشود، لكن المسألة تتطلب تضحيات على المدى المنظر، فمعسكر الشرّ لن يستسلم بسهولة وفي يده مقاليد السلطة والقوة، والحرس الثوري اكثر تدريباً وعتاداً ودعماً من الجيش نفسه. فهل ستستطيع القوى الاصلاحية مواجهة هذه الكتلة الضخمة العدوانية المتحدة حتى وإن كانت تعبّر عن أقلية؟
هذه المسألة نتركها للزمن ليجيب عنها».
الانتخابات سيكون لها دور كبير، في تحديد السياسة الداخلية والخارجية، اضافة الى كونها مقدمة للانتخابات الرئاسية في 2017 كونها تظهر خريطة الرأي العام وتوجهاته، فكيف يقرأ محللون «الانفجار الكبير»؟
رسائل عدة أفرجت عنها صناديق الاقتراع في الانتخابات الايرانية، أهمها حسب الديبلوماسي الايراني السابق الدكتور هادي أفقهي هي أن «الشعب يثق بنظامه ومن هنا شارك بنسبة 62 في المئة، وهذا رقم منقطع النظير خصوصاً على مستوى منطقتنا، أما الرسالة الثانية فهي المشاركة وتنوّع الخريطة السياسية اذ قلّما شاركت جميع الأحزاب والأطياف السياسية بهذا الحجم، أما الرسالة الثالثة التي يمكن الاشارة اليها فتتلخص بأن الشعب اختار وبكامل حريته مندوبيه في البرلمان المقبل».
ودعا أفقهي إلى «انتظار الجولة الثانية استكمالاً لنحو 70 مقعداً لنرى كيف تُحسم هذه المقاعد بعد ان يجري الاقتراع عليها وحينها نستطيع أن نقول مَن هو الغالب والمسيطر على مقاعد البرلمان، وأتصور انه في النهاية سيكون هناك برلمان معتدل لا يسيطر عليه بنسبة عالية لا الجناح الاصلاحي ولا الاصولي أو المبدئي».
رغم الاعتقاد أن نتائج الانتخابات التي جاءت لمصلحة روحاني وتحالفاته ستكون داخلية في شكل اساسي، يبقى السؤال أي تأثير لهذه النتائج على المستوى الخارجي؟ عن ذلك أجاب أفقهي: «يتمتع السيد روحاني بالانفتاح على الغرب، ومن هنا بادر إلى إنهاء الملف النووي. وهذه الأزمة طالت سنوات، ولذلك من الطبيعي ان يتعامل مع الدول غربيةً كانت أم شرقية بانفتاح، وكما نرى اليوم فان وزير الخارجية الايراني محمد جواد ظريف في زيارة لشرق آسيا وقبلها كان في جولة اوروبية. كما ذهب السيد روحاني بنفسه الى ايطاليا حيث كان له استقبال حار وأبرم العديد من الصفقات التجارية».
واضاف: «من هنا اتصور أن روحاني نجح في فتح ثغر في جدار عدم الثقة بيننا وبين الغرب، وأنا متأكد أن هذا البرلمان سيدعم ذلك، وهذا الانفتاح سيؤدي الى المسار الحواري والتصالحي. وفي أولوية هذه المسارات ترطيب العلاقات بين ايران ودول الجوار وأعني بها في الدرجة الأولى الدول العربية المتشاطئة على الخليج. ولننتظر ونشاهد كيف ستتعاطى هذه الدول مع هذا الانفراج ومع تغيير المسار».
وهل يمكن أن نرى صفحة جديدة تُفتح مع العرب؟ أجاب: «بالتأكيد. وبعد توقيع الاتفاق النووي، الوزير ظريف مدّ يده الى الدول العربية وخصّ دول الخليج بالقول إن ايران على استعداد لتأسيس ناد نووي لنقل التقنية الى مَن يحتاج للوقود النووي ومحطات نووية، لأن كل الذي تمّ من تأسيسات ومنشآت نووية ومن تخصيب يورانيوم وتصنيع الطاردات المركزية جرى على يد ايرانيين رغم العقوبات الصارمة المفروضة من الغرب، وهذه الرسالة لقيت بعض الأصداء الايجابية. وقد قام الوزير ظريف بزيارات لدولة الكويت والامارات وعمان، وبقيت المشكلة الاساس بين ايران والمملكة العربية السعودية. وللأسف الآن نشاهد قطيعة غير مسبوقة وتصعيداً كلامياً لا يخدم سوى أعداء الأمة».
وعما إذا كانت لنتائج الانتخابات انعكاسات على ازمات المنطقة، ردّ: «السعوديون لا يبدون أي استعداد لفتح باب الحوار. وفي ما يتعلق بلبنان، ليست هناك اي مشكلة بينه وبين ايران، والأزمة التي حصلت في الحقيقة لم تكن لإيران يد فيها بل كانت بين السعودية وأطراف لبنانية، خصوصاً في ما يتعلق بموقف وزير الخارجية جبران باسيل من البيان الختامي للجامعة العربية من حرق السفارة السعودية في طهران، لكن طهران لم تكن خلف ذلك وقد عارضت واستنكرت بشدّة هذا العمل، كما يتعلق بموقف وزير الداخلية نهاد المشنوق في اجتماع وزراء الداخلية العرب اذ نأى بنفسه عن تصنيف حزب الله على لائحة الارهاب، وتالياً المشكلة لبنانية - سعودية من جهة ولبنانية - لبنانية من جهة أخرى، ونحن مستعدون للمساعدة في حل هذه المشكلة وان يكون لنا دور ايجابي في صون الوحدة الوطنية (اللبنانية) اذا صحّ التعبير».
ثمة مَن يعتقد أن فوز الاصلاحيين غير كاف لتعزيز الحريات وإطلاق رموز ما يوصف بـ «الحركة الخضراء». وعن ذلك قال أفقهي: «في ما يتعلق بهؤلاء، فهم تورّطوا بمحاولة قلب النظام»، متسائلاً «لو لم تكن للاصلاحيين حرية، فكيف دخلوا الى البرلمان وبنسبة عالية؟ صحيح انهم لم يسيطروا سيطرة مطلقة عليه لكنهم قد يغيّرون وجهه وتوجهه في المستقبل، لكن في ما يتعلق بالسيد (مير) حسين موسوي والسيد (مهدي) كروبي فقد تورّطا بمحاولة قلب النظام، والى الآن لم يحاكما لانه، كما قال قائد الثورة الاسلامية، فلو حوكما فسيُحكما بالإعدام، وتفادياً لذلك رأفنا بهما وتم وضعهما في الاقامة الجبرية. ومع ذلك هناك جهود تبذل الآن عسى أن يرجعا إلى أحضان الشعب وتتم مصالحة وطنية، وهذا ما أكد عليه السيد روحاني مرات عدة، وكما انتهينا من الاتفاق النووي والتفاوض مع الخصوم، نحاول ان نعيد هذه التجربة في الداخل للوصول الى مصالحة وطنية بين بعض رموز التيار الاصلاحي والحكومة والنظام».
وعن البيان الذي نُسب للحرس الثوري، لفت الى انه «لا يحق للحرس اساساً التدخل بالشؤون السياسية وقد حرّم ذلك الامام الخميني، وكذّب الحرس الثوري البيان المزوّر الذي أريد من خلاله زرع البلبلة والفتنة والانشقاق العمود. ومَن يقف خلف نشره يريد التشويش على العرس الانتخابي الجميل»، مؤكداً «حصلت بعض ردات الفعل من بعض الرموز الاصلاحية، لكن الموضوع جرت لملمته بعدما تبين أن الحرس لم يصدر اي شيء من هذا القبيل».
من جانبه رأى الصحافي الايراني علي منتظري أنه «دخلت التيارات السياسية في ايران في شكل مكثف في التنافس الانتخابي الاخير، وقد اختار الشعب عملياً البرامج السياسية لهذه التيارات، ففي طهران نصف الذين انتُخبوا غير معروفين، كون الانتخاب تم على قائمة كاملة وليس أشخاصاً، ومن هنا كانت الخسارة كبيرة للتيار الاصولي، وذلك خلافاً للتكهنات، فمن استطاع التكهن بشكل دقيق عدد قليل، وهؤلاء كانوا من الخبراء الايرانيين».
وعن الاتجاه السياسي لهذا البرلمان، قال: «الى الآن ائتلاف التيار المعتدل والاصلاحي حصل على الغالبية في البرلمان، لكن لن تكون له الغالبية الساحقة، وهناك نحو 69 نائباً دخلوا الى الجولة الثانية في شهر ابريل، وعادة النواب المستقلون الذين لا ينتمون الى اليمين واليسار ينتمون الى التيار الذي يدعم الحكومة، ولذلك يمكن القول ان التيار الاصلاحي سيحصل على الغالبية في البرلمان لكن ليست الساحقة كونه سيحتاج الى تحالفات مع المستقلين وبعض المحافظين المعتدلين».
واضاف: «بطبيعة الحال البرلمان الايراني المقبل سيساعد حكومة الشيخ روحاني في خطته السياسية الخارجية القائمة على الانفتاح على الغرب كما في خطته السياسة الداخلية. واذا سارت الأمور بهذا الشكل فانه مؤشر الى ان روحاني سيكمل الطريق مثل احمدي نجاد وخاتمي لمدة ثماني سنوات».
وهل ستؤدي هذه النتائج الى فتح صفحة جديدة مع العرب؟ أجاب: «بغض النظر عن نتيجة الانتخابات، فهناك إجماع سياسي في ايران على قيام علاقات جيدة مع الدول العربية في شكل عام، وفي شكل خاص مع الدول العربية المجاورة لايران مثل السعودية والكويت والامارات وقطر وسلطنة عمان وحتى البحرين. لكن كما نعلم هناك مشكلة لا تتعلق بالعلاقات الثنائية بل بملفات اخرى مثل العراق وسورية، ومع هذا يمكن القول ان استراتيجية حكومة روحاني تقوم على تطوير العلاقات مع الدول العربية في المنطقة والتعامل البنّاء».
وأضاف: «تحدث الرئيس روحاني والوزير ظريف مرات عدة في شكل ايجابي عن هذا الموضوع، حيث اعتبرا انه كما دخلت ايران في مفاوضات الخمسة زائد واحد ووصلت الى نوع من التفاهمات حول الأمور المشتركة بغض النظر عن الخلافات الموجودة بينها وبين الاتحاد الأوروبي و اميركا، فإن من الممكن ان يكون ذلك نموذجاً لحلّ الأمور المشتركة مع بقية الدول».
وتابع: «الجميع يعلمون عن وجود مشكلة وخلافات مع السعودية في ما يتعلق بموضوع سورية، لكن بإمكان البلدين الاتفاق على الأمور المشتركة في سبيل التقدم لحل المشاكل الخلافية، فدائماً هناك استراتيجية بنّاءة لدى ايران لحل المشاكل مع الدول العربية لا سيما وأنها تتبنى أهمّ قضية تعني هذه الدول وهي القضية الفلسطينية وقد دفعت أثماناً كبيرة في سبيلها، ومع ذلك لا أرى رد فعل ايجابي من المملكة السعودية».
بالنسبة لمنتظري لا يوجد ما يسمى بـ «الحركة الخضراء»، بل قال «هي كالثورات المخملية التي حصلت في اوكرانيا وبعض الدول الاوروبية»، مضيفاً: «بعض المؤسسات الغربية كانت تحاول إدخال هذا النموذج الى ايران لكنها لم تستطع، فقد ادت الى انعكاسات سلبية في الشارع الايراني، وكان الأمر بمثابة درس للحكومة والتيارات السياسية، وأعتقد ان هناك محاولة اليوم من الحكومة لمعالجة مشكلة الإقامة الاجبارية لبعض الاصلاحيين في ظل التطورات السياسية».
وتعليقاً على ما تم تَداوُله عن بيان للحرس الثور تعليقاً على نتائج الانتخابات الأخيرة، ردّ منتظري: «هذا الموضوع يتعلق بالقراءة العامة في ايران. وقبل ستة أشهر حذّر مرشد الثورة من اختراق المؤسسات الايرانية من الدول الغربية، لكن في ظل التطورات السياسية التي شهدناها في الانتخابات الاخيرة في مجلس الخبراء والشورى نؤمن بالتضامن الوطني بين التيارات السياسية في البرلمان والمؤسسات، وليس هناك خوف على النظام السياسي والثورة الاسلامية في البلاد».
أما المحلل السياسي السعودي الدكتور خالد باطرفي، فقرأ في نتائج الانتخاب الايرانية رسالة موجّهة من المجتمع الايراني إلى قيادته والعالم، فحواها أنه «شعب محبّ للسلام ويبحث عن التنمية، وأن الشعار الذي أطلقه في تظاهرات العام 2009 (لا غزة ولا لبنان روحي فدا ايران) ما زال قائماً».
وأضاف: «الشعب الايراني الذي ما زال يعاني ضعف التنمية وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، يحتاج إلى خدمات وإعادة بناء وتأهيل البلد، وقد آن الآوان للقيادة الجديدة التي تسمي نفسها بالاصلاحية أن تثبت أنها فعلاً جاءت لتلبي مطالبه وتحقق أهدافه وأنها سمعت وفهمت هذه الرسالة وتستطيع أن ترفعها عالياً لتردّ على كل الفئات والأطراف الفاعلة في الدولة التي ترى أن الايديولوجيا تتقدم على التنمية، وأن مصلحة ايران هي في تصدير الثورة والفتن والتوسع إلى الدول المجاورة والعالم».
باطرفي رأى في حديث روحاني رسالة ايجابية لجهة قوله إن «ايران تعبت من الحروب والتوتر مع العالم الخارجي وأنها تريد أن تهتم أكثر في الداخل»، وإذا كان هذا الفهم يصل الى جميع القيادات الجديدة والنواب والاعضاء الجدد في المجلس الجديد فإنها اشارة خير نأمل أن تتحقق على يد مَن اختارهم الشعب ليحققوا هذه الأهداف ويتصدّوا للتيارات المخالفة التي لا تزال تعيش أوهام الامبراطورية الفارسية».
اذا كان تعزيز مكانة الاصلاحيين عبر الانتخابات سيُترجم بالمزيد من الانفتاح على الغرب وتالياً تعزيز موقع ايران الاقليمي، فهل سنشهد فتح صفحة جديدة مع العرب؟ أجاب باطرفي: «هي رؤية واحدة اذا انتقلت من الشعب الى القيادة ستبدأ ايران الجديدة بترميم الجسور أولاً مع جيرانها قبل الغرب البعيد، وتتعاون معهم على البر والتقوى وليس على الاثم والعدوان».
وهل من انعاكسات على العلاقة مع السعودية ولبنان؟ قال: «لا أعتقد أن التأثير سيكون فورياً، لأن هناك قوى مؤثّرة في ايران وبيدها الى الآن مقاليد السلطة. هناك السلطة الروحية للمرشد الأعلى، والأدوات التي يملكها وأهمها الحرس الثوري والاستخبارات، وهذه مؤثرة وقوية، والأمل فقط اذا اقتنعت القيادة الجديدة بضرورة تلبية مطالب الشعب، أن تكون في موقع أقوى للتصدي لرغبات دعاة العدوانية عند ما يسمى بالفئة المحافظة في الدولة».
وعن بيان الحرس الثوري الايراني، علّق باطرفي: «لا شك أن هذه الانتخابات ستضع الشعب والحكومة في مواجهة الدولة العقائدية، دولة الملالي. واذا لم يتمّ استيعاب مطالب الشعب من الحكومة الجديدة، فقد نشهد صدامات لو تحرّك الناس والاقليات في المناطق المختلفة اذا شعروا باليأس من امكان تلبية ما يريدونه، وعندها يمكن ان يكون هناك حراك شعبي كبير قد يؤدي الى ثورة جديدة وايران جديدة».
وختم: «المشوار طويل وهذه خطوة بالاتجاه الصحيح، لكن المشوار يتطلب شجاعة ووحدة وتعاوناً كبيراً بين ما يسمى بالقوى الاصلاحية، فاذا اتّحدوا وتبنّوا شعاراتهم ووقفوا أمام الكتلة التي تؤمن بتصدير الثورة والتشيع وثبتوا
على مواقفهم فسيتحقق لايران الأمل المنشود، لكن المسألة تتطلب تضحيات على المدى المنظر، فمعسكر الشرّ لن يستسلم بسهولة وفي يده مقاليد السلطة والقوة، والحرس الثوري اكثر تدريباً وعتاداً ودعماً من الجيش نفسه. فهل ستستطيع القوى الاصلاحية مواجهة هذه الكتلة الضخمة العدوانية المتحدة حتى وإن كانت تعبّر عن أقلية؟
هذه المسألة نتركها للزمن ليجيب عنها».