رسم «أطياف الواقع» بعدسة «الجوّال» والـ selfie

أسامة بعلبكي... ومحاولة التقاط حدس الطبيعة

تصغير
تكبير
ينتمي إلى مدرسة لا تعتبر الفن فكرة جوهرية جاهزة بل محاولات لا يحكمها منطق واحد
في معرضه الفني في «غاليري أجيال» في بيروت، ترجم أسامة بعلبكي الفكرة العامة التي توخّاها بستة عشر لوحة تجسد «أطياف الواقع». هذه الأعمال التي تندرج تحت ثيمة «العزلة»، هي تكملة لمشروع يعمل عليه بعلبكي في محاولة لالتقاط طيف الشكل أو حدس الطبيعة.

يقول بعلبكي لـ «الراي»: «هناك حدس في الطبيعة والوجود والمواقف الفنية»، موضحاً أن هذا المشروع الفني «واقعي بمتانته الكلاسيكية أي بمعنى العمل بالتأليف واللون والخط»، وفيه يحاول الفنان اللبناني (مواليد 1978) ان يستخلص من المشهد المحلي اللبناني الحديث طبيعته المتحركة والشبحية.

بالنظر إلى عنوان المعرض «أطياف الواقع» (استمرّ حتى 6 فبراير)، يقرّ بعلبكي بالتناقض الظاهر بين «الطيف والواقع»، لكنه يتدارك بأن «الحس السينمائي الذي يفترضه الفنان أو يراه هو عبارة عن تلك الطبقة الخفية في المشهد أو تلك الطبقة غير المرئية التي تُصدِر نوعاً من الأصوات أو النبرة الخافتة ويعبّر عنها الفن»، مضيفاً: «العين مدرَّبة على رؤية العادي واليومي بشكل بدهي ومدجَّنة على رؤية الواقع كحقيقة خارجية محسومة، أما الفن فيأتي ليقدم خلاصة خيالية يخلط فيها الخيال بالمرئي، ويعيد التذكير بلا معقولية وضخامة الصور التي نراها».

ولوحات بعلبكي بما فيها من خطوط وألوان هي تجسيد فني لما كانت التقطته عدسة كاميرا هاتفه. ومنها صور لمشاهد من الطبيعة اللبنانية كالهضاب والاحراج وأعمدة الكهرباء والسيارات والأبنية، وأخرى التُقطت على طريقة الـ selfie لبعلبكي وصديقه. ويأتي نقل هذه «السلفي» إلى عمل فني في سياق موضوعه المفضّل «البورتريه» و«الأوتو بورتريه» الذي عمل عليه لسنوات.

ففي هذا الإطار يحاول بعلبكي رؤية «الموديل» كمؤدٍ يؤدي حركة ووظيفة، وليس القصد تصوير الوجوه كتمرين «أناتومي» أو تمرين وصْف. بمعنى ابتكار على «مسطح» اللوحة نوع من مسرح يتحرك عليه الموديل سواء كان الرسام بذاته أم الأشخاص الذين يتمّ استحضارهم.

وبالنسبة لبعلبكي «من الأمور المفيدة لوضع اللوحة في فضائها العصري، عصر التكنولوجيا، هو أن العين لم تعد عضوية فقط بل باتت هناك أيضاً العين الصناعية أي العدسة بكل أشكالها، فهي صارت تُظهّر صور العالم من حولنا أكثر حتى من العين الخاصة بالكائنات». ومن هنا تعمّد أن تكون صورة «المناظر» الطبيعية والبورتريه ملتقَطة بكاميرا الهاتف الجوّال «لأنها من الوسائل العصرية للإطلالة على المشهد»، مشيراً إلى أن «هذه التكنولوجية باتت رائجة. لذا فإن هذا الخليط يضفي روح طرافة معينة، وفي نفس الوقت يوجِد هذا الطابع الخاطف والعابر للصور لأنها برهات».

في المعرض لوحات ثلاث هي عبارة عن بورتريه، إحداها استحضار «تمجيدي بعض الشيء» لصورة الشاعر الفرنسي شارل بودلير الشهيرة، التي صورّها أتيان كاجا في القرن التاسع عشر مع تنقيحات أجراها عليها أسامة بعلبكي من روح «الخفة والمجانية»، ويَفترض في نفس الوقت أن «لها دلالة فكرية، وعناصر تلعب دور المحفزات الفكرية حول الوجه».

البورتريه الثانية منقولة عن صورة «سلفي» لصديق بعلبكي، أما الثالثة فهي «أوتوبورتريه» لبعلبكي الذي كان التقط «السلفي» من زاوية فيها شيء من الضخامة والظلال، ويقول عنها: «التقطت(السلفي)في الظلام لأوجد مفعول الضخامة وأبتكر غموضاً معيناً». فالعمل الفني في النتيجة «هو حدَث مدبّر».

وأعمال بعلبكي الموزعة على جدران غاليري «أجيال» مستوحاة جميعها من خواطر تتعلق بفكرة «العزلة». فعزلة الإنسان في رأيه «هي الأمر البدهي في حياة البشر، والإنسان يعيش عزلةً فكريةً ونفسيةً وعلى مستوى الخواطر والأفكار، ومحاولات كسر هذه العزلة تصبح جهداً»، موضحاً أن «وظيفة الفن هي تظهير هذا الأمر بنَفَسٍ يجمع بين الطرافة والمجانية، وبين ابتكار مشهد شيّق فيه شيء من الروح الطقسية، وكأن هناك نوعاً من الأسطرة (من أسطورة) لحياة الرسام اليومية».

ويضيف: «أنا أنتمي إلى مدرسة لا تعدّ الفن فكرة جوهرية جاهزة، بل هو محاولات لا يحكمها منطق واحد ولا أهداف لها. هي ممارسة تظلّ تولد منها شواذات أو أفكار جديدة أو نقض لأفكار سابقة. فالعالم الفني هو عالم سديم تدور فيه ملايين الاحتمالات والأفكار. لذا كل ما يحصل بالنسبة للفنان ذاته هو محاولة لبناء لوحته، التي عليه أن يقيم لها أعذاراً بالمعنى الإيجابي، أي أن يوجِد رابطها هو من حياته ومنطقه للأشياء».

ورداً على سؤال، يلفت إلى أنه «يعمل على ضفة تقول إن الفن ليس بجهاز علمي، بل وظيفته حدسية إلهامية تنتمي إلى عالم التسلية واللعب بحرفة ومهارة لابتكار المشاهد الممتعة للناس. أي أن وظيفته استهلاكية تماماً كالسينما حيث الاستهلاك للمتعة وتحفيز الحواس وإشباعها حتى بالمعنى الحسي والملموس والمرئي»، مردفاً: «تظل هناك بعض الاعتبارات من عالم الرسام المعنوي للتعبير عن أفكاره الأكثر التزاماً. ولكن هذا الأمر يصبح جهده الخاص».
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي