الابن سر أبيه

المصممة نوال سري الدين مستمرة في... أمل / 9

تصغير
تكبير
| بيروت - من هلا داغر |
يحمل الابن - في بعض الاحوال - الكثير من سمات الاب، وبخاصة في المجالات الابداعية، سواء في الادب او الفن او حتى الرياضة، كما ان الابن من الممكن ان يكتسب بعض صفات الاب، من خلال حب وظيفة محددة، او الاندماج في هواية بعينها، وبهذه الطريقة ينطبق على المثل الذي يقول «ابن الوز عواد».
وقد يستمر الابن في تتبع خطوات والده في الحياة، من خلال المضي قدما في طريقه الذي قضى فيه الوالد سنوات، والالتقاء معه في سرية ذاتية ربما تتوافق في الكثير من اشكالها.
وفي حلقات «الابن سر ابيه» سنتوقف عند سير ابناء تتبعوا خطوات الآباء، فأبدعوا سواء في الفن او الأدب او الرياضة او الصحافة، من اجل الوقوف عند جوانب الابداع عند الاب والابن معاً.
كانت السيدة نوال سري الدين من أوائل الخياطين والمصممين اللبنانيين الذين شقوا طريقهم بتعب وجهد كبيرين، فحققت سمعة عالية لها في لبنان وفي الدول العربية. عملت بعيداً من الأضواء وفي ظل ظروف عامة في لبنان أبرزها الحروب التي امتدت سنوات، وظروف خاصة لم تكن تمنح المرأة تلك الحرية في التعبير عن نفسها وعن أعمالها في مجتمع شرقي تقليدي، إلى أن كان الانقلاب حين أتت ابنتها الوحيدة أمل، فأخرجت أعمال والدتها إلى الضوء والإعلام، وأدخلت عليها الأفكار العصرية والتقنيات المتطورة، فانقسم زبائن دار نوال سري الدين بين من يطلب التجديد، ومن ظل وفياً لكلاسيكية صاحبة الدار الأم.
ورغم أن نوال انسحبت إلى حد ما إلى عملها واندفعت ابنتها أمل إلى الواجهة في مواكبة منها لمتطلبات العصر والزبونات، ما زال القلق ينتابها على مهنة أفنت فيها سني عمرها وباتت ترى استمراريتها في ابنتها.
ولأن كل مهنة تقريباً تكون بالوراثة، هل شجعت نوال ابنتها أم حاولت إبعادها عن ميدان فيه من التعب والسهر ما يضني؟
تشير السيدة نوال سري الدين أن مهنة تصميم الازياء تبدو ذا علاقة بالوراثة «ذلك أني حاولت كثيراً أن أبعدها عن ميدان تصميم الازياء ولكنني فشلت رغم أنها تخرجت في الجامعة حاملة شهادة الهندسة الداخلية. عملنا متعب جداً. كونها ابنتي الوحيدة، عاشت منذ صغرها أجواء الخياطة والأزياء والألوان والأقمشة، فضلاً عن المشاركة بالرأي. كانت تمسك الإبرة والخيطان، وتفصّل القماش. وكانت تتناول بعض القمصان وتحوّل موديلاتها. في إحدى المرات تناولت قميصاً وجعلت منه ربطة صممها بعد سنة المصمم العالمي إيف سان لوران فقالت لي انه سرق أفكارها. منذ أن كانت في السابعة من عمرها بدأت تبدي رأيها بالأزياء وأحياناً كانت تفرضه عليّ. كانت بارعة برسم الموديلات وبتحويلها وتحريكها».
درست أمل تصميم الأزياء في باريس ثم عادت إلى لبنان لتدرس الهندسة. بعد تخرجها في الجامعة عملت من ضمن اختصاصها في الهندسة وبرعت، لكنها عادت وانضمت إلى ميدان الازياء. وتقول السيدة نوال «حاولت إبعادها لأن في المهنة الكثير من التعب وسهر الليالي كما ذكرت. ويجب دائماً إرضاء الزبونات بالأخذ بذوقهن ومنحهن ذوقنا الخاص. وهذا متعب دون شك. إلا انني لم أتوصل إلى إقناعها وخصوصاً أنها عنيدة وحين تصمم على شيء، تذهب به الى النهاية».
ولأن نوال وابنتها أمل تنتمي كل منهما إلى جيل، كان لا بد أن تتعارضا في ميدان فني لكل واحد منهما نظرته ومفهومه الخاص. «من الطبيعي أن يلعب الفارق في العمر دوراً في اختلاف الأفكار والأسلوب والذوق» كما تقول نوال. من جهتها تشير أمل أن والدتها لم تكن لتثق في البداية بها كونها كانت تعتبرها صغيرة في السن. «كانت لا تعتبر أن رأيي أو اقتراحي هو الصحيح مع العلم أننا نعيش عصر السرعة. والخبرة والتجربة التي اكتسبناها كجيل شاب في وقت قصير، ظل أهلنا سنوات طوال يعملون لتحقيقها، وذلك بسبب انفتاحنا على العلم وعلى العالم، وانتشار وسائل الإعلام والإنترنت فضلاً عن الأسفار والاطلاع. بدايتي بالعمل في ميدان الأزياء كانت في عام 2001 . وقد توقعت أن تكون الأمور أسهل في التفاهم مع والدتي حول العمل، لكن تبين أنها صعبة. بدأت بالهندسة وبرعت بها. ولكن ولائي لوالدتي وتقديري لها، واقتناعي بأنني لا يجب أن أقطع مسيرتها المهنية وأنه علي تحقيق الاستمرارية لاسمها، جعلني أترك دولة الإمارات حيث كنت أعمل وزوجي وأعود إلى لبنان. كانت فترة صعبة دون شك ولكن الحمد لله الوضع اليوم أفضل. حالياً أتفاهم مع والدتي أكثر حول المهنة. خبرة والدتي في هذا الميدان كبيرة ولا يستهان بها وقد استفدت منها، أما هي فقد استوعبت بالمقابل في مرحلة من المراحل أن معرفتي وخبرتي في الأزياء يساعدانها بالتأكيد».
هل تقاسما الزبونات خصوصاً أن لكل منهما خطاً معيناً؟ بعضهن، كما تقول أمل، يرتحن لأسلوب والدتي والبعض الآخر لأسلوبي والبعض الثالث لا مشكلة لديه مع الاثنين. أما والدتها فتثني على كلامها وتشير أن لكل زبونة ذوقاً خاصاً. ومن إيجابية وجود خطين في دار أزيائنا أن أمام الزبائن أسلوبين في الأزياء تختار كل زبونة الأسلوب الذي يعجبها منهما.
لدى تحضير مجموعة أزياء الموسم كيف تنسق الأم والابنة العمل وكيف يتقاسمان المهام؟ تجيب نوال سري الدين أنها تضع كل الأمور على عاتق أمل، وتتركها لتميز بين الصح والخطأ. «لا أتدخل لأنني لا أريد أن أشعر أنني وصية دائمة على عملها. حين نكون في مرحلة التجهيز لعرض أزياء أترك لها الكلمة الفصل. أنسحب وأترك لها المجال لعمل كل شيء. لدي قلق دائم على العمل. حين أراها متوترة وأحياناً غير مقتنعة ببعض الموديلات أو الامور المتعلقة بالأزياء، أحاول تقديم النصح والآراء لها. لكنني خصوصاً لدى تحضير مجموعة عرض الأزياء أتركها لأنني أرى أنها هي التي تضع أفكارها لتحققها، ولا يتسع المجال للنزاع حولها. تأخذ رأيي حين التنفيذ وحين تحضير الأقمشة واختيار التطريز».
وتفيد الابنة أنها أخذت عن والدتها الاهتمام بالتفاصيل. «في ميدان كميدان تصميم الأزياء، كل شيء يقوم على التفاصيل الدقيقة وعلى الأساس السليم. وإذا لم يهتم المصمم بهذين الأمرين، فهذا يعني أنه لن يبرع ولن يكون ناجحاً. من هنا مررنا بطفرات لمصممين ناشئين انطفأ اسمهم في فترة وجيزة. الشطارة هي في الاستمرارية. والدتي هي مدرسة في هذا المجال. مدرسة عمرها أربعون سنة شأنها شأن كل المصممين اللبنانيين القدامى الذين ما زالت السيدات العربيات لاسيما الخليجيات منهن يبحثن عنهم. ووالدتي التي ما زالت تترك أثرها لديهن هي من بين هؤلاء المصممين والخياطين. وهذا سلاح قوي بين يدي، عملت على تطويره مع تطور الموضة. فالهوت كوتور كما هو معروف عمل يدوي، وقد حاولت قدر الإمكان إدخال الطريقة الآلية عليه ليس لأنه أسرع بل لنظافة عمله. أحاول إدخال التقنيات العصرية من جهة، واعتماد الموديلات المختلفة عن الموديلات الكلاسيكية التي كانت أيام زمان. تغيرت الألوان، والقصات، وأصبح كل شيء مختلفاً».
السيدة نوال اعتادت على هذا التطور والانقلاب في الأسلوب والخطوط التي تعتمدها ابنتها. «على كل حال كما ذكرت، منذ صغرها كانت لديها أفكار غير عادية ونظرة مختلفة عن نظرتي للأزياء. ربما حان الوقت لأترك لها مجال التكيف مع المفاهيم الجديدة والعصرية للأزياء. أتمنى أن تكون في المستقبل بين الأوائل وأن يحالفها الحظ. لديها أفكار جميلة وهي لا تقلّد غيرها على الإطلاق. لها ابتكاراتها وأفكارها الخاصة التي تشبهها».
لم يتسن للسيدة نوال تنظيم عروض أزياء قبل أن تأخذ أمل زمام المباردة. «لم يكن الوقت متوفراً. فتحضير مجموعات لعرضها في عرض أزياء يتطلب تفرغاً في الوقت وجهداً كبيراً. ولم يكن ذلك ممكناً وسط زحمة العمل وتلبية الزبونات. كنت ألجأ أحياناً إلى تصوير بعض أزيائي وفساتيني لعرضها في المجلات أو على محطات التلفزيون. أما عروض الأزياء الكبيرة في كل موسم فلم أكن أحققها لضيق الوقت».
وتضيف أمل هنا أن ظروف البلد والحرب التي عاشتها والدتها حين كانت هي صغيرة في السن بعد، إضافة إلى كونها ككل النساء من جيلها مقيدة ولا تتمتع بالحرية التي يتمتع بها الرجل، كل ذلك كان مؤثراً ولم يجعلها منفتحة كما هي الحال اليوم. حتى المرأة العاملة اليوم ومع وجود فريق عمل مساعد إلى جانبها تجد صعوبة في عملها.
أخيراً تحاول أمل قدر الإمكان مواكبة العصر ومتطلباته. «فالزبونة أصبحت متطلبة، وترغب في كل موسم بمشاهدة مجموعة أزياء جديدة. والمصمم بطبيعة الحال بات يسعى للظهور في وسائل الإعلام وفي عروض الأزياء العالمية. وهذا ما يجعلني أتوسع في أفكاري، وأحاول اللحاق بسرب المصممين الذي يسير إلى الأمام».
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي