إضاءات / بدر الجاسر العياف... شاعر «الإحساس»
د. صباح السويفان
الأسماء المبدعة في الكويت كثيرة، وتدعو- حقيقة- للفخر، سواء في جيل الرواد الذين أخذوا على عواتقهم مسؤولية التطوير والتجديد في المجالات الثقافية والأدبية والفنية، أو الأجيال المتلاحقة الأخرى وصولا إلى جيل الشباب الواعد، وهذه ميزة كويت الماضي والحاضر والمستقبل.
وعلى أساس ذلك أجدني دائما ما أكون في حالة بحث دائم عن أسماء كويتية كان لها الفضل في التطوير، من خلال ما قدمته من انتاج أدبي أو فني، هذا البحث أراه سعادة شخصية لي، قبل أن يكون منهجاً أكاديمياً أتبعه في حياتي، للمساعدة في أن اكون على مقربة من المبدعين الكويتيين وحتى العرب، ومتفاعلاً مع كل ما قدموه في سبيل الإنسان والمجتمع.
واثناء بحثي في أمهات الكتب والمواقع الإلكترونية عن اساتذة الأغنية الكويتية التي أعشقها بقديمها وجديدها، أوقفتني سيرة الشاعر الغنائي الراحل بدر الجاسر العياف... الذي أثرى الساحة الغنائية الكويتية والخليجية بأغنيات كتب كلماتها بمداه الحب والصدق والجمال الدافئ مثل ( أشجاني أشجاني... يا بحر أشجاني).
وتميز العياف بالأغاني العاطفية التي تناجي المشاعر بصدق الكلام وحسن اختيار الصور والمفردات، والإحساس الذي يصل بالكلمات الغنائية إلى مستوى الإنسان المحب، الذي يرى في محبوبته أجمل النساء وأرقها، مثل هذه الكلمات:
يا بنات الحي ما شفتوا الحسين
بينكم لي صاحب حلو الشفاه
خبروني وش علامة ما يبين
ليش ما يلعب معاكم واشبلاه
في ما امتازت أغانيه الشعبية بالبساطة والقرب من مشاعر الجمهور، والحرص على أن تكون كلمات هذه الأغاني الشعبية ممثلة لنبض الشارع خير تمثيل.
كما أن قدرة العياف على وصف الوطن في أغنياته الوطنية كانت مثار تأمل وإعجاب، لأنها كانت
ممزوجة بالحب والتقدير والإعجاب بكل ما في الوطن من بذل وعطاء.
إلى جانب أشعاره الدينية التي غناها كبار المطربين في عصره، وكانت معبرة عن الروح الشفافة القريبة من الإيمان الحقيقي.
في الحقيقة... كان أكثر ما يعجبني في العياف - رحمه الله - معايشته للواقع الاجتماعي بكل تبعاته وتأثيراته... سواء كان ذلك في نطاق الأحوال الاجتماعية أم السياسية أم الاقتصادية أم الفنية، بمعنى أنه كان متابعا جيدا لأحوال وطنه، متفاعلاً مع كل قضاياه، ولقد ظهر ذلك في ما قدمه من أشعار غنائية.
والعياف من مواليد المرقاب في العام 1929، وهذا يعني أنه عاصر أحداثاً مفصلية في تاريخ الكويت، وبالتالي تعد أغانيه أرشيفاً يوثق لبعض هذه الأحداث، كما أنها مجالاً رحباً ومتسعاً للباحثين عن تاريخ الكويت من خلال الفن الغنائي، وبالتالي تحديد الأحوال والظروف التي مرت بها الأجيال في تلك الفترات.
ومن خلال 250 أغنية استطاع العياف أن يؤسس للأغنية الكويتية مكانتها البارزة في المنطقة، وأن يبدع في السامري والزهيري والشعبي والنقد الشعبي والموال... حتى الفصيح، لذا فقد كانت فترة الستينات والسبعينات، محملة بأجمل الأغاني التي كتب كلماتها العياف، وبالتالي فإن مرور 40 عاما عليها لم يزدها إلا تألقاً وجمالاً.
في ما كتب العياف قصائد غنائية للمسرحيات من خلال تعاونه من فرقة الخليج العربي وأشهرها مسرحية «ضاع الديك» للكاتب عبد العزيز السريع، ولقد تغنى بأشعاره كبار المطربين ومنهم عبد الكريم عبد القادر وغريد الشاطئ وعبد المحسن المهنا وعبد الحميد السيد ومصطفى أحمد وعوض الدوخي وغيرهم الكثير، كما شد بكلماته مطربون عرب مثل سميرة توفيق وشريفة فاضل وحورية سامي ونجاح سلام.
ومثلما كتب العياف الأغاني الوطنية للكويت كتب أيضا في حب الدول العربية مثل مصر والجزائر وفلسطين.
إنه الشاعر الراحل بدر الجاسر العياف، أحد أعمدة الشعر الغنائي في الكويت والمنطقة العربية، ومن المجددين في المفردات الغنائية والمطورين فيها.
كاتب وأكاديمي في جامعة الكويت*
alsowaifan@yahoo.com
وعلى أساس ذلك أجدني دائما ما أكون في حالة بحث دائم عن أسماء كويتية كان لها الفضل في التطوير، من خلال ما قدمته من انتاج أدبي أو فني، هذا البحث أراه سعادة شخصية لي، قبل أن يكون منهجاً أكاديمياً أتبعه في حياتي، للمساعدة في أن اكون على مقربة من المبدعين الكويتيين وحتى العرب، ومتفاعلاً مع كل ما قدموه في سبيل الإنسان والمجتمع.
واثناء بحثي في أمهات الكتب والمواقع الإلكترونية عن اساتذة الأغنية الكويتية التي أعشقها بقديمها وجديدها، أوقفتني سيرة الشاعر الغنائي الراحل بدر الجاسر العياف... الذي أثرى الساحة الغنائية الكويتية والخليجية بأغنيات كتب كلماتها بمداه الحب والصدق والجمال الدافئ مثل ( أشجاني أشجاني... يا بحر أشجاني).
وتميز العياف بالأغاني العاطفية التي تناجي المشاعر بصدق الكلام وحسن اختيار الصور والمفردات، والإحساس الذي يصل بالكلمات الغنائية إلى مستوى الإنسان المحب، الذي يرى في محبوبته أجمل النساء وأرقها، مثل هذه الكلمات:
يا بنات الحي ما شفتوا الحسين
بينكم لي صاحب حلو الشفاه
خبروني وش علامة ما يبين
ليش ما يلعب معاكم واشبلاه
في ما امتازت أغانيه الشعبية بالبساطة والقرب من مشاعر الجمهور، والحرص على أن تكون كلمات هذه الأغاني الشعبية ممثلة لنبض الشارع خير تمثيل.
كما أن قدرة العياف على وصف الوطن في أغنياته الوطنية كانت مثار تأمل وإعجاب، لأنها كانت
ممزوجة بالحب والتقدير والإعجاب بكل ما في الوطن من بذل وعطاء.
إلى جانب أشعاره الدينية التي غناها كبار المطربين في عصره، وكانت معبرة عن الروح الشفافة القريبة من الإيمان الحقيقي.
في الحقيقة... كان أكثر ما يعجبني في العياف - رحمه الله - معايشته للواقع الاجتماعي بكل تبعاته وتأثيراته... سواء كان ذلك في نطاق الأحوال الاجتماعية أم السياسية أم الاقتصادية أم الفنية، بمعنى أنه كان متابعا جيدا لأحوال وطنه، متفاعلاً مع كل قضاياه، ولقد ظهر ذلك في ما قدمه من أشعار غنائية.
والعياف من مواليد المرقاب في العام 1929، وهذا يعني أنه عاصر أحداثاً مفصلية في تاريخ الكويت، وبالتالي تعد أغانيه أرشيفاً يوثق لبعض هذه الأحداث، كما أنها مجالاً رحباً ومتسعاً للباحثين عن تاريخ الكويت من خلال الفن الغنائي، وبالتالي تحديد الأحوال والظروف التي مرت بها الأجيال في تلك الفترات.
ومن خلال 250 أغنية استطاع العياف أن يؤسس للأغنية الكويتية مكانتها البارزة في المنطقة، وأن يبدع في السامري والزهيري والشعبي والنقد الشعبي والموال... حتى الفصيح، لذا فقد كانت فترة الستينات والسبعينات، محملة بأجمل الأغاني التي كتب كلماتها العياف، وبالتالي فإن مرور 40 عاما عليها لم يزدها إلا تألقاً وجمالاً.
في ما كتب العياف قصائد غنائية للمسرحيات من خلال تعاونه من فرقة الخليج العربي وأشهرها مسرحية «ضاع الديك» للكاتب عبد العزيز السريع، ولقد تغنى بأشعاره كبار المطربين ومنهم عبد الكريم عبد القادر وغريد الشاطئ وعبد المحسن المهنا وعبد الحميد السيد ومصطفى أحمد وعوض الدوخي وغيرهم الكثير، كما شد بكلماته مطربون عرب مثل سميرة توفيق وشريفة فاضل وحورية سامي ونجاح سلام.
ومثلما كتب العياف الأغاني الوطنية للكويت كتب أيضا في حب الدول العربية مثل مصر والجزائر وفلسطين.
إنه الشاعر الراحل بدر الجاسر العياف، أحد أعمدة الشعر الغنائي في الكويت والمنطقة العربية، ومن المجددين في المفردات الغنائية والمطورين فيها.
كاتب وأكاديمي في جامعة الكويت*
alsowaifan@yahoo.com