رؤية ورأي

المستنقع السوري (1)

تصغير
تكبير
معظمنا يعلم أن فيتنام كانت مستنقعاً للجيش الأميركي ابان حرب فيتنام، ولكن كثيرين منا لا يعرفون تفاصيل تورطها في أطول حروبها (1957 - 1975). التطورات الإقليمية المتسارعة تتطلب منا دراسة هذه الحرب لتفادي تكرار أخطائها وتجنب خسائرها وتقييم البدائل السلمية لتحقيق ما نسعى لتحقيقه من استقرار وسلام في المنطقة.

بعد أن هزم الفيتناميون الفرنسيين في حرب الاستقلال (1946 – 1954)، انقسمت فيتنام إلى دولتين: شمالية شيوعية وجنوبية موالية لأميركا، وبسبب مساعي فيتنام الشمالية في توحيد الشطرين، نشبت حرب فيتنام في سنة 1957. في مرحلتها الأولى، كان الصراع بين الثوار الفيتناميين الجنوبيين الشيوعيين المسنودين من قبل حكومة الشمال وبين الجيش الجنوبي المدعوم من أميركا. ولابد من الإشارة إلى أن المساعدات الأميركية للجنوب بدأت في 1954 بصورة منح مالية متزايدة، ثم اسناد عسكري غير قتالي حيث توافد المستشارون العسكريون الأميركيون من أجل تدريب الجيش، وسرعان ما تعاظم النفوذ الأميركي في الجنوب وتباعاً أعلنت حكومة الجنوب في 23 أكتوبر 1955 رفضها إجراء استفتاء حول اتحاد فيتنام. ولذلك تأزمت العلاقات بين الشمال والجنوب وتضاعفت المناوشات الحدودية إلى أن تم إعلان حال الحرب في يناير 1957. في سنة 1961 وصلت إلى فيتنام الجنوبية مجموعة من الجيش الأميركي وكانت مُشكَّلة من 400 جندي مكلف بتشغيل المروحيات العسكرية. ثم توالت الدفعات حتى بلغ عدد الجنود الاميركيين في فيتنام 550 ألفا في عام 1968، فضلاً عن وجود 800 ألف عسكري من الجيش الفيتنامي الجنوبي وما يقارب 70 ألف جندي من بعض الدول الحليفة لأميركا.


الحرب الفيتنامية دخلت في سنة 1965 مرحلة المواجهة المباشرة بين الولايات المتحدة وبين فيتنام الشمالية، استخدم فيها الجيش الأميركي أعنف وأحدث قدراته الحربية، ولكن منهجية الدمار الشامل والرعب لم تؤثر في معنويات الفيتناميين الشماليين بل تكيفوا معها. فاستمرت مرحلة الحرب المباشرة بين أميركا وبين فيتنام الشمالية إلى عام 1969 حين بدأت أميركا بسحب قواتها وأكملت انسحابها في عام 1973 ثم استسلمت فيتنام الجنوبية في أبريل 1975. الحرب الفيتنامية بعدما حصدت مليوني فيتنامي وما يقارب 58 ألف جندي أميركي. انسحب الجيش الأميركي لأنه فشل في كسر الصمود الفيتنامي، ولأن المظاهرات المناوئة لاستمرار الحرب عمت في المدن الأميركية. ومن بين أشهر من عارضوا الحرب الملاكم محمد علي كلاي الذي جُرد من لقبه الرياضي ومُنع من الملاكمة لمدة 3 سنوات كما حكم عليه بالسجن 5 سنوات بتهمة التهرب من الخدمة العسكرية ولكن الحكم ألغي في الاستئناف.

في الحرب الفيتنامية الكثير من الجوانب التي تستحق الدراسة والتحليل، ولكنني سأكتفي بعرض اثنين منها. الأول مرتبط بالمواطن الفيتنامي الذي حولته الحروب الطويلة المتتالية إلى مقاتل يضاهي في شدته جنود المغاوير في الجيوش الشرق أوسطية. الفيتناميون عانوا الكثير، خلال سنوات الحرب العالمية الثانية التي تبعتها سنوات حرب التحرير من الاستعمار الفرنسي، قبل خوضهم حرب توحيد شطري فيتنام المسمى بحرب فيتنام. صحيح أن هكذا أمة لا تستطيع التغلب على القوة العسكرية الأعظم وهي الجيش الأميركي، إلا أنها تمتلك مقومات الصمود والمقاومة.

المحور الثاني متعلق بالعقيدة العسكرية الأميركية البراغماتية التي توجب استخدام القوة ثم تفرض الانسحاب وفق نتائج التحليل والتقييم المتجددين للمستجدات وأثرها على المصالح الأميركية العليا. أميركا تدرجت في دورها في الحرب الفيتنامية، فبدأت بدعم اقتصادي ثم اسناد عسكري استشاري وتبعه دعم عسكري فني ثم قتال مباشر وانتهت الحرب بالانسحاب وترك الحلفاء في المنطقة كي يلاقوا مصيرهم بأنفسهم.

على غرار الحرب الفيتنامية، كثر الحديث أخيراً عن تدخل عسكري بري في سورية من قبل قوات مشتركة تضم أميركا وبعض دول الخليج العربي. لست خبيراً عسكرياً، ولكنني أجزم بأن هذه الخطوة المحتملة ستكون عواقبها وخيمة علينا نحن الخليجيين، لأن «محور المقاومة» لا يمكن أن يقبل بفقدان سورية أو بانتقالها إلى «محور الاعتدال». لذلك قد تتحول سورية لفيتنام أخرى خاصة أن شعوب «المقاومة» تماثل الفيتناميين ابان تصديهم لقوات أميركا وحلفائها، والأخطر من ذلك، أن الولايات المتحدة تعلم جيداً بأن «محور المقاومة» سيستهدف إسرائيل قبل أن يخسر سورية. لذلك إذا انضمت أميركا إلى القوات البرية المشتركة، فإن مشاركتها لن تكون من أجل إسقاط نظام الأسد، بل بهدف إضعاف أنظمة أخرى... «اللهم أرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه»
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي