أيها الأطفال الدمشقيون المستقرون في أعماق البحار وبطون أسماك القرش رددوا معي أغنية (بلاد العرب أوطاني).
عشرة آلاف طفل سوري مفقودون في أوروبا رغم أنهم مقيدون في السجلات كلاجئين، بعضهم استغلتهم عصابات بيع الأعضاء، وبعضهم سقط في عصابات اللحوم البشرية، وبعضهم لا يعلم مصيرهم إلا الله.
270 ألف طفل هو عدد الأطفال المهجرين عن وطنهم.
واحدة منهم هي من سأروي حكايتها اليوم.
نشرت جريدة «الراي» قبل فترة خبر اغتصاب وحشي لفتاة سورية في إحدى الحدائق المهجورة في إحدى الدول، إنها فتاة تجر وراءها من العمر 15عاماً، هذا هو عمرها، وستدفع أمامها عشرات السنين من العار، هذا هو مستقبلها!
واتساءل: هل حدث مثل هذا النوع من الاغتصاب في هذه الدولة فقط أم أنه حدث في كل الدول التي هاجرت إليها فتيات سوريات صغيرات، كتب على جباههن (صالحة للاستغلال) وكأنهن علب مناديل قد كتب عليها بالخط الفارسي العريض (صالحة للاستخدام).
عندما هانت سورية،هان كل شيء.التاريخ والتراث والخواتم والذهب ومنقوشات العقود الملفوفة على رقبة الأمهات الدمشقيات، كلها أخذتها أوروبا كمقتنيات من اللاجئين لكي تصرف عليهم.أ صبح الشعب بلا أرض، والأرض بلا شجر، والشجر بلا ظلال تستظل تحت أغصانها طفلة سورية صغيرة. ربما هي ذات الطفلة التي اغتصبت إما بالعنف أو بالزواج القسري أو بالتحرش بها كخادمة من رب المنزل عندما تغيب المدام، أو ربما هي الطفلة التي ستقطلع قرنيتها وكليتها وقلبها وكل مفاصلها من أجل تجارة الأعضاء. قصص كثيرة إن دلت على شيء فهي تدل على أن هذا الشعب أصبح كالبحار الذي تحطمت سفينته في منطقة متنازع عليها ومليئة بأسماك القرش.
***
أيتها الفتاة المسكينة التي اغتصبت بين ورود ذابلة وأغصان مكسورة في حديقة هجرتها ضحكات الأطفال منذ زمن، هل صرخت بكل قوتك لينقذك الغرباء من هذا المجرم، أم أن قواك قد خارت عندما تذكرت أن وطنك نفسه قد اغتصب آلاف المرات، بينما العالم يضع أصابعه في أذنيه كي لا يسمع صراخه، تبا لهم. حتى الأقمار الصناعية أصبحت لا تدور حول وطنك!
أيتها الفتاة المسلوبة، هل تقيأت على عشب الحديقة بعد أن انهى المجرم جريمته؟ أم بلعت هذا القيء لكي تفرغيه في وجه الأمم المتحدة ووجه الكونغرس الأميركي، وربما على خريطة العالم كله.
أيتها العربية الحرة، هل أمطرت السماء الزرقاء عليك لكي تغسلك من الدنس؟
أم أنك أعتدت عليها سوداء فقط تتساقط منها القنابل والبراميل؟
ما الذي ينتظرك؟ هل ستصبحين فتاة من أولئك الآنسات اللاتي يرتدين الملابس الضيقة والقصيرة مع رجل كبير بعمر أبيهن؟ أم ستصبحين (عانس) منعزلة في كوخ تصرخ ليل نهار تماماً كعوانس مدينة ماكوندو التي كتب عنها جارسيا ماركيز في مئة عام من العزلة.
أيتها الفتاة المنهكة حتى الثمالة، هل اختلط في أذنيك رنين أجراس الكنائس السورية بصوت مآذن المساجد الدمشقية العتيقة، هل تداخلت أصوات الترانيم وقول آمين؟ هل شعرت أن هذا العالم عدمي وعبثي لا يصل إليه ضوء الشمس؟
لا يا عزيزتي،لا تفقدي إيمانك، فربما هو الشيء الوحيد المتبقي لك ولنا بعدما سلب العالم منك كل شيء، ابتداء من الوطن وانتهاء بالشرف.
لا يا صغيرتي، إن هذا الإيمان المتبقي لنا هو من يخبرنا ان هذا العالم رغم عبثيته إلا أنه في جوهره يسير بقوانين أكفأ من قوانين نيوتن ومعادلات آينشتاين. ولعل أبرز هذه القوانين أن الله سبحانه وتعالى يمهل ولا يهمل عندما يبلغ الظلم مداه.
وردد ابني معي (بلاد العرب أوطاني ).
قصة قصيرة:
ذهب أحد الزعماء ليفصل حذاء له، وعندما سأله الإسكافي عن مقاس قدمه قال له (أريد مقاسا يكفي لسد أفواه ملايين البشر).
كاتب كويتي
@moh1alatwan.