مشهد / أفلح إن صدق

u062f. u0632u064au0627u062f u0627u0644u0648u0647u0631
د. زياد الوهر
تصغير
تكبير
عبارة يرددها الكثيرون وهي جملة وردت في حديث نبوي شريف عن طلحة بن عبيد الله يقول: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل نجدٍ، ثائرُ الرأس، نسمع دويَّ صوته ولا نفقه ما يقول، حتى دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو يسأل عن الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: خمس صلوات في اليوم والليلة، فقال: هل عليَّ غيرُهن؟ قال: لا، إلا أن تطوّع، وصيام شهر رمضان، فقال: هل عليَّ غيرُه؟ فقال: لا، إلا أن تطوَّع، وذكر له رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة، فقال: هل عليَّ غيرُها؟ قال: لا، إلا أن تطوَّع. قال: فأدبر الرجل وهو يقول: والله لا أزيد على هذا ولا أنقُص منه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفلح إن صدق».

فضيلة الصدق مثلها مثل العديد من الفضائل كالكرم والإحسان والإيثار قد حثت عليها كل الشرائع السماوية والكثير من القوانين الوضعية التي وضعها الإنسان سعيا وراء تكوين مجتمع مثالي تضبطه سلوكيات حسنة مثل تلك وغيرها.

والشاهد هنا؛ أننا ومن كثرة ما نلمس من دلالات ومؤشرات واضحة على تفشي ظاهرة الكذب في مجتمعاتنا اليوم فإن تلك العبارة عنوان المقال أصبحت ضرورية لنا في كل لحظة فنستعملها في الصباح وفي المساء. وقد تعرضت مثلي مثل غيري لمواقف متعددة من اختفاء فضيلة الصدق بين الناس والباعة والسياسيين والكتّاب وغيرهم وكأنها ظاهرة وأمسى الصدق غريبا والكذب حبيبا وصديقا أليفا.

درج استعمال عبارة «أفلح إن صدق» في العديد من المواقف التي تواجهنا خاصة عند الالتزام بالمواعيد، ولا يخفى عليكم أهمية الصدق على vوسلوكه، ولنا في رسولنا الكريم قدوة حسنة حينما عجزت قريش أن تثنيه عن رسالته وأن تأتي بمثل القرآن أو بمثل آية منه فحينها وعندما اتهموه بالكذب قال أبو جهل رأس الكفر «والله إني لأعلم أنه صادق» وكما يقال فإن الحق ما شهدت به الأعداء ومن كان أكثر عداوة للرسول ورسالته من أبو جهل وزبانيته؟!

فعلى المستوى الطبي أصاب الخدمة الطبية الكثير من الضرر بسبب تخلف العديد من المرضى عن مواعيدهم أو تأخرهم تحت حجج ضعيفة ما يؤثر على تقديم الخدمة بالشكل المطلوب ويضيع الوقت وحقوق الآخرين الذين ينتظرون على أحرّ من الجمر موعدا قريبا. وقد وصل الأمر في بعض العيادات أن كلفت شخصا يقوم بالاتصال بالمرضى قبل يوم من موعدهم لتذكيرهم ورغم ذلك ما زال هنالك الكثير من المتخلفين الذين لا يبالي بعضهم حتى بالاعتذار.

والسياسة أيضا قد أصابها ما أصابها من العطب الأخلاقي واللعب بالكلمات وتحريف الحقائق وتشتيت انتباه المواطنين عن قضاياهم الأساسية إلى أخرى فرعية لا تسمن ولا تغني من جوع. فبعض الساسة يتبعون أي وسيلة لتحقيق أغراضهم تحت شعار «السياسة فنّ الممكن» أو تطبيقا لمبدأ ميكيافيللي الشهير «الغاية تبرر الوسيلة» فجمعوا دهاءهم وسخروا عقولهم ومقدرات أوطانهم في محاولة لتحقيق أهدافهم بعيدا عن مصلحة الوطن والمواطن ففقد الناس الثقة بهم وقليلا ما أعاروهم الاهتمام وما عاد لخطاباتهم قيمة أو وزنا، ولذلك أصبحت نادرة يتندر بها المواطن العربي إن سمع سياسيا يقول الحقيقة أو جزءا منها فذلك سيكون بادرة خير ونورا في نهاية النفق المظلم.

«والصدق منجاة والكذب مهواة» مثل ما يقال ووصل الأمر كما نعرف جميعا إلى درجة أن المؤسسات الجنائية الحكومية بدأت تستعين بأجهزة كشف الكذب أثناء التحقيق مع بعض المجرمين والمتهمين.. وحتى ذلك لم يكن ينجح في كل الأحوال لقدرة البعض البالغة في الكذب فتفوقوا على تلك الأجهزة المتطورة جدا.

أفلح إن صدق، مقولة تنطبق على الأب في تربيته لأبنائه والراعي في تعامله مع أغنامه والسياسي مع شعبه والمدرس مع طلبته وحتى الطبيب مع مرضاه وخاصة بعد أن تحولت هذه المهنة الإنسانية العظيمة إلى التجارة والبحث عن المال والمنصب بعيدا عن آداب المهنة وأخلاقها.

الصدق أيها السادة تاج يكلل الرؤوس ويزينها ونحن أحوج للصدق الآن أكثر مما مضى، وأولى الخطوات الصدق مع الله ومع أنفسنا ثم مع الناس وهذه الفضيلة يعرفها القاصي والداني ويدركها الصغير والكبير ولا تحتاج لمقال أو لموعظة من شخص مثلي أو من غيري أبدا.

خاطرة: ناقش ولا تجادل، حاور ولا تناور، باشر ولا تراوغ، دروس علمني إياها مدرسي ولكنها ليست واقعية للأسف، وكان الأفضل لو قال لي جادل ولا تناقش، ناور ولا تحاور، راوغ ولا تباشر، هذه هي الحياة شئنا أم أبينا.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي