عندما جئنا للكويت كانت صحراء قاحلة تجاور البحر، وواحات صغيرة متناثرة، فأسسنا مدينة صغيرة لها شبه ميناء، وكبرت هي وتكاثرنا نحن مع الزمن، وبنينا أسوارها الثلاثة لحمايتها من الغزاة والطامعين كلما اتسعت، وعندما انتشرت الأوبئة والأمراض لم نخرج منها، واستعنا بالصبر والصلاة ولم نتركها، وعندما جاءت الأمطار وهدمت البيوت بنيناها من جديد بأيدينا ولم نتركها، وحتى لما جاء الغزو العراقي الغاشم صمد من كان فيها من أهلها عندئذ، ولم يخرج إلا مضطر أو مطلوب للتجهيز لتحريرها، أو للانضمام في الجيش الكويتي بالمملكة العربية السعودية الشقيقة، فَلِمَ نتركها اليوم، ونقاطع الانتخابات بحجة عدم الرغبة في الصوت الواحد، بينما يمكننا تغييره حسب الدستور تحت قبة البرلمان إن كان التغيير خيار الأكثرية؟!
فلتكن الانتخابات التكميلية القادمة يوم 20 فبراير في الدائرة الثالثة بداية لإنهاء هذه المقاطعة، التي كانت درءاً لمفسدة بمفسدة أكبر منها.
إن الدائرة الثالثة كويت مصغرة تحوي المكونات البشرية للمجتمع الكويتي، وكذلك المرشحون لهذه الانتخابات، فليبدأ الـ 81 ألف ناخب وناخبة الموزعين على 13 ضاحية سكنية بالإعلان عن إنهاء هذه المقاطعة، لأن في ذلك رفعاً للحرج عن الأكثرية الصامتة التي قاطعت إما عن عدم اقتناع واتباع للبعض، أو تحرج من الاتهام بما ليس فيهم، فتكون عندئذ خياراتنا إذا انتهت هذه المقاطعة أكبر وأكثر وأكفأ في الانتخابات الشاملة المقبلة.
إن ذلك ليس انتقاصاً من أعضاء المجلس الحالي؛ بل لإحساسي بأنهم يعانون لكونهم لا يمثلون الأغلبية الكويتية، ونجدهم يترددون في اتخاذ بعض القرارات المصيرية المهمة، خوفاً من لوم الشارع الكويتي عندما يُخطئون.
إن الكويت تطالبنا اليوم بأن نبدأ من جديد، ونرص الصفوف ونحسن الاختيار، ولا نتركها في حيرة وشكٍّ وتبادل للاتهامات، وتخلي الكفاءات والقيادات الوطنية عن المشاركة في إدارة البلد بسبب العناد، وهذا ظلم لها وتخلٍّ عنها لا داعي له، وخاصة في هذه الأيام الحرجة وما يدور حولنا في دول الجوار.