المسيحيون يريدونها «اختبار نفوذ» ومختبراً للعلاقة المستجدّة بين عون وجعجع والخصومة الطارئة بين «الجنرال» وفرنجية
«بلديات 2016» في لبنان ... هل تُسقِطها «أولويات حزب الله»؟
سمير جعجع
نبيه بري
وئام وهاب
سعد الحريري
سليمان فرنجية
الجنرال عون
حسن نصر الله
وليد جنبلاط
أولوية «حزب الله» هي للأوضاع الأمنية وليس ممكنا أن يغامر بإجراء انتخابات وإقامة تجمعات في مناطق انتشاره
أيّ تسوية توافقية لـ «حزب الله» مع بري على غرار 2010 ستكون مكلفة سياسياً له
جنبلاط «غير المتحمس» يريد تفادي توتير الوضع في مناطق التماس مع المسيحيين والسنة
أيّ تسوية توافقية لـ «حزب الله» مع بري على غرار 2010 ستكون مكلفة سياسياً له
جنبلاط «غير المتحمس» يريد تفادي توتير الوضع في مناطق التماس مع المسيحيين والسنة
في غمرة الأحداث السياسية والأمنية المتشعبة في لبنان، وفي ظل التمديد مرتين للبرلمان الحالي بعدما توافقت غالبية القوى السياسية، ما خلا «التيار الوطني الحر» على رفض اجراء الانتخابات النيابية، برز أخيراً ملف الانتخابات البلدية مع بدء وزير الداخلية نهاد المشنوق جولة استطلاعية لدرس إمكان إجرائها في مايو المقبل.
ينص قانون الانتخابات البلدية على ان ولاية المجالس البلدية ست سنوات، وتبعاً لذلك يفترض ان تجرى الانتخابات المحلية في مايو من هذه السنة بعدما نُظمت آخر انتخابات بلدية العام 2010. علماً ان الحاجة الى اجراء انتخابات تتعدى العملية الروتينية والديموقراطية التي تفترض اجراء هذا الاستحقاق في مواعيده. اذ تكمن الحاجة الملحة اولاً في ان قسماً كبيراً من المجالس البلدية أصبحت في حكم المنحلة بسبب فقدان نصف اعضائها، وفي عهدة إما القائمقام او المحافظ، اذ ينص القانون على ان يتولى القائمقام أو رئيس القسم الأصيل في القضاء والمحافظ أو أمين السر العام في مركز المحافظة أعمال المجلس البلدي حتى انتخاب المجلس الجديد وذلك بقرار من وزير الداخلية. ورغم ان القانون ينصّ على ضرورة إجراء انتخابات بعد شهرين من انحلال اي مجلس بلدي، الا ان المجالس المنحلة بقيت على حالها، وتفاقمت في الوقت نفسه أوضاع البلدات وزادت سوءاً، وبات واقع البلديات يعرقل الكثير من الأمور الادارية والانمائية والاعمال التي تعود السلطة فيها حصراً الى هذه المجالس المحلية.
هذا عملياً وقانونياً. لكن مجرد طرح فكرة إجراء انتخابات بلدية في الظرف الراهن، يثير تكهنات وتساؤلات حول الأسباب الأمنية التي تم التذرع بها لتأجيل الانتخابات النيابية، فضلاً عن أسباب سياسية تتعلق بقانون الانتخاب وبالتسويات الداخلية والعراقيل الاقليمية. ذلك ان الأسباب الامنية لا تزال هي نفسها، والتدابير الأمنية واللوجستية التي يفترض اتخاذها لإجراء الانتخابات يجب ان تأخذ في الاعتبار الوضع الأمني والعسكري المتداخل في لبنان وسط كمّ من المعطيات عن مؤشرات مقلقة من الواقع الأمني. ولان الانتخابات البلدية ليست قضية انمائية فحسب، فإنها تتخذ حالياً بُعداً آخر، بعدما بات العمل البلدي في لبنان مسيَّساً بحكم الأمر الواقع. ولذا تشكل هذه الانتخابات اليوم محط اختبار أساسي لسلطة الأحزاب والقوى السياسية التي تتنازع السلطة في لبنان، بين قوى 8 و14 آذار، وسلطة الاحزاب ضمن الخط الواحد ايضاً. وهذا ما حصل تماماً مثلاً عند إجراء الانتخابات البلدية العام 2004 اذ كانت الأحزاب المسيحية غائبة عن مراكز القرار والسلطة بفعل الوجود السوري، لكنها شاركت بفعالية فيها وفرضت نفسها عبر المجالس البلدية لاختبار قوتها وتأثيرها في الشارع المسيحي. من دون اغفال ما حصل من تنازع السلطة المحلية والبلدية بين الثنائي الشيعي حركة «امل» و«حزب الله» في مناطق الجنوب والبقاع، الأمر الذي استدعى تنسيقاً مباشراً بين الرئيس نبيه بري والامين لعام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله من اجل توزيع الحصص البلدية بينهما ومنع الاحتكاكات في الشارع الشيعي، وصولاً الى اعلان التحالف الانتخابي بينهما عشية انتخابات العام 2010، الأمر الذي أدى الى فوز 135 بلدية بالتزكية في محافظات الجنوب والنبطية والبقاع. حالياً لم يعترض بعد اي فريق سياسي على إجراء الانتخابات البلدية، علماً ان مراجع قانونية ودستورية بدأت تعدّ مطالعات وتعطي رأيها القانوني بعدم جواز التمديد للمجالس البلدية، على غرار ما جرى مع البرلمان. لكن واقع الامور راهناً يفترض قراءة لما يرافق التحضير للانتخابات، التي على وزير الداخلية ان يدعو اليها قبل شهرين من موعدها. لا شك في ان الأحزاب المسيحية في الطليعة معنية في شكل أساسي بإجراء الانتخابات البلدية، لانها تشكل عامل اختبار لقوة الأحزاب الأربعة الاساسية التي تتنافس على زعامة الشارع المسيحي. ورغم ان الإطار العام التقليدي للانتخابات البلدية يتعلّق بالصراع العائلي وبقاء العصَبيات العائلية أشدّ تأثيراً، لكن الأحزاب اللبنانية حوّلت هذا الاستحقاق مناسبة للتنافس السياسي، كما حصل التنافس مثلاً في الشارع السني للإمساك ببلديتيْ طرابلس وصيدا.
مسيحياً، تريد القوى المسيحية إثبات نفوذها بما يُعدّ اختباراً لقوّتها وتأثيرها في الشارع المسيحي قبل الانتخابات النيابية المقبلة، اذا أُجريت هي ايضاً. وتُعتبر الانتخابات الحالية مختبراً للعلاقة بين «التيار الوطني الحر» (بزعامة العماد ميشال عون) و«القوات اللبنانية» (بقيادة الدكتور سمير جعجع) بعد المصالحة التاريخية بينهما وترشيح جعجع لعون لرئاسة الجمهورية، وهما الطرفان اللذان اعتادا التنافس الانتخابي نيابياً وبلدياً، وخصوصاً في جبل لبنان. علماً انه سيضاف عامل جديد هذه السنة، يتمثل في التنافس الانتخابي بين «تيار المردة» (بزعامة النائب سليمان فرنجية) و«التيار الحر» - اضافة الى التنافس بين «المردة» و«القوات» - في مناطق الشمال، وذلك في أعقاب الخلاف بين عون وفرنجية على خلفية ترشيح الرئيس السابق للحكومة زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري النائب فرنجية للرئاسة.
يؤيد الطرفان اجراء الانتخابات البلدية، مثلهما مثل «تيار المستقبل». فالتيار الازرق سبق ان خاض معارك بلدية في وجه خصومه السياسيين في الشارع السني كما في شارع قوى 8 آذار. ومن المتوقع ايضاً هذه السنة، ان تكون المنافسة حامية بينه وبين خصومه، علماً ان «المستقبل» يعاني ضائقة مالية شديدة، ستكون عاملاً سلبياً مؤثراً في إدارته لمعركة البلديات، وسيكون على نوابه وقيادييه العمل بجدية في بلدات أساسية ومهمة في تركيبة انتشار التيار من أجل إبقائها موالية له، وخصوصاً في الشمال وصيدا والبقاع الأوسط والغربي.
في المقابل هناك طرفان يعتبران ان من غير الضروري إجراء الانتخابات البلدية راهناً، هما «حزب الله» والنائب وليد جنبلاط. بالنسبة الى الحزب، الاولوية اليوم هي للأوضاع الأمنية، وهي الأسباب نفسها التي جعلته لا يرغب في إجراء الانتخابات النيابية، اذ ليس من الممكن ان يغامر الحزب بإجراء انتخابات وإقامة تجمعات في مناطق انتشاره. إلا إذا ذهب ايضاً الى اجراء تسوية توافقية مع رئيس البرلمان نبيه بري، على غرار ما جرى العام 2010، وهي عملية مكلفة سياسياً له، نظراً الى ان بري يصر دائماً على أخذ أقصى ما يمكن ان يأخذه من الحزب الذي سيضطر الى الرضوخ لبري تفادياً للاستفزازات في البلدات الخاضعة لهما.
اما جنبلاط، فهو يتحاشى ايضاً توتير الوضع في مناطق نفوذه، ليس لأسباب أمنية انما سياسية. ففي البلدات الدرزية سيضطر الى إجراء حسابات سياسية مع النائب طلال ارسلان اضافة الى وجود للوزير السابق وئام وهاب في بعض البلدات في الشوف. أما البلدات المسيحية الدرزية، فأمام جنبلاط تحديات من نوع الشراكة مع «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية»، وهما الاكثر تأثيراً مسيحياً في الشوف وعاليه والمتن الاعلى حيث يمتدّ نفوذ جنبلاط. علماً ان علاقة جنبلاط مع الثنائي المسيحي ليست في أحسن أحوالها، ووضع الجبل لا يزال بعد أعوام من المصالحات لا يحتمل اي تحديات مسيحية - درزية. من دون اغفال بلدات اقليم الخروب ذات الاكثرية السنية والتي سيضطر جنبلاط ايضاً فيها لمراعاة حليفه «تيارالمستقبل» في اختيار المجالس البلدية.
على وقع هذه الاعتبارات بدأ التحضير للانتخابات البلدية التي لا يتعلّق مصيرها فحسب بالاستعدادات اللوجيستية، بل بالعامل الأمني الذي سيؤخذ في الاعتبار عند التحضير لها. اما العامل الثاني، فهو إمكان إجراء انتخابات رئاسية قبل شهر مايو. فإذا أُجريت هذه الانتخابات، سيعاد النظر في كل التحضير للانتخابات البلدية.
أرقام ومؤشرات
يُشهد للبنان انه عرف المجالس البلدية منذ منتصف القرن التاسع، واول بلدية منتخَبة كانت بلدية دير القمر العام 1864 وقد استمر العمل بالنظام الانتخابي البلدي بعد انهيار السلطنة العثمانية، وأبقى عليها بقرار من المفوض السامي الفرنسي العام 1920.
وصدر العام 1922 اول نظام للبلديات منسوخ عن النظام الفرنسي. وبعد الاستقلال، تَطوّر نظام الانتخاب وأُدخلت عليه تعديلات عدة، والقانون الحالي هو القانون المعدّل للمرسوم الاشتراعي الصادر 1977. وبعد الحرب الاهلية (1975 - 1990) أُجريت اول انتخابات محلية العام 1998 لتجرى لاحقاً في عاميْ 2004 و2010.
حالياً بدأت الاستعدادات اللوجيستية في وزارة الداخلية من اجل إعداد قوائم الناخبين.
963 مجلساً بلدياً و2753 مختاراً هو الرقم الرسمي الذي اعتمدته وزارة الداخلية العام 2010 لاجراء الانتخابات البلدية في لبنان. وهذه المجالس موزَّعة على 26 قضاء.
أكبر المجالس البلدية عدداً هي مجلس بلدية بيروت ومجلس بلدية طرابلس المكوّنيْن من 24 عضواً، اما مجالس البلديات الاخرى فتتوزع بين 9 و12 و15 و18 و21 عضواً. ويُحتسب عدد أعضاء المجلس نسبةً الى عدد سكان البلدة. ويُسجل أكبر عدد للمخاتير بحسب وزارة الداخلية في عكار حيث يوجد 210 مخاتير، ومن ثم بعلبك 200 والمتن 164 والشوف 139 وصور 121 وبيروت 107 وبعبدا 106 وصيدا 102.
أعداد الناخبين
بحسب آخر إحصاء لوزارة الداخلية العام 2015 بلغ عدد ناخبي لبنان 3.567.486 مسجّلين على قوائم الناخبين، على ان تصدر النسبة النهائية لأعداد الناخبين لعام 2016، بعد ان توضع القوائم بين 10 فبراير المقبل و10 مارس أمام الناخبين للتدقيق فيها، وتصدر نهائية آخر مارس تمهيداً لاجراء الانتخابات البلدية.
المرأة في الانتخابات البلدية
اول امراة تسلمت رئاسة بلدية في لبنان هي السيدة سليمة القزاز درغام، في بلدتها بكيفا قضاء راشيا في العام 1964 وبقيت في هذا المنصب حتى العام 1998. وقد توفيت عام 2014. لكن في شكل عام لم تكن مشاركة المرأة في الانتخابات البلدية والاختيارية قبل الحرب فاعلة. اما انتخابات ما بعد الحرب فشهدت صعوداً خفيفاً لمشاركة المرأة. وفي العام 2010 اعلنت الهيئة الوطنية لشؤون المرأة في لبنان ان الانتخابات البلدية شهدت «زيادة ملحوظة
في عدد النساء المرشحات والفائزات مقارنةً مع الدورة السابقة في عام 2004. فقد بلغ مجموع عدد المرشحات 1346 مرشحة مقابل 552 مرشحة في 2004، كما ارتفع مجموع عدد الفائزات الى 536 امرأة مقابل 215 فائزة في 2004 أي ما نسبته 4.7 في المئة من اجمالي المقاعد مقابل 2.02 في المئة لعام 2004».
وسُجلت اعلى نسبة فائزات في محافظة الشمال بنسبة 7.56 في المئة تليها محافظة جبل لبنان بنسبة 5.33 في المئة.
العوامل الطائفية في البلديات
بعد الحرب ونتيجة المتغيرات الديموغرافية في عدد من المناطق، تغيّرت تركيبة المجالس البلدية. لا يوجد نص قانوني كما في حال مجلس النواب ينص على التوزع الطائفي للمجلس البلدي. لذا تغيرت هوية المجالس البلدية في عدد من البلدات بفعل التهجير والنزوح وتَغيُّر معالم البلدات والقرى. ولعلّ أكبر مثال على ذلك، هو المتغيّر الذي لحق ببيروت وطرابلس لجهة نزوح المسيحيين عنهما وغلبة عدد السكان المسلمين. لكن أُجريت محاولات عدة لإبقاء التنوع المسيحي - الاسلامي في المجالس من اجل تكريس العيش المشترك، وهو ما حصل في بلدية بيروت حيث تمّت المحافظة على المناصفة فيها، رغم تضاؤل عدد المسيحيين في العاصمة قياساً الى ما كانوا عليه قبل الحرب وذلك بفعل الفرز الطائفي والتهجير. وكذلك الأمر في بلديات الجبل المشتركة المسيحية - الدرزية حيث عولجت إشكالات كثيرة لإعادة المسيحيين الى بلديات بعض القرى والبلدات التي هُجروا منها بسبب الحرب.
ينص قانون الانتخابات البلدية على ان ولاية المجالس البلدية ست سنوات، وتبعاً لذلك يفترض ان تجرى الانتخابات المحلية في مايو من هذه السنة بعدما نُظمت آخر انتخابات بلدية العام 2010. علماً ان الحاجة الى اجراء انتخابات تتعدى العملية الروتينية والديموقراطية التي تفترض اجراء هذا الاستحقاق في مواعيده. اذ تكمن الحاجة الملحة اولاً في ان قسماً كبيراً من المجالس البلدية أصبحت في حكم المنحلة بسبب فقدان نصف اعضائها، وفي عهدة إما القائمقام او المحافظ، اذ ينص القانون على ان يتولى القائمقام أو رئيس القسم الأصيل في القضاء والمحافظ أو أمين السر العام في مركز المحافظة أعمال المجلس البلدي حتى انتخاب المجلس الجديد وذلك بقرار من وزير الداخلية. ورغم ان القانون ينصّ على ضرورة إجراء انتخابات بعد شهرين من انحلال اي مجلس بلدي، الا ان المجالس المنحلة بقيت على حالها، وتفاقمت في الوقت نفسه أوضاع البلدات وزادت سوءاً، وبات واقع البلديات يعرقل الكثير من الأمور الادارية والانمائية والاعمال التي تعود السلطة فيها حصراً الى هذه المجالس المحلية.
هذا عملياً وقانونياً. لكن مجرد طرح فكرة إجراء انتخابات بلدية في الظرف الراهن، يثير تكهنات وتساؤلات حول الأسباب الأمنية التي تم التذرع بها لتأجيل الانتخابات النيابية، فضلاً عن أسباب سياسية تتعلق بقانون الانتخاب وبالتسويات الداخلية والعراقيل الاقليمية. ذلك ان الأسباب الامنية لا تزال هي نفسها، والتدابير الأمنية واللوجستية التي يفترض اتخاذها لإجراء الانتخابات يجب ان تأخذ في الاعتبار الوضع الأمني والعسكري المتداخل في لبنان وسط كمّ من المعطيات عن مؤشرات مقلقة من الواقع الأمني. ولان الانتخابات البلدية ليست قضية انمائية فحسب، فإنها تتخذ حالياً بُعداً آخر، بعدما بات العمل البلدي في لبنان مسيَّساً بحكم الأمر الواقع. ولذا تشكل هذه الانتخابات اليوم محط اختبار أساسي لسلطة الأحزاب والقوى السياسية التي تتنازع السلطة في لبنان، بين قوى 8 و14 آذار، وسلطة الاحزاب ضمن الخط الواحد ايضاً. وهذا ما حصل تماماً مثلاً عند إجراء الانتخابات البلدية العام 2004 اذ كانت الأحزاب المسيحية غائبة عن مراكز القرار والسلطة بفعل الوجود السوري، لكنها شاركت بفعالية فيها وفرضت نفسها عبر المجالس البلدية لاختبار قوتها وتأثيرها في الشارع المسيحي. من دون اغفال ما حصل من تنازع السلطة المحلية والبلدية بين الثنائي الشيعي حركة «امل» و«حزب الله» في مناطق الجنوب والبقاع، الأمر الذي استدعى تنسيقاً مباشراً بين الرئيس نبيه بري والامين لعام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله من اجل توزيع الحصص البلدية بينهما ومنع الاحتكاكات في الشارع الشيعي، وصولاً الى اعلان التحالف الانتخابي بينهما عشية انتخابات العام 2010، الأمر الذي أدى الى فوز 135 بلدية بالتزكية في محافظات الجنوب والنبطية والبقاع. حالياً لم يعترض بعد اي فريق سياسي على إجراء الانتخابات البلدية، علماً ان مراجع قانونية ودستورية بدأت تعدّ مطالعات وتعطي رأيها القانوني بعدم جواز التمديد للمجالس البلدية، على غرار ما جرى مع البرلمان. لكن واقع الامور راهناً يفترض قراءة لما يرافق التحضير للانتخابات، التي على وزير الداخلية ان يدعو اليها قبل شهرين من موعدها. لا شك في ان الأحزاب المسيحية في الطليعة معنية في شكل أساسي بإجراء الانتخابات البلدية، لانها تشكل عامل اختبار لقوة الأحزاب الأربعة الاساسية التي تتنافس على زعامة الشارع المسيحي. ورغم ان الإطار العام التقليدي للانتخابات البلدية يتعلّق بالصراع العائلي وبقاء العصَبيات العائلية أشدّ تأثيراً، لكن الأحزاب اللبنانية حوّلت هذا الاستحقاق مناسبة للتنافس السياسي، كما حصل التنافس مثلاً في الشارع السني للإمساك ببلديتيْ طرابلس وصيدا.
مسيحياً، تريد القوى المسيحية إثبات نفوذها بما يُعدّ اختباراً لقوّتها وتأثيرها في الشارع المسيحي قبل الانتخابات النيابية المقبلة، اذا أُجريت هي ايضاً. وتُعتبر الانتخابات الحالية مختبراً للعلاقة بين «التيار الوطني الحر» (بزعامة العماد ميشال عون) و«القوات اللبنانية» (بقيادة الدكتور سمير جعجع) بعد المصالحة التاريخية بينهما وترشيح جعجع لعون لرئاسة الجمهورية، وهما الطرفان اللذان اعتادا التنافس الانتخابي نيابياً وبلدياً، وخصوصاً في جبل لبنان. علماً انه سيضاف عامل جديد هذه السنة، يتمثل في التنافس الانتخابي بين «تيار المردة» (بزعامة النائب سليمان فرنجية) و«التيار الحر» - اضافة الى التنافس بين «المردة» و«القوات» - في مناطق الشمال، وذلك في أعقاب الخلاف بين عون وفرنجية على خلفية ترشيح الرئيس السابق للحكومة زعيم «تيار المستقبل» سعد الحريري النائب فرنجية للرئاسة.
يؤيد الطرفان اجراء الانتخابات البلدية، مثلهما مثل «تيار المستقبل». فالتيار الازرق سبق ان خاض معارك بلدية في وجه خصومه السياسيين في الشارع السني كما في شارع قوى 8 آذار. ومن المتوقع ايضاً هذه السنة، ان تكون المنافسة حامية بينه وبين خصومه، علماً ان «المستقبل» يعاني ضائقة مالية شديدة، ستكون عاملاً سلبياً مؤثراً في إدارته لمعركة البلديات، وسيكون على نوابه وقيادييه العمل بجدية في بلدات أساسية ومهمة في تركيبة انتشار التيار من أجل إبقائها موالية له، وخصوصاً في الشمال وصيدا والبقاع الأوسط والغربي.
في المقابل هناك طرفان يعتبران ان من غير الضروري إجراء الانتخابات البلدية راهناً، هما «حزب الله» والنائب وليد جنبلاط. بالنسبة الى الحزب، الاولوية اليوم هي للأوضاع الأمنية، وهي الأسباب نفسها التي جعلته لا يرغب في إجراء الانتخابات النيابية، اذ ليس من الممكن ان يغامر الحزب بإجراء انتخابات وإقامة تجمعات في مناطق انتشاره. إلا إذا ذهب ايضاً الى اجراء تسوية توافقية مع رئيس البرلمان نبيه بري، على غرار ما جرى العام 2010، وهي عملية مكلفة سياسياً له، نظراً الى ان بري يصر دائماً على أخذ أقصى ما يمكن ان يأخذه من الحزب الذي سيضطر الى الرضوخ لبري تفادياً للاستفزازات في البلدات الخاضعة لهما.
اما جنبلاط، فهو يتحاشى ايضاً توتير الوضع في مناطق نفوذه، ليس لأسباب أمنية انما سياسية. ففي البلدات الدرزية سيضطر الى إجراء حسابات سياسية مع النائب طلال ارسلان اضافة الى وجود للوزير السابق وئام وهاب في بعض البلدات في الشوف. أما البلدات المسيحية الدرزية، فأمام جنبلاط تحديات من نوع الشراكة مع «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية»، وهما الاكثر تأثيراً مسيحياً في الشوف وعاليه والمتن الاعلى حيث يمتدّ نفوذ جنبلاط. علماً ان علاقة جنبلاط مع الثنائي المسيحي ليست في أحسن أحوالها، ووضع الجبل لا يزال بعد أعوام من المصالحات لا يحتمل اي تحديات مسيحية - درزية. من دون اغفال بلدات اقليم الخروب ذات الاكثرية السنية والتي سيضطر جنبلاط ايضاً فيها لمراعاة حليفه «تيارالمستقبل» في اختيار المجالس البلدية.
على وقع هذه الاعتبارات بدأ التحضير للانتخابات البلدية التي لا يتعلّق مصيرها فحسب بالاستعدادات اللوجيستية، بل بالعامل الأمني الذي سيؤخذ في الاعتبار عند التحضير لها. اما العامل الثاني، فهو إمكان إجراء انتخابات رئاسية قبل شهر مايو. فإذا أُجريت هذه الانتخابات، سيعاد النظر في كل التحضير للانتخابات البلدية.
أرقام ومؤشرات
يُشهد للبنان انه عرف المجالس البلدية منذ منتصف القرن التاسع، واول بلدية منتخَبة كانت بلدية دير القمر العام 1864 وقد استمر العمل بالنظام الانتخابي البلدي بعد انهيار السلطنة العثمانية، وأبقى عليها بقرار من المفوض السامي الفرنسي العام 1920.
وصدر العام 1922 اول نظام للبلديات منسوخ عن النظام الفرنسي. وبعد الاستقلال، تَطوّر نظام الانتخاب وأُدخلت عليه تعديلات عدة، والقانون الحالي هو القانون المعدّل للمرسوم الاشتراعي الصادر 1977. وبعد الحرب الاهلية (1975 - 1990) أُجريت اول انتخابات محلية العام 1998 لتجرى لاحقاً في عاميْ 2004 و2010.
حالياً بدأت الاستعدادات اللوجيستية في وزارة الداخلية من اجل إعداد قوائم الناخبين.
963 مجلساً بلدياً و2753 مختاراً هو الرقم الرسمي الذي اعتمدته وزارة الداخلية العام 2010 لاجراء الانتخابات البلدية في لبنان. وهذه المجالس موزَّعة على 26 قضاء.
أكبر المجالس البلدية عدداً هي مجلس بلدية بيروت ومجلس بلدية طرابلس المكوّنيْن من 24 عضواً، اما مجالس البلديات الاخرى فتتوزع بين 9 و12 و15 و18 و21 عضواً. ويُحتسب عدد أعضاء المجلس نسبةً الى عدد سكان البلدة. ويُسجل أكبر عدد للمخاتير بحسب وزارة الداخلية في عكار حيث يوجد 210 مخاتير، ومن ثم بعلبك 200 والمتن 164 والشوف 139 وصور 121 وبيروت 107 وبعبدا 106 وصيدا 102.
أعداد الناخبين
بحسب آخر إحصاء لوزارة الداخلية العام 2015 بلغ عدد ناخبي لبنان 3.567.486 مسجّلين على قوائم الناخبين، على ان تصدر النسبة النهائية لأعداد الناخبين لعام 2016، بعد ان توضع القوائم بين 10 فبراير المقبل و10 مارس أمام الناخبين للتدقيق فيها، وتصدر نهائية آخر مارس تمهيداً لاجراء الانتخابات البلدية.
المرأة في الانتخابات البلدية
اول امراة تسلمت رئاسة بلدية في لبنان هي السيدة سليمة القزاز درغام، في بلدتها بكيفا قضاء راشيا في العام 1964 وبقيت في هذا المنصب حتى العام 1998. وقد توفيت عام 2014. لكن في شكل عام لم تكن مشاركة المرأة في الانتخابات البلدية والاختيارية قبل الحرب فاعلة. اما انتخابات ما بعد الحرب فشهدت صعوداً خفيفاً لمشاركة المرأة. وفي العام 2010 اعلنت الهيئة الوطنية لشؤون المرأة في لبنان ان الانتخابات البلدية شهدت «زيادة ملحوظة
في عدد النساء المرشحات والفائزات مقارنةً مع الدورة السابقة في عام 2004. فقد بلغ مجموع عدد المرشحات 1346 مرشحة مقابل 552 مرشحة في 2004، كما ارتفع مجموع عدد الفائزات الى 536 امرأة مقابل 215 فائزة في 2004 أي ما نسبته 4.7 في المئة من اجمالي المقاعد مقابل 2.02 في المئة لعام 2004».
وسُجلت اعلى نسبة فائزات في محافظة الشمال بنسبة 7.56 في المئة تليها محافظة جبل لبنان بنسبة 5.33 في المئة.
العوامل الطائفية في البلديات
بعد الحرب ونتيجة المتغيرات الديموغرافية في عدد من المناطق، تغيّرت تركيبة المجالس البلدية. لا يوجد نص قانوني كما في حال مجلس النواب ينص على التوزع الطائفي للمجلس البلدي. لذا تغيرت هوية المجالس البلدية في عدد من البلدات بفعل التهجير والنزوح وتَغيُّر معالم البلدات والقرى. ولعلّ أكبر مثال على ذلك، هو المتغيّر الذي لحق ببيروت وطرابلس لجهة نزوح المسيحيين عنهما وغلبة عدد السكان المسلمين. لكن أُجريت محاولات عدة لإبقاء التنوع المسيحي - الاسلامي في المجالس من اجل تكريس العيش المشترك، وهو ما حصل في بلدية بيروت حيث تمّت المحافظة على المناصفة فيها، رغم تضاؤل عدد المسيحيين في العاصمة قياساً الى ما كانوا عليه قبل الحرب وذلك بفعل الفرز الطائفي والتهجير. وكذلك الأمر في بلديات الجبل المشتركة المسيحية - الدرزية حيث عولجت إشكالات كثيرة لإعادة المسيحيين الى بلديات بعض القرى والبلدات التي هُجروا منها بسبب الحرب.