على أبواب عشماوي

صابر فرحات ... فشل في الفن ونجح في الإرهاب / 4

تصغير
تكبير
| القاهرة - من حنان عبدالهادي |
هل تستيقظ الضمائر؟... هل تقترب أبواب التوبة؟... أم أنها الصدمة فقط وحدها... هي التي يمكن أن توقظ الضمائر... أم أنه حبل المشنقة... هو الذي يأخذ المذنب... إلى طريق مختلف... يحاول من خلاله أن يؤكد ندمه على ما فعله؟
أسئلة كثيرة... نطرحها... ونحن نبحث في أمر الدقائق الأخيرة... في حياة القتلة والسفاحين والإرهابيين والخونة... كيف تكون هذه الدقائق... قبل الاقتراب من حبل عشماوي «منفذ عملية الإعدام»!
هل تتبدل أحاسيس... من قتلت زوجها... أو من قتل ولده... أو من خان بلده... أو من كمنت لأبناء جيرانها... أو من اصطادوا الضحايا تباعا وشربوا من دمائهم؟
وإذا بالفعل تبدلت... هل هو الخوف... أم أنه القناعة بالتوبة... قبل مغادرة الحياة... والندم على الأفعال والجرائم... بعد فوات الأوان!
وهل يمكن أن تنفعنا دموع عاشقة قتلت زوجها لتخلو لها الحياة مع «عاشق»... أو من أباح دماء سياح وفجر باصا يقلهم... أو من قدم لعدو معلومات عن بلده؟
القتلة والخونة... قد يذرفون الدمع أنهارا... وقد يطلبون التوبة والصفح والعفو... ولكنهم قتلة... لابد من عقابهم... وحبل المشنقة في انتظارهم... ولعل مشهد إعدام طاغية العراق «صدام حسين»... كان من أشهر هذه المشاهد.
«الراي»... بحثت كثيرا في أوراق قديمة وحديثة... عن أيام... أو ساعات أو حتى دقائق ما قبل الإعدام... ووجدت فيها الكثير من المواقف والحكايات... وعبارات الندم... ورايات سوداء ترفع... وقمصان حمراء تلبس... وشرود ذهني... وذكريات أليمة تجتر... وأيضا وجدت فيها «الإنقاذ»... أو نزول عدالة السماء عن «متهم... ليس متهما»... وفي السطور التالية الكثير:
شرع الكاتب الفرنسي فيكتور هوغو في كتابة كتابه «آخر أيام رجل محكوم عليه بالإعدام» في اليوم التالي لإعدام «دولباخ». وعبر فصول عديدة يأخذ هوغو القارئ ليعيش مع المحكوم عليه بالإعدام في زنزانة كئيبة يفكر في اللحظات التي ستتعانق فيها رأسه مع سكين المقصلة وتفكير الرجل الميت في تجربته المريرة... وها نحن عبر سطور «الراي»... نكمل مسيرتنا مع الدقائق الأخيرة... على أبواب عشماوي أو مع مشاهد الإعدام.
وفي قصة جديدة... هذه المرة مع الإرهاب... لم تأت إدانة صابر فرحات وشقيقه محمود من فراغ، ولكنها كانت قرائن ثابتة ودامغة في حقهما فقد كشفت عن نواياهم بضرب السياحة وقتل السائحين الأجانب حتى أطلق عليهم لقب «الإرهابيين»، فقد فشل الشقيقان صابر ومحمود فرحات... في الحياة فلم يجدا سوى الانخراط في طريق الإرهاب وكانت النهاية طبيعية لهما وهي الإعدام شنقا.
الاتجاه إلى الموسيقى
يبلغ صابر من العمر 33 سنة... كان يعمل فرانا ثم ترك مهنته واتجه إلى الموسيقى والغناء وسرعان ما فشل فيهما بعد أن سجل مجموعة أغان مع مطربة جزائرية مغمورة اسمها «شيراز» على شريط كاسيت اسمه «شط وميّه».
وعندما فشل صابر في تجربة الغناء وخسر جميع أمواله في إنتاج الشريط ترك الفن وأطلق لحيته زاعما أنه يسير في الطريق الصحيح، أما شقيقه محمود... الذي انقاد وراءه حتى حبل المشنقة يبلغ من العمر 25 عاما وحاصل على دبلوم تبريد وتكييف وكان يدير مخبز والده بعزبة النخل.
الملفات الرسمية للقضية ساقت عددا من الأدلة والقرائن... ساقت صابر وأخاه محمود إلى حبل المشنقة... حيث أكدت القرائن أن صابر فرحات لم يكن جديدا على ساحة الجريمة... فقد سبق أن قام بالاعتداء على مجموعة من السائحين الأجانب في فندق «سميراميس» بالقاهرة واعتمد على تقرير سابق عن إصابته بمرض عقلي فأودع مستشفى الأمراض العقلية بالخانكة وأودع في عنبر «9» الخاص بالمتهمين في قضايا جنائية.
لكنه استطاع أن يحصل على اجازات من المستشفى بطرق ملتوية شملتها أوراق القضية «66» جنايات عسكرية لسنة 1997 وقُضي فيها ببراءته، حيث لم تثبت إدانته في وقائع الرشوة التي كانت المحور الأساسي في القضية.
جريمة المتحف
أما جريمة المتحف المصري فقد كشفت أوراق القضية وقتها أن الشقيقين صابر ومحمود... اشتركا في اتفاق جنائي الغرض منه ارتكاب جنايات القتل العمد والتخريب والإتلاف وحيازة الأسلحة النارية والذخائر من دون ترخيص لاستعمالها في نشاط يخل بالأمن، وقامت بقتل تسعة سائحين أجانب من دولة ألمانيا ومصريا واحدا مع سبق الإصرار والترصد.
بأن عقدا العزم وبيتا النية على قتلهم، فأعدا لذلك عدتهما... وهي عبارة عن سلاح ناري وذخائر وعبوات حارقة ورصدا مكان تجمعهم وتوجها إلى المكان الذي أيقنا سلفا وجودهم فيه وما إن ظفروا بهم مستقلين الأتوبيس السياحي رقم 1154 حتى أطلقا عليهم الأعيرة النارية وألقيا عليهم عددا من العبوات الحارقة قاصدين قتلهم،
واقترنت جنايتهما بجناية أخرى وهي شروعهما في قتل «22» سائحا ألمانيا ومرشدا سياحيا مصريا، بالإضافة إلى إتلاف الأتوبيسات السياحية 1154، 1180، 1351، 1883- سياحة القاهرة.
وتقول أوراق القضية... إن المتهم محمود شقيق المتهم صابر علي... حاول قتل أمين شرطة ومندوب شرطة... أثناء قيامهما بتأدية عملهما في حراسة المتحف المصري، بالإضافة إلى الشروع في سرقة الطبنجة «عيار 9 مللي» من مساعد الشرطة بالقاهرة.
وفي تحقيقات نيابة أمن الدولة قال مندوب الشرطة: إنه في حال وجوده بالمتحف المصري الساعة 12 ظهرا يوم الخميس 18 سبتمبر العام 1997 شاهد شخصين يحمل كل منهما حقيبة صغيرة إحداهما حمراء والأخرى زرقاء واسترعى نظره وجودهما وبعد لحظات قصيرة سمع صوت انفجار وصراخ فالتفت بوجهه فشاهد أحد الشخصين يقف في مواجهة أتوبيس سياحي ويقوم بإلقاء زجاجات من الحقيبة التي كان يحملها ما أدى لاشتعال النيران فيها وذلك أثناء وجود السائحين بها.
الفوج الإسباني
وشهد سائق الأتوبيس السياحي بقوله: إنه في حال انتظاره للفوج السياحي الإسباني المرافق له أمام بوابة المتحف - فوجئ بشخصين يرتديان ملابس داكنة وصعد أحدهما لسلم أتوبيس مجاور وأخذ يطلق الرصاص داخله على ركابه من السائحين، بينما كان الشخص الآخر يقوم بإلقاء زجاجة من الحقيبة التي يحملها أحدثت انفجارا وأدت لاشتعال النيران بالأتوبيس... وامتدت النيران منه لسيارته وأصابت بعض الطلقات النارية زجاج سيارته الأمامي.
وكانت جميع الأدلة ضدهما... فقد ثبت من تقرير مصلحة الطب الشرعي ومصلحة تحقيق الأدلة الجنائية أن جميع الطلقات المضبوطة بمكان الحادث عيار «9 مللي» ومجموعها 155 طلقة جميعها يتفق وعيار الطبنجة المستخدمة في الحادث والمضبوطة مع المتهم الأول وصالحة للاستخدام، كما ثبت من تقرير مصلحة الطب الشرعي أن السكين المضبوطة بموقع الحادث متوسطة الحجم عليها آثار احتراق وتفوح منها رائحة الكيروسين.
كما يبين التقرير أن العبوة التي عثر عليها بالموقع ذاته داخل زجاجة مياه غازية تشكل أحد نظم العبوات الحارقة المصنعة محليا... حيث يمكن إشعالها بقطعة قماش توضع بفوهة الزجاجة، ثم تلقى على أتوبيس فيتحطم زجاجها وتشتعل باللهب الناتج من القماش... حيث توجد بها مادة «التنر» سريعة الاشتعال.
وقبيل إعدام الإرهابي فرحات بلحظات كان ينظر لجميع الموجودين في السجن عند التنفيذ موحيا ومصرحا بأن مفاجأة سوف تقع يخرج على إثرها إلى الحياة محمولا على الأعناق.
حكم الإعدام
كان يوم تنفيذ حكم الإعدام في الإرهابي صابر محمود فرحات مختلفا عن كل من حكم عليهم بالإعدام فهو لم ينكر ما فعل ولم يدّع البراءة أو يلقي بالتبعات على أحد، لم يبد ندما طالبا المغفرة والصفح.
لم يدع أن ما فعله يستحق جزاء أقل من الإعدام فقد صاح في زهو وفخار بأنه ليس نادما على ما فعل ومعلنا أنه إذا ما دارت به دورة الحياة مرة أخرى فسوف يعيد ارتكاب جرائمه نفسها ولكن بصورة أعنف وعلى نطاق أوسع.
وكان يوحي من ردوده - سواء كانت بالإيحاء أو التصريح - أن إعدامه لن يتم وأنه حتما سوف تقع مفاجأة فورا وقبيل البدء في تنفيذ الإعدام يخرج على إثرها محمولا على الأعناق زعيما للجهاد ضد الكفر، وكان يرى أن تنفيذ حكم الإعدام فيه - إذا ما تم على حد قوله - استشهاد سوف يدخله الجنة ويعتقد أن الضحايا العشرة الذين أودى بحياتهم كفار وسيدخلون النار.
الغريب أنه يرى غضب والدته منه ومما فعله هو وشقيقه الأصغر محمود ليس له ما يبرره، ووصف والدته بأنها لا تعلم شيئا وأنها كافرة مثلها مثل الباقين جميعا بخلافه هو وشقيقه وشريكه في ارتكاب الحادث... الغريب أنه وفي يوم تنفيذ حكم الإعدام فيه لم يبد صابر أي ندم فقد كان يقول إن زملاءه في السجن طلبوا منه إبداء التوبة وطلب المغفرة طمعا في الرحمة، ولكنه سخر منهم ومما يقولون ووصفهم بالجهل وأنهم لن ينالوا وينعموا بمرتبة الجهاد التي نالها هو وشقيقه.
اغلقوا الموسيقى
كان صابر ممسكا بمصحف شريف في يده اليسرى مطلقا لحية كثيفة وفي تلك الأثناء كانت تنبعث بعض النغمات الموسيقية من جهاز تلفزيون موجود بحجرة مدير السجن وسارع صابر بوضع يديه على أذنيه وأخذ يصيح... أغلقوا الموسيقى إنها حرام.
وعندما سُئل عن سبب تحريمها قال: كانت لي علاقة بكبار الموسيقيين والفنانين ولكن اكتشفت أن الأغاني العاطفية حرام.
كانت كلمات صابر في يوم تنفيذ الإعدام تؤكد أنه ليس نادما... حيث كان يقول «لست نادما ولو قدر لي إعادة مسيرة حياتي فسوف أعود لارتكاب الأحداث نفسها ولكن بشراسة وعنف أكبر... إنني من المجاهدين وما فعلته كان من أجل رفعة الإسلام والمسلمين».
ساحة الإعدام
أخذ يردد قبل أن يصطحبه الحراس إلى ساحة تنفيذ الحكم بالإعدام «أنا عملت اللي عملته في سبيل الله» وتقدم الحراس وأصطحبوا صابر فرحات إلى ساحة تنفيذ الحكم بالإعدام واصطف أعضاء لجنة تنفيذ الأحكام وبدأ رئيس النيابة العسكرية في تلاوة منطوق الحكم، واستغرق الأمر عدة دقائق وبينما كانت فقرات منطوق الحكم تسرد منذ أن قام بارتكاب جريمته بقتل السائحين، كان صابر يهذى بكلمات غير مفهومة، ومال لون وجهه إلى الاصفرار الشديد وحاول أن يبدو متماسكا ولكن دون جدوى.
وعندما انتهى رئيس النيابة من تلاوة منطوق الحكم وسأل الإرهابي صابر إذا كانت لديه أي رغبة فأجاب بالنفي، وحين تقدم منه الواعظ ليلقنه الشهادتين رفض تلاوتهما خلفه وتم اقتياده إلى غرفة الإعدام حيث تم تنفيذ الحكم.
مرت نصف ساعة نقلت خلالها جثة صابر فرحات إلى المشرحة تمهيدا لاتخاذ إجراءات الدفن، وبدأ الإعداد لتنفيذ الحكم بالإعدام في الإرهابي الثاني محمود محمد فرحات الشقيق الأصغر لصابر الذي قام بتنفيذ الجريمة بالاتفاق مع شقيقه صابر.
وأخذ يردد: ما قمنا به كان في سبيل الله ومن أجل الجهاد وما فعلته مع شقيقي كان من أجل رفعة الإسلام والمجتمع كافر... وبالرغم من أن محمود قال في التحقيقات إن أخاه صابر قد ورطه لكنه قرب تنفيذ حكم الإعدام فيه أكد أنه لم يقل ذلك، وأكد أن ما فعلوه في السياح كان واجبا فالسياح يأتون إلى بلادنا للإساءة وارتكاب المعاصي، ولذا فقد انتظرناهم أنا وشقيقي عند المتحف وألقينا عليهم العبوات الناسفة وكنا نريد استكمال ما خططنا له بضرب المزيد منهم لكن الشرطة ألقت القبض علينا.
كان محمود مستندا في أمر قتل السياح إلى حديث الرسول «صلى الله عليه وسلم»: «من رأى منكم منكرا فليغيره»... ولكنه لا يحفظ حتى نص الحديث وقال إنه يعرف معانيه فقط وكأن الدين وأحاديث الرسول «صلى الله عليه وسلم» تفسر على الهوى دون أن يعلم الغرض أو الحكمة منها!
كان محمود يوجه رسالة لأمه وزوجته وشقيقاته بأنه فعل خيرا وطالبهم بالصبر... ولم يندم محمود هو الآخر على ما فعله هو وشقيقه، بل إنه قال إنهما كانا يريدان تنفيذ الجريمة خلال احتفالات رأس السنة لكنهما قررا التعجيل بها.
وقبيل تنفيذ الحكم بدقائق أكد محمود أنهما كانا المخططين والمنفذين لعملية قتل السياح وانتهت كلمات محمود عندما جاء الحراس واقتادوه إلى حيث تم تنفيذ الحكم بالإعدام حيث ذهبوا به إلى أبواب غرفة الإعدام وقد حدث نفس الشيء لمحمود فبعد تلاوة فقرات منطوق الحكم... وسئل عن رغبته قال لا شيء ورفض أيضا ترديد الشهادتين وراء الواعظ - كما فعل الأخ الأكبر صابر - ومن خلفه جاء عشماوي ليقيد يديه ويقتاده إلى حيث الغرفة السوداء.
وهنا انتابت محمود ثورة هستيرية وأخذ يصيح بكلمات غير مفهومة عندما وضع عشماوي رأسه داخل المشنقة ووقف على الطبلية ووضع عشماوي يده على زرار وفتحت الطبلية ليسقط محمود جثة بلا حراك ونقلت جثة محمود إلى المشرحة بجوار جثة أخيه صابر تمهيدا لاتخاذ إجراءات الدفن للأخوين الإرهابيين.
وأسدل الستار
وأسدل عشماوي الستار على ملف حادث الهجوم الإرهابي على أتوبيس السياح الألمان أمام المتحف المصري وبالرغم من ذلك فإن أهالي عزبة النخل - حيث كان يقطن ناصر وأخوه - قالوا: إن ما حدث للأخوين بإعدامهما هو حكم رادع وانتقام عادل فالجهاد ليس بقتل الأبرياء والمسالمين فهم ضيوف قد أعطاهم المجتمع الأمان، وأنه لا يتم تكفير الناس في بلاد تقام فيها شعائر الإسلام فهم لا يملكون ناصية الفتوى... والأمر يتطلب من علماء الإسلام... فالرسول قد عقد معاهدات مع اليهود في المدينة، وأن مجرد الحكم بتكفير الوالدين عقوق.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي