البروفيسور في جراحة الأطفال تحدث عن دور الطبيب والأهل في تأمين أفضل الظروف الصحية

بول ضاهر لـ «الراي»: ثقافة وَهب الأعضاء في الشرق... غائبة

تصغير
تكبير
احذروا زواج القربى زرعنا كلية لطفل يبلغ سنة ووزنه تحت 10 كيلوغرامات

عند الكبار غالباً ما تكون الجراحة استئصالية ... بينما عند الصغار هي جراحة ترميمية

التطوّر العالمي الأبرز هو معالجة بعض التشوّهات الخلقية عند الجنين في رحم الأم
جراحة الأطفال اختصاص طبي دقيق فرض حضوره في عالم الجراحة، وأثبت ضرورته وأهميته وتَميُّزه في معالجة التشوّهات الخلقية عند الأطفال، وترميم الأعضاء المتضررة ليتمكن الطفل من متابعة حياته بشكل طبيعي.

وجراحة الأطفال نظام متكامل يرتكز على مهارة الجراح وخبرته وسِعة قلبه، كما على محيطٍ متكامل يؤمّن للطفل أفضل شروط العناية والمتابعة بغية تأمين أحسن النتائج.

«البروفيسور» بول ضاهر، الاختصاصي في جراحة الأطفال وفي جراحة المسالك البولية وصاحب الإنجازات الطبية الرائدة، تحدث إلى «الراي» عن أهمية دور جراحة الأطفال والمروحة الواسعة من الاختصاصات التي تغطيها، وعن دور الطبيب والأهل في تأمين أفضل الظروف الصحية لطفلهم المريض.

• بماذا تتميّز جراحة الأطفال عن الجراحة العادية؟

- هي جراحة تختص بالأطفال منذ ولادتهم وحتى عمر 16 إلى 18 سنة وما فوق أحياناً، إذا اضطروا لمتابعة مستمرة بعد مشاكل صحية في الصغر. وهذه المتابعة تحتاج إلى خبرة عالية للتنبه إلى أي مضاعفات أو مشاكل قد تظهر في ما بعد وترتبط بالحالة الصحية الأولية للطفل التي استدعت الجراحة. كذلك، تُعتبر جراحة الأطفال اختصاصاً طبياً خاصاً يختلف عن الجراحة العامة أو جراحة الكبار نظراً إلى أن المشاكل التي تتناولها لها مميزات خاصة ناتجة عن أمور مميّزة في جسم الأطفال تختلف عن جسم الكبار، ولذا لا يمكن للجرّاحين العاديين معالجتها والتعامل معها. فالصغار يتطلبون أطراً خاصة للمعالجة أبرزها الخبرة والاختصاص والمعرفة الكبيرة بأجسامهم، والقدرة على التعامل معهم بنفس كبيرة وعقل منفتح يتفهّمهم ويعطيهم من ذاته.

لذا، على الأهل إدراك هذا الواقع والتوجه في حال وجود مشاكل صحية تستدعي جراحة إلى جرّاح الأطفال المختص والمستشفى الذي يؤمن الكادر المتخصص لاحتضان الأطفال، ضمن أفضل الشروط وضمن خبرة فريق العمل التي تتخطى العادة.

• متى يتدخل جرّاح الأطفال لمعالجة المشاكل الصحية؟

- يمكن للجرّاح التدخل حتى قبل ولادة الطفل، أي حين لا يزال جنيناً في بطن الأم في حال شخّص الطبيب النسائي وجود مشكلة صحية ما عند الجنين، تستدعي الجراحة ويمكن القيام بها في هذه المرحلة. أو يمكن للطبيب النسائي أن يوجّه الأهل إلى المركز أو المستشفى المختص كي يلقى المولود الحديث الذي يعاني مشكلة صحية ما، أفضل عناية طبية متخصصة عند ولادته. وهنا يكون طبيب وجراح الأطفال والممرضات كلهم مستعدين لتقديم العناية المختصة له ضمن التجهيزات الخاصة من غرفة عملياتٍ وتخديرٍ وإنعاش. وهنا لا بد من الإشارة إلى أهمية دور الطبيب النسائي في تشخيص المشاكل التي يمكن أن تصيب الجنين ليكون الأهل مستعدين وكذلك الفريق الطبي لمعالجتها سريعاً. كذلك، يمكن لجرّاح الأطفال التدخل لاحقاً في حال ظهور مشاكل صحية معينة أو وجود تشوهات خلقية ينبغي الانتظار لبعض الوقت لمعالجتها.

• ما الاختصاصات التي تشملها جراحة الأطفال؟

- هذه الجراحة تهتمّ بالطفل كلياً ويمكن أن تشمل العظم، الجهاز العصبي، الأذن والسمع، جراحة الأنسجة الطرية، الصدر والجهاز التنفسي، الجهاز الهضمي والمسالك البولية. كذلك، يمكن أن تهتمّ بزراعة الكبد والرئة والجهاز الهضمي والكلى والقلب، وهذا هو التطور الأبرز الذي طرأ عليها أخيراً.

• ما الفارق الأساسي بين جراحة الكبار وجراحة الصغار؟

- عند الكبار غالباً ما تكون الجراحة استئصالية، بينما عند الصغار هي جراحة ترميمية، تهدف إلى إعادة تكوين العضو المتضرر ليستعيد شكله ووظيفته بغية ردّ الطفل إلى حياته الطبيعية. كذلك، عند الأطفال، نسعى إلى أقلّ قدر ممكن من التدخل الجراحي «minimal invasive surgery»، ومن هنا أفضلية اللجوء إلى الجراحة التنظيرية أي القيام بعمليات كبيرة بجروح صغيرة، وذلك لتخفيف التشوهات الناجمة عن الجروح وعدم ترك أي آثار تذكّر الطفل لاحقاً بالعملية التي خضع لها. ويمكن القيام بالجراحات التنظيرية في عمر مبكر، وقد بات جرّاحو الأطفال يملكون الخبرة الكافية لاستخدام التنظير بدل الجروح الكبيرة ويقدّمونها كحلّ بديل وناجع عن الجراحات التقليدية.

• وما التطور الأبرز الذي طرأ على جراحة الأطفال؟

- التطور العالمي الأبرز هو معالجة بعض التشوهات الخلقية عند الجنين في رحم الأم. وأبرز هذه التشوهات، انسداد عند باب المثانة نتيجة وجود لحمية، وهنا الجراحة تكون ضرورية تجنباً لتعرض الكليتين لضغط يؤدي إلى قصور في الكلي في ما بعد. وهناك أيضاً الفتق في عضلة التنفس الذي يستوجب إدخال بالون إلى الجهاز التنفسي لتوسيعه.

أما التطور الآخر الأهمّ، فهو زراعة الأعضاء كما ذكرنا سابقاً، ولكن المشكلة هنا تبقى في إيجاد الواهب وتَوافُر الأعضاء، إذ ليست لدينا في الشرق ثقافة وهب الأعضاء، ولذا فإن أكثر الزراعات ممارَسة هي زراعة الكلى حيث يتم إعطاء الكلية للطفل من أحد الوالدين أو فرد من أفراد العائلة. كما أن هذه الزراعة يمكن متابعتها بسهولة في ما بعد، لأن المتابعة مهمة جداً في أي عملية زرع.

• كيف تتم زراعة الكلية للأطفال، علماً أنك شاركتَ بشكل أساسي في إحداها واعتُبرت فتحاً في هذا النوع من العمليات؟

- يجب توافُر فريق عمل متكامل متخصص بزراعة الكلى يجمع بين الجرّاح العادي وجرّاح الأطفال، ذلك أن الكلية غالباً ما يتم نقلها من شخص كبير إلى طفل. فالجرّاح الأول يحضّر الواهب ويستأصل الكلية ويُحضِرها، والثاني يحضّر الولد ويزرع الكلية. والجديد في هذا النوع من العمليات وما أجريناه في لبنان أخيراً هو النزول في عمر الأطفال ووزنهم، فقد أنجزنا عملية الزرع على طفل يبلغ سنة من عمره ووزنه تحت عشرة كيلوغرامات، وهذه تُعتبر سابقة في الشرق الأوسط، إذ إن التحدي يكون أكبر بكثير عند الأطفال في هذا العمر بسبب دقة الشرايين التي يُخشى أن تقفل بعد الزرع، والتحدي الآخر زرع كلية كبيرة في جسد صغير. كما أن المتابعة في هذه الحالة تكون أصعب. وهنا أود القول إن نسبة نجاح العملية تكون أفضل عند الأطفال الذين لم يخضعوا بعد لعملية غسل الكلى.

• ما أبرز التشوهات الخلقية التي يمكن ملاحظتها عند المواليد الجدد؟

- نلاحظ في لبنان ازدياد نسبة بعض التشوهات الخلقية الناجمة عن زواج القربى، ومنها قصور في الغدد الواقعة فوق الكلي، عدم اتضاح الهوية الجنسية ووجود أعضاء جنسية مشتركة، التليف الرئوي، تشوهات في العضو التناسلي الذكري، انسداد في المسالك البولية وسلسلة الظهر المفتوحة. إضافة إلى تشوّهات خلقية أخرى لا تُعرف أسبابها مثل الشفة الأرنبية وانسداد المريء وغيرها.

• برأيك، ما أبرز الأمور التي تنصح الأطباء أو الأهل بالتنبه لها فوراً حتى لا تؤدي في ما بعد إلى مضاعفات خطرة؟

- أودّ التنبيه بشكل خاص إلى التشوهات الخلقية التي تمس المسالك البولية، لأنها تؤدي إلى تأذي الكلى، فيصل الطفل إلى مشاكل قصور قد تحتاج إلى عملية غسل الكلى بعدها. وهذه المشاكل يمكن للطبيب أن يكتشفها من خلال الصورة الصوتية التي تكشف التوسع في المسالك البولية. ودور طبيب أو جرّاح الأطفال أن يمنع الطفل من الوصول إلى مرحلة قصور الكلى. وهنا أودّ التذكير بأن تشوُّه سلسلة الظهر المفتوحة «Spina Bifida» بعد أن تتم معالجته، يجب متابعة الطفل عن كثب والتنبه إلى إمكان وجود مشاكل مرتبطة بالمسالك البولية والمثانة، إذ غالباً ما تترافق الحالتان. كذلك، أود القول ان ثمة العديد من الأعراض أو المشاكل الجانبية التي ترافق في كثير من الأحيان التشوه الخلقي الأساسي، لكن الأهل لا يتنبهون لها ولا الأطباء أحياناً لافتقارهم إلى الخبرة.

• كيف يمكن لطبيب الأطفال أن يكتشف وجود مشاكل صحية وتشوهات خلقية في الوقت المناسب قبل تفاقمها؟

- حين يعاني الطفل أعراضاً مرَضية لا تُحلّ بسرعة لا تحمل معها تحسناً لحالته، لا بد من أن يقوم طبيب الأطفال بتوجيه الأهل نحو طبيب آخر مختص وأن يسعى الأهل بدورهم للأخذ بأكثر من رأي ليصلوا إلى أصل المشكلة. فالأهل كما الطبيب مسؤولون عن تأمين العناية الضرورية لطفلهم في أفضل الأطر وأكثرها خبرة وتجهيزاً.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي