السفير السوفياتي السابق يتذكر قول الكويتيين له «نحن مثل السندويش نتعرض للضغوط من كل جانب»
بوغوس أكوبوف: لوبي موالٍ لإسرائيل في موسكو منع دخول 10 مليارات دولار كويتية إلى بنوكنا
بوغوس أكوبوف
أكوبوف متحدثاً إلى «روسيا اليوم»
• نصحت جابر الأحمد بعدم «وضع البيض» كله في سلة أميركا ... لكن الرفض جاء من موسكو
• مبادرتي باستقدام أموال الكويت إلى بنوك الاتحاد السوفياتي جوبهت بمعارضة «جناح إسرائيل»
• فيما كنت أنتظر في الكويت الموافقة على مشروع الـ10 مليارات وصل قرار نقلي إلى ليبيا
• الكويت كانت تشعر بالخوف من إيران والعراق على حد سواء لذلك تعاونت معنا لتسليح جيشها
• الكويتيون عزّزوا علاقاتهم معنا ليتمكنوا من الحفاظ على التوازن والدفاع عن كرامتهم الوطنية
• سالم الصباح طلب مني إبلاغ قادتي بحاجة الكويت لصواريخ متوسطة المدى «تصل إلى طهران»
• أمير الكويت ساعدنا على التواصل مع الخليج العربي وإقامة علاقات ديبلوماسية مع دوله
• انفتاح دول الخليج علينا في ذلك الوقت كان محاولة لتخفيف الضغوط الأميركية والبريطانية عليها
• مبادرتي باستقدام أموال الكويت إلى بنوك الاتحاد السوفياتي جوبهت بمعارضة «جناح إسرائيل»
• فيما كنت أنتظر في الكويت الموافقة على مشروع الـ10 مليارات وصل قرار نقلي إلى ليبيا
• الكويت كانت تشعر بالخوف من إيران والعراق على حد سواء لذلك تعاونت معنا لتسليح جيشها
• الكويتيون عزّزوا علاقاتهم معنا ليتمكنوا من الحفاظ على التوازن والدفاع عن كرامتهم الوطنية
• سالم الصباح طلب مني إبلاغ قادتي بحاجة الكويت لصواريخ متوسطة المدى «تصل إلى طهران»
• أمير الكويت ساعدنا على التواصل مع الخليج العربي وإقامة علاقات ديبلوماسية مع دوله
• انفتاح دول الخليج علينا في ذلك الوقت كان محاولة لتخفيف الضغوط الأميركية والبريطانية عليها
كشف السفير السوفياتي السابق لدى الكويت بوغوس أكوبوف لأول مرة أسرارا مثيرة حول العلاقات السوفياتية- الكويتية، متحدثا عن كيف كانت الكويت بوابة موسكو للتواصل مع دول الخليج الأخرى، وفي الوقت نفسه كيف حرم لوبي موالٍ لإسرائيل بلاده من استثمار 10 مليارات دولار من صندوق الأجيال القادمة الكويتي في بنوكها وبفائدة تصل إلى نصف ما كانت تدفعه الولايات المتحدة للكويت.
وقال أكوبوف في لقاء مع قناة «روسيا اليوم» التلفزيونية إنه عمل خلال فترة وجوده سفيرا في الكويت على فتح منافذ استثمار لبلاده من أموال الخليج، وفي الوقت نفسه فتح قنوات ديبلوماسية لدول الخليج إلى موسكو التي وجد أنها كانت «متنفسا لها من الضغوط الأميركية والبريطانية» منوها في هذا الإطار بدور أمير الكويت الراحل الشيخ جابر الاحمد (طيب الله ثراه) المحوري في تواصله مع دول الخليج، مشيرا إلى أن الراحل «ساعدنا على اقامة علاقات ديبلوماسية مع بلدان الخليج الاخرى، وقد زرت دولة الامارات العربية مرات عدة بمساعدة من امير الكويت والتقيت برئيس الدولة انذاك الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان واتفقنا ووقعنا اتفاقية حول افتتاح سفارتينا في كل من موسكو وابو ظبي».
وحول قضية المليارات العشرة التي كان يعمل على استثمارها في بلاده من صندوق الأجيال، ذكر أكوبوف أنه تحدث مع الأمير الراحل وسأله لماذا تضع الكويت «البيض كله في سلة أميركا»؟ شارحا لسموه الأمر بأن بلاده يمكن أن تستثمر في الأموال الكويتية ولكن بفائدة أقل من أميركا مع ضمان الاستمرارية، وهو الأمر الذي استحسنه الأمير الراحل، مستدركا بأنه عندما عرض الأمر على بلاده وأخذ موافقات المسؤولين، من رئيس الوزراء ورئيس بنك الدولة السوفياتية، جاءت الصدمة بوقوف اللوبي الموالي لإسرائيل ضد هذا التوجه بشكل خاص، وضد الانفتاح على دول الخليج بشكل عام، فحدث أنه بينما كان ينتظر موافقة السلطات العليا على المشروع للبدء فيه، جاءه استدعاء المسؤولين له ليخبروه بقرار نقله من الكويت إلى ليبيا. وفي ما يلي نص اللقاء مع السفير:
• في منتصف ثمانينات القرن الماضي، كنت سفيراً للاتحاد السوفياتي في الكويت. لو حدثتنا عما تميزت به هذه الفترة في ما يخص العلاقات الثنائية.
كانت الفترة ما بين العامين 1983 و،1986 وهي فترة التطور الأكثر فعالية في العلاقات بين الاتحاد السوفياتي والكويت. في هذه الفترة قام وفد برلماني من مجلس الامة، ووفد عسكري من الكويت بزيارة الى الاتحاد السوفياتي. وقد رافقت شخصياً وزير الدفاع الكويتي آنذاك خلال زيارته لبلدنا. فقد زار موسكو ولينيغراد وطشقند وسيفوستوبل وتبليسي. وكانت زيارة طويلة للغاية ووصل تعاوننا العسكري التقني مع الكويت الى مستوى جديد. كما زار الكويت في الوقت نفسه نائب وزير الدفاع السوفياتي آنذاك فلاديمير غوفيروف الذي حضر مناورات عسكرية واجرى مباحثات هناك، اي كانت الاتصالات مثمرة الى حد كبير.
وعلاوة على ذلك قام خبراء اقتصاديون سوفيات بزيارة الكويت في وفد مستقل، واستجمعت شجاعتي وتجرأت على توجيه سؤال جريء الى امير الكويت، احد ابرز رجال الدولة في العالم الاسلامي آنذاك واعتقد انه كان رجل دولة ذكي جداً الا وهو الشيخ جابر الاحمد، استجمعت شجاعتي وسألته: «يا سمو الامير، لماذا كما يقال تضعون البيض كله في سلة واحدة؟». فسألني: ماذا تقصد؟»، فأخذت اوضح له وكما تعرفون، كان قد تم في الكويت تأسيس صندوق الاجيال القادمة وكان يخصم لمصلحة هذا الصندوق 30 في المئة من الدخل القومي المتأتي من بيع النفط المحلي، لكن المسألة كانت تكمن ان كل اموال الصندوق - وكانت تقدر آنذاك بـ 95 ملياراً من الدولارات - كانت مودعة في بنوك الولايات المتحدة، فقلت للأمير: «إنكم تحتفظون بكل شيء في أميركا فلماذا لا تودعون الاموال في الاتحاد السوفياتي ايضا؟» فأجاب الأمير: «وماذا تقترح؟ لا مانع لدينا اذا كنتم ستدفعون لنا فوائد بنفس القدر، فنحن مستعدون لإيداع اموالنا لديكم ». كان متوسط فوائد الكويت من ايداع الاموال في البنوك الأميركية نحو 11 في المئة، فقلت ان الاتحاد السوفياتي بالطبع لا يستطيع تقديم فوائد قدرها 11 في المئة، ولكن من الممكن ان تكون لدينا خيارات اخرى، فمثلاً يعرض الاتحاد السوفياتي تقديم 5 في المئة من الفائدة مع الاخذ بعين الاعتبار ان هذه النسبة لن تتأثر بتقلبات سعر صرف الدولار الأميركي، اي ان الكويت ستحصل باستمرار على فوائد ثابتة قدرها 5 في المئة.
• وما المبلغ الذي عرضت ايداعه في البنوك السوفياتية؟
- عرضت ايداع 10 مليارات (دولار) في بنك الدولة السوفياتية الذي كان من شأنه ان يضمن كل شيء.
• وهل نسقت هذا الاقتراح مع موسكو؟
- سألني سموه: «هل يأتي هذا الاقتراح منك شخصياً ام ان موسكو تقترح ذلك؟» فاجابته: «بل أريد ان اعرف اولاً مدى امكانية تحقيق هذا الامر، وهل يوافق سموكم على ذلك»، فطلب الامير مهلة يومين للتفكير في العرض، وبعد يومين دعاني وطلب ان اعرف رأي موسكو بهذا الشأن.
• وهل وافق الامير؟
نعم وافق ووصلت الى موسكو وتوجهت حالاً الى وزير الخارجية انذاك ادوارد شيفرنادزه الذي كان قد بدأ عمله كوزير لتوه، وكان ذلك في العام 1985.
لم يأخذ شيفرنادزه على عاتقه مسؤولية هذه المسألة، لانه كما اعترف بذلك لم يكن مطلعاً اطلاعاً جيداً عليها، فاتصل خلال وجودي عنده برئيس مجلس الوزراء (آنذاك) نيكولاي ريشكوف وحدثه عن اقتراحي وطلب تحديد لقاء لبحث المسألة.
وافق ريشكوف على الفور وتوجهت في اليوم التالي اليه وتحدثت معه لاكثر من ساعة ونصف، فاستوضح ريشكوف عن كل شيء بالتفصيل وسأل عن الوضع الاقتصادي الكويتي وعبر عن ارتياحه باقتراحي كثيرا، واتصل حالاً برئيس بنك الدولة السوفياتية وسأله عن الفوائد التي يقدمها البنك وعن احتياجاتنا المالية، وكلف ريشكوف مساعده بكتابة مذكرة باملاء مني الى اللجنة المركزية للحزب وايصالها فوراً.
وأعددنا خلال ساعة كل الوثائق مع الاقتراحات الخاصة بالكويت، وبعد ذلك سألت ريشكوف «انا عائد الى الكويت قريبا، فما الذي يجب ان اقوله للأمير؟»، فأجاب ريشكوف: «قل اننا نرحب بخطوة الامير هذه ومستعدون لبحث هذه المسألة».
• على أعلى مستوى؟
- نعم، على اعلى مستوى وسألني ريشكوف ايضا عن الخطوات اللاحقة التي أقترحها. كنت ارى ان وفدا من الاتحاد السوفياتي يجب ان يتوجه الى الكويت كي يبحث هناك بالتفصيل مسألة شروط ايداع الاموال، وذكرته من جديد انني اتفقت على تحديد نسبة 5 في المئة واننا سننطلق من ذلك. وهكذا بدأ الجانب السوفياتي هذه العملية، وعدت انا الى الكويت حيث اكدت للجانب الكويتي انه تم الحصول على موافقة مبدئية، وفجأة تم خلال اجازتي استدعائي على وجه السرعة الى موسكو للالتقاء بادوارد شيفرنادزه.
استقبلني وزير الخارجية واخبرني بأنه جرى بحث مسألة تعييني سفيرا في ليبيا، فأصبت بصدمة وقلت: «كيف يمكن ذلك؟ اذ ان المسألة المتعلقة بالكويت لم تتم بعد».
• والموضوع فيه 10 مليارات دولار.
- 10 مليارات، لاسيما ان امير الكويت الشيخ جابر الاحمد كان قد اخبرني آنذاك بأنه مستعد للتوجه الى موسكو بنفسه والتوقيع على كل شيء، لكن شيفرنادزه قال لي انه تم ترتيب كل ما يتعلق بأمر تعييني (لدى ليبيا) لأن لدى الاتحاد السوفياتي مشاكل مع ليبيا.
• لان الامر لم يكن سيقتصر على هذه المسألة فقط، فلو رأت دول خليجية ان الكويتيين بدأوا بالتعاون مع السوفيات فقد كان من الممكن ان تحذو حذوهم.
- لقد كتبت عن ذلك في مقالاتي. فمثلا، خلال فترة عملي سفيرا في الكويت لم يكن امير الكويت اول من اقام علاقات ديبلوماسية مع الاتحاد السوفياتي بين دول الخليج فحسب، بل انه ساعدنا على اقامة علاقات ديبلوماسية مع بلدان الخليج الاخرى، وقد زرت دولة الامارات العربية - مرات عدة بمساعدة من امير الكويت والتقيت برئيس الدولة انذاك الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان واتفقنا ووقعنا اتفاقية حول افتتاح سفارتينا في كل من موسكو وابو ظبي.
• اي ان الكويت كانت بوابة للسوفيات إلى بقية بلدان منطقة الخليج.
- نعم، فلقد ساعدت الكويت على توسيع علاقاتنا ويبدو ان هذا كانت له فعلا اهميته، لاننا بدأنا بتطوير الاتصالات واكرر هنا اننا افتتحنا خلال فترة وجودي سفيرا لدى الكويت سفارة سوفياتية في الامارات العربية المتحدة، كما اتفقنا على التعاون مع السعوديين حيث بدأت هذه العملية عندما كنت لا ازال في الكويت، ثم استأنفنا العلاقات الديبلوماسية مع السعودية، كما تم خلال فترة عملي افتتاح سفارة سوفياتية في سلطنة عمان. اي انه جرت تطورات مهمة.
ومهما كانت الاقاويل والملابسات حول مغادرتي الكويت، الا انه كان قد وضع قبل مغادرتي اساس لعملية توسيع علاقتنا وتطويرها مع دول الخليج. ومن الواضح ان هذا كان يتفق مع مصالح هذه البلدان والاتحاد السوفياتي على السواء والسبب انه كانت دول الخليج (انذاك) تحت وطأة ضغوط من جانب الغرب وتحديدا من جانب البريطانيين والفرنسيين والاميركيين على حد سواء.
وعلى سبيل المثال، قال لي الكويتيون مرارا «نحن كالسندويش نتعرض إلى الضغوط من كل الجهات» لذا فإن اقامة العلاقات مع الاتحاد السوفياتي تتفق مع مصالح الكويتيين ايضا.
• كي تكون هناك امكانية للتوازن؟
- كي يتمكنوا من الحفاظ على التوازن والدفاع عن كرامتهم الوطنية.
• أود ان اسألك عن التعاون العسكري مع الكويت آنذاك. فقد سبق لي ان تحدثت مع الفريق ركن العراقي رعد مجيد الحمداني الذي كان من اهم من شاركوا في عملية غزو واحتلال الكويت، وقد حدثني عما اثار دهشة فصائل الحرس الجمهوري العراقي الطليعية التي دخلت الكويت (آنذاك)، وقال ان ما ادهشه هو في الواقع ان الكويتيين كانوا يمتلكون اسلحة سوفياتية الصنع.
- بالطبع، لاننا كنا نتعاون مع الكويتيين في هذا المجال.
• المحاور: وقال لي الفريق الحمداني انهم لم يتوقعوا ان وحداتهم التي دخلت الكويت ستُواجه بأسلحة سوفياتية
- الفريق الحمداني لم يكن يعرف، لكن سفير العراق الذي خدم آنذاك في الكويت خلال تلك الفترة كان يعرف كل شيء، فلقد بدأنا ذلك التعاون ولم نخفه. وعلى فكرة، الكويت ايدت العراق خلال الحرب الايرانية -العراقية، من جهة بصفته بلداً عربياً ومن جهة اخرى، لان الكويتيين كانوا يخافون من العراق لانه كان يكرر دائماً ان الكويت هي اصلاً محافظة عراقية.
• حسنا، وماذا حصل في نهاية المطاف في موضوع تطوير السلاح هل تحدثت مع الشيخ جابر ايضاً حول هذه المسألة؟
- ليس مع الشيخ جابر فلقد كنا نحل مثل هذه القضايا مع الشيخ سالم صباح السالم، فالشيخ جابر لم يكن يتدخل في هذه الامور وقد اهتم الشيخ سالم بهذه الامور، وخاصة بعد زيارته الى الاتحاد السوفياتي. وكان الكويتيون يشعرون بخطر في تلك الفترة سواء من جانب العراق أو من جانب إيران، وطالب العراقيون عموماً بان تشارك الكويت في تلك الحرب، بينما اتخذ الكويتيون موقفاً متزناً من دون التدخل ومن دون التصرف بتهوّر.
• قدّم الكويتيون أموالاً كبيرة كقروض.
- كانوا يريدون حماية انفسهم من إيران ايضا، وكانوا يدركون انهم لن يتمكنوا من الصمود اذا غزت ايران الكويت. وقد قال لي الشيخ سالم الصباح ذات مرة: «بلغ موسكو اننا نريد الحصول من الاتحاد السوفياتي على صواريخ متوسطة المدى». فسألته عن الغرض من وراء ذلك، فأجاب: «كي تتمكن صواريخنا من الوصول الى طهران»، فقلت له رداً على ذلك «ما الذي تقولونه يا سمو الشيخ؟ اننا نبني تعاوننا العسكري التقني مع بلدان العالم الثالث والعالم الثاني وفقاً للمبدأ الذي يكمن قبل كل شيء في اننا نعزز قدرة هذه البلدان الدفاعية ولا نقدم اي اسلحة هجومية لاحد».
• ولكن الاتحاد السوفياتي قام آنذاك بتوريد صواريخ سكود هجومية الى العراق.
- وقد قال لي (الشيخ سالم) ايضا ان لدى العراق مثل هذه الصواريخ.
• العراقيون طوروها بعد ذلك.
- قلت انني لا اعرف شيئاً عن ذلك الا انه كان مُصرّاً وقال: «لكننا نعرف».
• حصل ذلك بالفعل، وقد ساعد الالمان العراقيين في زيادة مدى تلك الصواريخ.
- حقا؟ انا لم اكن اعلم بأننا كنا قد اعطينا العراق صواريخ متوسطة المدى.
• اي انك لم تبلغ موسكو بهذا الطلب؟
- لا، لم اقم بابلاغها لانه لم يكن من المجدي القيام بانتهاك مبدأنا.
• لكن الكويتيين طلبوا منك ذلك بشكل جاد.
- طلبوا ان ابلغ موسكو لكنني اوضحت للشيخ سالم انه لا جدوى من ذلك، لان شيئا مماثلا كان قد حدث مع المصريين ايضا، اذ انني كنت قد عملت لفترة طويلة قائما بأعمال السفارة السوفياتية في مصر، واذكر كيف اتعبني انور السادات للغاية بمثل هذه الطلبات وكان يتحدث يوميا عن ذلك.
• حسنا، اذا لخصنا كل ما قلناه آنفا، فإنك ترى انه كان هناك العديد من الفرص الضائعة ليس مع الكويت وحسب بل ايضا في العلاقات الاستراتيجية في الاتجاهات الاخرى ايضا، بما في ذلك في مجال جعل الكويت بوابة للاتحاد السوفياتي إلى منطقة الخليج كلها، وقد اضيعت هذ الفرصة للمرة الثانية لان الفرصة الاولى كانت قد اضيعت في ثلاثينات القرن الماضي عندما تخلى الاتحاد السوفياتي عن منطقة الخليج بالكامل.
- هذا منطق شكلي، اذ اننا استفدنا من هذه الفرصة عمليا إلى وقت معين. اما عندما اردنا تطوير التعاون لاحقاً، فانهم لم يسمحوا لنا بذلك فحالما تعرضت مصالح الغرب والاميركيين للمساس، قاموا بهجوم فعال ضد مساعينا وأخذوا يعملون مع أوساط معينة في بلدنا وهي الأوساط التي اعتمدوا عليها وشرعوا في خلق العقبات. فهل فهمت ما هي المسألة؟ ولهذا فإننا لم ننجح في تحقيق ما خططنا له.
• هل ظن شيفرنادزه أن الأمر سيسير بشكل تلقائي؟
- نعم، ولم أجادله بطبيعة الحال، وانتهت المسألة.
• ولكن لماذا هذه العجلة في نقلك إلى ليبيا؟ يعني ما المشاكل المستجدة التي ظهرت هناك؟
- أعتقد بوجود سبب آخر، وهذه المسألة قابلة للجدل بطبيعة الحال، لكنني سأذكر شكوكي التي ظهرت لديّ آنذاك. فلقد بدا لي أن توقيع عقد مع الكويت لإيداع 10 مليارات دولار في البنك السوفياتي كان أمراً مهماً بالنسبة لبلادنا. والكلام- بالإضافة إلى إيداع هذا المبلغ - كان يدور حول توسيع تعاون الاتحاد السوفياتي مع الكويت مما كان سيؤدي إلى تعميق تغلغلنا في بلدان الخليج. أي ان هذا كان يعني توسيع علاقتنا مع شبه الجزيرة العربية التي لم تكن علاقاتنا في ذلك الوقت قوية ومتطورة. وأرى أنه كانت في الاتحاد السوفياتي في تلك الفترة أوساط سياسة معينة كانت ضد هذا التوسع وضد تطور العلاقات مع العالم العربي بشكل عام.
وبدأ يظهر عندهم لوبي قوي في الصحافة السوفياتية من أمثال الكسندر بوفين الذي أصبح في ما بعد سفيراً لدى إسرائيل.
• ولكن ماذا كان مدى تأثير هذه الأصوات كصوت بوفين وغيره، على الرأي العام في الاتحاد السوفياتي آنذاك؟
- كان لهذه الأصوات منفذ مباشر إلى وسائل الإعلام.
• يعني كانوا يؤثرون بشكل مباشر؟
- بالطبع، فقد كانوا يظهرون على شاشة التلفزيون باستمرار، ولم يكن لدينا سوى قناتين تلفزيونيتين او ثلاث آنذاك. وما قيل آنذاك عن ليبيا مثلا علق في الذاكرة.
• يعني استناداً إلى ما قلته الآن سيد ابوكوف ، نستنتج أن ما سمي آنذاك بــ«حرية الصحافة والتعبير» التي أعلنها غورباتشوف ألحقت خسائر بعلاقات الاتحاد السوفياتي مع البلدان التي كانت تربطه بها ليس شراكة استراتيجية وحسب بل ومنفعة اقتصادية كبيرة جداً فهل هذا صحيح؟
- هذا صحيح لهذا أريد أن أقول إن نقلي من الكويت إلى ليبيا كان مرتبطاً بالسفير السابق في ليبيا الذي كان قد استدعي إلى موسكو، ومن جهة أخرى ساعدت على مغادرتي الكويت تلك القوى التي لم تكن راضية آنذاك عن توسيع تعاوننا الاقتصادي مع الكويت، وبالتالي مع بلدان الخليج الأخرى، لأنه كان قد عمل في الكويت قبلي طوال 10 أعوام وحتى العام 1983 - نيكولاي سيكاتشوف، ولم يظهر في حينه أي تطور في العلاقات، وفجأة ظهرت هذه الآفاق المهمة في التعاون. بدا لي أن هذا كله لم يعجب هذه الأوساط في الاتحاد السوفياتي، ولهذا فإنها أيدت نقلي وتوقف كل شيء بعد ذلك.
• أي أن هذه الأوساط لم تتمكن بشكل عام من إثبات عدم وجود جدوى في هذه الصفقة مع الكويت، وأن الاتحاد السوفياتي ليس بحاجة إليها، وربما آنذاك بدأت هذه الأصوات بالاستماع إلى الأصوات التي كانت تأتي من وراء المحيط والتي كانت تهمس - كما يقال - في إحدى أذنيها قائلة: إياكم أن تقتربوا من هذه المنطقة.
- كما ذكرت، كان لدينا بعض السياسيين الموالين للغرب، أو بالأحرى أنصار تطوير علاقاتنا مع الغرب وخصوم تطوير علاقاتنا مع العرب. هم بطبيعة الحال كانوا مرتبطين بالغرب وكانوا يحصلون على بعض المعلومات اللازمة من هناك.
• هل تقصد على بعض التوصيات؟
- ربما كانوا على قناعة بأن العلاقات مع الغرب ستأتي بمنفعة بالنسبة للاتحاد السوفياتي أكبر من المنفعة المتأتية من العالم العربي، وربما كانوا بالفعل على قناعة حقيقية.
• بالمناسبة، كان من أهم أنصار هذه السياسة الكسندر ياكفليف الذي كان الجميع يسمونه بـ«الكاردينال الأغبر في حكومة غورباتشوف».
- نعم... نعم.
• كان قبل ذلك سفيراً لدى كندا فهل كان على اتصالات مع الأميركيين ومع الغرب بشكل عام.
- نعم، ولا ينفي أحد ذلك ولا توجد أدلة قاطعة ولكن لم ينف أحد ذلك. لكن لماذا كان من الضرورة نقلي من الكويت عندما كان واضحاً أن الاتحاد السوفياتي سيحصل على مبلغ قدره 10 مليارات دولار بشروط أقل من الفوائد العالمية بنحو 50 في المئة.
• هذا في الوقت الذي كان الاتحاد السوفياتي يفقد مليارات الدولارات نيتجة أسعار النفط المنخفضة، وكذلك خسر الاتحاد السوفياتي مليارات الدولارات بسبب فرض قانون منع الكحوليات. وعندما يفقد الاتحاد السوفياتي هذ الأموال الكبيرة، كان بإمكان هذا العقد (مع الكويت) أن يساعد في إنقاذ البروسترويكا والإصلاحات التي قام بها غورباتشوف آنذاك.
- أرى أن أشير إلى أنني إذا لم أكن على حق، فلماذا طويت بنقلي إلى ليبيا مسألة إيداع هذه المليارات الكويتية؟
بعد فترة من الوقت، وتحديداً في العام 1991 بعد استقالتي وعودتي من ليبيا، ذهبت إلى الكويت وزرت الأمير جابر الأحمد، وسألني آنذاك بابتسامة «أين مشروعنا يا ترى؟ لماذا لم يتحقق؟» لا أريد مناقشة هذا الموضوع بعد الآن، لكنني أريد أن أقول إن الكويتيين لم يتخلوا عن هذا المشروع آنذاك» أما الجانب السوفياتي فإنه أوقف كل الإجراءات لهذا ظهرت لدي شكوك، حسناً كان بإمكانهم نقلي من الكويت وتطوير العلاقات مع ليبيا وكي أحل محل السفير السابق. لكن كان بإمكانهم إرسال شخص آخر بدلاً عني ليكمل المحادثات، ولهذا فإنني توصلت إلى مثل هذا الاستنتاج، بأنه ليس لنا منطقة الخليج العربي خيار اقتصادي ولا حتى التعاون في مجال البترول مع هذه البلدان.
وقال أكوبوف في لقاء مع قناة «روسيا اليوم» التلفزيونية إنه عمل خلال فترة وجوده سفيرا في الكويت على فتح منافذ استثمار لبلاده من أموال الخليج، وفي الوقت نفسه فتح قنوات ديبلوماسية لدول الخليج إلى موسكو التي وجد أنها كانت «متنفسا لها من الضغوط الأميركية والبريطانية» منوها في هذا الإطار بدور أمير الكويت الراحل الشيخ جابر الاحمد (طيب الله ثراه) المحوري في تواصله مع دول الخليج، مشيرا إلى أن الراحل «ساعدنا على اقامة علاقات ديبلوماسية مع بلدان الخليج الاخرى، وقد زرت دولة الامارات العربية مرات عدة بمساعدة من امير الكويت والتقيت برئيس الدولة انذاك الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان واتفقنا ووقعنا اتفاقية حول افتتاح سفارتينا في كل من موسكو وابو ظبي».
وحول قضية المليارات العشرة التي كان يعمل على استثمارها في بلاده من صندوق الأجيال، ذكر أكوبوف أنه تحدث مع الأمير الراحل وسأله لماذا تضع الكويت «البيض كله في سلة أميركا»؟ شارحا لسموه الأمر بأن بلاده يمكن أن تستثمر في الأموال الكويتية ولكن بفائدة أقل من أميركا مع ضمان الاستمرارية، وهو الأمر الذي استحسنه الأمير الراحل، مستدركا بأنه عندما عرض الأمر على بلاده وأخذ موافقات المسؤولين، من رئيس الوزراء ورئيس بنك الدولة السوفياتية، جاءت الصدمة بوقوف اللوبي الموالي لإسرائيل ضد هذا التوجه بشكل خاص، وضد الانفتاح على دول الخليج بشكل عام، فحدث أنه بينما كان ينتظر موافقة السلطات العليا على المشروع للبدء فيه، جاءه استدعاء المسؤولين له ليخبروه بقرار نقله من الكويت إلى ليبيا. وفي ما يلي نص اللقاء مع السفير:
• في منتصف ثمانينات القرن الماضي، كنت سفيراً للاتحاد السوفياتي في الكويت. لو حدثتنا عما تميزت به هذه الفترة في ما يخص العلاقات الثنائية.
كانت الفترة ما بين العامين 1983 و،1986 وهي فترة التطور الأكثر فعالية في العلاقات بين الاتحاد السوفياتي والكويت. في هذه الفترة قام وفد برلماني من مجلس الامة، ووفد عسكري من الكويت بزيارة الى الاتحاد السوفياتي. وقد رافقت شخصياً وزير الدفاع الكويتي آنذاك خلال زيارته لبلدنا. فقد زار موسكو ولينيغراد وطشقند وسيفوستوبل وتبليسي. وكانت زيارة طويلة للغاية ووصل تعاوننا العسكري التقني مع الكويت الى مستوى جديد. كما زار الكويت في الوقت نفسه نائب وزير الدفاع السوفياتي آنذاك فلاديمير غوفيروف الذي حضر مناورات عسكرية واجرى مباحثات هناك، اي كانت الاتصالات مثمرة الى حد كبير.
وعلاوة على ذلك قام خبراء اقتصاديون سوفيات بزيارة الكويت في وفد مستقل، واستجمعت شجاعتي وتجرأت على توجيه سؤال جريء الى امير الكويت، احد ابرز رجال الدولة في العالم الاسلامي آنذاك واعتقد انه كان رجل دولة ذكي جداً الا وهو الشيخ جابر الاحمد، استجمعت شجاعتي وسألته: «يا سمو الامير، لماذا كما يقال تضعون البيض كله في سلة واحدة؟». فسألني: ماذا تقصد؟»، فأخذت اوضح له وكما تعرفون، كان قد تم في الكويت تأسيس صندوق الاجيال القادمة وكان يخصم لمصلحة هذا الصندوق 30 في المئة من الدخل القومي المتأتي من بيع النفط المحلي، لكن المسألة كانت تكمن ان كل اموال الصندوق - وكانت تقدر آنذاك بـ 95 ملياراً من الدولارات - كانت مودعة في بنوك الولايات المتحدة، فقلت للأمير: «إنكم تحتفظون بكل شيء في أميركا فلماذا لا تودعون الاموال في الاتحاد السوفياتي ايضا؟» فأجاب الأمير: «وماذا تقترح؟ لا مانع لدينا اذا كنتم ستدفعون لنا فوائد بنفس القدر، فنحن مستعدون لإيداع اموالنا لديكم ». كان متوسط فوائد الكويت من ايداع الاموال في البنوك الأميركية نحو 11 في المئة، فقلت ان الاتحاد السوفياتي بالطبع لا يستطيع تقديم فوائد قدرها 11 في المئة، ولكن من الممكن ان تكون لدينا خيارات اخرى، فمثلاً يعرض الاتحاد السوفياتي تقديم 5 في المئة من الفائدة مع الاخذ بعين الاعتبار ان هذه النسبة لن تتأثر بتقلبات سعر صرف الدولار الأميركي، اي ان الكويت ستحصل باستمرار على فوائد ثابتة قدرها 5 في المئة.
• وما المبلغ الذي عرضت ايداعه في البنوك السوفياتية؟
- عرضت ايداع 10 مليارات (دولار) في بنك الدولة السوفياتية الذي كان من شأنه ان يضمن كل شيء.
• وهل نسقت هذا الاقتراح مع موسكو؟
- سألني سموه: «هل يأتي هذا الاقتراح منك شخصياً ام ان موسكو تقترح ذلك؟» فاجابته: «بل أريد ان اعرف اولاً مدى امكانية تحقيق هذا الامر، وهل يوافق سموكم على ذلك»، فطلب الامير مهلة يومين للتفكير في العرض، وبعد يومين دعاني وطلب ان اعرف رأي موسكو بهذا الشأن.
• وهل وافق الامير؟
نعم وافق ووصلت الى موسكو وتوجهت حالاً الى وزير الخارجية انذاك ادوارد شيفرنادزه الذي كان قد بدأ عمله كوزير لتوه، وكان ذلك في العام 1985.
لم يأخذ شيفرنادزه على عاتقه مسؤولية هذه المسألة، لانه كما اعترف بذلك لم يكن مطلعاً اطلاعاً جيداً عليها، فاتصل خلال وجودي عنده برئيس مجلس الوزراء (آنذاك) نيكولاي ريشكوف وحدثه عن اقتراحي وطلب تحديد لقاء لبحث المسألة.
وافق ريشكوف على الفور وتوجهت في اليوم التالي اليه وتحدثت معه لاكثر من ساعة ونصف، فاستوضح ريشكوف عن كل شيء بالتفصيل وسأل عن الوضع الاقتصادي الكويتي وعبر عن ارتياحه باقتراحي كثيرا، واتصل حالاً برئيس بنك الدولة السوفياتية وسأله عن الفوائد التي يقدمها البنك وعن احتياجاتنا المالية، وكلف ريشكوف مساعده بكتابة مذكرة باملاء مني الى اللجنة المركزية للحزب وايصالها فوراً.
وأعددنا خلال ساعة كل الوثائق مع الاقتراحات الخاصة بالكويت، وبعد ذلك سألت ريشكوف «انا عائد الى الكويت قريبا، فما الذي يجب ان اقوله للأمير؟»، فأجاب ريشكوف: «قل اننا نرحب بخطوة الامير هذه ومستعدون لبحث هذه المسألة».
• على أعلى مستوى؟
- نعم، على اعلى مستوى وسألني ريشكوف ايضا عن الخطوات اللاحقة التي أقترحها. كنت ارى ان وفدا من الاتحاد السوفياتي يجب ان يتوجه الى الكويت كي يبحث هناك بالتفصيل مسألة شروط ايداع الاموال، وذكرته من جديد انني اتفقت على تحديد نسبة 5 في المئة واننا سننطلق من ذلك. وهكذا بدأ الجانب السوفياتي هذه العملية، وعدت انا الى الكويت حيث اكدت للجانب الكويتي انه تم الحصول على موافقة مبدئية، وفجأة تم خلال اجازتي استدعائي على وجه السرعة الى موسكو للالتقاء بادوارد شيفرنادزه.
استقبلني وزير الخارجية واخبرني بأنه جرى بحث مسألة تعييني سفيرا في ليبيا، فأصبت بصدمة وقلت: «كيف يمكن ذلك؟ اذ ان المسألة المتعلقة بالكويت لم تتم بعد».
• والموضوع فيه 10 مليارات دولار.
- 10 مليارات، لاسيما ان امير الكويت الشيخ جابر الاحمد كان قد اخبرني آنذاك بأنه مستعد للتوجه الى موسكو بنفسه والتوقيع على كل شيء، لكن شيفرنادزه قال لي انه تم ترتيب كل ما يتعلق بأمر تعييني (لدى ليبيا) لأن لدى الاتحاد السوفياتي مشاكل مع ليبيا.
• لان الامر لم يكن سيقتصر على هذه المسألة فقط، فلو رأت دول خليجية ان الكويتيين بدأوا بالتعاون مع السوفيات فقد كان من الممكن ان تحذو حذوهم.
- لقد كتبت عن ذلك في مقالاتي. فمثلا، خلال فترة عملي سفيرا في الكويت لم يكن امير الكويت اول من اقام علاقات ديبلوماسية مع الاتحاد السوفياتي بين دول الخليج فحسب، بل انه ساعدنا على اقامة علاقات ديبلوماسية مع بلدان الخليج الاخرى، وقد زرت دولة الامارات العربية - مرات عدة بمساعدة من امير الكويت والتقيت برئيس الدولة انذاك الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان واتفقنا ووقعنا اتفاقية حول افتتاح سفارتينا في كل من موسكو وابو ظبي.
• اي ان الكويت كانت بوابة للسوفيات إلى بقية بلدان منطقة الخليج.
- نعم، فلقد ساعدت الكويت على توسيع علاقاتنا ويبدو ان هذا كانت له فعلا اهميته، لاننا بدأنا بتطوير الاتصالات واكرر هنا اننا افتتحنا خلال فترة وجودي سفيرا لدى الكويت سفارة سوفياتية في الامارات العربية المتحدة، كما اتفقنا على التعاون مع السعوديين حيث بدأت هذه العملية عندما كنت لا ازال في الكويت، ثم استأنفنا العلاقات الديبلوماسية مع السعودية، كما تم خلال فترة عملي افتتاح سفارة سوفياتية في سلطنة عمان. اي انه جرت تطورات مهمة.
ومهما كانت الاقاويل والملابسات حول مغادرتي الكويت، الا انه كان قد وضع قبل مغادرتي اساس لعملية توسيع علاقتنا وتطويرها مع دول الخليج. ومن الواضح ان هذا كان يتفق مع مصالح هذه البلدان والاتحاد السوفياتي على السواء والسبب انه كانت دول الخليج (انذاك) تحت وطأة ضغوط من جانب الغرب وتحديدا من جانب البريطانيين والفرنسيين والاميركيين على حد سواء.
وعلى سبيل المثال، قال لي الكويتيون مرارا «نحن كالسندويش نتعرض إلى الضغوط من كل الجهات» لذا فإن اقامة العلاقات مع الاتحاد السوفياتي تتفق مع مصالح الكويتيين ايضا.
• كي تكون هناك امكانية للتوازن؟
- كي يتمكنوا من الحفاظ على التوازن والدفاع عن كرامتهم الوطنية.
• أود ان اسألك عن التعاون العسكري مع الكويت آنذاك. فقد سبق لي ان تحدثت مع الفريق ركن العراقي رعد مجيد الحمداني الذي كان من اهم من شاركوا في عملية غزو واحتلال الكويت، وقد حدثني عما اثار دهشة فصائل الحرس الجمهوري العراقي الطليعية التي دخلت الكويت (آنذاك)، وقال ان ما ادهشه هو في الواقع ان الكويتيين كانوا يمتلكون اسلحة سوفياتية الصنع.
- بالطبع، لاننا كنا نتعاون مع الكويتيين في هذا المجال.
• المحاور: وقال لي الفريق الحمداني انهم لم يتوقعوا ان وحداتهم التي دخلت الكويت ستُواجه بأسلحة سوفياتية
- الفريق الحمداني لم يكن يعرف، لكن سفير العراق الذي خدم آنذاك في الكويت خلال تلك الفترة كان يعرف كل شيء، فلقد بدأنا ذلك التعاون ولم نخفه. وعلى فكرة، الكويت ايدت العراق خلال الحرب الايرانية -العراقية، من جهة بصفته بلداً عربياً ومن جهة اخرى، لان الكويتيين كانوا يخافون من العراق لانه كان يكرر دائماً ان الكويت هي اصلاً محافظة عراقية.
• حسنا، وماذا حصل في نهاية المطاف في موضوع تطوير السلاح هل تحدثت مع الشيخ جابر ايضاً حول هذه المسألة؟
- ليس مع الشيخ جابر فلقد كنا نحل مثل هذه القضايا مع الشيخ سالم صباح السالم، فالشيخ جابر لم يكن يتدخل في هذه الامور وقد اهتم الشيخ سالم بهذه الامور، وخاصة بعد زيارته الى الاتحاد السوفياتي. وكان الكويتيون يشعرون بخطر في تلك الفترة سواء من جانب العراق أو من جانب إيران، وطالب العراقيون عموماً بان تشارك الكويت في تلك الحرب، بينما اتخذ الكويتيون موقفاً متزناً من دون التدخل ومن دون التصرف بتهوّر.
• قدّم الكويتيون أموالاً كبيرة كقروض.
- كانوا يريدون حماية انفسهم من إيران ايضا، وكانوا يدركون انهم لن يتمكنوا من الصمود اذا غزت ايران الكويت. وقد قال لي الشيخ سالم الصباح ذات مرة: «بلغ موسكو اننا نريد الحصول من الاتحاد السوفياتي على صواريخ متوسطة المدى». فسألته عن الغرض من وراء ذلك، فأجاب: «كي تتمكن صواريخنا من الوصول الى طهران»، فقلت له رداً على ذلك «ما الذي تقولونه يا سمو الشيخ؟ اننا نبني تعاوننا العسكري التقني مع بلدان العالم الثالث والعالم الثاني وفقاً للمبدأ الذي يكمن قبل كل شيء في اننا نعزز قدرة هذه البلدان الدفاعية ولا نقدم اي اسلحة هجومية لاحد».
• ولكن الاتحاد السوفياتي قام آنذاك بتوريد صواريخ سكود هجومية الى العراق.
- وقد قال لي (الشيخ سالم) ايضا ان لدى العراق مثل هذه الصواريخ.
• العراقيون طوروها بعد ذلك.
- قلت انني لا اعرف شيئاً عن ذلك الا انه كان مُصرّاً وقال: «لكننا نعرف».
• حصل ذلك بالفعل، وقد ساعد الالمان العراقيين في زيادة مدى تلك الصواريخ.
- حقا؟ انا لم اكن اعلم بأننا كنا قد اعطينا العراق صواريخ متوسطة المدى.
• اي انك لم تبلغ موسكو بهذا الطلب؟
- لا، لم اقم بابلاغها لانه لم يكن من المجدي القيام بانتهاك مبدأنا.
• لكن الكويتيين طلبوا منك ذلك بشكل جاد.
- طلبوا ان ابلغ موسكو لكنني اوضحت للشيخ سالم انه لا جدوى من ذلك، لان شيئا مماثلا كان قد حدث مع المصريين ايضا، اذ انني كنت قد عملت لفترة طويلة قائما بأعمال السفارة السوفياتية في مصر، واذكر كيف اتعبني انور السادات للغاية بمثل هذه الطلبات وكان يتحدث يوميا عن ذلك.
• حسنا، اذا لخصنا كل ما قلناه آنفا، فإنك ترى انه كان هناك العديد من الفرص الضائعة ليس مع الكويت وحسب بل ايضا في العلاقات الاستراتيجية في الاتجاهات الاخرى ايضا، بما في ذلك في مجال جعل الكويت بوابة للاتحاد السوفياتي إلى منطقة الخليج كلها، وقد اضيعت هذ الفرصة للمرة الثانية لان الفرصة الاولى كانت قد اضيعت في ثلاثينات القرن الماضي عندما تخلى الاتحاد السوفياتي عن منطقة الخليج بالكامل.
- هذا منطق شكلي، اذ اننا استفدنا من هذه الفرصة عمليا إلى وقت معين. اما عندما اردنا تطوير التعاون لاحقاً، فانهم لم يسمحوا لنا بذلك فحالما تعرضت مصالح الغرب والاميركيين للمساس، قاموا بهجوم فعال ضد مساعينا وأخذوا يعملون مع أوساط معينة في بلدنا وهي الأوساط التي اعتمدوا عليها وشرعوا في خلق العقبات. فهل فهمت ما هي المسألة؟ ولهذا فإننا لم ننجح في تحقيق ما خططنا له.
• هل ظن شيفرنادزه أن الأمر سيسير بشكل تلقائي؟
- نعم، ولم أجادله بطبيعة الحال، وانتهت المسألة.
• ولكن لماذا هذه العجلة في نقلك إلى ليبيا؟ يعني ما المشاكل المستجدة التي ظهرت هناك؟
- أعتقد بوجود سبب آخر، وهذه المسألة قابلة للجدل بطبيعة الحال، لكنني سأذكر شكوكي التي ظهرت لديّ آنذاك. فلقد بدا لي أن توقيع عقد مع الكويت لإيداع 10 مليارات دولار في البنك السوفياتي كان أمراً مهماً بالنسبة لبلادنا. والكلام- بالإضافة إلى إيداع هذا المبلغ - كان يدور حول توسيع تعاون الاتحاد السوفياتي مع الكويت مما كان سيؤدي إلى تعميق تغلغلنا في بلدان الخليج. أي ان هذا كان يعني توسيع علاقتنا مع شبه الجزيرة العربية التي لم تكن علاقاتنا في ذلك الوقت قوية ومتطورة. وأرى أنه كانت في الاتحاد السوفياتي في تلك الفترة أوساط سياسة معينة كانت ضد هذا التوسع وضد تطور العلاقات مع العالم العربي بشكل عام.
وبدأ يظهر عندهم لوبي قوي في الصحافة السوفياتية من أمثال الكسندر بوفين الذي أصبح في ما بعد سفيراً لدى إسرائيل.
• ولكن ماذا كان مدى تأثير هذه الأصوات كصوت بوفين وغيره، على الرأي العام في الاتحاد السوفياتي آنذاك؟
- كان لهذه الأصوات منفذ مباشر إلى وسائل الإعلام.
• يعني كانوا يؤثرون بشكل مباشر؟
- بالطبع، فقد كانوا يظهرون على شاشة التلفزيون باستمرار، ولم يكن لدينا سوى قناتين تلفزيونيتين او ثلاث آنذاك. وما قيل آنذاك عن ليبيا مثلا علق في الذاكرة.
• يعني استناداً إلى ما قلته الآن سيد ابوكوف ، نستنتج أن ما سمي آنذاك بــ«حرية الصحافة والتعبير» التي أعلنها غورباتشوف ألحقت خسائر بعلاقات الاتحاد السوفياتي مع البلدان التي كانت تربطه بها ليس شراكة استراتيجية وحسب بل ومنفعة اقتصادية كبيرة جداً فهل هذا صحيح؟
- هذا صحيح لهذا أريد أن أقول إن نقلي من الكويت إلى ليبيا كان مرتبطاً بالسفير السابق في ليبيا الذي كان قد استدعي إلى موسكو، ومن جهة أخرى ساعدت على مغادرتي الكويت تلك القوى التي لم تكن راضية آنذاك عن توسيع تعاوننا الاقتصادي مع الكويت، وبالتالي مع بلدان الخليج الأخرى، لأنه كان قد عمل في الكويت قبلي طوال 10 أعوام وحتى العام 1983 - نيكولاي سيكاتشوف، ولم يظهر في حينه أي تطور في العلاقات، وفجأة ظهرت هذه الآفاق المهمة في التعاون. بدا لي أن هذا كله لم يعجب هذه الأوساط في الاتحاد السوفياتي، ولهذا فإنها أيدت نقلي وتوقف كل شيء بعد ذلك.
• أي أن هذه الأوساط لم تتمكن بشكل عام من إثبات عدم وجود جدوى في هذه الصفقة مع الكويت، وأن الاتحاد السوفياتي ليس بحاجة إليها، وربما آنذاك بدأت هذه الأصوات بالاستماع إلى الأصوات التي كانت تأتي من وراء المحيط والتي كانت تهمس - كما يقال - في إحدى أذنيها قائلة: إياكم أن تقتربوا من هذه المنطقة.
- كما ذكرت، كان لدينا بعض السياسيين الموالين للغرب، أو بالأحرى أنصار تطوير علاقاتنا مع الغرب وخصوم تطوير علاقاتنا مع العرب. هم بطبيعة الحال كانوا مرتبطين بالغرب وكانوا يحصلون على بعض المعلومات اللازمة من هناك.
• هل تقصد على بعض التوصيات؟
- ربما كانوا على قناعة بأن العلاقات مع الغرب ستأتي بمنفعة بالنسبة للاتحاد السوفياتي أكبر من المنفعة المتأتية من العالم العربي، وربما كانوا بالفعل على قناعة حقيقية.
• بالمناسبة، كان من أهم أنصار هذه السياسة الكسندر ياكفليف الذي كان الجميع يسمونه بـ«الكاردينال الأغبر في حكومة غورباتشوف».
- نعم... نعم.
• كان قبل ذلك سفيراً لدى كندا فهل كان على اتصالات مع الأميركيين ومع الغرب بشكل عام.
- نعم، ولا ينفي أحد ذلك ولا توجد أدلة قاطعة ولكن لم ينف أحد ذلك. لكن لماذا كان من الضرورة نقلي من الكويت عندما كان واضحاً أن الاتحاد السوفياتي سيحصل على مبلغ قدره 10 مليارات دولار بشروط أقل من الفوائد العالمية بنحو 50 في المئة.
• هذا في الوقت الذي كان الاتحاد السوفياتي يفقد مليارات الدولارات نيتجة أسعار النفط المنخفضة، وكذلك خسر الاتحاد السوفياتي مليارات الدولارات بسبب فرض قانون منع الكحوليات. وعندما يفقد الاتحاد السوفياتي هذ الأموال الكبيرة، كان بإمكان هذا العقد (مع الكويت) أن يساعد في إنقاذ البروسترويكا والإصلاحات التي قام بها غورباتشوف آنذاك.
- أرى أن أشير إلى أنني إذا لم أكن على حق، فلماذا طويت بنقلي إلى ليبيا مسألة إيداع هذه المليارات الكويتية؟
بعد فترة من الوقت، وتحديداً في العام 1991 بعد استقالتي وعودتي من ليبيا، ذهبت إلى الكويت وزرت الأمير جابر الأحمد، وسألني آنذاك بابتسامة «أين مشروعنا يا ترى؟ لماذا لم يتحقق؟» لا أريد مناقشة هذا الموضوع بعد الآن، لكنني أريد أن أقول إن الكويتيين لم يتخلوا عن هذا المشروع آنذاك» أما الجانب السوفياتي فإنه أوقف كل الإجراءات لهذا ظهرت لدي شكوك، حسناً كان بإمكانهم نقلي من الكويت وتطوير العلاقات مع ليبيا وكي أحل محل السفير السابق. لكن كان بإمكانهم إرسال شخص آخر بدلاً عني ليكمل المحادثات، ولهذا فإنني توصلت إلى مثل هذا الاستنتاج، بأنه ليس لنا منطقة الخليج العربي خيار اقتصادي ولا حتى التعاون في مجال البترول مع هذه البلدان.