الروائي المصري... صاحب «الحريم» يرى أن نجاح ما يكتبه لا يعنيه
حوار / حمدي الجزار لـ «الراي»:حين أكتب أكون وحيداً
حمدي الجزار
غلاف الرواية
قال الروائي المصري حمدي الجزار، إن نجاح ما يكتبه في رواياته لا يتوقف عنده كثيرا.
مضيفا، في حوار مع «الراي»، إنه عند الإبداع، إذا فكر صاحب الفكرة أو الفن في شيء آخر، فإنه قد يفسده، أو يشوهه.
الجزار، أشار إلى أنه حريص في كتابته على رصد وتتبع التفاصيل الصغيرة لشخصياته باحثا عما وراءها من تاريخ وحكايات وعوالم مدهشة.
لافتا إلى أن هذا يظهر في هذا الولع بالتفاصيل الصغيرة وبالعوالم المنسية بوضوح في رواية «الحريم»، التي تدور أحداثها في المنطقة المحيطة بمسجد أحمد بن طولون، وهي أحد الأحياء الشعبية بالقاهرة مسرحا لأحداثها في الفترة ما بين سبعينيات القرن الماضي وصولا لبداية الألفية الجديدة.
الجزار، قال إنه رصد ما حدث للحي وسكانه عبر هذه العقود من تغيرات من خلال شخصية «سيد» بطل الرواية الذي تدور حياته خلال هذه السنوات في فلك ثماني عشرة امرأة، أفرد الكاتب لكل امرأة منهن فصلا خاصا.
وكان هذا نص ما دار معه من حوار:
? لماذا اخترت فترة السبعينيات تحديدا لتكون متكأ لبداية أحداثك، وهل هذا مرتبط بكون هذه الفترة هي فترة طفولتك؟
- نعم، هناك ارتباط بين اختياري بداية أحداث الرواية في بدايات السبعينيات ونهايتها في العام 2000، فقد ولدت العام 1970، وكنت طفلاً مثل سيد فرج تمامًا حين بدأت الرواية وكنت في الثلاثين حين انتهت.
فبطريقة أو بأخري أحب أن أكون قريبًا مما عشت فيما أكتب، ربما حتى أقتنع أنا شخصيًا بواقعية خيالي الروائي، حياتي مصدر أساسي من مصادر أعمالي، لكنها بالقدر نفسه الذي لشخص صادفته مرة، ولم نتحدث قط، لكنه أهداني إيحاء بشخصية ما في عمل ما، أنا لا أكتب سيرتي الذاتية في رواياتي، أكتب روايات يعنيها صدق الفن لا صدق الوقائع. بعض طفولتي موجود في حياة «سيد فرج»، لكنه شخص منفصل عني في ذات الوقت، له حياته الروائية المصنوعة من الكلمات، من الفن.
? هناك نزعة صوفية في العمل، هل هذا مرتبط بالبيئة التي كتبت فيها العمل ؟
- نعم، هناك نزعة صوفية في العمل، تبدو بوضوح في حلقات الإنشاد بمولد السيدة سكينة وفصل «حُسن» تحديدًا، والتي يرد على لسانها شعر مأخوذ من كتابي «كتاب السطور الأربعة»، وكذلك على لسان الشيخ النقشبندي. ثمة حضور للتصوف، بشكل أو بآخر في شخصية «روحية» و«شعبان المجذوب»، وبشكل خفي ثمة روح صوفية في بحث سيد فرج عن الحب الكامل.
? منطقة أحمد بن طولون تشبه كثيرا الأحياء الشعبية التي تعد عوالم أثيرة للأديب الكبير نجيب محفوظ ومعظم الأدباء الذين رصدوا هذه العوالم لم تحقق أعمالهم أي نجاح يذكر مقارنة بأعمال نجيب كيف تعاملت مع هذا الأمر ؟
- منطقة بن طولون ليست قريبة على الإطلاق من حي «الجمالية» الذي كانت تدور فيه معظم أعمال نجيب محفوظ.
بن طولون جزء من السيدة زينب والخليفة ولو أنصفنا لقلنا إنها أقرب إلى المكان الذي وصفه يحي حقي في «قنديل أم هاشم». على كل حال طولون في الرواية هي طولون الكاتب، كما رآها الروائي وليست طولون الحقيقية التي يعرفها سكانها، هي المكان الفريد الموصوف في الرواية، واخترتها لحبي لها كمكان ثري ولم أفكر على الإطلاق في المشابهة بين مكاني الروائي، والمكان في بعض روايات نجيب محفوظ، هذا خارج حسابي الإبداعي بنفس القدر الذي أريده لعملي أن يكون أصيلا، ومعبرًا عن صوتي وفني الخاص.
وفيما يخص النجاح، حين أكتب لا يعنيني أبدًا نجاح ما أكتبه فيما بعد، ما يعنيني ويستغرقني هو فنية ما أكتب وتحقيقه لخيالي الروائي، واكتماله كفن.
? لماذا قررت أن يكون اسم الرواية «الحريم» رغم أن هناك رواية عالمية تحمل هذا الاسم وهل تدخل الناشر في المسمى ؟
- حين انتهيت من الرواية ونشرتها بعنوان «الحَرِيمُ»، وهي الكلمة العربية الفصيحة، ذات المعاني المتعددة، لم أكن أعرف أن هناك رواية عالمية-وبالتالي مترجمة، وعنوانها ترجمة لكلمة أجنبية- تحمل هذا الاسم، وحتى إن صح وجودها، وكنت قد علمت به قبل النشر، لم أكن لأغير عنواني، لأنني أرى أن عنوان الرواية هو عتبتها الأولى، ومفتاح بابها، وثمة علاقة عضوية بين «الحَرِيم» وبين فصول العمل.
لا يمكنني تخيل هذه الرواية باسم آخر! ولهذا، كله، أبرزت تشكيل عنوان الرواية «الحَرِيمُ» على الغلاف وفي الصفحة الأولى، حتى أؤكد أن عنوان الرواية هو الكلمة العربية الفصيحة «الحَرِيمُ».
وإذا أنت اكتفيت بنطق الكلمة وفهمها على أنها عامية مصرية فستأتي إلى ذهنك دلالات محدودة وسلبية، وليست المعاني والدلالات التي تشير إليها الكلمة الفصيحة، في معاجم العربية.
وسنلاحظ أيضًا أن كلمة «الحَرِيمُ» ليست مرادفًا لكلمة النساء أو النسوة أو النسوان، وهي كلمات فصيحة كلها، وأنها تصاحب كلمة «حَرَم» غالبًا. وما إطلاق كلمة «الحَرِيمُ» على النساء إلا على سبيل التعدي أو الكناية أو الاستعارة.
والإشارة بهذه المفردة للمرأة فيه تكريم وتشريف، ولا تقليل فيه من شأن النساء على الإطلاق، وإنما استخدامها في العصر العثماني ألقى عليها ظلالا سلبية. وفي المناطق الشعبية والصعيد تستخدم الكلمة بلا دلالات سلبية، والصفة «حريمي» ليس فيها ما يشين الملابس في المتاجر مثلاً، وكما ترى «الحَرِيم» تعني الشريك والصديق أيضًا، كما أنها تشير إلى المكان ذي الحرمة كالحرم المكي، والحرم الجامعي، والمكان الذي يجب الدفاع عنه ضد منتهكيه، فهي مفردة ثرية في رأي. وأنا أستعملها كعنوان لروايتي بكل هذه المعاني مجتمعة!.
? بناء الرواية يبدو كممتالية قصصية، كل فصل منفصل ومتصل في ذات الوقت مع غيره من الفصول هل كنت تخطط منذ اللحظة الأولى لتخرج الرواية بهذا الشكل؟
- نعم، عادة يكون لديّ شكل فني مبدئي للرواية قبل الشروع في كتابتها، وهو هنا في «الحَرِيم»، بتبسيط شديد، رواية من فصول معنونة، كل فصل يحمل اسم امرأة، ويكون مستقلا إلى حد ما، ومرتبطا في ذات الوقت.
أمواج متتابعة تخلق بحرًا. أثناء الكتابة تغير وتطور الشكل الأول إذا حدث أن الأم احتلت ثلاثة فصول، وخرقت الشكل الأولي وصار شكلا آخر.
فالبنية الفنية تتشكل خلال الكتابة نفسها عندي، ليست سابقة ولا معدة سلفًا، فقط الشكل العام الذي بذهني لحظة الكتابة، ربما أحافظ عليه أو أغيره، هذا ما أعرفه خلال الكتابة نفسها التي قد تمتد لسنوات، الكتابة بالنسبة لي شيء يحدث أثناء الكتابة نفسها. تنزل البحر وأنت مستعد للسباحة لكنك لا تعرف الأمواج والرياح والأمطار والأخطار التي قد تواجهها، وستحاول السباحة للوصول إلى نقطة النهاية، وهي آخر كلمة بالعمل.
وفي هذه الرحلة تحدث أشياء كثيرة لا دال عليها سوى العمل نفسه الذي انتهيت منه وصار كائنًا محسوسًا، قابلا للقراءة والتأمل.
? أشرت للتغيرات التي لحقت المجتمع وكيف تسلع كل شيء وأصبح بلا قيمة وفقد روحه هل ترى أن العولمة والحداثة أفسدتا حياتنا ؟
- هذا موضوع فكري مهم، وإن كنت ترى أن الرواية عبرت عن هذه الموضوع الفكري فهذا جيد، إلا أن الفن يعبر من خلال أدواته الفنية وليس من خلال الأفكار النظرية، وهذا ما أفعله في عملي، أنت قرأت على هذا النحو الفكري وأنا صنعت التجسيد الروائي الذي أوحى إليك بالفكرة. أما رأيي ككاتب في مسألة التسليع والعولمة والحداثة فهو موجود في أعمالي كلها، ولا أريد اختزاله بعبارة فكرية، لأن رؤيتي هناك، هي رؤية الفنان وليس المفكر، وأنا أريد أن أحتفظ بميزتي ولا أريد أن أنزلق للمفاهيم الفكرية.
? في معظم أعمالك علاقة الأنا بالآخر حاضرة خصوصا علاقة الرجل الشرقي بالفتاة الغربية..كيف ترى هذه الثنائية، وهل التأكيد عليها في أكثر من عمل يشير مرتبط بمرورك بتجارب مماثلة؟
- نعم ثمة حضور لهذه العلاقة لأنها علاقة مهمة وثرية ودالة، ولا يمكن تجنبها في حالة مصر بالذات، وفي ظل المكان والعولمة وثورة الاتصالات، نحن جزء من عالم كبير صار قرية صغيرة، وصلتنا بالغرب على وجه خاص جوهرية لهذا تظهر في أعمالي، كما خضتها في حياتي كإنسان وككاتب.
? كيف تلقيت ردود أفعال القراء الأجانب بعد ترجمة أعمالك السابقة؟
- أتيح لي أن أرى أعمالي في أميركا وأوروبا، وقرأت منها في مهرجات دولية عدة، وسعدت كثيرا بلقاء قرائي في الإنكليزية على نحو خاص.
? هل القارئ الأجنبي ومستوى تلقيه يكون حاضرا ضمن اهتماماتك وأنت تكتب ؟
- ولا حتى القارئ المصري والعربي، حين أكتب أكون وحيدًا، وحدة مطلقة، وليس لديّ من مُعِين سوى تصفية الذات الكاتبة، والحفر فيها عن جوهر إبداعيتها، أكون فردًا متوحدًا، شخصًا يحاول أن ينسجم مع منبع الإبداع ومصدره، ولا يعنيه أرضي عمله هذا قارئًا أو أغضبه، أعجبه أم لم يعجبه. والتفكير في غير الفن أثناء الفن يفسده ويشوهه، والتفكير بأنك تصنع سلعة من أجل مشترٍ وسوق وشهرة هو خراب الفنان والفن.
مضيفا، في حوار مع «الراي»، إنه عند الإبداع، إذا فكر صاحب الفكرة أو الفن في شيء آخر، فإنه قد يفسده، أو يشوهه.
الجزار، أشار إلى أنه حريص في كتابته على رصد وتتبع التفاصيل الصغيرة لشخصياته باحثا عما وراءها من تاريخ وحكايات وعوالم مدهشة.
لافتا إلى أن هذا يظهر في هذا الولع بالتفاصيل الصغيرة وبالعوالم المنسية بوضوح في رواية «الحريم»، التي تدور أحداثها في المنطقة المحيطة بمسجد أحمد بن طولون، وهي أحد الأحياء الشعبية بالقاهرة مسرحا لأحداثها في الفترة ما بين سبعينيات القرن الماضي وصولا لبداية الألفية الجديدة.
الجزار، قال إنه رصد ما حدث للحي وسكانه عبر هذه العقود من تغيرات من خلال شخصية «سيد» بطل الرواية الذي تدور حياته خلال هذه السنوات في فلك ثماني عشرة امرأة، أفرد الكاتب لكل امرأة منهن فصلا خاصا.
وكان هذا نص ما دار معه من حوار:
? لماذا اخترت فترة السبعينيات تحديدا لتكون متكأ لبداية أحداثك، وهل هذا مرتبط بكون هذه الفترة هي فترة طفولتك؟
- نعم، هناك ارتباط بين اختياري بداية أحداث الرواية في بدايات السبعينيات ونهايتها في العام 2000، فقد ولدت العام 1970، وكنت طفلاً مثل سيد فرج تمامًا حين بدأت الرواية وكنت في الثلاثين حين انتهت.
فبطريقة أو بأخري أحب أن أكون قريبًا مما عشت فيما أكتب، ربما حتى أقتنع أنا شخصيًا بواقعية خيالي الروائي، حياتي مصدر أساسي من مصادر أعمالي، لكنها بالقدر نفسه الذي لشخص صادفته مرة، ولم نتحدث قط، لكنه أهداني إيحاء بشخصية ما في عمل ما، أنا لا أكتب سيرتي الذاتية في رواياتي، أكتب روايات يعنيها صدق الفن لا صدق الوقائع. بعض طفولتي موجود في حياة «سيد فرج»، لكنه شخص منفصل عني في ذات الوقت، له حياته الروائية المصنوعة من الكلمات، من الفن.
? هناك نزعة صوفية في العمل، هل هذا مرتبط بالبيئة التي كتبت فيها العمل ؟
- نعم، هناك نزعة صوفية في العمل، تبدو بوضوح في حلقات الإنشاد بمولد السيدة سكينة وفصل «حُسن» تحديدًا، والتي يرد على لسانها شعر مأخوذ من كتابي «كتاب السطور الأربعة»، وكذلك على لسان الشيخ النقشبندي. ثمة حضور للتصوف، بشكل أو بآخر في شخصية «روحية» و«شعبان المجذوب»، وبشكل خفي ثمة روح صوفية في بحث سيد فرج عن الحب الكامل.
? منطقة أحمد بن طولون تشبه كثيرا الأحياء الشعبية التي تعد عوالم أثيرة للأديب الكبير نجيب محفوظ ومعظم الأدباء الذين رصدوا هذه العوالم لم تحقق أعمالهم أي نجاح يذكر مقارنة بأعمال نجيب كيف تعاملت مع هذا الأمر ؟
- منطقة بن طولون ليست قريبة على الإطلاق من حي «الجمالية» الذي كانت تدور فيه معظم أعمال نجيب محفوظ.
بن طولون جزء من السيدة زينب والخليفة ولو أنصفنا لقلنا إنها أقرب إلى المكان الذي وصفه يحي حقي في «قنديل أم هاشم». على كل حال طولون في الرواية هي طولون الكاتب، كما رآها الروائي وليست طولون الحقيقية التي يعرفها سكانها، هي المكان الفريد الموصوف في الرواية، واخترتها لحبي لها كمكان ثري ولم أفكر على الإطلاق في المشابهة بين مكاني الروائي، والمكان في بعض روايات نجيب محفوظ، هذا خارج حسابي الإبداعي بنفس القدر الذي أريده لعملي أن يكون أصيلا، ومعبرًا عن صوتي وفني الخاص.
وفيما يخص النجاح، حين أكتب لا يعنيني أبدًا نجاح ما أكتبه فيما بعد، ما يعنيني ويستغرقني هو فنية ما أكتب وتحقيقه لخيالي الروائي، واكتماله كفن.
? لماذا قررت أن يكون اسم الرواية «الحريم» رغم أن هناك رواية عالمية تحمل هذا الاسم وهل تدخل الناشر في المسمى ؟
- حين انتهيت من الرواية ونشرتها بعنوان «الحَرِيمُ»، وهي الكلمة العربية الفصيحة، ذات المعاني المتعددة، لم أكن أعرف أن هناك رواية عالمية-وبالتالي مترجمة، وعنوانها ترجمة لكلمة أجنبية- تحمل هذا الاسم، وحتى إن صح وجودها، وكنت قد علمت به قبل النشر، لم أكن لأغير عنواني، لأنني أرى أن عنوان الرواية هو عتبتها الأولى، ومفتاح بابها، وثمة علاقة عضوية بين «الحَرِيم» وبين فصول العمل.
لا يمكنني تخيل هذه الرواية باسم آخر! ولهذا، كله، أبرزت تشكيل عنوان الرواية «الحَرِيمُ» على الغلاف وفي الصفحة الأولى، حتى أؤكد أن عنوان الرواية هو الكلمة العربية الفصيحة «الحَرِيمُ».
وإذا أنت اكتفيت بنطق الكلمة وفهمها على أنها عامية مصرية فستأتي إلى ذهنك دلالات محدودة وسلبية، وليست المعاني والدلالات التي تشير إليها الكلمة الفصيحة، في معاجم العربية.
وسنلاحظ أيضًا أن كلمة «الحَرِيمُ» ليست مرادفًا لكلمة النساء أو النسوة أو النسوان، وهي كلمات فصيحة كلها، وأنها تصاحب كلمة «حَرَم» غالبًا. وما إطلاق كلمة «الحَرِيمُ» على النساء إلا على سبيل التعدي أو الكناية أو الاستعارة.
والإشارة بهذه المفردة للمرأة فيه تكريم وتشريف، ولا تقليل فيه من شأن النساء على الإطلاق، وإنما استخدامها في العصر العثماني ألقى عليها ظلالا سلبية. وفي المناطق الشعبية والصعيد تستخدم الكلمة بلا دلالات سلبية، والصفة «حريمي» ليس فيها ما يشين الملابس في المتاجر مثلاً، وكما ترى «الحَرِيم» تعني الشريك والصديق أيضًا، كما أنها تشير إلى المكان ذي الحرمة كالحرم المكي، والحرم الجامعي، والمكان الذي يجب الدفاع عنه ضد منتهكيه، فهي مفردة ثرية في رأي. وأنا أستعملها كعنوان لروايتي بكل هذه المعاني مجتمعة!.
? بناء الرواية يبدو كممتالية قصصية، كل فصل منفصل ومتصل في ذات الوقت مع غيره من الفصول هل كنت تخطط منذ اللحظة الأولى لتخرج الرواية بهذا الشكل؟
- نعم، عادة يكون لديّ شكل فني مبدئي للرواية قبل الشروع في كتابتها، وهو هنا في «الحَرِيم»، بتبسيط شديد، رواية من فصول معنونة، كل فصل يحمل اسم امرأة، ويكون مستقلا إلى حد ما، ومرتبطا في ذات الوقت.
أمواج متتابعة تخلق بحرًا. أثناء الكتابة تغير وتطور الشكل الأول إذا حدث أن الأم احتلت ثلاثة فصول، وخرقت الشكل الأولي وصار شكلا آخر.
فالبنية الفنية تتشكل خلال الكتابة نفسها عندي، ليست سابقة ولا معدة سلفًا، فقط الشكل العام الذي بذهني لحظة الكتابة، ربما أحافظ عليه أو أغيره، هذا ما أعرفه خلال الكتابة نفسها التي قد تمتد لسنوات، الكتابة بالنسبة لي شيء يحدث أثناء الكتابة نفسها. تنزل البحر وأنت مستعد للسباحة لكنك لا تعرف الأمواج والرياح والأمطار والأخطار التي قد تواجهها، وستحاول السباحة للوصول إلى نقطة النهاية، وهي آخر كلمة بالعمل.
وفي هذه الرحلة تحدث أشياء كثيرة لا دال عليها سوى العمل نفسه الذي انتهيت منه وصار كائنًا محسوسًا، قابلا للقراءة والتأمل.
? أشرت للتغيرات التي لحقت المجتمع وكيف تسلع كل شيء وأصبح بلا قيمة وفقد روحه هل ترى أن العولمة والحداثة أفسدتا حياتنا ؟
- هذا موضوع فكري مهم، وإن كنت ترى أن الرواية عبرت عن هذه الموضوع الفكري فهذا جيد، إلا أن الفن يعبر من خلال أدواته الفنية وليس من خلال الأفكار النظرية، وهذا ما أفعله في عملي، أنت قرأت على هذا النحو الفكري وأنا صنعت التجسيد الروائي الذي أوحى إليك بالفكرة. أما رأيي ككاتب في مسألة التسليع والعولمة والحداثة فهو موجود في أعمالي كلها، ولا أريد اختزاله بعبارة فكرية، لأن رؤيتي هناك، هي رؤية الفنان وليس المفكر، وأنا أريد أن أحتفظ بميزتي ولا أريد أن أنزلق للمفاهيم الفكرية.
? في معظم أعمالك علاقة الأنا بالآخر حاضرة خصوصا علاقة الرجل الشرقي بالفتاة الغربية..كيف ترى هذه الثنائية، وهل التأكيد عليها في أكثر من عمل يشير مرتبط بمرورك بتجارب مماثلة؟
- نعم ثمة حضور لهذه العلاقة لأنها علاقة مهمة وثرية ودالة، ولا يمكن تجنبها في حالة مصر بالذات، وفي ظل المكان والعولمة وثورة الاتصالات، نحن جزء من عالم كبير صار قرية صغيرة، وصلتنا بالغرب على وجه خاص جوهرية لهذا تظهر في أعمالي، كما خضتها في حياتي كإنسان وككاتب.
? كيف تلقيت ردود أفعال القراء الأجانب بعد ترجمة أعمالك السابقة؟
- أتيح لي أن أرى أعمالي في أميركا وأوروبا، وقرأت منها في مهرجات دولية عدة، وسعدت كثيرا بلقاء قرائي في الإنكليزية على نحو خاص.
? هل القارئ الأجنبي ومستوى تلقيه يكون حاضرا ضمن اهتماماتك وأنت تكتب ؟
- ولا حتى القارئ المصري والعربي، حين أكتب أكون وحيدًا، وحدة مطلقة، وليس لديّ من مُعِين سوى تصفية الذات الكاتبة، والحفر فيها عن جوهر إبداعيتها، أكون فردًا متوحدًا، شخصًا يحاول أن ينسجم مع منبع الإبداع ومصدره، ولا يعنيه أرضي عمله هذا قارئًا أو أغضبه، أعجبه أم لم يعجبه. والتفكير في غير الفن أثناء الفن يفسده ويشوهه، والتفكير بأنك تصنع سلعة من أجل مشترٍ وسوق وشهرة هو خراب الفنان والفن.