عرض التلفزيون الأميركي قبل سنوات حفلة للمغني الشهير «مايكل جاكسون»، فكان اذا اشار بيده على بعض المحتشدين، لاسيما النساء سقطت مجموعة منهن مغشيات على الأرض، ثم قام منظمو الحفل بنقلهن واسعافهن.
وقبلها افتتن الناس بمطرب البوب الشهير «ألفيس برسلي» وقيل بأن عدداً من المعجبين فيه قد انتحروا بعد موته، كما سمعنا نفس الكلام عن المغني عبدالحليم حافظ بعد موته.
قصة الهيجان الجماعي الذي ينتاب المجتمعات في العالم بسبب التأثر بشخصية معينة - حتى الشخصيات الدينية - هي قصة مألوفة وقديمة وتتطلب تفسيراً من علماء النفس وعلماء التربية، وقد قص علينا القرآن الكريم قصة «السامري» الذي استغل غياب موسى عليه السلام لمناجاة ربه فقام بجمع الذهب من بني اسرائيل وصهره، ثم أقام لهم عجلاً من ذهب إذا مرت الريح من جنباته يصدر اصواتا، فما كان من بني اسرائيل الا ان عبدوا ذلك العجل الذي جمعوا ذهبهم لصناعته، وتعلقت قلوبهم به إلى ان وصف الله تعالى ذلك بقوله «واشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم» أي كأن ذلك الحب والعبادة قد تشرّب إلى قلوبهم وأسرها بالكامل، فما كان من موسى عليه السلام الا ان احرقه ثم نسفه في اليم ليقطع دابر عبادته.
تعجبت كما تعجب الكثيرون من افتتان كثير من الشباب بمسلسل نور التركي ومتابعة أبطاله والتأثر بهم إلى درجة ان اصبح هذا المسلسل حديث المجالس وسمر الشباب، وقد حار الكثيرون في محاولة تفسير تلك الظاهرة، فمنهم من قال بأن السبب هو ان الناس قد تعودوا من الأتراك الجفوة والجدية، وهذا المسلسل العاطفي يعتبر استثناء، ومنهم من قال بأن الأفلام والمسلسلات التي تحكي قصة حب بين رجل وامرأة هي اكبر مصدر إلهام للشباب ومتعة لهم، آخرون قالوا بأن اشكال الممثلين وأبطال القصة لها دور كبير. ولكن مهما تتعدد التفاسير حول سر ذلك المسلسل فإن السبب الرئيسي هو ان كثيراً من شبابنا يعيش في فراغ روحي وعاطفي، لذا فإنه يتعلق بأي شيء يملأ عليه ذلك الفراغ حتى وإن كان قصة تافهة او مسلسل غير واقعي، او تمجيد للعادات الدخيلة ومحاربة العفة مثل ان يفرح أحد شخصيات المسلسل لحمل اخته دون زواج، وطغيان العادات الغربية في بلاد المسلمين، وقد سمعنا عن شباب في الدواوين يهيمون بحب مغنية او ممثلة جميلة إلى ان تصبح معشوقتهم التي لايستطيعون مفارقتها وقد يرتكبون اموراً عجيبة بسبب حبهم وهيامهم بها.
يقول شيخ الاسلام ابن قيم الجوزية: «فإن عشق الصور المحرمة نوع تعبد لها، بل هو من أعلى انواع التعبد، ولاسيما اذا استولى على القلب وتمكن منه صار تتيماً، والتتيم: التعبد، فيصير العاشق عابداً لمعشوقه، وكثيراً ما يغلب حبه وذكره والشوق اليه، والسعي في مرضاته وايثار محابه على حب الله وذكره والسعي في مرضاته، بل كثيراً ما يذهب ذلك من قلب العاشق بالكلية، ويصير متعلقاً بمعشوقه من الصور، كما هو مشاهد، فيصير المعشوق هو إلهه من دون الله».
د. وائل الحساوي
[email protected]