لم يكن افتتاح «استاد جابر» في الكويت مجرّد احتفال أو حدث كبير. لم يكن إعلاناً عن تطوير المنشآت الرياضية كي تليق بسمعة الكويت التاريخية في هذا المجال. كذلك، لم يكن مناسبة للفرح والتجمّع والاستماع إلى أوبريت جميل والتمتع به، ومشاهدة مباراة بين نجوم الكويت ونجوم العالم.
كان الحدث أكبر من ذلك بكثير. لا مبالغة إذا قلنا إن الحدث كان بمثابة تجديد للبيعة الشعبية لأمير الدولة الشيخ صُباح الأحمد الذي وقف نحو ستين ألف شخص في الملعب يحيّونه وهو يلوّح بيده لهم ويهتفون بصوت واحد: «يا كويت عزّك عزّنا».
القصة أكبر من قصّة رياضة على أهميّة ذلك القطاع في دولة مثل الكويت. القصة قصة تغيير في النهج الحكومي في اتجاه اتخاذ قرارات جذرية، هي أبعد ما تكون عن القرارات ذات الطابع التجميلي، لمواجهة «خاطفي الرياضة» في الداخل والساعين إلى السلطة لو احترقت البلد، لا المراحل فقط.
ليس صدفة على الإطلاق أن من خرّب الملفّ الرياضي الكويتي كان يريد أيضاً تخريب الملفّ السياسي عبر ما عُرف بـ«شرائط الفتنة» التي مسّت رموزاً في الدولة بينها الراحل الكبير جاسم الخرافي.
كان ملفتا أنّ افتتاح «استاد جابر» لم يسلم حتّى من أذى المجموعة الخاطفة للرياضة والطامحة إلى السلطة. جرى تحريض للجنة الأولمبية الدولية وللاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) بشكل يومي لمنع بعض نجوم العالم والحكّام الدوليين المعروفين من الحضور، كان هناك نجاح نسبي في هذا المجال، ذلك أن نجوما اعتذروا عن عدم الحضور إلى الكويت خشية عقوبات دولية عليهم. وفي يوم الافتتاح نشط «شبيحة» هذه المجموعة عبر وسائل الإعلام الإلكترونية في بثّ أخبار كاذبة لتخفيف حضور الناس. من بين ما بثّه «شبّيحة» المجموعة أن سمو الأمير لن يشارك في الافتتاح.
تبيّن بالملموس أن ما روّج له «شبيحة» المجموعة الساعية إلى خطف الرياضة الكويتية، لم يزد الناس إلّا قناعة بضرورة التدفّق على «استاد جابر»، فامتلأت المدرّجات كلّها وطاف الشيخ صُباح في أرجاء الملعب ترافقه فرقة الخيّالة محيياً الناس التي وقفت تهتف له، ثمّ عاد إلى المنصّة وأعلن افتتاح الاستاد وبقي في المكان حتّى قبل منتصف الليل بقليل بعدما كان مقرّراً أن يحضر الافتتاح والأوبريت فقط، لم يكتف الأمير بالحضور، بل استقبل الفنانين ونجوم الرياضة والحضور من كبار الضيوف وحتّى أناساً عاديين وتصوّر معهم حاملاً ابتسامة عريضة كانت أفضل ردّ على ما روّج له الذين استثمروا في العرقلة والسعي إلى التخريب والعودة إلى ماضٍ كئيب.
كان الناس يريدون أن يفرحوا وأن يروا الكويت تعيش أياما خالدة وأن تعود إلى أيّام التألّق في كلّ المجالات الفنّية والرياضية. في النهاية، خرج الافتتاح بأرقى صورة فاجأت حتّى أولئك الذين راهنوا على الفشل. ومن يرصد مواقف عدد من الناشطين المعارضين في «تويتر» يرى كيف أنّها تغيّرت من الهجوم إلى الاعتزاز بجمال المناسبة لأنّ «ما حصل يخدم الكويت بغض النظر عن موقفنا من السلطة» كما قال أحدهم.
لعلّ أفضل من اختزل المشهد وأبعاده وتفاعلاته الكلمة المدروسة لوزير الإعلام وزير الدولة لشؤون الشباب الشيخ سلمان الحمود. ألقى الشيخ سلمان كلمته بعد افتتاح الأمير للملعب وعكس الأجواء السائدة بقوله: «نحن اليوم امام افتتاح احد المشاريع العملاقة والصروح المهمّة التي ابصرت النور بتوجيهات سامية وكريمة من صاحب السموّ أمير البلاد، كي تبقى الرياضة الكويتية منارة متلألئة وتواصل مسيرة التقدّم والازدهار في المجالات كافة».
ولأنّ القصة أكبر من قصة ملعب وأقرب إلى ابتعاث مسيرة النهضة الرياضية والعودة إلى النجاحات الكويتية في هذا المجال، قال الشيخ سلمان: «تحتفل الكويت بمواصلة مسيرة النهضة التي تعتبر علامات مضيئة تترجم إيماناً بالوطن الغالي. نحن في الكويت جديرون بالنجاح، لانّ بلدنا هو بمثابة البيت الكبير الذي نعتزّ بالانتماء إليه والذي يتنافس الجميع على خدمته ونهضته».
عندما يقول الشيخ سلمان «الجميع»، فهو يقصد حتّى الذين أمعنوا في تخريب الرياضة والسياسة ويدعوهم إلى الالتحاق بالإجماع في مواجهة الأزمات بروح الفريق الواحد. ولذلك ختم كلمته بعبارة بالغة الدلالة تحمل عشرات الرسائل إذ قال: «نعلنها عالياً ليسمعها العالم أجمع... من اعتاد على المضيّ في الحقّ مستعيناً بالله، فليمض في طريقه والله مؤيّده والتوفيق حليفه. سنكمل المسيرة برؤية واضحة وعزيمة صلبة لنُعيد للكويت تألّقها الرياضي مرة أخرى».
في الواقع، لم يكن افتتاح «استاد جابر» مجرّد احتفال بافتتاح لصرح رياضي في هذا البلد أو ذاك. للكويت خصوصياتها في هذه الأيّام بالذات، وكما قال وزير الدولة لشؤون الشباب، «إن بناء الملعب الكبير يعتبر خطوة لاستكمال المسيرة برؤية واضحة وعزيمة صلبة».
إنّها خطوة كويتية فريدة من نوعها من زاوية الحشد الذي بلغ ستين ألفاً وسط تنظيم لا سابق له. يؤكد ذلك عدم وقوع أيّ إشكال من أي نوع. جاء افتتاح «استاد جابر» في ظل حماية أمنية أحاطت بعشرات الآلاف دون أن يلحظ أحد وجودها، كان ذلك دليلاً على فعالية الأجهزة الكويتية في ظل أجواء من التطرّف والتهديدات تسود المنطقة كلّها.
أثبتت الكويت بكل بساطة أنّ لدى رجالها القدرة على فرض الأمن والاستقرار من دون مظاهر نافرة أو مضايقة لأحد.
في افتتاح «استاد جابر»، كانت الكويت مختلفة. كلّ ما فيها كان مختلفاً... باستثناء الثابت. الثابت هو محبّة الناس للأمير والتفافهم حوله.
يعرف الكويتيون أن الشيخ صُباح شريك لهم في أفراحهم وهمومهم وتطلعاتهم. هذه الشراكة بينه وبينهم من الثوابت التي حفرت العقد والعهد في النفوس قبل النصوص.