هيئة مكافحة الفساد... باطلة دستورياً / أكدت أن أحكام القانون لم تشر إلى إجراءات عاجلة تتماشى مع مبررات إصداره

«الدستورية» تبطل هيئة مكافحة الفساد: لا «ضرورة» مبرَّرة لقانون يتطلب الأناة والانتظار

u0631u062cu0627u0644 u0623u0645u0646 u0623u0645u0627u0645 u0645u0628u0646u0649 u0627u0644u0647u064au0626u0629 u0628u0639u062f u0635u062fu0648u0631 u0627u0644u062du0643u0645 (u062au0635u0648u064au0631 u0627u0633u0639u062f u0639u0628u062fu0627u0644u0644u0647)
رجال أمن أمام مبنى الهيئة بعد صدور الحكم (تصوير اسعد عبدالله)
تصغير
تكبير
• لم يطرأ وقت صدور القانون من الأحداث والظروف ما تتوافر معه الضرورة لاستعمال رخصة التشريع الاستثنائية

• إقرار مجلس الأمة للقانون لا يسبغ عليه المشروعية الدستورية ولا يطهّره من العوار الذي لحق به
مؤكدة انه يفتقد لحالة الضرورة المبررة لإصداره، قضت المحكمة الدستورية، بعدم دستورية مرسوم الهيئة العامة لمكافحة الفساد والأحكام الخاصة بالكشف عن الذمة المالية.

المحكمة التي عقدت جلستها للنطق بالحكم امس برئاسة المستشار يوسف المطاوعة، رأت في منطوق الحكم ان «المرسوم 24/2012 ليس من المسائل التي تناولها بالتنظيم ما يوجب الإسراع في اتخاذ تشريعي عاجل يتحمل الأناة والانتظار» مشيرة الى ان «ما تناولته المذكرة الإيضاحية لهذا المرسوم لا يصلح بذاته سنداً لقيام حالة الضرورة المبررة لاصدار المرسوم بقانون».


وجاء في حيثيات الحكم ان الطاعن «خالد مبارك راشد النصافي» أقام عبر محاميه عادل عبدالهادي طعنا بطريق الادعاء المباشر بموجب صحيفة اودعت ادارة كتاب هذه المحكمة بتاريخ 21/10/2015، حيث قيدت في سجلها برقم (11) لسنة 2015، طالباً القضاء بعدم دستورية المرسوم بالقانون رقم (24) لسنة 2012 بانشاء الهيئة العامة لمكافحة الفساد والاحكام الخاصة بالكشف عن الذمة المالية، على سند من القول بان المرسوم بالقانون سالف الذكر قد صدر مفتقداً القيود والضوابط والشروط التي حددها الدستور لاصدار المراسيم التي تكون لها قوة القانون، متجاوزاً حدودها، كما جاء متعارضا مع ما استقرت عليه المحكمة الدستورية في أحكامها في هذا الشأن، فضلاً عن انطوائه من الوجهة الموضوعية على خرق للدستور ولقواعده، حيث بنى الطاعن نعيه في هذا الصدد على أكثر من وجه، حاصلها أن المرسوم بقانون قد صدر من السلطة التنفيذية بإرادتها المنفردة في غيبة مجلس الأمة بسبب حله، وجاء مشوباً بعيب عدم الدستورية لمخالفته نصوص الدستور، وقد ارتكنت السلطة التنفيذية في إصدار هذا المرسوم على المادة (71) من الدستور، في حين أن هذه المادة قد اشترطت حدوث ما يوجب الإسراع إلى اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير ولا الأناة والانتظار، ولا يمكن للحكومة أن تدعي حدوث ذلك فيما يخص هذا المرسوم، لأن الواقع لا يساعدها على هذا الادعاء، وأن الحكومة لم يكن يحسن بها أن تُخرج المادة (71) من الدستور عن دلالتها الظاهرة ومفهومها الطبيعي، إذ أصدرته بتاريخ 19/11/2012، وكان في مكنتها الانتظار لبضعة أيام قليلة لحين اجراء الانتخابات البرلمانية، والتي أجريت بالفعل بتاريخ 1/12/2012 - على إثر صدور المرسوم رقم (241) لسنة 2012 بحل مجلس الأمة - فضلاً عن أن ما ساقته المذكرة الايضاحية من مبررات لإصداره من أنه قد جاء استجابة لتوقيع دولة الكويت على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي انضمت إليها عام 2006، لا تعدو أن تكون محض أسباب واهية تنفي بذاتها وجه الضرورة الـمُلجئة لإصداره، لا سيما وأن المرسوم بالقانون قد أحال في معظم أحكامه إلى لائحة تنفيذية، والتي استغرق لصدورها ما يقارب الثلاث سنوات من تاريخ إصداره، الأمر الذي يغدو معه القول بانتفاء وجه الضرورة الـمُلحة لإصداره مفتقداً هذا المرسوم بذلك شرطاً من الوجهة الشكلية لا غنى عن وجوب توافره، مما يصمه بعيب عدم الدستورية.

وأضاف الطاعن انه بصفته عضواً بالإدارة القانونية ببلدية الكويت من المخاطبين بأحكام هذا المرسوم بقانون، وهو مما يوفر له المصلحة في الطعن عليه بعدم الدستورية، حيث خلص مما تقدم جميعه إلى طلب الحكم بعدم دستورية المرسوم بقانون سالف البيان.

وقد نظرت المحكمة الطعن على الوجه المبين بمحاضر جلساتها، والمحامي عادل عبدالهادي والحاضر عن الطعن صمم على طلباته الواردة بأصل الصحيفة، وقدمت إدارة الفتوى والتشريع حافظة مستندات ومذكرة برأي الحكومة طلبت في ختامها

رفض الطعن، وقررت المحكمة إصدار الحكم في الطعن بجلسة اليوم.

وجاء في حيثيات حكم المحكمة أن الطاعن ينعى في طعنه بعدم الدستورية على المرسوم بقانون رقم (24) لسنة 2012 أنه قد صدر مخالفاً للدستور، إذ لا تنطبق على إصداره الشروط التي تطلبتها المادة (71) منه والتي تنص على أنه «إذا حدث فيما بين أدوار انعقاد مجلس الأمة أو في فترة حله، ما يوجب الإسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير، جاز للأمير أن يصدر في شأنها مراسيم تكون لها قوة القانون، على ألا تكون مخالفة للدستور أو للتقديرات المالية الواردة في قانون الميزانية.

ويجب عرض هذه المراسيم على مجلس الأمة خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ صدورها، إذا كان المجلس قائماً، وفي أول اجتماع له في حالة الحل أو انتهاء الفصل التشريعي، فإذا لم تعرض زال بأثر رجعي ما كان لها من قوة القانون بغير حاجة إلى اصدار قرار بذلك أما اذا عرضت ولم يقرها المجلس زال بأثر رجعي ما كان لها من قوة القانون، إلا إذا رأى المجلس اعتماد نفاذها في الفترة السابقة أو تسوية ما ترتب من آثارها بوجه آخر.

وحيث إن الواضح من المرسوم بقانون رقم (24) لسنة 2012 المشار إليه أنه قد احتوى على (85) مادة وردت في سبعة أبواب، تضمن (الباب الأول) منها الأحكام العامة استهلت ببيان معاني المصطلحات الواردة في المرسوم وتحديد الأشخاص الخاضعين لأحكامه (المادتان 1 و2)، وعرض (الباب الثاني) لإنشاء هيئة عامة لمكافحة الفساد محدداً أهدافها واختصاصاتها، ومهام وصلاحيات مجلس الأمناء الذي يتولى الأمور الفنية والإدارية والمالية المتعلقة بعملها (المواد من 3 إلى 17)، كما تناول هذا الباب تنظيم الشؤون المالية للهيئة وكيفية مشاركة المجتمع في مكافحة الفساد (المواد من 18 إلى 21)، وأبان (الباب الثالث) جرائم الفساد وإجراءات الضبط والتحقيق والمحاكمة والجهات المختصة بكل مرحلة منها (المواد من 22 إلى 28)، ونظم (الباب الرابع) الكشف عن الذمة المالية وحدد الأشخاص الخاضعين لأحكام هذا الباب، وبين المقصود بالذمة المالية المطلوب الكشف عنها وشكل ومضمون اقرار الذمة المالية وتقديمه وسريته ولجان الفحص وكيفية التصرف حياله (المواد من 29 إلى 35)، كما تناول (الباب الخامس) ما يتعلق من أحكام لحماية الـمُبلغ، وبين المقصود من الابلاغ وشروطه وآلية تقديمه وحماية الـمُبلغ وإجراءات هذه الحماية واختتمها بضمان الدولة تعويضه عن أية أضرار مادية أو معنوية تلحقه نتيجة لتقديمه البلاغ وبين الحوافز المادية والمعنوية التي يجوز منحها للـمُبلغ (المواد من 36 إلى 42)، وفصل (الباب السادس) العقوبات المقررة على مخالفة أحكام هذا المرسوم سواء كانت عقوبات أصلية أو تبعية أو تكميلية، مبيناً الأفعال المؤثمة والعقوبة المقررة لكل جريمة،

وحدد حالات الإعفاء من العقوبات وشروطه (المواد من 34 إلى 52)، وتضمن (الباب السابع) الأحكام الختامية التي تتعلق بعدم سقوط الدعوى الجزائية في جرائم الفساد، وحق المحكمة في أن تدخل في الدعوى أي شخص ترى أنه استفاد فائدة جدية من الكسب غير المشروع ليكون الحكم بالرد أو المصادرة نافذاً في ماله بقدر ما استفاد، كما نص على أن العقوبات الواردة في هذا المرسوم لا تمنع من توقيع أية عقوبة أشد تكون مقررة في قانون آخر للفعل المرتكب، وعلى أن يكون العمل بهذا المرسوم بقانون اعتباراً من تاريخ نشره (المواد من 53 إلى 58).

وقد تضمنت المذكرة الايضاحية لهذا المرسوم مقتضيات إصداره بالإشارة إلى أنه «لما كان الفساد وما ينطوي عليه من جرائم اقتصادية واجتماعية من شأنها زعزعة استقرار المجتمعات وأمنها وتقويض مؤسسات الدولة والمساس بسيادة القانون فيها ويساعد على انتهاك حقوق الإنسان،، وتعريض التنمية والعدالة للخطر، ويعد من الظواهر الخبيثة التي تهدد كيان المجتمع، وتصيبه بآثار ضارة، ولأن الفساد لم يعد محلياً، فقد أبرمت الأمم المتحدة في سبتمبر 2003 اتفاقية لمكافحته، انضمت إليها دولة الكويت بالقانون رقم (47) لسنة 2006، وقد نصت تلك الاتفاقية في مادتها (السادسة) على أن تكفل كل دولة طرفاً وفقاً للمبادئ الأساسية لنظامها القانوني وجود هيئة أو هيئات حسب الاقتضاء تتولى منع الفساد.

ومع مراعاة ما التزمت به دولة الكويت، ولما كان القانون هو أداة الدولة لتحقيق ما يتطلبه المجتمع فقد حرص الدستور الكويتي على ألا يتعطل إصدار القوانين فأجاز في المادة (71) منه إصدار مراسيم لها قوة القوانين إذا حدث ما يوجب الإسراع في اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير، وذلك مراعاة للمصلحة العليا للبلاد في مواجهة هذه الأمور عند توافر الضرورة التي تقتضي سرعة معالجتها.

وإزاء ما مرت به البلاد من أزمات نجم عنها اخفاقات شابت العمل في العديد من أجهزة الدولة وتسببت في كثير من مظاهر الفساد ومن ثم أصبح إصلاح الوضع استحقاقاً وطنياً حتمياً تستوجب الضرورة مواجهته ومعالجته بالسرعة اللازمة خاصة وان البلاد مقدمة في هذه الفترة على إجراء انتخابات عامة للمجلس التشريعي وما يصاحبها من حملات انتخابية يتعين أن تتسم بطهارة اليد ونقاء الذمة، واستجابة لهذه الضرورة الملحة كان اصدار المرسوم بقانون المرافق لانشاء هيئة عامة تنهض بمكافحة الفساد ومعالجة اسبابه».

وحيث ان الدستور رسم للتشريع الاستثنائي - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - حدودا ضيقة تفرضها طبيعته، وانه وان اجاز للسلطة التنفيذية - استثناء من الاصل - اصدار مراسيم تكون لها قوة القانون وفق المادة (71)، إلا أن مناط استعمال هذه الرخصة الاستثنائية اما أن تقتضيها ضرورة مُلحة أو كان توقيا لخطر تقدر ضرورة رده، باعتبار أن هذه الرخصة إنما شرعت لهذه الاغراض، وليس لاتخاذها وسيلة لتكون السلطة التنفيذية سلطة تشريعية على غير ما تقتضيه المادة (52) من الدستور، وإذا كان الامر كذلك، وكانت التدابير العاجلة التي تتخذها السلطة التنفيذية لمواجهة حالة الضرورة نابعة من متطلباتها، فان انفكاكها عنها يوقعها في حومة المخالفة الدستورية، وبالتالي فان توافر حالة الضرورة - بضوابطها - لا تستقل السلطة التنفيذية بتقديرها، إذ هي علة اختصاصها في مواجهة الاوضاع الطارئة، والظروف الضاغطة بتلك التدابير العاجلة، وهي مناط استعمالها لهذه الرخصة الاستثنائية، ومن ثم تمتد اليها رقابة هذه المحكمة للتحقق من مدى التزامها بالحدود التي رسمها الدستور في هذا الشأن، ولضمان ألا تتحول هذه الرخصة التشريعية، وهي من طبيعة استثنائية إلى سلطة تشريعية كاملة ومطلقة لا قيد عليها ولا عاصم من جموحها.

وانه متى كان ذلك، وكان الواضح من المرسوم بقانون رقم (24) لسنة 2012 سالف الذكر، أنه ليس في المسائل التي تناولها بالتنظيم ما يوجب الاسراع في اتخاذ اجراء تشريعي عاجلا يتحمل الاناة والانتظار، وان ما تناولته المذكرة الايضاحية لهذا المرسوم وان جاز أن تندرج ضمن البواعث والاهداف التي تدعو سلطة التشريع الاصلية إلى سن قواعد قانونية في مجال مكافحة الفساد ومعالجة اسبابه، إلا أنه لا يصلح بذاته سندا لقيام حالة الضرورة المبررة لاصدار هذا المرسوم بقانون، خاصة وانه لم يطرأ من الاحداث أو الظروف، أو ما يشير إلى أن امورا معينة قد تفاقمت أو اوضاعا قائمة قد استفحلت - خلال غيبة مجلس الامة - يمكن أن تتوفر معها تلك الضرورة التي تبيح استعمال رخصة التشريع الاستثنائية المقررة بالمادة (71) من الدستور، فضلا عن أن المرسوم المطعون عليه لم يتضمن في احكامه ما يشير إلى اتخاذ إجراءات عاجلة ذات أثر فعال تتماشى مع مبررات إصداره، فإن هذا المرسوم بقانون، وإذ صدر استناداً إلى هذه المادة، وعلى خلاف الأوضاع المقررة فيها، يكون مشوباً بمخالفة الدستور من الوجهة الشكلية، وحق القضاء - ومن ثم - بعدم دستوريته، ودون أن يغير من ذلك أن يكون مجلس الأمة قد أقره، ذلك أن اقرار المجلس لهذا المرسوم لا يُسبغ عليه المشروعية الدستورية، ولا يطهره من العوار الذي لحق به على نحو ما كشفت عنه هذه المحكمة آنفاً من الوجهة الدستورية، ولا حاجة - من بعد - إلى التعرض إلى بقية ما اثاره الطاعن من مطاعن دستورية على ما تعلق بنصوص هذا المرسوم من الوجهة الموضوعية لزوال تلك النصوص التي كانت محلاً لهذه المطاعن بقضاء هذه المحكمة بعدم دستورية هذا المرسوم برمته.

فلهذه الأسباب حكمت المحكمة: بعدم دستورية المرسوم بالقانون رقم 24 لسنة 2012 بإنشاء الهيئة العامة لمكافحة الفساد والأحكام الخاصة بالكشف عن الذمة المالية.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي