«القانون لم يستلزم أن يكون الفصل احتجاباً تاماً للطالبات عن الطلاب»

تفسير «الدستورية» لـ«منع الاختلاط»... اختلاط !

تصغير
تكبير
حيثيات الحكم:

• ملاءمة القانون من عدمه شأن تقديري للسلطة التشريعية

• الاختلاط من المسائل الاختلافية التي لا تضبطها نصوص شرعية

• القانون لم يحدد كيفية تحقيق الفصل بين الطلاب والطالبات في المباني والقاعات

• يكفي لتطبيق القانون وضع أماكن خاصة للطالبات في قاعات الدرس نفسها

• غموض النصوص التشريعية إذا كان يستدعي تعديلها لا يصمها بعدم الدستورية

• رقابة المحكمة لا تستطيل إلى البحث عن النوايا التي دفعت لإقرار القانون بصيغته
قضت المحكمة الدستورية برفض الطعن في قانون منع الاختلاط، رافضة الخوض في «مدى ملاءمة القانون من عدمه باعتباره من مظاهر السلطة التقديرية للمشرع»، ومعتبرة ان «الاختلاط في المسائل الاختلافية التي لا تضبطها نصوص شرعية مقطوع بها».

ولعل اهم ما جاء في حكم المحكمة الدستورية التي انعقدت امس برئاسة المستشار يوسف المطاوعة اشارتها الى ان «القانون لم يحدد كيفية تحقيق الفصل بين الطلاب والطالبات في المباني وقاعات الدرس، ولم يستلزم ان يكون ذلك احتجاباً تاماً للطالبات عن الطلاب..».


وفيما بيت المحكمة ان «لا شأن لها بما قد يترتب على تطبيق القانون من آثار (...)»، اوضحت ان «غموض النصوص التشريعية اذا كان يعيبها، قد يستدعي النظر في تعديلها في السلطة التشريعية: لا صلاح ما بها في عيوب».

وأوضحت ان رقابتها «لا تستطيل إلى البحث والتنقيب عن النوايا والبواعث التي عساها ان تكون قد دفعت السلطة التشريعية الى اقراره بالصيغة التي صدر بها».

وفي ما يلي التفاصيل الكاملة لحكم المحكمة الدستورية امس:

أقام الطاعنون (عبدالعزيز احمد محمد الناجم) و(سعود مبارك عبدالرحمن الشويرد) و(حسين طلال حسين العصفور) طعناً بطريق الادعاء المباشر بموجب صحيفة اودعت ادارة كتاب هذه المحكمة بتاريخ 29/3/2015، حيث قيدت في سجلها برقم (5) لسنة 2015، طالبين في ختام تلك الصحيفة القضاء بعدم دستورية القانون رقم (24ش) لسنة 1996 بشأن تنظيم التعليم العالي في جامعة الكويت والهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب والتعليم في المدارس الخاصة، على سند من القول بان هذا القانون قد صدر مستهدفا منع الاختلاط، بالفصل بين الطلاب والطالبات في جميع مراحل التعليم الحكومية وذلك بوضع اماكن خاصة للطالبات في المباني وقاعات الدرس والمختبرات والمكتبات والانشطة والخدمات وجميع المرافق، وهو ما اوجد تفرقة غير مبررة بين الطلاب والطالبات في ممارسة الحق في التعليم، وافتأت على حق الطلاب في اختيار المواد والشعب الدراسية التي تتناسب مع حالتهم التعليمية ومؤهلاتهم العلمية وبحسب رغباتهم الدراسية، اذ ان الطاعنين (الاول) و(الثاني) مقيدان بالدراسة بكلية العلوم الادارية بجامعة الكويت، وقد حرما من الدراسة والتسجيل في بعض المواد الدراسية التي تقدما للالتحاق بشعبها، وذلك بسبب قيام ادارة الكلية بتطبيق حكم منع الاختلاط الوارد في ذلك القانون بتخصيص شعب دراسية للطالبات واخرى للطلاب، واكتمال العدد المطلوب للدراسة في بعض الشعب المخصصة للطلاب والغاء البعض الآخر منها لقلة عدد الدارسين بها من الطلاب، وعدم السماح لهما بالالتحاق بالشعب المخصصة للطالبات على الرغم من وجود اماكن شاغرة بها التزاماً من الادارة بحكم منع الاختلاط، كما ترتب على هذا القانون انفاق اموال طائلة من ميزانية الدولة في اقامة المباني والمنشأت لتخصيص اماكن منفصلة للطالبات في قاعات الدرس وغيرها ما عد اهداراً للمال العام للدولة وتبديدا لثرواتها، وهو ما حدا بالطاعنين للتقدم بطعنهما الماثل.

وحيث ان هذا الطعن قد عرض على المحكمة بتاريخ 11/5/2015 في غرفة المشورة - فقررت تحديد جلسة 8/6/2015 لنظره، وتم قيد الطعن في سجل المحكمة برقم (13) لسنة 2015 «طعن مباشر دستوري» وجرى اخطار ذوي الشأن بذلك.

وقد نظرت المحكمة الطعن على الوجه المبين بمحاضر جلساتها، وقدم الحاضر عن الطاعنين مذكرة طلب في ختامها الحكم بعدم دستورية القانون رقم (24) لسنة 1996 المشار اليه، وقدمت ادارة الفتوى والتشريع مذكرة برأي الحكومة طلبت في ختامها الحكم برفض الطعن، وحضر كل من (احمد عبدالرحمن احمد الحشاش) و(عبدالله عادل جاسم العبيد) و(دويم فلاح المويزري بصفته ولياً على ابنته «غالية») وطلبوا قبول تدخلهم في الطعن خصوماً منضمين الى الحكومة، والحكم في موضوع الطعن برفضه، وقررت المحكمة اصدار الحكم في الطعن بجلسة اليوم.

المحكمة

وبعد الاطلاع على الأوراق، وسماع المرافعة وبعد المداولة

حيث ان مفاد المادة (الرابعة مكررا) من قانون انشاء المحكمة الدستورية رقم (14) لسنة 1973 - المضافة بالقانون رقم (109) لسنة 2014 ان المشروع اجاز لكل شخص طبيعي او اعتباري ان يرفع طعنا بطريق الادعاء المباشر امام هذه المحكمة في اي قانون او مرسوم بقانون او لائحة اذا قامت لديه شبهات جدية بمخالفته لاحكام الدستور، وكانت له مصلحة شخصية مباشرة في الطعن عليه، ما مؤداه ان الخصومة الدستورية في الطعن المباشر كسائر الخصومات الدستورية، هي خصومة عينية موجهة اصلا إلى التشريع المطعون فيه، مناطها اختصام هذا النص في ذاته استهدافا لمراقبته واستظهار مدى شرعيته الدستورية، توصلا الى التقرير بعدم دستوريته وإبطاله وزواله منذ نشأته، واعتباره كأن لم يكن وانهاء قوة نفاذه اعمالاً للأثر المحدد في الدستور، وهو بما يتجلى معه التشريع موضوع الخصومة اصلا وجوهراً ومحلاً للطعن فينصب عليه ويتحدد بنطاقه ويدور بفلكه، تحركه مقتضيات ودواعي الالتزام بالشرعية وموجبات الامتثال لاحكام الدستور في اطار تحقيق المصلحة العامة واستقرار النظام العام، الامر الذي يستتبع معه القول بان الطعن الماثل بحسب طبيعته الخاصة ليس طعناً بين خصوم، ولكنه طعن ضد التشريع المطعون عليه بعدم الدستورية.

وحيث انه من الاصول العامة المقررة في قانون المرافعات ان التدخل في الدعوى اما ان يكون تدخلاً انضمامياً لمساعدة احد اطرافها او للدفاع عن حق للمتدخل هو ذات الحق المطالب به، او يكون تدخلا اختصاميا ليتمسك المتدخل في مواجهة اطرافها بحق خاص به مرتبط بهذه الخصومة او بمحلها، كما ان للمحكمة ولو من تلقاء نفسها ان تأمر بادخال من ترى ادخاله لمصلحة العدالة او الإظهار الحقيقة اذا كان الغرض من ذلك هو الحصول على حكم في مواجهته او جعل الحكم حجة عليه او الزامه بتقديم اوراق في حوزته، وانه واذا كانت تلك هي صور التدخل في الدعوى بصفة عامة، فانه لا يتصور لاو قعاً ولا قانوناً التدخل اختصاميا او انضماماً في الطعون المباشرة الدستورية الموجهة اصلا إلى التشريع ذاته، او القول بامكان المحكمة ادخال خصم فيها ليصدر الحكم في مواجهته، بحسبان ان نطاق الطعن المباشر من ناحية اشخاصه وموضوعه يتحدد - بعد قبوله - بما جاء بصحيفته شكلاً وموضوعاً، دون تجاوز هذا النطاق، فضلاً عن ان الاحكام الصادرة عن هذه المحكمة في المنازعات الدستورية لها حجية مطلقة تنسحب اثارها الى الكافة كما تلتزم بها سلطات الدولة جميعها، وبالتالي فان طلب كل من (احمد عبدالرحمن احمد الحشاش) و(عبدالله عادل جاسم العبيد) و(دويم فلاح المويزري بصفته وليا علي ابنته «غالية») التدخل في الطعن - كخصوم منضمين الى الحكومة - يكون غير مقبول، وهو ما تقضي به المحكمة.

وحيث ان المادة (الاولى) من القانون رقم (24) لسنة 1996 بشأن تنظيم التعليم العالي في جامعة الكويت والهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب والتعليم في المدارس الخاصة، تنص على انه في سبيل الوصول الى الوضع الشرعي الامثل تقوم الحكومة خلال مدة لا تتجاوز خمس سنوات من تاريخ العمل بهذا القانون بتطوير المباني القائمة لكليات ومعاهد ومراكز جامعة الكويت،
والهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب بما يضمن منع الاختلاط بوضع اماكن خاصة للطالبات في المباني وقاعات الدرس والمختبرات والمكتبات
والانشطة والخدمات التربوية والادارية وجميع المرافق على ان تلتزم عند تصميم المباني التي تستحدث بالمتطلبات السابقة.

كما تنص المادة (الثانية) من ذات القانون على ان «تقوم الجامعة والهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب بتطوير انظمتها والشروط اللازم توافرها في اللباس وقواعد السلوك والنشاط الطلابي بها بما يتفق والقيم الاسلامية.

وتنص المادة (الثالثة) على ان «تصدر وزارة التربية القرارات المنظمة لعمل المدارس الخاصة بما يتفق والاهداف العامة للتربية بدولة الكويت ويتلاءم مع القيم الاسلامية.

وتنص المادة (الرابعة) على ان «يقدم وزير التربية وزير التعليم العالي لمجلس الامة كل سنة تقريراً متضمناً بياناً للخطوات التنفيذية التي تمت تطبيقا لاحكام القانون».

وحيث ان مبنى النعي على نصوص القانون سالف الذكر - حسبما ورد بصحيفة الطعن - ان هذه النصوص قد ادخلت بمبدأي المساواة وتكافؤ الفرص وأهدرت الحق في التعليم، اذ اقامت تفرقة بين الطلاب وبين الطالبات في كليات ومعاهد ومراكز جامعة الكويت والهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب وفي المدارس الخاصة، والتوجيه بتخصيص اماكن خاصة للطالبات في المباني وقاعات الدرس والمختبرات والمكتبات لضمان منع الاختلاط، وما ترتب على ذلك من قيام ادارة الجامعة بتخصيص شُعب دراسية للطالبات واخرى للطلاب، وحرمان الطلبة من الالتحاق بالشُعب الدراسية التي يرغبون في الدراسة بها في حالة عدم وجود اماكن متاحة في الشُعب الخاصة بالطلاب أو الغاء تلك الشُعب لعدم التحاق العدد الكافي من الطلاب بها، وعدم السماح لهم بالالتحاق بالشعب المماثلة الخاصة بالطالبات على الرغم من وجود اماكن شاغرة بها، ما يعد اهدارا لحقهم في التعليم وحقهم في اختيار التخصص الذي يناسب مؤهل كل منهم ورغباتهم العلمية. كما قصر القانون تطبيق حكم منع الاختلاط على كليات ومعاهد ومراكز جامعة الكويت والهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب دون غيرها من المؤسسات التعليمية الاخرى والجهات الحكومية المختلفة. فضلا عن ذلك فقد جاء القانون المطعون فيه مشوبا بالانحراف في التشريع، ومنطويا على اخلال بالشروط والضوابط المحددة في سن التشريعات، إذ جاءت عباراته مشوبة بالغموض وعدم الوضوح ما يتنافى مع ضوابط صياغة النصوص التشريعية التي ينبغي أن تكون محكمة واضحة لا يداخلها لبس أو غموض حتى لا يكون هناك مجال للاختلاف حول تأويلها أو تفسيرها. كما أن هذا القانون لا يعبر عن واقع المجتمع الكويتي الذي جُبل على المحافظة على القيم والمبادئ الاسلامية حتى استقرت في وجدان ابنائه جميعا. فلا محل لوصم فئة منهم - هم الطلاب في الكليات والمعاهد الحكومية - بعدم الالتزام بتلك القيم والمبادئ، ووضع نص يلزمهم باحترامها. وقد اوضح القانون أن ما ورد به لضمان منع الاختلاط إنما هو في سبيل الوصول إلى الوضع الشرعي الامثل. في حين أن الاختلاط المنهي عنه في الشرع هو الاختلاط غير المشروع الذي يتمثل في الخلوة بانفراد الرجل بالمرأة، اما الاختلاط المشروع فهو يجري في المجتمع بأسره. وفي جميع الاماكن العامة وأماكن العمل دون مساس بالقيم والمبادئ الاسلامية، فضلا عن ان تطبيق هذا القانون يترتب عليه انفاق أموال طائلة من ميزانية الدولة في اقامة المباني والمنشآت لتخصيص اماكن منفصلة للطالبات في قاعات الدرس وغيرها، مما يعد اهدارا للمال العام للدولة وتبديدا لثرواتها، الامر الذي يكون معه القانون قد خالف المواد (7) و(8) و(13) و(14) و(17) و(29) و(40) من الدستور.

وحيث ان هذا النعي - في جملته - مردود، ذلك ان الحق في التعليم الذي كفله الدستور في المادتين (13) و(40) منه، فحواه ان يكون لكل مواطن الحق في ان يتلقى قدرا من التعليم يتناسب مع مواهبه وقدراته، وان يختار نوع التعليم الذي يراه اكثر اتفاقا مع رغباته وملكاته، وذلك كله وفق القواعد التي يتولى المشرع وضعها تنظيما لهذا الحق بما لا يؤدي الى مصادرته او الانتقاص منه، وعلى الا تخل القيود التي يفرضها المشرع في مجال هذا التنظيم بمبدأي تكافؤ الفرص والمساواة لدى القانون.

وحيث ان الرقابة القضائية التي تمارسها هذه المحكمة على دستورية التشريعات هي رقابة ذات طابع قانوني مجرد، تقتصر على المسائل الدستورية، وينحصر مجالها في التحقق من مطابقة او عدم مطابقة التشريع لنص في الدستور دون تجاوز لظاهر التشريع، ولا تمتد هذه الرقابة الى البحث عن مدى ملاءمة التشريع او عدم ملاءمته والتي تعتبر من أخص مظاهر السلطة التقديرية للمشرع، كما لا تستطيل تلك الرقابة الى البحث والتنقيب عن النوايا والبواعث التي عساها ان تكون قد دفعت السلطة التشريعية الى اقراره بالصيغة التي صدر بها.

لما كان ذلك، وكان من المقرر - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - ان احكام الشريعة الاسلامية مجردة لا تكون لها قوة الزام القواعد القانونية الا اذا تدخل المشرع وقننها، وليس لها قوة النفاذ الذاتي والمباشر، وانما يتعين ان يتم افراغها في نصوص تشريعية محددة، ومضمون تشريعي محدد يمكن ان يلتزم به كل من المخاطبين بأحكامه والقائمين على تنفيذه وتطبيقه، ولا يتسنى تبعا لذلك مساواتها في الحكم بالنصوص الموضوعية، فالنص الموضوعي يكون نافذا بذاته فيما تضمنه من احكام موضوعية، وبالتالي فإن النص في المادة (الاولى) من القانون المشار اليه واذ استهل بعبارة انه «في سبيل الوصول الى الوضع الشرعي الامثل تقوم الحكومة خلال مدة لا تتجاوز خمس سنوات... بتطوير المباني القائمة... بما يضمن منع الاختلاط بوضع اماكن خاصة للطالبات...»، هذا النص لا يمكن وصفه بأنه يتضمن حكما موضوعيا محددا، وانما يعتبر وفقا لمضمونه من النصوص التوجيهية، التي ترد مورد الارشاد والتوجيه، والتي لا يقصد بها الالزام والوجوب، وهو ما يصدق ايضا على ما جاء بنص المادة (الثانية) من ذات القانون، وهذا الامر انما يجد صداه فيما أوردته المذكرة الايضاحية للقانون في هذا المقام، بأن هذا القانون قد جاء تعبيرا عن توجه الدولة نحو تطبيق احكام الشريعة الاسلامية في جميع أوجه الحياة، ووضع مؤسسات التعليم العالي في موقع الريادة في استحداث النظم التي تحقق التوازن المنشود بين متطلبات الحياة في ضوء الواقع المتغير والمتجدد من جهة، والاحكام الشرعية من جهة اخرى، وبالتالي فإنه
لا يتصور ان تكون ارادة المشرع قد
اتجهت - في اطار هذا النص المجمل القائم - الى ترك القائمين على تطبيقه وتنفيذه بتقصي الوضع الشرعي الامثل غير المقنن، مما قد يفضي الى الاضطراب والتناقض حول هذا الشأن بحسب اختلاف وجهات النظر الفقهية، لا سيما وان الاختلاط أصلا - وفي حد ذاته - من المسائل الاختلافية التي لا تضبطها نصوص شرعية مقطوع بها في ثبوتها او دلالتها، وتباينت آراء الفقهاء بشأنها، الامر الذي يغدو معه واضحا ان النص المطعون عليه - في ذاته - لم يتضمن اي مساس بالحق في التعليم، اذ لم يضع قواعد بشأنه ترتكز على أسس منبتة الصلة بطبيعة هذا الحق وأهدافه ومتطلبات الدراسة بتلك المؤسسات التعليمية، او يفرض اي قيد ينتقص منه او يمنع النفاذ اليه، فضلا عن ان هذه المحكمة لا تنظر الا في مدى دستورية التشريع المطعون عليه بعدم الدستورية، ولا شأن لها بما قد يترتب على تطبيقه من آثار، وبالتالي فإن القول بأنه قد يترتب على تطبيقه انفاق مبالغ طائلة
تتحملها ميزانية الدولة، لا يعد ذلك عيبا دستوريا، بل هو أمر مرجعه الى السلطة التشريعية، وشأن من شؤونها، وان هذه المحكمة لا تتجاوز وظيفتها القضائية - بمعاييرها وضوابطها - الى وظيفة التشريع.

وما ساقه الطاعنون في أسباب طعنهم من ان تطبيق حكم منع الاختلاط أدى الى حرمانهم من الالتحاق ببعض الشعب الدراسية وتأخير دراستهم، فإن هذا الامر انما يتعلق بتطبيق القانون المطعون فيه ولا يكشف بذاته عن عيب دستوري، وهذه المحكمة - وعلى ما سلف - لا شأن لها بكيفية تطبيق القانون، ولا بما يظهر عند ذلك من قصور ومثالب، خاصة ان القانون لم يحدد كيفية تحقيق الفصل بين الطلاب والطالبات في المباني وقاعات الدرس، ولم يستلزم ان يكون ذلك احتجابا تاما للطالبات عن الطلاب، اذ يكفي لتطبيقه وضع اماكن خاصة للطالبات في ذات قاعات الدرس، فضلا عن ان ما تصدره ادارة الجامعة من قرارات تتعلق بالشعب الدراسية وتنظيم الالتحاق بها، لا تعدو ان تكون قرارات ادارية تخضع لرقابة القضاء الاداري، وهي رقابة تنبسط على تلك القرارات الادارية - التنظيمية منها والفردية - استظهارا لمدى انضباطها داخل اطر الشرعية، وذلك بوزنها بميزان القانون ومقتضيات المشروعية، فإذا تبين للقضاء الاداري استواء القرار صحيحا اجازه وثبته على اصل صحته، اما اذا تبين له اختلال احد أركانه او مجاوزته مقتضيات المشروعية ألغاه وأزال اثاره، ولا ينال من ذلك جميعه القول بأن عبارات القانون جاءت مشوبة بالغموض وعدم الوضوح، فضلا عما ورد به من عيوب في الصياغة، او القول بأن القانون ينطوي على وصم طلبة الجامعة بعدم الالتزام بالقيم والمبادئ الاسلامية، ذلك ان غموض النصوص التشريعية، غير الجزائية، اذا كان يعيبها، قد يستدعي النظر في تعديلها من السلطة التشريعية اذا كانت غير وافية بالمرام ولإصلاح ما بها من عيوب، الا ان ذلك لا يصمها بعدم الدستورية ولا يصلح سببا للطعن فيها، كما ان القانون لم يتضمن وصما لأحد بمخالفة القيم والمبادئ الاسلامية، بل هو يسعى - بحسب الظاهر - الى محاولة تحقيق التوازن بين مقتضيات الحياة العملية، وتلك القيم والمبادئ بما يتفق مع واقع المجتمع الكويتي والتزامه بالاحكام الشرعية مع عدم المساس بحريته الشخصية المكفولة.

وبالترتيب على ما تقدم،
يضحى الادعاء بمخالفة التشريع المطعون فيه لاحكام المواد (7) و(8) و(13) و(14) و(17) و(29) و(40) من الدستور على غير اساس، متعينا القضاء برفض الطعن.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي