لا تتحقق توبة المؤمن إلا بالندم

تصغير
تكبير
من كرم الله تعالى و نعمه التي لا تعد ولا تحصى أن جعل التوبة رحمة للعباد، و لأنها تجعل المجرم يكف عن إجرامه طمعا في ما عند الله و رغبة في العفو، كما أن باب التوبة مفتوح إذ إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار و يبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها و هذا من فضل الله تبارك و تعالى على العباد.

عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال: إن النبي – صلى الله عليه و سلم – قال: «كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعا و تسعين نفسا فسأل عن أعلم أهل الأرض فدُل على راهب فأتاه، فقال إنه قتل تسعا و تسعين نفسا فهل له من توبة ؟ فقال: لا، فقتله فأكمل به مئة.ثم سأل عن أعلم أهل الأرض فدُل على رجل عالم، فقال إنه قتل مئة نفس فهل له من توبة ؟ فقال: نعم، و مَنْ يحول بينه و بين التوبة. انطلق إلى أرض كذا و كذا فإن بها أناسا يعبدون الله فاعبد معهم ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء، فانطلق حتى إذا انتصف الطريق أتاه الموت، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة و ملائكة العذاب، فقالت ملائكة الرحمة جاء تائبا مقبلا بقلبه إلى الله، و قالت ملائكة العذاب إنه لم يعمل خيرا قط، فأتاهم ملك في صورة آدمي فجعلوه بينهم، فقال قيسوا ما بين الأرضين فإلى أيتهما كان أدنى فهو له، فقاسوه فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد فقبضته ملائكة الرحمة».

نستخلص من هذا الحديث عبرا و مواعظ كثيرة منها أن باب التوبة مفتوح، والله يقبل التوبة من عباده مهما كثرت الذنوب و المعاصي، و نجد أن الرجل الذي قتل تسعا و تسعين نفسا كان صادقا في توبته حين سأل الراهب و قال له ليس لك توبة فأكمل به المئة، لم يقف إلى هذا الحد بل سأل عن أعلم أهل الأرض فقال له نعم لك توبة ثم غير الأرض التي كان بها و ذهب إلى أرض أخرى كل هذا يعني انه كان صادقا في توبته.

فيجب عليك أخي التائب أن تبدل الصحبة السيئة بصحبة صالحة و تقطع علاقتك بهم و تبحث عن صحبة صالحة تعبد الله معهم و يرشدونك إلى الصواب و يعينوك على توبتك.

ومن شروط التوبة أخي التائب أن تكون التوبة خالصة لله تعالى مع الندم و الإقلاع و العزم.

أما عن الإخلاص لله فيجب أن تكون مخلصا و صادقا مع الله تعالى و تكون توبتك لله و ليس لأمور دنيوية لأن كل الأسباب زائلة و لا يبقى إلا وجه الله تعالى و أحسن الظن بالله، عن الرسول – صلى الله عليه و سلم – قال: قال الله عز وجل «أنا عند ظن عبدي بي و أنا معه إذا ذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم وإن تقرب إليّ شبرا تقربت إليه ذراعا و إن تقرب إليّ ذراعا تقربت إليه باعا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة».

أخي، اصدق و أخلص مع الله تعالى و ضعه أما عينيك و استبشر خيرا، والله سبحانه يعينك على الأمور و يصرفها كما يشاء.

أما الندم، فإنه لا تتحقق التوبة إلا به، إذ مَنْ لم يندم على ما فعل من الذنوب و المعاصي و أصر عليها فذلك يعين انه راض بها، و أما الإقلاع فتستحيل التوبة مع عمل الذنب، أخي لا تقل بأنك تائب و أنت لا تزال على ذنوبك و معاصيك، و يجب عليك أن تقلع عن كل هذه المحرمات و تتقي الله حينئذ ترى النور، و يكون قلبك خيرا مما كنت عليه و أنت تخاف عقوبة الله. أما العزم: فعليك أن تعزم و تعقد النية بألا ترجع، أما عن الزمن الذي لا تقبل فيه التوبة فهو قبل أن تطلع الشمس من مغربها و تبلغ الروح الحلقوم حينها لا تملك أن تتوب إلى الله عز وجل، الفرصة بيدك وليست بيد الآخرين و الحل بيدك أخي لا تطع نفسك كل لا تقودك إلى المهالك بل اردع النفس و اكسرها و روضها لطاعة الله لأن النفس لا تنتهي بالشهوات كلما حصلت على شهوة أرادت أخرى، ولا تجعل التوبة بلسانك بل اجعلها بقلبك و بعدها تكون بجوارحك ثم لسانك، فالتوبة قول و عمل حينئذ تشعر باللذة الحقيقية التي حرمت منها، وإنها و الله لذة المخدرات الوهمية، عش هذه اللذة بعدها لا تشعر بلذة أخرى و تذكر كم من شهوة قادتك إلى الضياع و السجن و حرمانك من أبسط الحقوق التي وهبك الله و فرطت بها، استعن بالصبر و الصلاة تعينك على مواصلة التوبة، وأوصيك و نفسي بصلاة الجماعة لما لها من فضل و تقرب من الصالحين و الأخيار، سارع بالطاعات و الخيرات و اصبر على ترك المعاصي و الآثام، وتصبر أخي على المصائب و الكرب و المحن و أكثر من الاستغفار، وقد تكون الطاعات صعبة على النفس فعليك أن تصبر عليها، واصبر على فعل الطاعات و القربات و الحسنات.

قال الله تعالى: ( إن الحسنات يذهبن السيئات ) و هذا من رحمة الله الواسعة.

اقبل على التوبة و اجعلها هدفك لأن فيها صلاحك و هدايتك إلى طريق الحق و النور، وتمتع بالحق ودع عنك الضلال ولا تجعل الظنون و الأوهام و الوساوس تبعدك عن ربك وهدفك السامي، اتخذ القرار و حافظ عليه، و ابذل الأسباب والله سبحانه يعينك و تذوق طعم التوبة.

ويجب عليك أخي التائب ألا تقرب الصغائر من الذنوب و تقول هذه لا تؤثر بل الصغائر اليوم تصبح كبائر غدا، فكف عن الصغيرة و الكبيرة ذاك هو التقي ( و مَنْ يتق الله يجعل له من أمره يسراً ).

أسأل الله العلي القدير أن يجعلنا من التوابين و يجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه.

* ناشط في مجال التوعية بأضرار المخدرات
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي