رجا طلب / علاقة الأردن مع «حماس»... ما بين الأمني والسياسي؟

تصغير
تكبير
أنعشت الأنباء التي تحدثت عن اللقاءات المتتالية بين اللواء محمد الذهبي مدير المخابرات العامة وممثلين عن «حركة حماس»، الكثير من التحليلات وغذت العديد من المواقف، غير أن أبرز اتجاهين يمكن التوقف عندهما، واللذين كانا أكثر تفاؤلاً بهذه اللقاءات، هما: الأول «التيار العقائدي» العام المؤيد لـ «حماس» من المحسوبين على «جماعة الإخوان المسلمين» وأنصارها، أما الثاني فهو ما يمكن تسميته «بتيار المحافظين» أو «تيار التعطيل» الذي برز منذ أشهر كتيار رافض للتوجهات الإصلاحية الاقتصادية للدولة، ومعاد بصورة أوتوماتيكية للعلاقة مع الولايات المتحدة، وكان وراء ترويج نظرية «هزيمة تيار الاعتدال» العربي، والمطالب بمراجعة السياسة الخارجية الأردنية والانفتاح بصورة أساسية على ما يسمى بمحور «الممانعة»، ويضم هذا التيار متقاعدين سياسيين خرجوا من رحم الدولة، كما يضم أصحاب التوجهات القومية وبقايا الماركسيين بالإضافة إلى أصحاب التوجهات الإقليمية المغلقة.
لقد اتفق التياران الأول والثاني على أهمية الخطوة وصوابيتها، لكن كل طرف قام بقياس هذه الأهمية من زاويته. الأول اعتبر فيها إعادة اعتبار مهمة للعلاقة بين الدولة والتيار الإسلامي بصورة عامة ولـ «حماس» التي خرجت مطرودة من الأردن عام 1999 بصورة خاصة، كما اعتبر الكتاب المقربون من هذا التيار الخطوة بمثابة تحالف جديد بين الأردن و «حماس» يستوجبه الواقع الفلسطيني الذي برزت فيه «حماس» كقوة أساسية سياسياً وعسكرياً، وذهب البعض منهم إلى القول بنهاية «فتح» كقوة سياسية قادت نضال الشعب الفلسطيني منذ عام 1965، أما التيار الثاني فقد التقط كل المسألة من زاوية أن الدولة استجابت لمطالبه بضرورة تنويع خياراته السياسية والانفتاح على محور الممانعة، واعتبر أن العلاقة مع «حماس» كفيلة في مواجهة فكرة «الوطن البديل» دون تفسير منطقي أو علمي لمثل هذه القدرة خاصة وأن «حماس» مازالت ضد قرار فك الارتباط عام 1988، وإذا كان التيار الأول يحق له الذهاب إلى بعض النتائج والتفاسير السياسية المبنية على وحدة الحال التاريخية بين جسمه التنظيمي والسياسي مع جسم «حماس»، إلا أن التيار الثاني يذهب في تفاسيره للعلاقة مع «حماس» إلى زوايا ذات حسابات تغلب عليها المناكفة السياسية لقوى أخرى داخل الحالة الوطنية الأردنية وبخاصة تجاه ما يسمى بتيار التجديد أو الإصلاح أو الليبرالية الأردنية.
التياران المشار إليهما ذهبا إلى كل ما ذهبا إليه بناء على المعلومات والتصريحات التي أخذ يطلقها قياديو «حماس» منذ أن سرب خبر اللقاءات الأمنية مع اللواء الذهبي، وهي تصريحات قللت من الاعتبار الأمني للقاءات ورفعت بشكل متعمد ومدروس من القيمة السياسية لها، ووصل الأمر بمحمد نزال إلى الحديث عن أن «حماس» تشكل ضمانة للأردن في مواجهة «الوطن البديل» وأن اللقاءات تطرقت إلى قضايا الحل النهائي، وهو ما استدعى الحكومة وعلى لسان وزير الدولة لشؤون الإعلام ناصر جودة إلى إيضاح الأمر بصورة جلية والإعلان عن أن هذه اللقاءات أمنية وتناقش قضايا أمنية عالقة بحاجة إلى حلول، وقبل ذلك بيومين كان وزير الخارجية صلاح البشير يشرح طبيعة هذه اللقاءات مع «حماس» لعدد من السفراء ويؤكد لهم أنها مجرد قناة أمنية وليست قناة سياسية.

وفي كل الأحوال من الصعب قبول المنطق الذي يتحدث عن أن هذه اللقاءات تشكل بداية تصويب العلاقة مع «حماس» سياسياً وأمنياً للعودة إلى مرحلة تحالف معها. فالبرنامج السياسي لـ «حماس» القائم على نظرية الحرب المفتوحة مع إسرائيل، واعتماد سياسات الهدن بدلاً من السلام أو الحلول السياسية، لا يمكن أن يلتقي مع التوجه الاستراتيجي للدولة الأردنية الذي يعتمد السلام مع إسرائيل، والعمل على إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس ثابتين لا يمكن الابتعاد عن أي منهما بوصة واحدة.
المعلومات المتوفرة لدى كاتب هذه السطور تؤكد أن الدولة الأردنية راغبة في حل الإشكالات الأمنية مع «حماس» على الساحة الأردنية، وهي عديدة ويمكن أن تؤدي في نهاية المطاف إلى قناة محددة غير متاحة للعلنية تناقش قضايا سياسية وأمنية، وفي أحسن الحالات تعمل على التنسيق لقضايا عملية يحتاجها الطرفان، لكنها لن تصل إلى ما كانت عليه الأحوال قبل عام 1999، أما في حسابات «حماس» فإن الحركة ترى في إيجاد أي قناة اتصال دائمة مع الأردن، بقيمته الاستراتيجية الكبيرة للقضية الفلسطينية، مكسباً مهماً بعد الخسارة الكبيرة التي تلقتها عام 1999، وتحديداً بعد أن اكتشف التيار المعتدل فيها أن علاقة الحركة مع بعض الدول في المنطقة جرى توظيفها كورقة لصالح هذه الدول، وأن الواقع الجديد في غزة أخذ يكرس قيادة فعلية للحركة تذهب في الكثير مما تقرره بعيداً عن قناعات من هم في الخارج، وأن العلاقة مع الأردن قد تساهم في تعزيز دور من هم في الخارج وتعيد لهم القيمة السياسية التي بدأت تتآكل.
الأردن ليس معنياً بهذه الحسابات ولكنه يعلمها جيداً، والأهم في التوجه الرسمي الأردني أنه لا يريد علاقة تضعف السلطة الفلسطينية، أو ندية لها، أو على حسابها، والتي تعد ووفق مسؤول أردني رفيع المستوى هي العنوان الذي يتعامل معه الأردن في كل ما يتعلق بالقضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني.
رجا طلب
[email protected]
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي