لسان حال لاجئيه «شكراً أمير الإنسانية» و«جزاك الله خيراً يا كويت»

«الراي» في مخيم الزعتري ... فيض من المعاناة وقليل من المساعدات

تصغير
تكبير
• لا يخلو متر في المخيم من طفل يحفر الأرض بمعول أو امرأة تغربل التراب أو رجل يبني الأحجار

• في «الشانزليزيه» يشغل أردنيون لاجئين في محلات متنوعة بأجر لا يتعدى «ديناراً» باليوم

• 13 شخصاً ننام في 3 غرف صغيرة سقفها «شادر»

• ننتظر نهاية الشهر بفارغ الصبر للحصول على كوبونات بنحو 380 دولاراً
«مرحبا بكم في مخيم الزعتري للاجئين السوريين»... لافتة كبيرة تستقبلك على بعد 80 كلم شمال العاصمة الأردنية عمان، قبل الدخول إلى عالم من المعاناة يعيشها زهاء 80 الف لاجئ سوري، على مساحة 15 كليومترا مربعا.

26 ألف كوخ «كرفانة» تبرعت بها الكويت مع بداية العام الحالي، يعيش بها اللاجئون الهاربون من جحيم الحرب والمآسي في سورية، 80 في المئة منهم من درعا التي تبعد 20 كيلومترا عن الحدود الأردنية-السورية و40 عن مدخل المخيم، ويقسمونها بين غرف للنوم والغسيل والحمامات.


مع دخولك إلى المخيم - في جولة صحافية نظمتها منظمة اليونيسيف التابعة للأمم المتحدة لوفد صحافي من الكويت - لا تنفك تنظر يمينا أو شمالا حتى ترى أطفالا يلهون بما تيسر لهم من ألعاب بدائية، ونسوة يتبادلن بينهن الاحاديث، الغالب عليها النقص الموجود في الاحتياجات، وانعدام القدرة على شرائها لغلاء ثمنها من جهة، وعدم توافر المبلغ الكافي لها من جهة أخرى.

الرجال من جهتهم تجدهم يتجمعون في ساحة ترابية خلف موقد للتدفئة، يضربون يدا بيد على الأحوال التي وصلوا إليها، يخفون الدمعة لعجزهم عن تأمين حاجيات أسرهم، وانتظارهم للكوبونات في نهاية كل شهر لشراء القليل من كثير يحتاجونه من مأكل ومشرب وملبس، ولا يصدقون سطوع نور الشمس للهرب من المنزل لساعات طويلة خوفا من طلبات أطفالهم المحقة، وتقديم الوعود الكاذبة لهم لعدم إشعارهم بالعجز والعوز.

تكاد لا تمشي مترا داخل المخيم إلا وترى طفلا يحمل معولا للحفر في الأرض، أو امرأة تغربل التراب، أو رجلا يبني الأحجار لتأمين مساحة صغيرة تستخدم كمساعد للصلاة أو حمامات للوضوء.

وبعد التغلغل في قلب المخيم تصل إلى شارع الشانزليزيه الذي يحوي محلات تجارية لأردنيين يشغلون بعض اللاجئين في حرف كالحلاقة أو إصلاح الهواتف أو خياطة الثياب مقابل النزر النذير من الأموال والتي لا تتعدى دينارا أردنيا عن كل يوم.

منظمة اليونيسيف للتعليم والعشرات غيرها من المنظمات العالمية تعمل على الأرض مع قوات الأمن الأردنية بغية المساعدة على تأمين الحد الأدنى من المساعدات الصحية والتعليمية والغذائية والأمنية لسكان المخيم، وتعمل على بناء المدارس، وتوزيع كوبونات بقيمة 20 دينارا أردنيا شهريا لكل لاجئ سوري «نحو 35 دولارا»، وتقيم نشاطات للأطفال على مدار اليوم، سعيا منها لإبعاد شبح الحرب عن ذاكرة أطفال عايش الكثير منهم هدم منازلهم وقراهم كاملة، وتجيب عن أسئلة تخطر على بالهم لعل أقلها لماذا أنا هنا؟ ومتى أعود إلى بلدي؟ وهل سأجد ألعابي وغرفتي عند عودتي؟ وهل سألعب مع جاري؟ بكلمات بسيطة تنسيهم أحزانهم للحظات.

غيض من فيض مشاهد تعيشها خلال الزيارة إلى أكبر المخيمات الأردنية للاجئين السوريين، تجعلك تقول في قرارة نفسك «من يرى مصيبة غيره تهون عليه مصيبته».

ولا شك أن من يرى الواقع يقدر الجهود الكبيرة التي تبذلها الدول المستضيفة للاجئين والمنظمات الدولية من اليونيسيف والصليب الأحمر الدولي والاتحاد الأوروبي وغيرها لتخفيف المعاناة الإنسانية عنهم.

كما أن من يزر مخيم الزعتري يرَ الجهود الكبيرة التي تبذلها الحكومة الكويتية، والشراكات الكبيرة التي أبرمتها مع المنظمات العالمية، بحيث يتفق الجميع على مقولة «جزاك الله خيرا يا كويت» تصاحبها مقولة «الله معك يا أمير الكويت، الله معك يا أمير الإنسانية» من قبل اللاجئين السوريين أنفسهم ومن قبل القيمين على المنظمات الإنسانية من جهة أخرى الذين يشيدون بأن الكويت وأميرها من اول المبادرين لتقديم الدعم والمساعدات على كل من يقيم في المخيم.

مدرسة الكويت الثانية ... الأولى المضاءة كهربائياً

مع بداية العام الدراسي الحالي في المملكة الأردنية الهاشمية، افتتحت وكالة اليونيسيف للتعليم التابعة لهيئة الأمم المتحدة مدرسة الكويت الثانية في مخيم الزعتري، التي تستوعب نحو 1200 تلميذ وتلميذة سوريين من الصف الأول حتى الثالث ابتدائي.

وجاء افتتاح المدرسة الأولى من نوعها المزودة بالكهرباء، لتعكس التعاون الكبير بين وكالة اليونيسيف العالمية والحكومة الكويتية لتحويل تعليمات سمو أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح في دعم اللاجئين السوريين، وتوفير جميع متطلباتهم في جميع الدول إلى واقع ملموس.

وتستوعب المدرسة التي تعمل بنظام الفترتين 500 تلميذة في الصباح بين الساعة 7:30 وحتى 11:30 قبل الظهر، و650 تلميذا بين 11:30 و3:30 عصرا، وتساهم في حل مشكلة عدم وجود مدرسة قريبة في القطاع الموجودة فيه، وتقليص المسافات التي يقطعها التلاميذ يوميا والتي كانت تصل إلى 3 كيلومترات في السنوات الماضية.

وأثنت مديرة المدرسة سكينة الشتيفات على خطوة دعم الكويت لإقامة المدرسة التي افتتحت أبوابها رسميا في 1 سبتمبر الماضي، مشيدة بخطوات سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد والحكومة الكويتية في دعم اللاجئين السوريين في مخيم الزعتري وغيره من المخيمات.

وقالت الشتيفات خلال استقبالها للوفد الصحافي على هامش زيارته مخيم الزعتري للاجئين، إن المدرسة تحتوي على 12 شعبة دراسية تستوعب 40 تلميذا في كل منها، مقارنة بنحو 130 تلميذا في كل صف ببقية المدارس، لافتة إلى أنها تستقبل التلاميذ على مدار العام، وأن طاقم المدرسين والمدرسات من الجنسية الأردنية يتبعون أساليب ابتكارية في تلقين التلاميذ للمعلومات، ويقدمون العديد من الحوافز من أجل مكافأة المميزين منهم على الدوام.

ومن ناحيتها، قالت المرشدة النفسية نوف بني خالد إن مدرسة «الكويت 2» بحاجة للعديد من الأمور ومنها 5 أكواخ أو غرف للتمريض والمختبرات والإرشاد النفسي والمكتبة والإدارة، ووقف تسرب المياه إلى الصفوف خلال فصل الشتاء.

تدعم 3 منها ... ومليون دينار أردني كلفة حفر البئر الواحدة

الكويت ممول عربي وحيد لمشاريع الآبار في المخيم

تعد مشكلة المياه واحدة من أبرز المشاكل التي يعاني منها اللاجئون السوريون في مخيم الزعتري.

وانطلاقا من هذا الواقع، قامت الكويت الدولة العربية الوحيدة ضمن تحالف يضم الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وإحدى المنظمات التابعة للاتحاد الاوروبي وألمانيا واليابان بتمويل مشروع لإقامة وحفر 3 آبار ارتوازية في المخيم.

وتعد البئر رقم 2 من كبرى الآبار الممولة من الكويت وشركائها، بحيث توفر يوميا 3500 متر مكعب من المياه للسكان المقيمين في الزعتري، إذ تحتوي على 15 خزانا كبيرا مقابل خزانين في البئر 1 و خزانات كبيرة في البئر 3.

ويشير مهندس المياه والصرف الصحي في المخيم أحمد الطراونة إلى أن تمويل الكويت يساعد على نقل مياه الشرب، ونقل المياه العادمة، وتنقية مياه الصرف الصحي، ونقل النفايات الصلبة من داخل المخيم.

وقال الطراونة إن نقل المياه من الآبار الثلاثة الموجودة في المخيم يتم عبر 70 صهريجا كبيرا، مبينا أن شركة خاصة تتولى تشغيل البئر مقابل 20 ألف دينار أردني تقريبا، ومبينا أن كلفة حفر بئر تصل إلى مليون دينار أردني.

وأفاد أن كل لاجئ في المخيم يحصل بحسب شروط اليونيسيف على 35 لترا من المياه، منوها بأنه في الصيف تضطر المنظمة الدولية لشراء 500 متر مكعب من المياه يوميا من خارج المخيم مع ارتفاع الطلب إلى 4000 متر مربع يوميا. وذكر أن الكويت تتولى حاليا تمويل بئر جديدة ينتهي العمل بها بحلول نهاية العام الحالي، مشيدا بالتزام الحكومة الكويتية بدعم اللاجئين السوريين في مخيم الزعتري وفي بقية المخيمات الأردنية للاجئين السوريين.

ياسر دعيبس يعيش في المخيم على فتات المساعدات الإنسانية وينتظر الفرج

لاجئ سوري يبحث عن... الحياة

«لو عرفت قبل 3 أعوام، أن الأمر سينتهي بي لاجئاً يعيش على فتات المساعدات، فلربما فضلت البقاء في بلدي على الهرب».. هكذا لخص اللاجئ السوري ياسر دعيبس وضعه في مخيم الزعتري وهو الذي هرب من جحيم الثورة السورية التي بدأت في العام 2011 وخلفت ملايين المهجرين واللاجئين وعشرات آلاف الضحايا، ليجد أمامه جحيم البحث عن لقمة العيش.

فقبل 3 أعوام خرج ابو محمد من درعا حاملا دمه ودم عائلته المؤلفة من 13 فردا على كفه، هربا من البراميل المتفجرة التي كانت ترمى فوق القرية، صاحبة الشرارة الأولى لاندلاع الثورة السورية، حتى وصل الى مخيم الزعتري.

دعيبس الذي يعيش اليوم مع عائلته المؤلفة من 3 ذكور و7 إناث وزوجته وحفيدته، ينتظر على أحر من الجمر مجيء نهاية كل شهر من أجل الحصول على قسائم شرائية بقيمة 260 دينارا أردنيا أو ما يعادل 380 دولارا تقريبا، من منظمة الأمم المتحدة للغذاء، لشراء المأكولات والمشروبات وبعض الملابس لعائلته من متجرين محددين، بأسعار مضاعفة عن أسعار الأسواق خارج المخيم، ولا تكفيه للأيام العشرة الأولى من الشهر، في حين يقضي بقية الشهر بانتظار مساعدة من أحدهم، أو ببيع مقتنيات منزله كالفرش والبطانيات بأسعار زهيدة، من أجل العيش بأدنى المعايير الإنسانية.

الدرعاوي كما يلقب بين جيرانه، يمنع الدمعة من الخروج من عيونه، وهو يتحدث عن عجزه عن تلبية بعض متطلبات أبنائه كشراء لعبة أو حذاء جديد، ويحاول نسيان معاناته من أجل الحصول على قسط من النوم هربا من الإحساس بذنب فرض نفسه عليه، وتركه تحت رحمة «المعونة» و«الاعاشة» و«التسول» حسب تعبيره بعدما عاش حتى أمس قريب من دون أن يحتاج أي أحد، لا بل وقادر على تلبية متطلبات كافة أفراد عائلته، من خلال عمله سائقا لحافلة في شركة شحن في درعا.

صاحب الثمانية والثلاثين ربيعا، يعترف بحسرة، أنه بعد هروبه عبر أحد المعابر غير الشرعية على الحدود الأردنية السورية باع سيارته من أجل الحصول على بعض المال، إلا أنه دفعه المبلغ الذي كان يحمله بعد وصوله إلى مخيم الزعتري لشراء 3 أكواخ صغيرة بمساحة 8 أمتار مربعة، لأن «السلطات المسؤولة في المنظمات الإنسانية لم تمنحه إياها مجانا وماطلت كثيرا بحجة أن دوره لم يأت بعد وعليه بالانتظار».

ولفصل الشتاء عند دعيبس وعائلته معاناة مستمرة ومتكررة، أذ إن الأكواخ الثلاثة المتلاصقة من دون سقف ومغطاة بمجموعة من الأقمشة (الشوادر) ما يؤدي إلى تسرب المياه إلى الغرف التي ينام بها أفراد العائلة، وغرقها بالثلج عند العواصف، في حين أنه يضطر للاقتصاد في استعمال التدفئة لتساعده حتى نهاية الشهر.

ويشكل الاستحمام واحدة من المآسي إن صح التعبير بحيث يوجد حمام واحد لجميع أفراد العائلة، التي تنتظر بالدور للدخول والاستحمام، وتقاسم الأدوار، وانتظار وصول المياه من اليونيسيف بشكل يومي أو أسبوعي خلال فصل الصيف.

وتنتظر زوجة دعيبس الكهرباء على أحر من الجمر يوميا من أجل غسل الثياب، بينما تأمل في قرارة نفسها الا يأتي الشتاء لأن الثياب تنشر في الهواء بين الاكواخ في الصيف وخلاله تضطر إلى نشرها داخل المسكن واستقطاع جزء من المساحة الصغيرة لنشر حبال خاصة لها.

وهكذا تمر يوميات ياسر دعيبس منذ 3 سنوات، داخل مخيم الزعتري، ويصل الليل بالنهار ويعد الدقائق والساعات والايام، آملا في قرارة نفسه أن تنتهي الحرب السورية لإبعاده عن شبح المعاناة الذي يتعرض له لتأمين أقل شروط الإنسان ألا وهي... الحياة لا أكثر ولا أقل.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي