ديوانه صدر عن دار الفراشة للنشر والتوزيع في الكويت

قراءة / يوسف ماجد نايف... يجني من الشعر «أول القطاف» بحثاً عن رؤى إنسانية جديدة متوهّجة بالجمال

تصغير
تكبير
في ديوانه «أول القطاف» يتواصل الشاعر يوسف ماجد نايف- الطالب في الجامعة الأميركية في الكويت - مع ما يمكن أن نطلق عليها رؤى شعرية شفافة، تبحث عن الجمال في أنساق شعورية متداخلة، وذات إيحاءات مفعمة بالحيوية والحركة.

والديوان- الصادر عن دار الفراشة للنشر والتوزيع في الكويت- يأخذ المتلقي إلى رحلة مزاجها الحلم، ومفرداتها الخيال، الذي يتواصل مع الواقع في إيقاعات حسية متناغمة مع الكثير من الصور الشعرية، تلك التي تتنامى في أجراسها الموسيقية إيقاعات إنسانية عديدة:

ما زلت أنبض

مثل نصف قصيدة

... ستتمها الريح

ومن خلال المدلول الذي يوحي به عنوان الديوان «أول القطاف»، فإن ثمة علاقة متواصلة ومرتبطة مع المضامين التي يرغب الشاعر في أن يتصل بها مع وجدان القارئ، تلك التي يدخل في أنساقها الأمل، والتطلع، والمستقبل، وجنى ثمار التعب، وخلافه... ومن ثم فقد تهيأ المتلقي/‏‏ القارئ في أن يكون على موعد متصل مع مشاعر ثرية سيقرؤها خلال رحلته مع كلمات الشاعر:

والديوان عبارة عن قصيدة طويلة، تحمل عبر فقراتها- التي أعطى لها الشاعر أرقاما متسلسلة- الكثير من المشاعر التي تبحث في الحياة تحليلا وتفسيرا وكشفا، ومن ثم فقد استخدم الشاعر خلالها لغة مرنة متواصلة مع الوجدان بأكبر قدر من التكثيف والإيحاء، للوقوف عند أفكار محددة، وذات أبعاد إنسانية متنوعة:

أحتاج نوما دافئا في علبة الكبريت

أو في مزهرية جارنا الزرقاء

أو في جحر فأر ميت

أحتاج صمتا مثل صمت العاشقين

ورغم ما قد تتصف به هذه الصورة -التي رسمها الشاعر- بالحزن، وربما باليأس، إلا أنها تبدو غير ذلك، حينما نتأكد أن المدلولات الشعورية، تريد أن تتحين الفرصة، من أجل الهروب أو الفرار من عالم واقع، إلى آخر متخيل، ستتكشف عنه فقرات القصيدة في مفرداتها القادمة:

متى تعطى المساحة للورود

ألا تراها بين مادياتهم بين الطعام

وبين أشلاء المرايا؟ كيف تبصرها

وقد جعلوك مثلهم وأسوأ أيها المسكين

يفلت منك حرف جائع

إلى جوف السواد ويختفي... تنساه أيضا

أنها تأملات يريد نايف أن يجعل منها متكأ يصل من خلالها إلى غاية الجمال، ومن ثم فقد اتسم بحثه عن هذه الغاية بالأسلوب المضاد الذي يبحث عن الشيء في ضده:

نخشى أمورا

لا نسميها مماتا

أو حياة

ربما النور المطل

وراء شكل

تاركا ظلا طويلا

ربما هو ذلك الموت الذي أخشاه

موت بعده أحيا مجددا

ومضى الديوان في الحديث عن بعض ما يقلق الشاعر، أو يدعو إلى حيرته، غير أنه حديث يتسم- رغم قتامته الظاهرية- بالولوج إلى مناطق مضيئة، تتواصل فيها المفردات، وتتفق عليها المشاعر وتختلف، إلا أن المحصلة هي جنوح الشاعر إلى التأكيد على روح الإنسان المحب للحياة، الراغب في تحسين صورتها، من خلال كشف سلبياتها:

تتقارب الأكتاف

ينكفئ المساء على التلال

تستشيط النار في القنديل

يتركني الهواء

وكل حبات الأرز

هناك أشياء تحاكي الحزن

تكسرني ككأس من زجاج أزرق

كما أن هناك تساؤلات يطرحها الشاعر في متن ديوانه، إلا أنها تساؤلات ربما لا تحتاج إلى إجابه لأنها في الحقيقة أسئلة الوجود، والإنسان الذي يطرح في عمق السؤال أكثر من إجابة:

ما معنى ألا أتحرك؟

يأتيني مت يشبهني

ويقبل خدي وأما أغرق في نفسي

أتشقق من حمقي وغبائي

ما معنى ألا أتكلم؟

أو يتحدث شخص عما في ذهني

ما معنى ذلك ما معنى أفكاري؟

هل سيموت الفكر؟ لماذا؟ أين؟ متى؟

وفي استشرافه للحياة يتجه الشاعر إلى الخيال... متواصلا مع صوره التي يبتغي من خلالها الحياة، وهو ابتغاء حسي، يتنامى عبر مضامين شعرية تجتهد في ابراز المعنى بقدر من الصدق، كما يعبر الشاعر في ديوانه عن بعض وجهات نظره، في ما يتعلق بالمظاهر الحياتية، وغيرها:

لظل سيسرق عيني حبيب

يدان كطوب الجدار

ورأس كقبرة فارغة

وسيارة فخمة، ومنزل فاره

كل سجادة فيه تكفي ليشتري الحب

واللغة التي استخدمها نايف في ديوانه، تبدو في مجملها سهلة، وغير عصية على الفهم، إلا أنها مفعمة بالمدلولات، والعمق الشعري، والقدرة على الابتكار في ما يخص منظومة الصور الشعرية، والجرس الموسيقي الداخلي، وبالتالي فقد استطاع الديوان أن يحقق متعته المنشودة، وتمكن من الاقتراب من وجدان المتلقي بقدر كبير من الشفافية... وذلك في سياق البحث عن رؤى إنسانية جديدة، يتبدى فيها الفعل الشعري متوهجا بالحضور، والتنوع.

من أجواء الديوان

حرٌ جارحٌ

لو أن لي يدك الخفيفة والهدوء

لكنت من يزداد حسنا كل ثانية

ولو دخلت نجوم في فؤادي

كي تنام بداخلي سأقول للزمن الغريب: توقف!

***

نخشى أموراً

لا نسمّيها مماتا

أو حياة

ربما النور المطل

وراء شكلٍ

تاركا ظلا طويلا

ربما هو ذلك الموت الذي أخشاه

موت بعده أحيا مجدداً

***

إذا ألّفت أغنية تمهل

وانتقِ الكلمات ثانية

فقبل الحب يوجد دائما عطل

ولحنك سوف يرحل عنك تكراراً

إذا لم تحفظ الكلمات

يا هذا... ألم تنظر الى احقادنا؟

فلم التعجل؟ والحياة أمام مقصلة

تكاد تكون شيئا تافها جداً... لم الأحقاد؟

***

أحبها شفافة كالنور

أو مرتاحة فوق الاريكة في الظهيرة

قلبها الخشبي يستر بعض حبي... (كله؟)

وأحبها رقراقة

بستان توتٍ

هضبة تعلو

وزهرة نرجسٍ متواضعة

***

نصف حبة توت

تحول - اذا شئت-

بين فمين، فم من حرير،

وآخر يرتعش

***

انظر الى من يستحق عيونها

حاول بالا تحقد

الكلمات تترك كذبة ببياضها

وسوادها... وهي الملونة الرقيقة

وهي لوحة طفلة تحتاج ترتيبا فتشتيتا

هنا، يا صاحبي، سترى ارتكاز الصمت

في عيني حبيبتك التي في قلب قلبي

هل رأيت الهم يسقط فوق رأسي

مثل دلو او كماء بارد من شرفة؟

سأروح مبتسما بحزني

او بشيء لازوردي

بصمت مثل صمتك

كي يظل الجو رطبا

او لكي تبقى كذكرى

***

يا صوت اغنية تلوت

من مواجعها وصارت شبه تاريخ

تراثا... هل رأيت الصمت يوما؟

هل شعرت بعفة الغصن الصغير؟

بخفة الاشياء ليلا في المسارح؟

ترقص الاشكال في رأسي لتغضبني

فتغريني انحناءات العذارى

في ارتكاب الحب:

رب خطيئة

وقصيدة

لا ينتهي مفعولها
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي