الشاعرة الدكتورة سعاد الصباح وثّقت بالصور رحلة «آخر السيوف» مع الحياة

عبدالله المبارك... رجل دولة جمعَ بين الأصالة والحداثة

تصغير
تكبير
• رائد من روّاد التقدم في شتى مجالات الحياة... أنصفَ العِلم والثقافة وشجّع الشباب وأسس للوطن مستقبله

• غرزت فيه البادية أخلاق الكرم والإيثار... فكان لا يبخل بشيء ولا يخيّب رجاء محتاج أو طالب حاجة

•رغم انحداره من أصول قبلية إلا أن عينيه كانتا دائماً مصوبتين نحو آفاق المستقبل... فعمل جاهدا على تثبيت كل سبل التطور لبلده

• كان حازماً في قراراته صلباً في مواقفه وفي كل الأحوال اتسم سلوكه بالعدل بين الناس

• اتسمت مواقفه مع الدول الكبرى بالمرونة والواقعية من ناحية وبالشجاعة والدفاع عن الحقوق من ناحية أخرى
يذكر التاريخ بكثير من الفخر والاعتزاز، عبر صفحاته المضيئة الشيخ عبدالله مبارك الصباح- رحمه الله- بكل ما تحمله شخصيته العامة من عبقرية في مجالات انسانية واجتماعية وسياسية عدة قلما تتوافر في شخص واحد.

انها ذاكرة التاريخ، التي احتفظت في مساحة كبيرة منها... ومن خلال سطورها البيضاء، بسيرة هذا الرجل الذي صنع لوطنه الكويت ملامحه التي اتسمت بالتمييز والتطور، ووضع منهجا معتبرا لهذه البقعة من الارض... تأسس من خلاله الحلم الكويتي في الاستقرار والسلام والحب.


وفي نسق يغلب على محتواه الوفاء والحب، اصدرت الشاعرة الدكتورة سعاد الصباح كتابا مصورا لخصت عبر اوراقه سيرة رفيق دربها الشيخ عبدالله مبارك الصباح، كاشفة من خلال الكلمات والصور عن العديد من المواقف والمراحل والرؤى، التي نعرف بعضها، وبعضها نتعرف عليها لاول مرة.

والكتاب يحمل عنوان «تاريخ عبدالله مبارك الصباح في صور»، وبالتالي خاضت مؤلفة الكتاب في كل الجوانب التاريخية المتعلقة بالشيخ عبدالله مبارك الصباح- رحمه الله- مستلهمة رؤاها من خلال الصدق المبني على معايشة هذه الشخصية المتفردة في صفاتها، المتميزة بانجازاتها.

إنه الكتاب الذي يتحدث بالصور والكلمات عن كفاح هذا الرجل ومسيرته التي لا تنفصل أبداً عن مسيرة الكويت وشعبها، خصوصا في حقبة الخمسينات من القرن العشرين، تلك الحقبة الحافلة بالاحداث المهمة والمؤثرة... في تاريخ الكويت.

وفي مقدمة الكتاب تحدثت المؤلفة عن مولد ونشأت الشيخ عبدالله المبارك في 23 اغسطس عام 1914 تقريبا، حيث لم يكن وقتها السجلات منتظمة في تسجيل المواليد واتسمت طفولته بجو البادية وتقاليدها، فقد نشأ الشيخ عبدالله المبارك وتربى في بيئة قبلية صحراوية، واستقى من هذه البيئة سجاياه وقيمه واخلاقه ومبادئه القويمة التي كانت نبراسا له في طفولته، كما كانت ارضية صلبة وقف عليها بثبات في شبابه، ومنها استمد قوته وتميزه كرجل دولة حين باشر مسؤولياته الحكومية المتعددة.

وقد تركت هذه النشأة آثارها في خلقه وطباعه، فكان صبورا قادرا على تحمل الشدائد، ومقداما لا يهاب الاخطار، وسيرته مفعمة بالاحداث التي تشير إلى شجاعته الشخصية.

غرزت فيه البادية أيضاً اخلاق الكرم والايثار، فكان لا يبخل بشيء، ولا يخيب رجاء محتاج أو طالب حاجة حتى أن البعض وصفه بالتبذير، والحقيقة أن هناك فارقا كبيرا بين الكرم والاسراف، فالكرم هو خلق يتطبع به الإنسان منذ الصغر، ويعيش معه حتى الممات غنيا كان أو فقيرا، وهو كان كريما منذ صغره حسب عادات البادية.

وكان الشيخ عبدالله المبارك حازما في قراراته، صلبا في مواقفه، وفي كل الاحوال، اتسم سلوكه بالعدل بين الناس دون تفرقة أو تمييز بين غني وفقير، أو بين ابن الصباح واي كويتي آخر، أو بين صديق له وآخر من عامة الناس. وكان يؤمن بان العدل أساس الحكم، وان القانون ينبغي أن يطبق على الجميع دون فارق أو تمييز، ولم يتردد قط في اقامة العدل واتخاذ الاجراءات ضد أحد من اسرة الصباح أو من المقربين إليه إذا ما ثبتت مخالفتهم للقانون.

ولم يميز الشيخ بين كويتي وآخر، وحرص على أن يكون مكتبه مفتوحا لكل صاحب مظلمة أو شكوى، ويتذكر كبار السن من الكويتيين النافذة المفتوحة المطلة على الشارع بغرفة مكتبه في دائرة الامن العام، والتي كان يقف بها أي مواطن أو مقيم لينقل من خلاله مطلبه، فيرد عليه الشيخ بنفسه، اما ديوانيته في المساء، فكانت مفتوحة لكل الكويتيين، من مختلف القبائل والفئات.

لقد كان الدور الأكبر للشيخ في حقبة السنوات العشر السابقة للاستقلال، ويبدو أن الله قدّر له أن يكون هناك رابط بينه وبين وطنه في مرحلة حاسمة من التطور لكليهما، فقد كان الشيخ في منتصف الثلاثينات، وهي مرحلة الرجولة والقدرة على العطاء، في وقت كانت الكويت تتفجر حيوية ونشاطاً، وتتدفق بالخير والنماء، وتفاعل الرجل مع متطلبات المرحلة من أجل بناء مؤسسات الدولة الحديثة.

وخلال هذه الفترة تبلور دور الشيخ عبدالله المبارك باعتباره نائباً لحاكم الكويت، فعندما أصدر الشيخ عبدالله السالم أمير البلاد مرسوماً في عام 1958 بتشكيل المجلس الأعلى الذي تكون من سبعة عشر شخصاً، كان ترتيب الشيخ الثاني بعد الأمير مباشرة، وحدد المرسوم اختصاصاته في «رئيس دائرة الأمن العام وتتبعه إدارة الجنسية والجوازات، وإدارة الإذاعة والتلفاز، بالإضافة إلى بعض الدوائر الأخرى»، وأنيط بشخصه تطبيق قرارات المجلس الأعلى، وفي 7 فبراير عام 1959 أصدر الأمير مرسوماً بإعادة تنظيم الدوائر الحكومية، جاء فيه اسمه في الترتيب الأول.

وكما توضح الوثائق البريطانية، فقد تولى الشيخ الحكم بالنيابة لأول مرة لمدة شهر في عام 1950، ثم في عام 1951، وتولاه في عام 1952 لمدة ثلاثة شهور، ومرة أخرى لنفس المدة عام 1953، ولمدة شهرين عام 1954، وثلاثة شهور في عام 1955، ولشهر واحد عام 1956، ثم أربعة شهور عام 1957، فخمسة شهور في عام 1958، ومارس مهام الحكم في كل شهور عام 1959 ما عدا شهر أكتوبر، وفي عام 1960 لمدة ستة شهور.

وهكذا، تزايدت مهام نائب الحاكم ومسؤولياته في السنوات الثلاث السابقة للاستقلال بسبب مرض الشيخ عبدالله السالم، وازدياد فترات غيابه للعلاج، وكذا لثقته الكبيرة في قدرة نائبه على إدارة أمور الكويت وتصريف شؤونها. ولما كانت هذه السنوات الثلاث تعد مرحلة إعداد الكويت للحصول على استقلالها، والتي اتسمت بالانفتاح السياسي الداخلي، وبالتحرك النشط الخارجي، فقد كان دور عبدالله المبارك في هذا «المنعطف التاريخي» حاسماً في إعداد الكويت للاستقلال.

والحقيقة أن استقالة الشيخ في أبريل 1961، وقبل إعلان استقلال الكويت بشهور، يمكن فهمها في ضوء المبادئ السياسية والأخلاقية التي التزم بها الرجل طوال حياته، فالشيخ الذي طالما حذرت تقارير الوكيل السياسي البريطاني في الكويت من سعيه للسلطة، ومن تكديسه للسلاح لاستخدامه كورقة ضغط في أي صراع على السلطة... هذا الرجل تخلى طواعية وبمحض إرادته عن كل زهو السلطة وسلطانها، لم يناور مع أحد، ولم يحاول الضغط على أحد، ولم يستخدم أسباب القوة والنفوذ التي كانت بحوزته، وإنما انسحب في هدوء وكبرياء من فوق المسرح، وهو في قمة شموخه وسلطته. وبعد استقالته، اعتزل الشيخ الحياة السياسية، ولكي يؤكد للجميع أن قراره نهائي ولا رجعة فيه، أقام في الخارج حتى منتصف السبعينات عندما عاد للاستقرار في الكويت.

وعندما وقعت صدمة الغزو العراقي لبلاده - ورغم مرضه - تابع أخبار المقاومة الكويتية لحظة بلحظة، ووضع نفسه وعائلته وكل ما يملك في خدمة هدف تحرير الأرض التي عشقها، وسخر حياته من أجلها. كان وقع كارثة الغزو على قلب الشيخ وعقله أليماً وثقيلاً، وكان أكثر ما يفزعه كما يروي المقربون منه هو أن يلقى ربه قبل تحرير الكويت، لكن إرادة الله شاءت أن تتحرر دولة الكويت وهو على قيد الحياة، وأكرمته العناية الإلهية، إذ دفن جثمانه الطاهر في ثرى الكويت العزيزة والغالية على قلبه في 16 يونيو 1991.

وأخلص الشيخ عبدالله المبارك في توليه مناصب مهمة تتعلق بالأمن العام والجيش من خلال استكمال كوادر دائرة الأمن العام بعد توليه رئاستها، وانشاء أول مدرسة للأمن العام، وتهيئة الظروف المناسبة لتسليح قوات الأمن بأحدث الأسلحة، وإبرام صفقات السلاح مع بريطانيا، ومع نهاية الخمسينات أصبح الشيخ عبدالله عبدالمبارك الشخصية البارزة في حكم الكويت ونائب الحاكم، وبفضل جهوده تقدمت أساليب الحكم والإدارة، وبلغت دوائر الحكومة أكثر من عشر دوائر، تولى هو مباشرة أهمها وهي دائرة الأمن العام التي أشرفت على الجيش والأمن الداخلي والطيران والسفر والاقامة والإذاعة، ولا يكاد يوجد مجال لم يكن فيه الشيخ دور وإسهام، فهو الذي أسس محطة الإذاعة الكويتية، وأنشأ مصلحة الجوازات، وأقام نادي الطيران وأشرف على توسيع ميناء الأحمدي، وتابع جهود التوسع في التعليم وتطويره، ودعم غرفة التجارة والصناعة، هذا فضلاً عن إسهامه المباشر في تأسيس بناء القدرات العسكرية والأمنية.

بالإضافة إلى اهتمامه بالتعليم والمعارف من خلال رئاسته للكثير من جلسات مجلس المعارف الذي كان مكلفاً برسم خطط المعارف وسيرها، وفي العام 1959 أقر مشروعاً تاريخياً وحضارياً مهماً وهو إعداد سجل تاريخي يحتوي على الوثائق الخاصة بتاريخ الكويت وأحداثه لتكون مادة وثائقية للمؤرخين.

كما أن له دور في تأسيس قطاع للطيران المدني، وإنشاء مطار دولي، وشركة طيران وطنية، وناد ومدرسة للطيران، واعتبر الشيخ عبدالله المبارك قطاع الطيران المدني أحد مظاهر الحياة الحديثة التي ينبغي أن تشارك فيه الكويت.

وفي ما يخص المجتمع المدني، فقد كان الشيخ عبدالله المبارك مشجعاً على إنشاء هيئات اجتماعية ورياضية، وإصدار المجلات، بالإضافة إلى اسهامه في وضع اللبنة الأولى لإذاعة الكويت.

وكان للشيخ عبدالله المبارك مواقفه المشرفة من العروبة والتعاون العربي، فقد كان يجاهر بالانتماء للعروبة، ومن ثم بادر في دعم الاشقاء العرب سياسياً واقتصادياً، كما استطاع أن يوطد علاقة الكويت بمحيطها العربي، وعروبته كانت جزءاً طبيعياً من البيئة التي تربى فيها والمناخ الذي شكل عقله، وأثر في تفكيره ووجدانه، كونه عاصر الأحداث الكبرى التي شهدها العرب وساهم فيها.

كما أنه ركز في زياراته إلى العراق وسورية، ومصر والسعودية وبلدان الخليج الاخرى، كما احتل لبنان مكانة خاصة في قلبه، كما قام بزيارة الاردن والجزائر ومختلف البلدان العربية، وكان له مواقفه المشرفة مع قادة وزعماء هذه الدول العربية.

وكانت مواقف الشيخ عبدالله المبارك مع الدول الكبرى تتسم بالمرونة والواقعية من ناحية، وبالشجاعة والدفاع عن الحقوق من ناحية أخرى، وبفطنته وخبرته ادرك المبارك أن العلاقات الخارجية للدول الصغرى هي ضرورة بقاء وضمان للوجود والاستقلال، لذلك حرص على تنمية علاقات الكويت الخارجية وتطويرها وتنويعها.

وكان الشيخ عبدالله المبارك «رجل دولة» بكافة المعايير... كما اعترك مع الحياة والحياة اعتركته، وان مسيرته تفصح بجلاء أنه كان رائداً من رواد التحديث والتقدم في سائر مجالات الحياة.

وعلى مستوى الممارسة والتطبيق، تمتع الشيخ بالنظرة والواقعية والقدرة على الموائمة بين ما تطلبته العلاقة القانونية مع بريطانيا من توازنات، والسعي في ذات الوقت لتوسيع دائرة حرية الحركة الخارجية للكويت.

وتفصح ممارسته عن درجة عالية من مرونة التطبيق، فقد جمع اسلوبه بين الحزم اللازم للحفاظ على النظام العام، والحيلولة دون الانفلات الاجتماعي في فترة شهدت فيها الكويت تحولات رئيسة في كل جوانب الحياة، وبين ادراكه بالعقبات التي تواجه كل جديد، وضرورة اتاحة الوقت اللازم للتغير الاجتماعي حتى يأخذ مداه ويطرح كل تأثيراته، وبين شمولية النظر والتوجه من ناحية، ومرونة التنفيذ والتطبيق من ناحية أخرى تبرز حنكة الشيخ عبدالله مبارك وحكمته في ادارة عملية التغير الاقتصادي والاجتماعي الهائلة التي شهدتها الكويت في حقبة الخمسينات، وفي الوصول ببلاده إلى بر امام الاستقلال.

وطرحت الشاعرة الدكتورة سعاد الصباح في مقدمة الكتاب سؤالها: ماذا يبقى من هذا الرجل للتاريخ، لتجيب: أن الرجل العام يعيش في سجل الوطن بقدر ما تبقى انجازاته شاهدة على ما قدم لبلاده، ويعيش في ذاكرة الشعب بقدر ارتباط ممارساته بالمبادئ والقيم الاخلاقية لهذا الشعب، ويبقى الشيخ عبدالله المبارك نموذجا لرجل الدولة الذي التزم بالمبادئ في عمله العام، ولم يؤمن قط بان «الغاية تبرر الوسيلة».

يبقى اسم عبدالله المبارك في ذاكرة الكويت رمزا للتحديث والتنمية وادارة عملية التغيير الاجتماعي في ظروف صعبة ومعقدة، وإذا كانت ادارة مثل هذه العملية من الامور الصعبة عموما، وادى في بعض البلاد إلى حدوث حالة من الفوضى وعدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي، فان حجم التحدي في الكويت كان اكبر واعمق.

ويبقى اسم عبدالله المبارك في ذاكرة الوطن عنوانا للعمل من اجل الاستقلال، وتوفير ظروفه ومتطلباته، والحفاظ على حقوق وطنه تجاه الغير، كان سلوكه الشخصي رمزا للاعتداد الوطني والثقة بالنفس، وكان سلوكه العام سعيا دائبا من اجل تحرير إرادة الكويت، واستقلال قرارها الداخلي والخارجي.

ويبقى اسم عبدالله المبارك في ذاكرة الكويت رمزا لاهمية الانفتاح على الخارج، والاستفادة من خبراته وعمله وتقدمه، فقد ادرك الشيخ اهمية العلاقات الخارجية بالنسبة للكويت، وفتح ابواب الاتصال مع العالم من خلال التعليم والاذاعة والطيران.

اخيراً، يبقى اسم عبدالله المبارك في ذاكرة الكويت نموذجا لشموخ الرجل العام، ولكبرياء السلطة وهيبتها، لانه احترم نفسه واحترم المواقع التي شغلها في حكومة بلاده، وتصرف- وهو خارج السلطة- وفقا لهذا الاعتبار، لذلك، فرض على الآخرين احترامه وتقديره، فقد كان عبدالله المبارك كبيرا في الحكم، واكبر وهو خارجه، ولم يسمح لاحد قد بان يستدرجه إلى مزالق المهاترات وصغائر الامور.

وطالما استمرت نهضة الكويت وتقدمها، فسوف يبقى اسم عبدالله المبارك أحد رموزها الشامخة وعلاماتها المضيئة.

ونتصفح اوراق الكتاب لنقرأ- في ما نقرأ- قصيدة للشاعرة الدكتورة سعاد الصباح اهدتها إلى رفيق دربها عنوانها «زوجي المعلم وأنا التلميذة»:

أنا أمرأة صنعتني يداك

فأصبح صوتي امتداد لصوتك...

وأصبح رأيي انعكاسا لرأيك

وأصبح نبضي سريعا كنبضك.

ثم... نتأمل الفصل الأول من الكتاب لنقرأ محطات في مسيرة الحياة، وشجرة العائلة، ونشاهد صورا من حياة الشيخ عبدالله المبارك الصباح مع العائلة الصغيرة، تلك الصور التي تعبر عن الابوة الصادقة المخلصة، وعن الحب الذي اعطاء بتفان لاسرته الصغيرة، مما كان لهذه الرعاية الاثر الكبير في نبوغ الابناء ووصولهم لمستويات راقية، في ساحة الوطن.

والفصل الثاني من الكتاب افردته المؤلفة لصور تشير إلى حياة الشيخ عبدالله المبارك - نائب حكم الكويت، وذلك في نهاية الخمسينات، وبفضل جهوده تقدمت أساليب الادارة، فبلغت دوائر الحكومة اكثر من عشر دوائر، كما كان الساعد الايمن للشيخ عبدالله السالم من بداية عهده في عام 1950، وحتى استقالة الشيخ عبدالله المبارك قبل الاستقلال بثلاثة اشهر، كما تولى حكم الامارة في غياب الحاكم، وعاشر الشيخ عبدالله السالم في اروقة السلطة ودوائر الحكم لمدة طويلة ناهزت ثلث قرن من الزمان.

وتولى الشيخ عبدالله المبارك الحكم بالنيابة للمرة الاولى عام 1950، ثم عام 1951، ثم تولاه في عام 1953 لمدة ثلاثة اشهر (مارس ونوفمبر وديسمبر)، وفي عام 1953 لمدة ثلاثة اشهر أيضاً (فترة الصيف)، وفي عام 1954 لمدة شهرين (ابريل ومايو)، وفي عام 1955 لمدة ثلاثة اشهر (ابريل ومايو وديسمبر)، وفي عام 1956 لمدة شهر واحد (اكتوبر)، وفي عام 1957 لمدة اربعة اشهر (ابريل ويونيو ونوفمبر وديسمبر)، وفي عام 1958 لمدة تسعة اشهر (ما عدا اغسطس وسبتمبر واكتوبر)، وفي عام 1959 في اغلب الشهور لسفر الحاكم كل شهر من شهور السنة ما عدا شهر اكتوبر، وفي عام 1960 لمدة ستة اشهر (يناير وابريل ومايو ويونيو واكتوبر ونوفمبر)، ويلاحظ أنه في السنوات الثلاث السابقة على الاستقلال، تزايدت مهام نائب الحكام.

إذاً فنائب الامير هو المنصب الذي تبوأه عبدالله المبارك في سن مبكرة نوعا ما أي في السادسة والثلاثين من عمره، وبخاصة أن الكويت دولة متميزة في محيطها الاقليمي وذات علاقة متشابكة مع دول العالم. كما افرد الفصل الثالث من الكتاب لصور من حياة الشيخ عبدالله مبارك الصباح الشخصية والاجتماعية.

في ما احتوى الفصل الرابع على صور من حياة الشيخ عبدالله مبارك في مجالات التعليم والثقافة والاعلام من خلال رئاسته مجلس المعارف لجلسات عدة، ومن ثم تنظيم العمل الثقافي والتعليم في الكويت، كما اتسمت نظرته للعملية التعليمية بالتكامل والشمول، وأولى التعليم في مجال الفنون والموسيقى اهتماما خاصا، فشجع على انشاء الجمعيات الفنية، وجمعيات الرسم والتصويت والموسيقى والتمثيل والكثير من المنجزات التي اسهمت في بناء الكويت الحديثة، بالاضافة إلى دعمه للشباب الكويتي المتعلم، وانشاء جمعيات اجتماعية ورياضية، مثل النادي الاهلي، وكان مدركا لاهمية الرياضة، في حياة الشعوب، فحرص على تشجيع انشطتها.

لقد قدّر الشيخ اهمية الدور الذي تقوم به الاندية والجمعيات في حياة المجتمعات، وعبّر عن تقديره هذا بقوله في عام 1953: «انني اعمل جاهدا وبكل قوة في سبيل رفع المستوى الفكري والرياضي، واعتقد جازما أن هذه لا يأتي إلا عن طريق الاندية والجمعيات... وكلي امل أن ارى الاندية الكويتية دائما في ازدهار وتقدم».

وتجاوب الشباب الكويتي مع الشيخ، ونظروا إليه على أنه راع وداعم لانشطة الشباب، وعندما بحثت الاندية الكويتية فكرة تنظيم حملة تبرع بالمال لدعم الشعب الفلسطيني في عام 1953، وارسلت خطابا للشيخ تطلب فيه تأييده للفكرة، وقبوله رئاسة اللجنة المشرفة على حملة جمع التبرعات.

وتضمن الفصل الخامس صورا من حياة الشيخ عبدالله المبارك في الحياة العامة والسياسة والمجتمع المدني، فمثلما ساهم الشيخ عبدالله المبارك في بناء مؤسسات السلطة والحكم، كان له دور في اقامة هيئات المجتمع المدني ودعمها.

واحتوى الفصل السادس على صوره تعبر عن حياة الشيخ عبدالله المبارك العسكرية والامنية، من خلال تقلده للمناصب العسكرية والامنية المهمة، مثل مسؤوليته عن مكافحة التهريب، وتقلده رئاسة دائرة الامن وحاكم مدينة الكويت، ووضع اللبنة الاولى لقوة دفاع الكويت، وتصوره لبناء جيش الكويت، ومنصبه كقائد عام للجيش، ودعمه في تسليح الجيش الكويتي.

الشيخ عبدالله مبارك الصباح العسكرية ودوره في مجال الطيران، وسعيه الحثيث لتطوير وتأسيس منظومة الطيران في الكويت، من خلال تأسيس دائرة حكومية للطيران المدني وانشاء مطار دولي، وشركة طيران وطنية، وناد ومدرسة للطيران، لقناعة الشيخ عبدالله المبارك أن هذا القطاع هو أحد مظاهر الحياة الحديثة وينبغي أن تستحدثه الكويت لذلك خصص له جزءاً كبيراً من وقته واهتمامه، والقى بثقله السياسي من اجل تطويره.

لذا فقد كان له الدور الرائد في تأسيس نواة الطيران المدني في الكويت، وكانت جهوده في هذا المجال متنوعة.

ورصدت صور الفصل الثامن حياة المبارك الخارجية وعلاقاته مع الرؤساء والمسؤولين في الدول الشقيقة والصديقة، وذلك لقناعته أن تقدم الكويت هو خير لكل الدول العربية، وان تقدم البلدان العربية هو خير ودعم للكويت، لدرجة أنه كتب على علم الكويت عبارة «الكويت بلاد العرب».

ورصد الفصل التاسع بالصور محطة حزينة من محطات الشيخ عبدالله المبارك عند فقده الابن البكر وهو حزن كبير في حياته، لتقول سعاد الصباح في كتابها: «ان من يقرأ صور عبدالله المبارك مع اسرته يعلم أن خير الناس هو خيرهم لاهله... وقد كان خيرا لاهله» ولقد كانت فرحته عظيمة بقدوم ابنه البكر الذي اختار له اسم والده مبارك».

وفي هذا السياق الحزين تقول الشاعرة الدكتور سعاد الصباح تصف حزنها في فقد ابنها البكر: كم تكون الام متعلقة بابنها البكر... وكم تبلغ فرحتها به... انا كنت مهتمة بمبارك جدا، اعتني بكل شيء يخصه، اكله، لبسه، لعبه، وكأني اشعر بان القدر سيقتلعه من حضني.

وفي ليلة وفاته، وبالحاسة السادسة للأم كنت استشف أن شيئا خطيرا سيحصل... واعترتني افكار غامضة مبهمة، ودهمتني احاسيس فظيعة مروعة ابكتني وشردتني ولا ادري إلى اين... والحمد لله لا يوجد اكرم من رب العالمين، والايمان هو اهم ما يمنحه الخالق لعبده...

فجيعتي بابني البكر الشيخ مبارك رحمه الله، عوضني عنها بالصبر وبما رزقنا، عبدالله المبارك وانا، من نعمته العظيمة ابناء وبنات، كان سفر مبارك جرح العمر، ومازلت احمل صوته لحظة رحيله واحمل وجهه في قلبي ما عشت.

وتحدث الفصل العاشر عن «الشيخ عبدالله مبارك الصباح»، في عيون الصحافة العربية والعالمية، وذلك من خلال ما أدركه من أهمية الصحافة في حياة الشعوب المعاصرة، لذا كان مشجعاً للعمل الصحافي، فالتف حوله مجموعة من المفكرين والإعلاميين العرب، الذين أشادوا في صحفهم بإدارته وحزمه ونشاطه، وفي الوقت نفسه بلين جانبه، وحسن معاملته مع الآخرين، وكونه رجل دولة فقد كانت للصحافة معه وقفات، ومن ثم كان الإعلاميين يحملون تقديراً خاصاً له.

وتضمن الفصل الحادي عشر صورا من حياة الشيخ عبدالله المبارك في أوائل الأحداث، من خلال مساهمته في وضع أعمدة البناء الكويتي خلال فترة حرجة ومهمة من مسيرة تأسيس الدولة في شكلها الحديث.

والفصل الثاني عشر أفرد لموكب الوداع، لتقول الشاعرة الدكتورة سعاد الصباح في وداع آخر السيوف: «بعد رحيل الرجل الكبير عبدالله المبارك عن سماء عيني وعين الكويت أشعر بأن مكانه لا يزال خالياً، وأن فراغه يزداد فراغاً».

ما يقارب الربع قرن مضى على رحيل عبدالله، المنارة، القنديل، والفارس، لم تبق سوى صورته تطل من علياء القصر الأبيض كصورة نسر خرافي.

أقول، كصورة نسر، لأن فصائل النسور بدأت تنقرض، والأجنحة الشجاعة التي كانت تترك ريشها على زرقة السماوات العربية، قد تحولت إلى حمائم زاجلة.

هل تكفي هذه السنوات الطويلة والسريعة لمحو ملامح رجل كان ملء الزمان والمكان؟ أم أن (المحو) هو هواية من أبشع هواياتنا حيث يأكل الأبناء آباءهم والتلاميذ أساتذتهم، والجنود قادتهم، والهاربون من الجندية أبطالهم؟

لم يعد عندنا «بانتيون» أو «إنفاليد» نخلد به ذكرى عظمائنا، ولم يعد هناك في مناهجنا الدراسية سيرة ذاتية واحدة تتحدث عمن وضعوا الحجر الأول في بناء الوطن وما أكثرهم... وإنما صغار لا يعرفون مبادئ الأبجدية تجرأوا على تاريخ الوطن، وقد يتجرأ آخرون على جغرافيته.

في ذكرى رحيل (أبومبارك) أتجاوز علاقتي الزوجية به لأتحدث عن الرجل، لأن حديث الأزواج عن بعضهم يتميز عادة بالانفعال، والتميز، ولذلك كسرت الدائرة العائلية، لأدخل إلى دائرة التاريخ المباركي، وأتحدث عن عبدالله المبارك لا كزوج فقط - وما أعظمه من زوج وأب وسيد عائلة - بل لأتحدث عنه كأي مواطنة كويتية رافقت عبدالله المبارك في المحطات الرئيسية لتأسيس الكويت.

أكثر من 32 عاماً كنت فيها شاهدة وباحثة ومراقبة حيادية لخطوات هذا الرجل العظيم، الذي ربط مصيره بمصير الكويت منذ كان فتى يافعاً في الثانية عشرة من العمر، حتى الإغماضة الأخيرة وقد بلغ من العمر 77 عاماً لم يعمل فيها لذاته قط، فقد كان قلبه مشغولاً بهموم أمته وقضايا وطنه وحاجات الإنسان في كل مكان.

أغمض عينيه على وطنه الجريح بعد أن عادت إليه أجنحة الحرية.

وبين عامي 1914 و1991 بين الولادة والوفاة نسج التاريخ حياة رجل ووطن وشعب، رجل حاول في فترة من أعقد مراحل تاريخ الكويت الحديث أن يخدم المثل العليا للأمة العربية، رجل عصامي صنع نفسه وساهم في صنع بلاده وترك لقومه تراثاً يفاخرون به.

وجاء الفصل الثالث عشر خاتمة للكتاب تحت عنوان: «ماذا يبقى منه للتاريخ»، كي تؤكد الشاعرة الدكتورة سعاد الصباح أن الرجل العام يبقى في سجل الوطن بقدر ما تبقى إنجازاته شاهدة على ما قدمه لبلاده، ويبقى في ذاكرة الشعب بقدر ارتباط ممارساته بالمبادئ والقيم والأخلاق، وان الشيخ عبدالله المبارك نموذجاً لرجل الدولة الذي التزم بالمبادئ في عمله السياسي».

كما افصحت ممارساته عن درجة عالية من مرونة التكتيك في إطار استمرارية الاستراتيجية والتوجه فعل سبيل المثال نلاحظ ذلك في تطويره لعلاقة الكويت مع الدول العربية وفي دعمه للجيشين المصري والسوري وفي علاقته مع جمال عبدالناصر وثورة 1952.

وحثت الشاعرة الدكتور سعادة الصباح الشباب بالاطلاع على صفحات كتابها، بفضل ما فيه من قيمة تثير الهمم وتقوي الإرادة، ودعم الحماسة والتصميم.

أدوار وطنية... خلّدت اسمه في ذاكرة التاريخ

تتحدث السيرة الذاتية للشيخ عبدالله المبارك أنه جمع بين الاصالة والحداثة، فرغم انحداره من اصول قبلية، ولكن عينيه كانتا دائما مصوبتين نحو آفاق المستقبل، كما أنه خلال ما يزيد على نصف قرن من الزمان شهد عبدالله المبارك العديد من الاحداث، وبالتالي رصد الكتاب مرحلتين تلخصان هذه الاحداث... المرحلة الاولى وهي التي تولى فيها الشيخ جابر الحكم عام 1921 وحتى ظهور البترول في عام 1946، وفيها كان الشيخ عبدالله المبارك مسؤولا عن حراسة احدى بوابات السور، وهي بوابة «دروازة»، كما تولى مسؤولية ادارة الامن العام مع توليه دور المساعد للشيخ علي الخليفة العبدالله الصباح، الذي كان حاكما (محافظا) لمدينة الكويت، ومديرا لدائرة الامن فيها، وفي العام 1942 اصبح الشيخ عبدالله رئيسا لدائرة الامن العام، وفي المرحلة الثانية بين اعوام (1946 - 1961)، والتي اتسمت بالتغير الاقتصادي والاجتماعي السريع ومع تولي الشيخ عبدالله حكم البلاد اخذ دور الشيخ عبدالله المبارك يتزايد، من خلال حجم المسؤولية ومداها، كما كان له دور رئيس في بناء المؤسسات الحديثة في مجالات الامن العام والجيش والتعليم والطيران، كما كان له دور في تشجيع المؤسسات الاهلية في الكويت.
الأكثر قراءة
يومي
اسبوعي